* رحيل مبارك مثّل نقطة تحول تاريخية وفتح الباب أمام تحولات مجتمعية هائلة في بلادنا
* ثورة يناير انتصرت فقد أوجدت حلما لا يبيد وفرضت نفسها على كل مسالك التغيير ولو بعد قرن من الزمان
* الحركة الوطنية المصرية كانت وما زالت غير مُجهزة وغير مُدربة للتعامل مع التحولات الكبرى
* التيار الإسلامي تقع عليه المسؤولية الكبرى لأنه لم يكن الأكثر جاهزية لبناء رؤية توافقية تعبر المرحلة الانتقالية بأمان
* أؤيد تأجيل حلم "يناير" لأن الأحلام تحتاج إلى شروط للتطبيق وواقع مُجهز للارتفاع إلى مستواها وهذا لا يعني هزيمة الثورة
* الحذر من الفوضى أمر مشروع ويجب أن يكون على أجندة أي مشروع ثوري أو إصلاحي
* أتفق مع التصور الذي طرحه الناشط علاء عبد الفتاح بعدم الرحيل الفوري للسيسي وضبط أداء سلطته حتى عام 2022
* يدي ممدودة لكل من يستطيع تأمين سيناريو علاء عبد الفتاح ولكل من يضمن هذا المسار
* أطالب القيادات المخلصة للثورة بأن تنتدب فريقا من الأكاديميين والخبراء لتقييم أداء كل المتصدرين للمشهد
* أدعو فريق الأكاديميين والخبراء والمتخصصين إلى وضع "روشتة الإنقاذ" بما يؤمن مسار استكمال الثورة
* نفس الفريق مُطالب بأن يضع تصورا لـ"الجمعية العمومية لاستكمال الثورة" ويتم اختيار "مجلس لقيادة الثورة"
* اعتزال الرموز السياسية سيترك فراغا لن تملأه سوى الثورة المضادة
قال الرئيس السابق لحزب البناء والتنمية المصري، طارقالزمر، إن رحيل الرئيس المخلوع حسني مبارك عن السلطة في مصر يوم 11 شباط/ فبراير2011 ما زال يمثل "نقطة تحول تاريخية، حيث فيه تمت هزيمة الاستبداد، وانكسرت الديكتاتوريةفي بلادنا، وهو ما فتح الباب أمام تحولات مجتمعية هائلة لاتزال تترسخ حتى يتم التخلصمن الاستبداد والديكتاتورية إلى غير رجعة". وأقرّ الزمر، في الحلقة الأولى من المقابلة الخاصة مع"عربي21"، بأن "الحركة الوطنية المصرية لم تكن مُجهزة للتعامل معتحولات مثل تلك التي فرضها يوم 11 شباط/ فبراير، بل إنها لا تزال غير مُجهزة أو مُدربةللتعاطي مع التحولات الكبرى التي تتداعى تلقائيا بسقوط الديكتاتورية في مصر، ولهذافقد تم اختطاف نضالهم وتضحياتهم بسهولة".ورغم أنه يرى أن ثورة يناير قد انتصرت، إلا أنه اتفق معما طرحه الناشط السياسي البارز، علاء عبد الفتاح، الذي قال إنه "علينا أننضحي بأحلامنا حتى يتمكن أبناؤنا من الحلم"، مضيفا أنه "إن كان يقصد تأجيلحلم يناير فأنا أتفق معه، لأن الأحلام بطبيعتها تحتاج إلى واقع مُجهز للارتفاعلمستواها، وتحتاج إلى شروط للتأويل والتطبيق، لكن هذا لا يعني هزيمة يناير". واتفق الزمر مع التصور الذي يطرحه علاء عبد الفتاح المرتبطبعدم الرحيل الفوري للسيسي عن الحكم، مع ضبط أداء سلطته حتى عام 2022، قائلا: "يديممدودة لكل من يستطيع تأمين هذا السيناريو أو يضمن هذا المسار، لأنه في النهايةووفق صيرورة ثورة وأهداف يناير سيؤدي بالضرورة إليها".وأضاف الزمر، وهو رئيس مركز حريات للدراسات السياسيةوالاستراتيجية، أن "الحذر من الفوضى أمر مشروع، ويجب أن يكون على أجندة أيمشروع ثوري أو إصلاحي، ولا سيما إذا كنا نتعامل مع نُظم غير وطنية تحكم بالحديدوالنار، ولا تتيح لأحد أن يحكم بعدها".
