اتهم الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني، عمار سعداني، بالإسم، مدير جهاز الاستعلامات والأمن الفريق محمد مدين المعروف بالجنرال توفيق، بالإخفاق في تسيير الملفات الأمنية بينها حماية الرئيس المغتال محمد بوضياف، ورهبان تبحيرين، والمنشآت النفطية بالصحراء، وحمّله مسؤولية تشويه سمعة محيط الرئيس بوتفليقة، والوقوف وراء الانشطارات والانقسامات التي عرفتها الأحزاب السياسية، داعيا إيّاه إلى التنحي والاستقالة.
طال عمار سعداني، في خرجة غير متوقعة مدير جهاز المخابرات، الفريق محمد مدين، بتهم ثقيلة لم يوجهها له أي سياسي منذ توليه تسيير مديرية الاستعلام والأمن “دي آر آس” بداية 1990 بدل الجنرال محمد بتشين، واتهمه سعداني في حوار مع موقع “كل شيء عن الجزائر” نـُشر أمس، بالوقوف وراء “محاولات زعزعة الاستقرار” التي تستهدف حزب جبهة التحرير الوطنيومسؤولها الأول.
وقال عمار سعداني بخصوص إقدام المنسق العام للمكتب السياسي للأفلان، عبد الرحمان بلعياط على جمع التوقيعات لعقد دورة طارئة للجنة المركزية للحزب للإطاحة بسعداني وانتخاب أمين عام جديد، أن بلعياط يعمل تحت أوامر الفريق توفيق، متهما الأخير بالإسم بمحاولة زعزعة استقرار الحزب وأمينه العام، عن طريق مديرية الأمن الداخلي التابعة له، مضيفا أن ضباطا سامين برتبة عقداء بهذه المديرية التي يشرف عليها الفريق توفيق تقربوا من أعضاء اللجنة المركزية وطلبوا منهم التوقيع بغرض إقالة سعداني.
وأوضح سعداني يقول أن مديرية الأمن الداخلي التابعة لجهاز المخابرات “التي نسجت علاقات قريبة جدا من الطبقة السياسية والصحافة والقضاء”، تدخلت في عمل جهاز العدالة ووسائل الإعلام والأحزاب السياسية، وأضاف أنه لما تحدث عن ضرورة وضع حد لتدخل المخابرات في المجال السياسي، كان يقصد مديرية الأمن الداخلي، والتي قال بشأنها أنها تجاوزت صلاحياتها، وأصبحت تتصرف خارج الأطر التي حددها الدستور.
واعتبر سعدانيما يروج عن تدخل شقيق الرئيس، السعيد بوتفليقة، في تسيير القضايا المصيرية للبلاد، ليست سوى إشاعات وأكاذيب، الهدف منها المساس بسمعة محيط رئيس الجمهورية، مشيرا إلى أن كل الإطارات والأسماء التي تعرضت لهذه الحملات تعد مقربة من الرئيس بوتفليقة، متهما المخابرات بالوقوف وراء هذه الإشاعات، وأبرز أنها لما كشفت عن فضيحة سوناطراك أرادت استهداف “وزير الطاقة السابق شكيب خليل الذي يعد من أكفأ وأنزه الإطارات الجزائرية، وفي عهده تضاعف إنتاج سوناطراك ودفعت الجزائر ديونها”، وانقلب سعداني على نفسه فيما يتعلق بعلاقته بالوزير الأول عبد المالك سلال ووصفها بالطيبة ونعته برجل المصالحة.
واتهم محكمة الجزائر العاصمة بالتصرف خارج إطار القانون بخصوص تحريكها الدعوى ضد شكيب خليل، وقال “لقد تم دفعها للقيام بذلك”، مذكرا أنه في الجزائر كلما كنا نريد إبعاد رئيس نخترع فضيحة، ففي 1997 كان الهدف زروال، من خلال فضيحة بتشين، وفي عام 2004 كانت فضيحة الخليفة والهدف بوتفليقة، وفي 2014، الهدف هو نفسه ولكن الفضيحة مختلفة، إنها سوناطراك وتسليم عبد المومن خليفة”، وقال “هذه القضية تستهدف منع بوتفليقة من الترشح لعهدة أخرى”، متسائلا عن دور ضباط المخابرات الذين كانوا موجودين في المؤسسات التي ضخت الأموال في البنك خليفة.
