الحصول على قطعة لحم آمنة وصحّية حلم اقترب من الحقيقة، وخطوة رغم تأخرها طوال السنوات الماضية إلا أنها بدأت تظهر جليًا على الأرض، بعد أن أعلنت الحكومة المصرية عن عدة إجراءات لرفع كفاءة منظومة الثروة الحيوانية، كان على رأسها تبنى الدولة المشروع القومى لتطوير المجازر باعتباره «صك الأمان» لمنتجات اللحوم، وتوفيرها للمواطن بمعايير آمنة وصحية تتناسب مع احتياجات صحة المستهلك، فى ظل التجهيزات التى تتم فى هذا المشروع الكبير ودعمه بمنظومة حديثة واقتصادية لإدارة وتشغيل المجازر معمول بها فى الكثير من دول العالم.
المشروع القومى للمجازر يساهم فى تهدئة حدة أسعار منتجات اللحوم، وتتولى إدارته إحدى الشركات المتخصصة بإشراف من الجهات المعنية فى الدولة، يتم تنفيذه عبر 4 مراحل بالتعاون مع وزارتى الزراعة والإسكان، بتنفيذ خطة متكاملة لتطوير ورفع كفاءة جميع المجازر بالمحافظات وتحديثها على أحد النظم التكنولوجية، حيث من المخطط أن تبدأ الحكومة المصرية تطوير 600 مجزر خلال برنامج زمنى متكامل، تشمل المرحلة الأولى تطوير 147 مجزرًا بتمويل من الوزارة على 3 مراحل، وقد تم تحديد الأولويات بالتنسيق مع الهيئة العامة للخدمات البيطرية التابعة لوزارة الزراعة، واستعانة الوزارة فى أعمال الإشراف على التنفيذ بالجهاز المركزى للتعمير التابع لوزارة الإسكان، كما تم التنسيق مع الهيئة القومية لسلامة الغذاء لاستيفاء متطلباتها فى السلامة الغذائية.
الأجهزة المعنية ممثلة فى عدد من الوزارات بدأت مؤخرًا الانتهاء من تطوير ورفع كفاءة 47 مجزرا بعدد من المحافظات خلال المرحلة الأولى للمشروع بتكلفة حوالى 1.6 مليار جنيه تم مراعاة كافة الاشتراطات الفنية والبيطرية والبيئية والصحية الخاصة بتلك المجازر، حيث تسعى الحكومة لإيجاد منظومة حديثة واقتصادية لإدارة وتشغيل كافة المجازر التى سيتم تطويرها ورفع كفاءتها للحفاظ على استثمارات الدولة فى هذا الملف والارتقاء بهذه الصناعة فيما يخص عمليات تصنيع اللحوم والجلود بما يساهم فى توفير لحوم آمنة وصحية وبجودة عالية للمواطن وتوفير فرص عمل للشباب وتقليل الاستيراد، كما أنه من المستهدف رفع كفاءة حوالى 600 مجزر بمختلف محافظات الجمهورية وفقاً لتوجيهات القيادة السياسية للنهوض بهذه المنظومة وفقاً لأحدث النظم التكنولوجية والقضاء على ظاهرة تواجد المجازر داخل الكتلة السكنية التى تهدد الصحة العامة والبيئة فى الوقت نفسه.
وزارة التنمية المحلية المشرفة على تنفيذ المشروع القومى للمجازر قالت إن الأعمال الجارية فى المرحلة الأولى للمشروع بدأت فى أعمال تنفيذ المجزر الآلى بدمياط باعتباره أحد المجازر النموذجية التى سيتم تجهيزها بكافة الإمكانيات والمعدات الحديثة، كما بدأت الإدارات المختصة فى عمليات توريد المعدات والأعمال الإنشائية والتشطيبات لتنفيذ أعمال المجزر بالمحافظة فى الفترة الزمنية المحددة، حيث من المقرر أن تشمل منظومة تطوير المجازر تحقيق أعلى استفادة من كافة المنتجات الحيوانية بطريقة اقتصادية فيما يخص نواتج الذبح من عظام ودهون وأحشاء وبعض مرفوضات اللحوم فى إطار تنفيذ المنظومة الجديدة لإدارة المخلفات البلدية الصلبة، يخص المعدات والآلات الفنية وتوفير الأطقم الفنية المدربة والمؤهلة للعمل فى تلك المنظومة، خاصة وأن هذه المخلفات تدخل فى صناعات الجلد والسماد العضوى وصناعات أخرى يتم استخلاصها من العظام والفرو، وهو ما يؤكد أن المجازر هى منظومة صناعية اقتصادية متكاملة.