اقرأ أيضا: علاء عبد الفتاح: لهذه الأسباب لا أطالب برحيل فوري للسيسيوأثناء نظر تجديد حبسه أمام نيابة أمن الدولة الشهر الماضي،كشف علاء عبد الفتاح أنه لا يطالب برحيل فوري للرئيس عبد الفتاح السيسي، لأن"خلق صراعات في هذه اللحظة الهشة أمر شديد الخطورة"، معلنا -لأول مرة-أنه يؤيد مسألة التدرج في الانتقال الديمقراطي للسلطة، لأن "حجم الأزمات والاستقطابوعدم الثقة المتبادل يستدعي ذلك"، وداعيا أولياء الدم من كل الأطراف إلى "تأجيلالقصاص مقابل ضمانة ألا تتكرر المذابح والتفجيرات".وقال علاء: "يمكن استغلال الفترة المتبقية من الفترةالثانية للسيسي وفقا لدستور 2014 في إطلاق حرية المجتمع المدني والتنظيم النقابي ثمإجراء انتخابات المحليات وفقا لآلية بسيطة كانتخابات مباشرة بقوائم نسبية في الوحدةالمحلية، ويتم التدرج في اللامركزية عن طريق انتخابات تصعيدية للمراكز والمحافظات بدلامن القفز مباشرة إلى تجارب كانتخاب المحافظين ورؤساء المدن. وفي هذه المستويات القاعديةفرصة لبناء أحزاب قوية وفرصة لمؤسسات الدولة أن تعتاد على التعاطي مع السياسة والسياسيينوالمجتمع بأساليب غير فوقية، دون استعلاء ودون محاكمات واعتقالات".وطالب الزمر من وصفها بالقيادات المخلصة لثورة يناير بأن"تنتدب فريقا من الأكاديميين والخبراء والمختصين القادرين على الإمساك بكلملفات وأوراق ثورة يناير لتقييم أداء كل المتصدرين لاستكمالها، وذلك منذ الانقلابعليها وحتى اليوم. وأن يقوم ذات الفريق بوضع روشتة الإنقاذ بما يؤمن مسار استكمالالثورة حتى بناء الدولة الديمقراطية الحديثة دولة القانون والمؤسسات"، مؤكدا أن"اعتزال الرموز السياسية سيترك فراغا لن تملأه سوى الثورة المضادة".وتاليا نص الحلقة الأولى من المقابلة الخاصة:
في مثل هذا اليوم رحل الرئيس المخلوع حسني مبارك عن السلطة في مصر.. كيف تنظرون لرحيله اليوم بعد مرور 9 سنوات؟
ما زال رحيله نقطة تحول تاريخية، كما أنه ما زال هذا اليوميتطلع لما بعده، وما يجب أن يبنى عليه، حيث فيه تمت هزيمة الاستبداد، وانكسرتالديكتاتورية في بلادنا، وهو ما فتح الباب أمام تحولات مجتمعية هائلة لا تزال تترسخحتى يتم التخلص من الاستبداد والديكتاتورية إلى غير رجعة. كما أن رحيله، وإن كان قد أدى لتمكين الدولة العميقة منمفاصل الدولة، وأصبحت طافية فوق السطح، وأصبح المجلس العسكري يحكم بشكل صريحومباشر، إلا أننا نستطيع القول إن هذه هي علامات فقدان السيطرة على الأركانالأساسية للحكم العسكري، والتي مكنته من السيطرة على مدى 70 عاما، حيث إننا نشاهد سيارةقد فُككت كل صواميلها وهي تتحرك بالفعل، ولكنها تتحرك على غير هدى، بل تستطيع وفقالنظرة الاستراتيجية أن تراها تتخبط، ولهذا فغالب خياراتها الاستراتيجية في مجالالسياسة أو الاقتصاد أو الأمن هي خيارات انتحارية.ولماذا بعد تنحي مبارك وانتهاء الـ 18 يوما الأولى لثورة يناير بدأت الانقسامات والصراعات والتخبط والارتباك يسود صفوف الثوار والمشهد المصري ككل؟