ويرى المتحدث أن وجود أعوان مديرية الأمن الداخلي على مستوى جميع الهيئات من البلديات وإلى غاية رئاسة الجمهورية، يوحي بأن النظام في الجزائر ليس مدنيا، مبرزا أن الحركات التصحيحية التي تعرفها الأحزاب السياسية، كانت من نسج جهاز المخابرات، وقال “إن العديد من الأحزاب السياسية راحت ضحية تدخلات جهاز المخابرات على غرار الأفلان، أحزاب الشيخ عبد الله جاب الله، وجبهة القوى الاشتراكية”.
ووجه سعداني دعوة صريحة لجهاز المخابرات لأن يقوم بمهامه المحددة دستوريا وهي القضايا الأمنية، وقال “إن مكان الجيش في الثكنات”، وتساءل يقول “ماذا يفعل عقيد في المخابرات داخل مقر مجلس الأمة؟ وبأي حق يشارك في اجتماعات اللجنة المركزية؟ قبل أن يكشف أن هواتف المسؤولين يتم وضعها تحت التصنت من طرف هذا الأخير بالرغم أن القاضي هو الوحيد المخول بأن يأمر بذلك، وأضاف أن عقداء يفرضون أنفسهم ويراقبون الولاة ورؤساء الدوائر والمسؤولين المحليين.
وذهب الأمين العام للأفلان، إلى أبعد من ذلك، خلال حديثه عن مهام مديرية الأمن الداخلي، واتهم هذه الأخيرة بالفشل في تسيير العديد من الملفات الأمنية، وأوضح أنها عوض أن تتولى مهمة الوقاية، حرصت فقط على مراقبة الأحزاب السياسية والصحافة والقضاء، وقال أنها لم تتمكن من حماية الرئيس المغتال محمد بوضياف، والأمين العام للاتحاد العام للعمال الجزائريين الراحل عبد الحق بن حمودة، كما عجزت عن حماية رهبان تيبحيرين السبعة الذين اغتيلوا بولاية المدية، وكذا قصر الحكومة، ومقر هيئة الأمم المتحدة بالجزائر العاصمة، واللذان استهدفا قبل سنوات بعمليات انتحارية، إلى جانب عدم حمايتها للمنشآت النفطية في الجنوب، في إشارة منه إلى الهجوم الإرهابي الذي استهدف بداية العام الماضي تيڤنتورين، كما أضاف سعداني أن “دي آر آس” لم تستطع حماية الرئيس بوتفليقة الذي تعرض لمحاولة اغتيال بباتنة، وقال إنه بعد كل هذا “كان من المفروض أن يستقيل الجنرال توفيق من منصبه”.
وحمل سعداني جهاز المخابرات مسؤولية تعرضه لأي مكروه، وقال “إن تعرضت لأي مكروه، فالمسؤول هو الجنرال توفيق”.
ردود فعل سياسيين من تصريحات سعداني
تقاطعت تفسيرات وقراءات عدد من السياسيين والمتتبعين، لخرجة أمين عام الأفلان، عمار سعداني، في اتهاماته لرئيس جهاز المخابرات، الفريق محمد مدين، فيما تم تسجيل تحفظ لآخرين، خاصة لدى أعضاء المكتب السياسي لجبهة التحرير الوطني، المحسوبين على سعداني.
بلعياط: لا أتلقى التعليمات من توفيق وأنت الذي يتحرك بمهماز
فند المنسق السابق للمكتب السياسي للأفلان، عبد الرحمن بلعياط، الاتهامات التي وجهها له الأمين العام للحزب عمّار سعداني، بخصوص وقوف جهاز المخابرات والجنرال توفيق وراء تحركاته ضد سعداني.