عن تفاصيل المشروع، أكد الدكتور عبد الحكيم محمود، رئيس الهيئة العامة للخدمات البيطرية بوزارة الزراعة أن جميع المجازر الحكومية تتبع ماليًا وإداريًا المحليات، وذلك وفق قانون الإدارة المحلية رقم 43 لسنة 1979، والمعدل بالقانون رقم 196 لسنة 2008 ولائحته التنفيذية، خاصة المادتين رقم 3و9، لكن فى نفس الوقت تكون مهمة الهيئة العامة للخدمات البيطرية وفقا المادة رقم 2، فى القرار الوزارى رقم 517 لسنة 1986 إشرافية، قائلًا: أغلب المجازر الحكومية غاب عنها التطوير منذ فترة طويلة، إضافة إلى أن بعضها أصبح موجود وسط الكتلة السكنية، مما جعل الحكومة المصرية تتجه الفترة الأخيرة إلى تبنى مشروع قومى لتطوير المنظومة، وإدخال التقنيات الحديثة المعمول بها فى المجازر العالمية، حفاظًا على الصحة العامة والبيئة فى الوقت نفسه.
وأضاف الدكتور عبد الحكيم أن معظم المجازر الحكومية تفتقر الأجهزة والمعدات الآمنة فى منظومة الذبح والجزر والتخلص من النفايات والمخلفات الحيوانية، إضافة إلى افتقارها إلى وسائل ونظم الذبح الحديثة التى تحددها ضوابط واشتراطات مؤسسات الرفق بالحيوان، وهى بالطبع اشتراطات تساهم فى ضبط المنظومة والحفاظ على الصحة العامة تحقيق أعلى جودة فى منظومة اللحوم، كما أن وزارة الزراعة ممثلة فى الهيئة العامة للخدمات البيطرية وضعت إستراتيجية محددة تنفيذًا لتوجيهات رئيس الوزراء رقم 2506 لسنة 2016، والقرار رقم 40 لسنة 2019 والذى نص فى مضمونة على التنسيق بين الهيئة من ناحية ووزارتى التنمية المحلية والإسكان من ناحية أخرى، وذلك لتنفيذ واستكمال المشروع القومى لتطوير المجازر الحكومية.
وكشف رئيس الهيئة العامة للخدمات البيطرية، أنه من المقرر أن يتم تنفيذ المشروع على 4 مراحل فى فترة زمنية لا تتجاوز الـ 4 سنوات، وتشمل المرحلة الأولى تطوير 147 مجزرًا بـ 25 محافظة، إضافة إلى إنشاء 5 مجازر نموذجية جديدة بمحافظات القليوبية والجيزة والمنوفية والغربية والفيوم وفق القرارات الوزارية المنظمة لإنشاء المجازر، فضلا عن إنشاء عدة مجازر على المحاور اللوجيستية للبلاد، على أن يشمل كل مجزر محجرًا ملحقًا به، بحيث يتم إنشاء مجزر آلى للحيوانات بمحافظة الإسكندرية وتحديدًا بـ«الطريق الدولى – الحمام»، ومجزر آلى بمنطقة أبوسمبل بأسوان، ومجزر آلى بمنطقة أرقين بأسوان، ومجزر آلى بمنطقة مرسى مطروح، وآخر بمحافظة دمياط، مشيرًا أن منظومة المجازر تشهد هذه الفترة طفرة حقيقية تساهم فى ضبط تسويق المنتج، وتضمن له الجودة المطلوبة.
أما الدكتور أيمن محروس رئيس الإدارة المركزية للمجازر والصحة العامة بوزارة الزراعة، فقال: المشروع يضمن وجود منتج لحوم صحى وآمن للمستهلك، ويقضى على العشوائية التى يشهدها سوق اللحوم سواء فى منظومة الذبح أو البيع، فمنذ عشرات السنين ومنظومة الذبح فى مصر تحتاج إلى تطوير خاصة، كما أن الطرق غير الصحية التى يتم العمل بها فى المجازر والمذابح قديما تهدد صحة المواطن، بل أن البعض يلجأ إلى ذبح رؤوس الماشية بدون الكشف عنها مما يعرض صحة الإنسان للخطر، إضافة إلى أن طريقة عرض وبيع اللحوم التى تعرض المنتجات للتلوث، موضحًا أن الإدارة تقوم بجهد كبير مع وزارة التنمية المحلية والأجهزة المعنية المنفذة لمراحل المشروع .