للأسف لأن الحركة الوطنية المصرية غير مجهزة للتعامل معتحولات مثل تلك التي فرضها يوم 11 شباط/ فبراير، بل إنها لا تزال غير مُجهزة أو مُدربةللتعاطي مع التحولات الكبرى التي تتداعى تلقائيا بسقوط الديكتاتورية في مصر، ولهذافقد تم اختطاف نضالهم وتضحياتهم بسهولة، لكنها على كل حال عملية قرصنة تشبهالقرصنة البحرية، حيث يمكن استردادها بسهولة، فما زال الطرفان في البحر، ولم يستقرأحد على الشاطئ.ونحن نعيش أيام الذكرى التاسعة لثورة يناير.. كيف ترى واقع الثورة اليوم؟ وهل كان هناك شيء جديد أو مختلف في تلك الذكرى؟
هناك ملاحظتان لافتتان على ذكرى مرور تسع سنوات على يوم 25يناير: الأولى حالة التعلق الشديد بالثورة، والارتباط العميق بمفاهيمها وأهدافها،والتي يمكن قراءتها بوضوح على مواقع التواصل الاجتماعي أداة التعبير الصادقةوالباقية بعد انسداد كل منافذ التعبير، والتي تُعبر اليوم بشكل صريح ومباشر عن رفضما آلت إليه الحالة السياسية والتطلع نحو التغيير بكل أبعاده.وقد ساهم في ذلك أن العام الماضي قد أكدت فيه الشعوبالعربية في موجتها الثانية أنها لا تزال تتطلع للتغيير الذي وضعت بذوره الثورةالتونسية والمصرية؛ فإذا كانت الثورة التونسية قد سبقت فإن الثورة المصرية هي التيعولمتها وجعلتها تعبر عن حالة رفض عربية عامة وتطلع جارف للتغيير، وهي بطبيعةالحال ينبغي ألا تقف عند حدود مصر وتونس، ولهذا توسعت ثم رأينا منذ مطلع العامالماضي الموجة الثانية من الربيع العربي، وما زلنا نرقب الموجة الثالثة والرابعة؛فقد تفتحت عيون شعوبنا على مدى حاجتنا للتغيير بعد أن اكتشفت أن مجتمعاتنا هي الأسوأ في العالم في كل المجالاتوخاصة في مجال الكرامة الإنسانية. والملاحظة الثانية، وهي حالة الإحباط ونبرة اليأس التيبدت بوضوح لدى البعض، والتي ترجع في هذا العام تحديدا لإعطاء ظاهرة الفنانوالمقاول محمد علي أكبر من قدرها، والتعويل عليها بذاتها لتكون أساسا للتغيير،والحقيقة برغم أنها ألقت حجرا في الماء الراكد وأكدت مدى هشاشة السلطة التي تبدوباطشة، وأيقظت تطلعات شبابنا للتغيير، إلا أنها أيضا كشفت أن المعارضة المصرية لا تزالغير جاهزة حتى الآن للتعاطي مع حالة تغيير كبرى قد تفاجئ الساسة، كما فاجأتهم في2011. الناشط السياسي البارز، علاء عبد الفتاح، قال إن "ثورة يناير هُزمت، وعلينا أن نضحي بأحلامنا حتى يتمكن أبناؤنا من الحلم، وسأدعو أولياء الدم من كل الأطراف أن يؤجلوا القصاص مقابل ضمانة ألا تتكرر المذابح والتفجيرات".. كيف تنظرون لتلك التصريحات؟
أولا لا بد أن أطالب بإسقاط التهم الملفقة والموجهة لعلاءوالإفراج عنه فورا، كما أثمن دوره وأسرته في المساهمة الجادة في الدفاع عن ثورةيناير وأهدافها وقيمها طوال السنين، ولا أنسى أبدا والده الذي ساهم بشكل كبير فيترسيخ قيم الاصطفاف الوطني وعبور الأيديولوجيات، والتي جعلته يعبر أسوار السجونمدافعا عن الشباب الإسلامي المعتقل في عصر مبارك. ثانيا، كامل تقديري للظروف القاسية التي يتعرض لها علاءبسبب صلته بثورة يناير التي قررت الثورة المضادة التنكيل بكل من وما يمت لها بصلة،ولهذا من الضروري أن أؤكد أن الثورة التي لا تزال تؤرق خصومها بهذا الشكل لا يمكن تصورأنها قد هُزمت أو ماتت، لأن المهزوم أو الميت لا يخشى أحد من عودته ولا يتهيبه بكلهذه الإجراءات، بل والقوانين