وقال بلعياط في تصريح لـ”الشروق”: “أنا أمارس صلاحياتي القانونية، ولا أتلقى الأوامر لا من توفيق ولا من غيره”، وأكد أنه لا يحتاج ولا يسمح في الوقت ذاته لأي كان التدخل في اتخاذ القرارات وتسيير شؤون الحزب العتيد.
وخاطب بلعياط سعداني قائلا: “إنك تعرفني جيدا يا عمّار، فأنا لست من النوع الذي يُؤتمر”، وأضاف أنه يعمل رفقة أعضاء في اللجنة المركزية من اجل إنقاذ الحزب من الوضع الذي أوصله إليه سعداني.
واتهم بلعياط سعداني بالتحرك بإيعاز من جهات تحاشى ذكرها بالإسم أو حتى الإشارة إليها، وأكد أن سعداني لا يمثل الحزب، واتهمه بانتحال صفة الأمين العام للحزب الحاكم، متوعدا إياه بالإطاحة به من على رأس الأفلان في أقرب وقت.
ورد بلعياط على غريمه في الحزب أن زعزعة استقرار الأفلان بدأت في الـ29 أوت تاريخ تعيين عمار سعداني أمينا عاما للحزب، ثم تواصلت يوم 16 نوفمبر الماضي، تاريخ تنصيب المكتب السياسي، وانتهت بإقصاء المحافظين.
اللواء المتقاعد عبد العزيز مجاهد:
سعداني جاهل سياسيا وخرجته هدفها التغطية على عار اقترفه
قدم اللواء المتقاعد عبد العزيز مجاهد، قراءتين لخرجة عمار سعداني، الأولى أن سعداني جاهل في السياسة، والثانية للتغطية على عيوبه.
وقال القائد السابق للأكاديمية العسكرية المتعددة الأسلحة بشرشال في تصريح لـ”الشروق” أن الخرجة الإعلامية لسعداني، تؤكد أن الرجل ليست له أي ثقافة سياسية، وأنه غير متشبع بثقافة الدولة، وأكد أن سعداني تنطبق عليه مقولة “يفعل الجاهل بنفسه ما لا يفعل العدو بعدوه”.
وأوضح الجنرال المتقاعد أنه لو كان لسعداني ثقافة الدولة، ويعرف مكانة العدالة لقدم شكوى لدى النائب العام بخصوص الاتهامات التي وجهها لمدير جهاز الاستعلامات والأمن الفريق محمد مدين، متسائلا في الوقت ذاته عن الهدف من هذه “المناورة”؟ قبل أن يستطرد “هل هو للتغطية على عيوبه ونقائصه، والعار الذي اقترفه في حياته الشخصية!؟”.
ويرى المتحدث أن المواطن السوي والمحترم لا يمس أمن دولته أو مؤسساتها، وفي حال اكتشافه لهذه العيوب يعمل على تصحيحها بالطرق القانونية المتوفرة لديه، متسائلا عن سبب عدم تحرك سعداني لما كان يشغل منصب الرجل الثاني في الدولة “رئيسا للمجلس الشعبي الوطني”، “هل لأنه اكتشف للتو الجنرال توفيق؟” ـ يتساءل المتحدث ـ ، مضيفا أنه إذا كان الكلام الذي يقوله سعداني صحيحا فإنه كان مجرد “خضرة فوق الطعام” وقتها، أما إذا كان كذبا فهو تصريح مغرض”.
رحابي: سعداني يتصرف كالرجل الغارق
شبه وزير الاتصال الأسبق، عبد العزيز رحابي، تصريحات الأمين العام للحزب العتيد، بمثابة صيحات الرجل الغارق، ويعتقد أن ما بدر من سعداني لا يساهم في إضفاء جو انتخابي هادئ.
ويرى السفير الجزائري الأسبق في اسبانيا، أن تصريحات سعداني، التي تأخذ طابعا سياسيا، تدل على وجود أزمة سياسية كبيرة في البلاد، متسائلا عن مدى مسؤولية رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة عن هذا الوضع، بحكم أنه “بوتفليقة” رئيس شرفي للأفلان الذي تحدث باسمه سعداني، وفي نفس الوقت وزير للدفاع وقائد أعلى للقوات المسلحة، التي يعتبر جهاز الاستخبارات والأمن أحد مديرياتها.