«فريق من الأطباء البيطريين تلقّوا دورة فى منظومة المراقبة والكشف عن اللحوم فى مجازر نيوزلاندا، وزاروا عددا من النماذج الناجحة هناك لتطبيق منظومة العمل بها فى مصر، ونقل التقنيات الحديثة داخل المجازر المصرية المطورة».. الدكتور محروس أضاف أيضًا، أن هناك حملات شهرية تشكلها الإدارة بالمحافظات للتفتيش عن أماكن الذبح، ورصد المخالفات بالمجازر التابعة للدولة من المقرر أن تخضع للتطوير، كما أن المشروع القومى يشمل تطوير مجازر الماشية والدواجن بأعلى المواصفات، وأن لجان الطب البيطرى تقوم بتطبيق كافة الضوابط الخاصة بالذبح من أختام وطرق الذبح نفسها المعمول بها فى كل دول العالم، مشيرًا أن بيع اللحوم فى الأسواق العالمية يتم بآلية تضمن للمستهلك التعرف على مكان الذبح ورقم المجزر وتاريخ الصلاحية، وهو ما تسعى الحكومة المصرية لتطبيقه بالمشروع القومى الجديد.
المختصون تحدثوا عن خارطة نجاح المشروع.. الدكتور فهيم شلتوت أستاذ الرقابة الصحية على الأغذية كلية الطب البيطرى جامعة بنها، قال إن تدخل الحكومة المصرية للارتقاء بمنظومة المجازر خطوة تأخرت كثيرًا، خاصة فى ظل حالة الفوضى والعشوائية التى تدار بها هذه المنظومة منذ فترة طويلة، خاصة وأن أماكن الذبح التى توجد الآن بالمحافظات ليست مجازر بل هى نقاط ذبح تدار بشكل غير صحيح وبإمكانيات معدومة، وهو بالطبع ما يؤثر فى النهاية على المنتج النهائى للحوم ومن ثم المستهلك، مضيفًا أن المجزر النموذجى يحتوى على أماكن لاستقبال الحيوان، ومكان آخر لعملية الذبح والسلخ، ومعمل مجهز بأحدث التقنيات للكشف عن اللحوم قبل خروجها من المجزر، إضافة إلى فريق متخصص من الطب البيطرى والفنيين المختصين بمنظومة الذبح الآمن والنقل وكذلك منظومة الصرف للتخلص من المخلفات.
«متبقيات الأدوية والتحصينات فى اللحوم تمثل خطورة على صحة الإنسان.. ومن هنا يأتى دور المعمل البيطرى الموجود بالمجزر النموذجى لتقييم الفترة الزمنية الآمنة لخروج هذه المتبقيات من الحيوان قبل الذبح».. الدكتور شلتوت أكد أن العديد دول العالم تطبق نظام «الباركود» لتقييم جودة اللحوم بها، ومعرفة هوية ونوع الحيوان المذبوح، وكذلك مصدر التغذية التى تعرض لها الحيوان ونوع التحصينات التى حصل عليها، كما أن المجازر النموذجية لا يمكن أن تستقبل حيوانات غير مسجلة ولها بطاقات هوية، وقد حققت وزارة الزراعة الفترة الأخيرة جهد كبير فى منظومة تسجيل الماشية وربطها بأرقام قومية لمعرفة هوية الحيوان، وقد أسست فى هذا الصدد صندوق التأمين على الماشية لدعم المربين، وتمويل مزارع التربية بقروض ميسرة وبفائدة 5% ضمن مبادرة البنك المركزى للمشروعات الصغيرة والمتوسطة.
واستكمل الدكتور شلتوت: لدينا العديد من المجازر الحكومية المعطلة بالمحافظات، تعانى من نقص فى الإمكانيات والعمالة كما تفتقد أبسط المعدات والأجهزة البدائية، كما أن لدينا مجازر نموذجية كانت مجهزة على أعلى مستوى، وقد تدنى بها الحال وأصبحت تفتقد الكثير من الإمكانيات، وقد كان على رأس هذه النماذج مجزر البساتين الذى أسسته إحدى الشركات الأجنبية من سنوات، وقد كان يعمل بنظام «أوتوماتيك» لبعض المعدات والأجهزة الخاصة بالذبح والسلخ، إلا أن أوضاعه تدهورت وتبدل العمل به إلى النظام اليدوي، مطالبًا بضرورة الاستعانة بالخبراء والمختصين فى هذه المنظومة من أطباء الطب البيطرى وأساتذة التغذية بكليات الزراعة والطب البيطري، لمراقبة ومتابعة منظومة الذبح باعتبار أن هذه الخطوة ضمن منظومة التطوير الشاملة التى تنفذها الدولة الفترة الأخيرة.