السارية والجاري سنها حتى الآن. أما إن كان يقصد تأجيل حلم يناير فأنا أتفق معه لأن الأحلامبطبيعتها تحتاج واقعا مُجهزا للارتفاع لمستواها، وتحتاج شروطا للتأويل والتطبيق، لكنهذا لا يعني هزيمة يناير، لأن إيجاد وصناعة "الحلم" غير القابل للتحريفأو التبديد هو أهم نقطة ارتكاز في قيام الثورات التي بطبيعة الحال لا تحقق أهدافهابين يوم وليلة. ولهذا، أرى أن ثورة يناير قد انتصرت، فقد أوجدت حلما لا يبيد،وأن أهم ما انتصرت فيه وله هو إعادة مجتمعنا إلى مربع الإنسانية والتطلع للحياة الكريمةكما يحيا البشر، وهو ما يخلق ديناميكية يصعب حصارها. كما أزعم أن ثورة يناير قدفرضت نفسها على كل مسالك التغيير في مصر، ولا يمكن تصور تغيير في مصر- ولو بعدقرن من الزمان- بعيدا عن أهدافها وقيمها التي رواها الشباب بدمائه وغذاها الشعببإيمانه بها.علاء عبد الفتاح أكد أيضا أنه لا يطالب برحيل فوري لرئيس الانقلاب عبد الفتاح السيسي، لأن "خلق صراعات في هذه اللحظة الهشة أمر شديد الخطورة"، داعيا لاستغلال الفترة المتبقية من الفترة الثانية للسيسي وفقا لدستور 2014 في إطلاق حرية المجتمع المدني والتنظيم النقابي ثم إجراء انتخابات المحليات.. فما هو موقفكم من مطلب الرحيل الفوري للسيسي؟
الحذر من الفوضى أمر مشروع، ويجب أن يكون على أجندة أيمشروع ثوري أو إصلاحي، ولا سيما إذا كنا نتعامل مع نُظم غير وطنية تحكم بالحديدوالنار، وتعمل على تلغيم المجتمع بشتى الألغام السياسية والمجتمعية والاستراتيجيةبحيث لا تتيح لأحد أن يحكم بعدها، وإذا حكم فإنه يحكم مجتمعا ممزقا ودولة مفتتة أومشتتة وأوضاعا استراتيجية مهلهلة تخدم الخصوم أكثر مما تخدم الأوطان.أما عن التصور الذي يطرحه علاء والمرتبط بعدم الرحيلالفوري للسيسي وضبط أداء سلطته حتى عام 2022 فيدي ممدودة لكل من يستطيع تأمين هذاالسيناريو أو يضمن هذا المسار، لأنه في النهاية ووفق صيرورة ثورة وأهداف ينايرالتي ذكرتها سيؤدي بالضرورة إليها.هناك بعض المؤمنين بثورة يناير، بل وبعض الشباب الذين كانوا فاعلين فيها سابقا، هم اليوم يكفرون بتلك الثورة ويندمون عليها.. ما السبب في تلك الحالة التي تجعل هناك حنينا ورغبة للعودة إلى نظام مبارك "المستبد"؟
رأيي أن ثورة يناير ستظل فكرة قائمة وحلما يدغدغ وجدانالأجيال، وحتى لو تخلينا نحن عنه فسيجد من يحمله ويتحمل المسؤولية بجدية ويجعلهحقيقة اجتماعية وسياسية. علما بأن بعض المحبطين الذين تحدثت عنهم لم يكفروا بحلميناير، وإنما هزمتهم ظروف الواقع الأليم الذي نحياه بعدها، كما أن الشباب بطبعهيستعجل الثمرة وإلا بحث عن غيرها، هذا بالإضافة إلى أنني على يقين من أن شباب مصريتعرض طوال الوقت لمظالم فادحة وخاصة الشباب الذي فجر ثورة يناير.