إسرائيل، أقرب حليف وشريك استراتيجي للولايات المتحدة، نأت بنفسها عن الاستجابة لطلبات كييف بتزويدها بقبتها الحديدية!
إسرائيل لا يمكنها الاعتماد على غيرها لتأمين أمنها، في إشارة إلى اعتماد أوكرانيا على أمريكا و”الناتو” لاستحداث التوازن مع الجارة الكبيرة والمتفوقة.
كشف هدوء عواصم المنطقة وردود أفعالها حيال أزمة أوكرانيا عن متغيرين: نجاح روسيا في نسج علاقات وشبكات مصالح مع حلفاء واشنطن؛ تراجع ثقل واشنطن بالإقليم.
الزمن الذي كانت فيه معظم الدول الحليفة تصطف تلقائياً خلف واشنطن في حروبها ومعاركها الحربية والدبلوماسية قد ولّى وباستثناء إسرائيل تنتظر ولادة نظام عالمي جديد قائم على التعددية القطبية.
تصدرت السعودية قائمة “الرابحين” من الأزمة، وتحديداً ولي عهدها وبدا أن شعار “عزل” السعودية تحت قيادة ولي العهد لم يصمد طويلاً أمام ارتفاعات أسعار النفط.
وضع مراقبون إسرائيل في خانة الخاسرين جراء أزمة أوكرانيا فواشنطن لم تظهر صلابة وردعًا كافيًا بينما حبس العالم أنفاسه، بانتظار ما سيخرج من الكرملين من قرارت.
إيران جلست متربعة على رأس لائحة الدول “الرابحة” في هذه الأزمة فقد أدركت مبكراً أن انخراط واشنطن و”الناتو” في جبهة روسيا – أوكرانيا، سيخفف الضغط عنها لا محالة.
* * *لم يكن بوسع عواصم الشرق الأوسط تجاهل الأزمة الأوكرانية، وما انفتحت عليه من احتمالات وسيناريوهات، بعد أن بلغت الأطراف “حافة الهاوية”، وكادت أوروبا أن تتحول إلى مسرح لحرب عالمية ثالثة…لكن هذه العواصم، معظمها على الأقل، آثرت الإبقاء على “مسافة أمان” تفصلها عن الأفرقاء المتورطين في لعبة “المكاسرة” وعرض العضلات، وحرصت أشد الحرص على إبقاء أوراقها قريبة من صدور قادتها، ولاذت بالصمت – رسمياً – تاركةً للإعلام وحده، مهمة الذهاب في كل الاتجاهات، بالمواقف والتحليلات.لا يعني ذلك أن ليس ثمة من رابحين وخاسرين بنتيجة هذه الأزمة، من بين دول المنطقة ومحاورها… بيد أن الظاهرة تعكس أكثر ما تعكس، حجم التراجع في المكانة الشرق أوسطية للولايات المتحدة، حتى في أوساط حلفائها التقليديين، وتُظهر في المقابل، حجم “الاختراق” الذي سجلته علاقات موسكو بدول المنطقة، خلال السنوات العشر أو العشرين الفائتة.إسرائيل، أقرب حليف وشريك استراتيجي للولايات المتحدة، نأت بنفسها عن الاستجابة لطلبات كييف بتزويدها بقبتها الحديدية، وفي تفسير هذا النأي، ذهب خبراء ومحللون إسرائيليون للقول، بأن حكومة بينت – لبيد، لا ترغب في استثارة غضب روسيا، “جارتها” على حدودها الشمالية، حتى لا يُسقط الكرملين، “التفاهمات” المبرمة معها، ويمنع على سلاح الجو الإسرائيلي، حُريته في استباحة الأجواء السورية.علاقات إسرائيل النامية مع روسيا، منعت الأولى من الاصطفاف بقوة في مواجهة الثانية… لكن إسرائيل المسكونة بهاجس الأمن والبقاء، لا تترك حدثاً إقليمياً أو دولياً، يمر من دون استخلاص الدروس والعبر الأمنية…وهذه المرة، كانت الخلاصة، أن إسرائيل لا يمكنها الاعتماد على غيرها لتأمين أمنها، في إشارة إلى اعتمادية أوكرانيا على الولايات المتحدة و”الناتو” لاستحداث التوازن مع الجارة الكبيرة والمتفوقة.وإسرائيل ترقب كذلك، أثر الأزمة الأوكرانية على مكانة واشنطن وصورتها في الإقليم من حولها، وفي هذا السياق، لا يبدو أن الخلاصات التي انتهت إليها كانت مريحة، بل ووضع مراقبون ومحللون كثر في المنطقة، تل أبيب في خانة الخاسرين جراء الأزمة الأوكرانية، لأن واشنطن لم تظهر الصلابة والقدرة الردعية الكافية، في حين حبس العالم أنفاسه، بانتظار ما سيخرج من “مدخنة الكرملين”، من دخان أبيض أم أسود.في المقابل، تصدرت السعودية قائمة “الرابحين” بنتيجة هذه الأزمة، وتحديداً “شخص” ولي عهدها… فواشنطن تحت ضغط الخشية من أزمة طاقة قد تجتاح أوروبا إن اشتملت عقوبتها على موسكو، إمدادات الغاز الروسي للقارة، استنفرت حلفاءها طلباً للعون، وبدا أن شعار “عزل” السعودية تحت قيادة ولي العهد، لم يصمد طويلاً أمام الارتفاعات الصاروخية لأسعار النفط، وهو أمر يلحق ضرراً بالغاً بالاقتصاد والمستهلك الأميركي، ويضعف إدارة بايدن، الضعيفة أصلاً، وفقاً لاستطلاعات الرأي العام الأميركي.