وشدد الدكتور فهيم شلتوت على ضرورة إسناد مهمة إدارة المجازر إلى وزارة الزراعة فقط ممثلة فى الهيئة العامة للخدمات البيطرية بدلًا من وزارة التنمية المحلية، باعتبارها الجهة المختصة والمعنية بمتابعة ملف الذبح ومراقبة جودة اللحوم وطرق الذبح السليمة داخل المجازر بطرق أكثر تخصصا وخبرة، وضرورة الاستعانة بالشركات المحلية المختصة فى منظومة التصميم والتجهيزات اللازمة للمجازر النموذجية بدلًا من الشركات العالمية، لتوفير المزيد من فرص العمل للشباب المصريين وخلق سوق مصرى رائج فى هذا المجال، مشيرًا أن سلامة المنتج الغذائى فى السوق المحلية أمن قومى خاصة وأن 70% من الأمراض التى تصيب الإنسان مصدرها التغذية، والتى تعتبر العنصر الأساسى فى رفع مناعة الإنسان أو العكس.
وأوضح أن هناك حزمة إجراءات لابد وأن تبدأ الحكومة المصرية تنفيذها تزامنًا مع تنفيذ المشروع، على رأسها سرعة إصدار تشريع صارم من مجلس النواب يغلظ العقوبة على المخالفين الذى يقومون بالذبح خارج المجازر وأماكن الذبح، خاصة مع انتشار الظاهرة فى موسم عيد الأضحى المقبل، وباعتبار أن القانون الحالى رقم 53 لسنة 1966 الذى يجرم هذه المخالفة غير رادع، خاصة وأن مادته رقم 143 نصت على معاقبة المخالف بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر ولا تزيد على سنة وبغرامة لا تقل عن 200 جنيه، ولا تزيد على خمسمائة جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين، وكذلك غلق المحال التجارية التى تقوم بالذبح أو التى يتم ضبطها أو بيعها للحوم المخالفة وذلك لمدة ثلاثة أشهر فى المرة الأولى وغلقها نهائياً حال العودة، مشيرًا أن منظومة إنتاج اللحوم أمن قومى تحكمها ضوابط واشتراطات عالمية معمول بها فى كل دول العالم .
وعلى صعيد متصل، أكد الدكتور حسين منصور رئيس هيئة سلامة الغذاء، أن هناك دورًا هامًا تلعبه الهيئة بشأن تنفيذ المشروع القومى لتطوير المجازر، ومراقبة جودة اللحوم فى السوق المحلي، والإشراف على جودة وضوابط الإنتاج داخل مصادر الإنتاج خاصة فيما يتعلق بمنظومة التداول، حيث أسند قانون الهيئة مهمة الرقابة على مجازر اللحوم ومراقبة صلاحيات بدءًا من نقلها ووصولها إلى المستهلك، كما أن هناك تنسيقًا مستمرًا مع الطب البيطرى والإدارات المحلية لمتابعة عمل مجازر اللحوم، ومتابعة الارتقاء بمنظومة تداول اللحوم وتوفير منتج غذائى صحى وآمن للمواطن.
وأشار الدكتور منصور، أنه بموجب القانون هيئة سلامة الغذاء مسئولة تمامًا عن نظم الرقابة والتفتيش على جميع منشآت تداول الأغذية ومنتجاتها، كما أن الهيئة مسئولة عن إلزام كل المنشآت الغذائية بالحصول على ترخيص تداول الغذاء، وذلك بعد التحقق من استيفائهم لاشتراطات ومتطلبات سلامة الغذاء من خلال العديد من زيارات المراجعة والتفتيش الدورية من قبل ممثلى الهيئة، وذلك بهدف التحسين المستمر للنظام، إضافة إلى دورها فى متابعة عملية نقل اللحوم من المجازر إلى الأسواق المحلية، وقد أوصت اللجنة بداية تنفيذ المشروع بضرورة استحداث نظم الذبح، وتجهيزها بما يتوافق مع الاشتراطات العالمية والضوابط المعمول بها فى دول العالم، مشيرًا إلى أن منظومة التداول نفسها أيضًا تحتاج لتعديل خاصة فى ظل الممارسات الخاطئة التى يتعرض لها سوق اللحوم ومن ثم يعرض صحة المستهلك للخطر.