أثارت ميريام فارس حالة من الجدل على مواقع التواصل الاجتماعي بعد أن بثت منصة "نتفليكس" فيلم "غدارة يا دنيا" الذي يصوّر رحلة نجاح ألبومها الجديد (الذي لم يصدر بعد) من خلال بنية كلاسيكية ومستهلكة تستخدم عادةً في التقارير التي تستعرض قصص النجاح التي تأتي بعد معاناة.
معاناة ميريام فارس كما يصورها الفيلم تكمن في حملها وسط ظروف استثنائية يمر بها لبنان الذي يشهد حراكا سياسياً ثورياً ويعاني من انهيار اقتصادي ازداد حدة بعد انفجار المرفأ الذي دمّر العاصمة بيروت وبعد تفشي جائحة كورونا العالمية وفرض إجراءات الحجر الصحي والتباعد الاجتماعي. ولا نختلف بالطبع على قسوة الظرف العام الذي يمر به لبنان، لكن هل من الممكن تقديم هذه المأساة من خلال نموذج حياة ميريام فارس؟!
"نعم إنه الثالث وليس الثاني"، تقولها ميريام فارس بنبرة صوت بكائية تسيطر على مونولوغها الطويل في الفيلم، لتعلن بذلك ولأول مرة أنها قد مرت من قبل بتجربة الإجهاض عام 2017؛ لكن المشكلة أن هذه المعلومة التي قد تكون تستوجب التعاطف تمر في الفيلم ضمن جملة من المعلومات الأخرى المشكوك في صحتها التي ترددها فارس في محاولة لزيادة حدة المعاناة في حياتها الشخصية، والتي نعلم جميعنا أن بعضها ليس صحيحاً؛ فهي تدّعي بأنها قد غابت عن الساحة الفنية منذ عام 2017 بسبب الإجهاض والحالة النفسية التي نجمت عنه، مع العلم أنها طرحت نهاية عام 2018 أغنية "قومي" التي نالت نصيبها من الانتقادات الحادة أيضاً بسبب الكليب الذي أساءت فيه لذوي البشرة السمراء، إذ قامت بربط البشرة الداكنة بالحياة القبلية، ناهيك عن حفلاتها في الأعوام الأخيرة التي أشارت إليها في الفيلم نفسه، عندما ذكرت أنها سمعت عن أول إصابة بفيروس كورونا في لبنان عندما كانت تحيي حفلاً ضخماً في البحرين، ليبدو واضحاً أنها تحاول أن تستثمر حكاية إجهاضها لتحظى بجرعة إضافية من التعاطف، ولتبرر أيضاً الوقت الطويل الذي مضى منذ أن قدمت آخر عمل ناجح لها.
وبالطريقة نفسها تستثمر ميريام فارس كل ما حدث في لبنان لخدمة فيلمها، فتركب موجة الانتفاضة حين تصور نفسها وهي تلقي خطاباً سياسياً مؤثراً في طريقها إلى تظاهرة؛ خطاب يبدو واضحاً أنه مفتعل للغاية ولم يكن وليد اللحظة، فهو مدروس بعناية، فلا يهاجم أحد من السياسين الفاسدين في لبنان، لكنه في الوقت نفسه يدعو إلى ضرورة التغيير الجدي.
وكذلك تستثمر تفجير مرفأ بيروت، حين تُدرج ضمن الفيلم لقطات مأخوذة من كاميرات المراقبة، تظهر فيها وهي تبكي في أرجاء قصرها، إلا أن تلك اللقطات لم تكن كافية لصناعة أي دراما إضافية في الفيلم، رغم أن ميريام فارس تحاول أن تستثمرها للحد الأقصى حين تبالغ في أدائها، فنراها تتأرجح وتمسك بطنها قبل أن تنهار ويغمى عليها ويندفع الخدم نحوها لمنعها من السقوط.
تعيش ميريام فارس في قصر تتوفر فيه كل وسائل الراحة والرفاهية، لكن هذه الصورة لا تتوافق مع محتوى الفيلم الذي تحاول فيه فارس جاهدة أن تظهر بمظهر الإنسانة البسيطة المبدعة التي عاشت ظرفاً قاسياً دفعها للابتكار. في سبيل ذلك، تغالي فارس بتصوير آثار جائحة كورونا لتصنع أجواء درامية مفتعلة، لتصور لنا الحياة وكأنها عادت إلى ما قبل الثورة الصناعية، لتبرر بهذه الفرضية ممارستها لكل المهن اليدوية الممكنة التي ستؤمن احتياجات منزلها وعائلتها، وينجم عن ذلك لقطات مضحكة جداً في الفيلم، كمشهد ميريام فارس الحامل وبنطلون الجينز الضيق الذي ينتهي باضطرارها إلى خياطة فساتين لتلبسها في المنزل، وهنا يفترض بالمشاهدين أن يغضوا الطرف عن امتلاك ميريام فارس لثياب النساء الحوامل بحكم أنها قد مرت بتجربة الحمل من قبل في زمن كانت فيه الأسواق مفتوحة، وأن يغضوا الطرف عن وجود مئات المتاجر الإلكترونية التي تتيح لك التسوق في منزلك، لكي يتمكنوا من التعاطف مع شخصية ميريام فارس الإنسانة.
سينما ودراماالتحديثات الحيةبريتني سبيرز: لأنّ النجاة مجرّد وهم
لا يمكن فهم كل الهراء والبكائية التي لا طائل منها في الفيلم، إلا في الجزء الأخير منه؛ الحكاية برمتها أن ميريام فارس ستطرح أغنية اسمها "غدارة يا دنيا"، ولتسويقها هي مستعدة لأن تركب كل موجات المعاناة المتاحة أمامها، بما فيها الشخصية والعائلية؛ فهي تبدو وكأنها ترفض أن تمر بتجربة الولادة الثانية من دون أن تستثمرها، مع الإشارة إلى أنها طرحت عام 2016 أغنية "غافي" التي استعرضت فيها أمومتها وصورت ابنها جايدن حين كان لا يزال رضيعاً، قبل أن تعود الآن لاستثماره مجدداً في فيلم بكائي لا يشبه حياته، ويلعب فيه دور البطولة.
تذكر فارس في نهاية الفيلم أن ابنها جايدن لا يحب التصوير، وفي اللقطات المحدودة لزوجها لا تصوّر وجهه، لكن ذلك لا يمنعها من استثمار هذه اللحظات في التسويق لأغنيتها الجديدة، ولا تتوانى عن استثمار ابنها لخلق لحظات درامية مبتذلة، كالمشهد الذي تستعرض فيه دموع جايدن وخوفه وصراخه المستمر أمام باب غرفتها التي عزلت فيها نفسها بعد أن ظنت أنها قد أصيبت بكورونا بسبب ألم في الرأس.
مسرحية هزلية سخيفة وهي تحتضر وتبكي وتتساءل كيف وصل الفيروس إلى منزلها، وتلقي بالتهم على الخدم الذين قصروا في واجباتهم بالتعقيم، وتنتهي هذه المسرحية بوصول الطاقم الطبي الذي يؤكد عدم إصابتها بالفيروس، وهي نهاية تلخص كل المنطق الذي بني عليه الفيلم: نجاحات وهمية بعد معاناة زائفة.