ويرى المتحدث أن تصريحات سعداني دليل قاطع على دفن احتمال ترشح الرئيس بوتفليقة لعهدة رابعة، باعتبار أن نفي وزير الداخلية الطيب بلعيز لسحب الرئيس استمارات جمع التوقيعات للانتخابات الرئاسية، بمثابة صفعة لـ”المطبلين” للعهدة الرابعة، الذين بنوا خطابهم على شعار “استقرار البلاد ببقاء بوتفليقة”.
مناصرة: ..ولماذا لا يتحدث سعداني عن تزوير المخابرات لصالح الأفلان؟
قال رئيس جبهة التغيير عبد المجيد مناصرة “إن سعداني رجل سياسي، وهو حر في تصريحاته”، مبرزا أن تشكيلته أول من نادت بتمدين نظام الحكم في البلاد، غير أنه يرى أن الجزائر ليست بحاجة إلى صراع من هذا النوع.
وأوضح مناصرة “أنه لو صدرت اتهامات سعداني من حزب معارض فإنها مقبولة، أما أن تصدر من طرف الحزب الحاكم فتلك مشكلة، لأنه ما عليه سوى التنفيذ باعتبار أن رئيس الجمهورية هو الرئيس الشرفي للحزب الذي يتحدث باسمه سعداني، فالقرار في يده”.
ويعتقد المتحدث أن تصريحات سعداني قد تكون سابقة لقرارات لاحقة، ويخفي الكثير من الأمور، خاصة وأنها اتهامات “تشخيصية” تأتي قبل أسابيع فقط عن الانتخابات الرئاسية، قبل أن يصنف خرجة سعداني في “حلقة الصراع السياسي في هرم السلطة”.
وأعاب مناصرة على سعداني عدم حديثه عن استخدام جهاز القضاء في الانتخابات، وعدم انتقاده استعمال المؤسسة الأمنية للإدارة في الانتخابات، آخرها التشريعية التي تحصل فيها الأفلان على 220 مقعد في البرلمان.
أعضاء المكتب السياسي:
سعداني مسؤول على تصريحاته وليس هكذا تعالج الأمور
رفض أعضاء في المكتب السياسي للأفلان التعليق على خرجة أمينهم العام، متحججين في ذلك بعدم اطلاعهم على فحوى التصريحات.
وقال عضو المكتب السياسي للحزب، المكلف بالتنظيم، مصطفى معزوزي “إن لكل واحد صلاحياته، فنحن أعضاء المكتب السياسي بصلاحياتنا، والأمين العام بصلاحياته”، مضيفا أن سعداني أمين عام للحزب، وهو مسؤول عن تصريحاته.
وبخصوص ما إذا تطرق المكتب السياسي المجتمع أول أمس لموضوع المؤسسة العسكرية، قال معزوزي “هذه المواضيع لا نتطرق إليها داخل اجتماعات المكتب السياسي”.
أما زميله في المكتب السياسي، الناطق باسم الحزب، السعيد بوحجة، فبالرغم من عدم اطلاعه على الموضوع، مثلما قال، إلا أنه أكد بالقول “ليس بهذه الطريقة تعالج الأمور”، مشيرا إلى أن قضية “صراع” الأمين العام للحزب، مع جهاز المخابرات تعود إلى 4 أشهر من قبل، متهما أطرافا لم يسمها “بتغذية الصراع وتمييع المسألة”.
وأكد بوحجة في تصريح لـ”الشروق” أن منهج المكتب السياسي الحالي للحزب العتيد ومسعاه يكمن في العمل على رص الصفوف والوحدة والتفاهم، داعيا توجيه السؤال على سعداني، لأنه الوحيد الذي يملك ـ حسب بوحجة ـ المعطيات التي تجعله يدلي بتلك التصريحات، معلقا على ما جاء في تصريحات الأمين العام للحزب العتيد بالقول “إذا سرق بوحجة لا يعني أن الأفلان هو الذي سرق”.