وفضلاً عن إيرادات إضافية بعشرات مليارات الدولارات التي يحتاجها ابن سلمان، لتمويل مشاريعه العملاقة والطموحة في الداخل، والإنفاق على “حرب الاستنزاف” في الخارج (اليمن)، إلا أن الأزمة الأوكرانية، لم تضعف توجه المملكة لتنويع علاقاتها و”تحالفاتها” الدولية، فالرياض احجمت عن تحميل الكرملين مسؤولية الأزمة، ولم تنجرف كعادتها طيلة أكثر من سبعين عاماً، خلف الخطاب السياسي والإعلامي الأميركي… يبدو أن ابن سلمان جاد جداً في توجهه شرقاً، من دون التفريط بعلاقاته الراسخة مع الغرب.ما ينطبق على الموقف السعودي، انطبق على مواقف دول خليجية عدّة، إن لجهة ارتياحها لارتفاع أسعار النفط، على أمل التعويض عن عجز متكرر في ميزانياتها خلال السنوات الفائتة، أو لجهة التزام “الحياد” في الأزمة، بالنظر لحجم التقارب والمصالح المشتركة مع روسيا…وحتى الدول “المستهلكة” للنفط، آثرت الصمت و”الحياد” على الرغم من فداحة الأضرار التي نجمت عن ارتفاع فواتيرها النفطية، فالأردن على سبيل المثال، لا يستطيع أن يقامر بعلاقته مع روسيا بالنظر للملف السوري بتشعباته المختلفة، وحاجة عمّان لدور بناء تلعبه موسكو على حدودها الشمالية، والأمر كذلك بالنسبة للقاهرة، التي تقيم علاقات وثيقة مع روسيا، وبينهما ملفات وساحات عمل مشترك، ليست ليبيا، أقلها شأناً.أنقرة التي بدت أقرب إلى كييف منها إلى موسكو، بدلالة موقفها “المُندد” بضم روسيا للقرم، وبيعها أكثر من 500 طائرة مسيّرة من طراز “بيرقدار” لأوكرانيا، ظلت تحسب ألف حساب لموسكو، واقترحت لنفسها دور “الوسيط” في النزاع، بدل الطرف المصطف في مواجهة روسيا.فهي بلا شك، ستتضرر من نظام العقوبات الذي كان الغرب يلوح بفرضه على روسيا، وتحديداً خطوط الغاز الروسي إلى ألمانيا، وموسكو لديها الكثير من الأوراق في سوريا، التي يمكن تفعيلها ضد تركيا، ومن بينها، وليس أهمها، الورقة الكردية، فضلاً عن ملف العلاقات التجارية والسياحية وملفات الطاقة بين البلدين التي تُعد حيوية واستراتيجية لكليهما.وحدها إيران، جلست متربعة على رأس لائحة الدول “الرابحة” في هذه الأزمة… فهي أدركت مبكراً أن انخراط واشنطن و”الناتو” في جبهة روسيا – أوكرانيا، سيخفف الضغط عنها لا محالة، وربما يسرع في مفاوضات فيينا بما تشتهيه سفنها، لتمكين الغرب من التفرغ لمقارعة “الدب الروسي” الذي نجح في تمتين أواصر تحالفه مع “التنين الصيني”… ثم أن إيران، باتت أكثر قناعة بعد أوكرانيا، بأن أجنحة “النسر الأميركي” لم تعد بالقوة الكافية التي تمكنه من البقاء منفرداً بقيادة النظام العالمي، وأن ثمة أقطاب جديدة، باتت مستعدة للمغامرة من أجل صياغة نظام عالمي جديد، قائم على التعددية القطبية.وإذ أظهر البيت الأبيض إصراراً شديداً على تفادي الانزلاق للحرب والمواجهة، واستنكافاً عن القتال إلى جانب أوكرانيا، وتغليب الدبلوماسية المقرونة بنظام صارم للعقوبات على روسيا جال اجتيازها خط الحدود مع جارتها، فإن إيران التي خبرت كل وسائل الضغط الأميركية هذه، لما يزيد عن أربعة عقود، تكون قد أيقنت أن خيار القوة ضدها، ليس من ضمن التفكير الاستراتيجي الأميركي، وأن أسوأ السيناريوهات، لن يزيد عمّا خبرته إيران مطولاً، وتحديداً في سنوات ترامب الأربع، الأكثر صعوبة على طهران.خلاصة القول، أن “الهدوء” الذي ميز مواقف عواصم المنطقة وردود أفعالها حيال الأزمة الأوكرانية، إنما يتكشف عن متغيرين اثنين:الأول؛ نجاح روسيا في نسج علاقات وشبكات مصالح مع الإقليم، حتى مع أقرب حلفاء واشنطن…والثاني؛ تراجع ثقل واشنطن ومكانتها في المنطقة، وأن الزمن الذي كانت فيه معظم الدول الحليفة، تصطف تلقائياً خلف واشنطن في حروبها ومعاركها الحربية والدبلوماسية، قد ولّى!وأنها جميعها – باستثناء إسرائيل ربما – تنتظر بفارغ الصبر، ولادة نظام عالمي جديد، قائم على التعددية القطبية في المرحلة المقبلة.
* عريب الرنتاوي كاتب صحفي أردني
موضوعات تهمك:
اوكرانيا نتيجة فشل في إقامة نمط سلمي عالمي