وأحب أن أؤكد لمن يفكر في العودة لنظام مبارك أن النظامالحالي هو نظام مبارك المعدل إثر ثورة يناير التي كشفته حتى القاع والنخاع، كماكشفت عن حالة تطلع جارف للتغيير، وربما لو قُدر لمبارك أن يستكمل حكمه لرأيناهأبشع من السيسي ولانتهج سياسات أخطر من تلك السياسات الحالية علما بأن ما ساعدمبارك على الحكم هذه الحقبة الطويلة ليس هو نجاح سياساته، وإنما قدرته المتجددةعلى التآمر على المجتمع، وما أتيح له من إمكانيات وظروف ساهمت في تفكيك حالاتالغضب الكبرى التي نبتت في عصر السادات وتعمقت في عصره، لكنه في النهاية فشل فيتأجيلها لما بعد 2011، وقد قرر يومها فعلا القمع الواسع الذي ظهرت مؤشراته الدمويةوالعنيفة في أيام الثورة الأولى، لكن هناك جهات أخرى أكبر منه وأخطر تكتيكيا قررتالالتفاف على الثورة كما رأينا فيما بعد.برأيك: ما هي أبرز الأخطاء التي وقعت فيها ثورة يناير وتسبّبت في حالة "الندم والكفر بالثورة" لدى البعض؟ ومن المسؤول عن ذلك؟
لست مع تحميل طرف معين المسؤولية، ومع ذلك رأيي أنالتيار الإسلامي تقع عليه المسؤولية الكبرى، لأنه برغم كونه الأكثر اتساعا وتجذرا،إلا أنه لم يكن الأكثر جاهزية لبناء رؤية توافقية تعبر المرحلة الانتقالية بأمان.كما أن هناك عقبات وأخطاء حالت دون اكتمال نجاح ثورةيناير، وكانت من عوامل عودة الدولة العميقة وحكم الاستبداد، منها طبيعة المؤسسةالعسكرية في مصر وعقيدتها التي تستند أساسا على أنها صاحبة الدولة، ومنها طبيعةعلاقاتها العميقة مع الكيان الصهيوني وخاصة بعد اتفاقية كامب ديفيد، والتي أمنتلها تأييدا دوليا دائما ضد حريات الشعب وتمكين إرادته. ومن بين تلك العقبات والأخطاء التي حالت دون اكتمال نجاحالثورة، عدم امتلاك القوى السياسية الداعية للثورة أو قواها الرئيسة لمشروع سياسيفضلا عن الجرأة أو القدرة على اختراق الحواجز الأيديولوجية والسياسية التي حولتهالجزر منعزلة، ومن ثم عدم النجاح في التوافق على الحد الأدنى المشترك اللازملاستكمال الثورة، ومنها عدم استثمارالقوى السياسية والرئيسية لثورة الجماهير، والتي كان ينقصها الإدارة الاستراتيجيةوالتوجيه السياسي، فضلا عن الأخطاء الجسيمة التي استثمرتها الدولة العميقة بعد أندفعت إليها. كما أن الحراك الشعبي المليوني واسع النطاق الذي شهدتهكل مدن وقرى مصر خلال أسابيع الثورة الأولى لم يُستثمر في إحداث عملية تغيير جذريةلبنية النظام عن طريق قرارات ثورية محمية بالإرادة الشعبية الحاضرة في الميادين،وتم بدلا من ذلك ترك الميادين والقبول بولاية المجلس العسكري الذي ولاه مبارك، والقبولبإدارته للمرحلة الانتقالية.وكذلك لم يتم استثمار الأخطاء الفادحة التي ارتكبهاالمجلس العسكري في فترة إدارته، والتي كان يمكنها أن تهيئ الأوضاع لاحتجاجات شعبيةجديدة كفيلة بتغيير الخريطة السياسية التي كان يحرص على استمرارها (أحداث محمدمحمود- وثيقة علي السلمي). وأيضا لم يتم استثمار الشرعية القانونية والسياسية التيأولاها الشعب للثورة في انتخابه لأول برلمان، والذي اعتبره المراقبون برلمانالثورة، بينما انشغل البرلمان بقضايا هامشية، وقد كان يمكنه محاصرة قوى الثورةالمضادة تشريعيا وسياسيا وتفكيك الدولة العميقة وإعادة تركيبها وفق مقتضيات الثورةوالقيام بدور القيادة السياسية للجماهير استنادا لأهم شرعية حصلت عليها الثورة،والتي كان من مظاهرها انتخابه في انتخابات شهدت أكبر نسبة ناخبين في تاريخ مصركله.ولم يتم استثمار الهزيمة الواضحة لكل قوى الدولةالعميقة من خلال الانتخابات الرئاسية، والتي اضطرتها للقبول برئيس مدني لأول مرةفي تاريخ الحكم العسكري. وكذلك فشلت الثورة في التخطيط لاستثمار منصب الرئاسة ومايمثله من شرعية أخرى للثورة وقواها الحية في مهاجمة أوكار الدولة العميقة وفقمجموعة من القرارات والتشريعات المستندة للحشود المليونية التي كان لا يزال ممكنااستدعاؤها لحماية الثورة والدفاع عن قراراتها.كما أن عدم التحرك السريع في مواجهة الدولة العميقة حينبدت مخططاتها منذ دعوة وزير الدفاع لاجتماع القوى السياسية في كانون الأول/ ديسمبر2012 أعطاها الفرصة لبناء شرعيتها، بينما نجحت الدولة العميقة في خداع الرئيس كمانجحت في استمالة جانب مهم من القوى الشبابية والسياسية وتعبئة قطاعات شعبية مهمةضد الرئيس المنتخب على أساس أنه قد فشل في توفير الاحتياجات الأساسية للمواطنين،وتم استخدام ذلك في حصار شرعيته القانونية حتى تم تقويضها. وأيضا لم يتم استثمار الغضب الشعبي الزاعق الذي امتلأتبه المحافظات ضد الدولة الفاشية التي أمعنت في قتل وذبح مواطنيها بما لم يحدث فيمصر من قبل وخاصة في رابعة وأخواتها.ومن تلك العقبات أيضا، تدهور مستوى التعليم، وانتشارالأمية، وهو ما سهّل عملية تضليل قطاعات واسعة من الشعب، ومنها تنفذ النظام داخلالساحة السياسية على مدى عقود طويلة وتجنيده للعديد من عناصرها، وهو ما يسهل دائماإعادة فك وتركيب هذه الساحة وفق مقتضيات الحالة الاستبدادية، ومنها عدم إتاحة أيمساحات للحوار المباشر أو المفتوح بين الفرقاء السياسيين لدرجة عدم توافر أي قدرةعلى التواصل بينها، وهو ما حال بينها وبين الاحتكاك المباشر ومن ثمّ عدم التعارفبينها، ومن ثمّ عدم اكتشاف القواسم المشتركة في ظل حالة التوجس والشكوك المتبادلة التيتحكمت في الجميع.البعض طالب نخب ورموز المعارضة المصرية في الخارج بضرورة اعتزال المشهد السياسي على غرار ما فعله الفنان والمقاول محمد علي عقب فشل دعوته للحراك الثوري في 25 يناير.. لماذا لا تعتزلون المشهد كما يطالبكم البعض؟
لا بد أولا أن أقرر أن قيم ثورة يناير توجب علينا احترامكل ما يصدر عن أي طرف منها مهما كان موقعه، ومهما كان ما يذهب إليه، وخاصة إذا كانذلك من جنس دعوتنا التي تقوم على التغيير والإصلاح في إطار مخطط استكمال ثورتناوتحقيق أهدافها. ولهذا، فإني أنتهز هذه الفرصة لأطالب القيادات المخلصةلثورة يناير، والتي لا تزال تدافع عنها وتدعو لاستكمالها، بأن تنتدب فريقا منالأكاديميين والخبراء والمختصين القادرين على الإمساك بكل ملفات وأوراق ثورة ينايرلتقييم أداء المتصدرين لاستكمالها سواء كانوا رموزا أو كيانات منظمة، وذلك منذالانقلاب عليها وحتى اليوم. وأن يقوم ذات الفريق بوضع روشتة الإنقاذ بما يؤمن مساراستكمال الثورة وتحقيق أهدافها حتى بناء الدولة الديمقراطية الحديثة دولة القانونوالمؤسسات.وأن يضع ذات الفريق تصورا لما يمكن أن نسميه الجمعيةالعمومية لاستكمال الثورة وتحقيق أهدافها كما يضع نظام عمل هذه الجمعية، على أنتقوم باختيار مجلس قيادة يمثلها ويكون مسؤولا أمامها. وفي تصوري أن مجلس القيادةالجديد سيكون في غالبه من الوجوه الجديدة، وفي نظري أن هذا هو الطريق الأفضل، حيث إن مجرد الاعتزال سيترك فراغا لن تملأه سوى الثورة المضادة.