الابتكارات الدفاعية كمنظومة ردع وبعدها الاقتصادي

  • Time:Oct 23
  • Written : smartwearsonline
  • Category:ملابس ذكية

أ.د. محمد العسيري|

الابتكارات الدفاعية كمنظومة ردع وبعدها الاقتصادي

*أستاذ وباحث في الهندسة الإلكترونية والأنظمة الدفاعية

إن التطور الحاصل في الابتكارات النوعية أوجد لنا تقدما تقنيا تكنولوجيا في جميع المجالات، وتحدثت في مقالات سابقة عن أنواع هذه الابتكارات والأثر الملموس والظاهر في حياتنا بشكل عام، وذكرت أن تطور التقنيات الإلكترونية في المنظومات الدفاعية وتطويرها وكيف أن الدول تتباين قوتها الدفاعية والريادية في امتلاك هذه التقنيات من الابتكارات النوعية والتكنولوجية، وقدراتها التطويرية والتصنيعية لها، بما في ذلك أنواع أسلحة الردع المختلفة الذي سيعطي مما لا شك فيه تفوقا في ساحات القتال سواء كانت برية أو جوية أو بحرية. ولعل مقالي اليوم سيركز، بشكل مختصر، على نوع من أنواع هذه التقنيات النوعية المهمة في هذا المجال، وهي تعد من أنواع الردع الاستراتيجي، كما تلعب دورا مهما جدا في المنظومة الدفاعية، وقبل الخوض في هذه التقنيات لا بد من توضيح أن هنالك اختلافا في توظيف هذا التطور التقني والتكنولوجي للتقنيات، خصوصا عند استخدامها في المراحل الدفاعية المتعددة، ولذا سيكون محور حديثنا اليوم عن تقنيات مكافحة الألغام والابتكارات النوعية المستخدمة لاكتشافها، وأنواع هذه التقنيات المبتكرة، وكيفية العمل على تطويرها، وفي سياق الحديث سيتم توضيح البعدين الاقتصادي والدفاعي في امتلاك مثل هذه التقنيات.وقبل الخوض في الحديث عن هذه التقنيات لعلنا نعطي فكرة عامة عن الألغام، فهي وبشكل عام، تتكون من مواد متفجرة محاطة بغلاف خارجي ومزودة بمفجر، وهذه المواد المتفجرة منها - على سبيل المثال - مادة من نوع تي إن تي TNT الكيميائية، وهذه المادة تم تصنيعها على يد العالم الألماني يوليوس ويلبراند Julius Wilbrand في 1862، وقد يكون الغلاف معدنيا أو من مواد بلاستيكية أو غيرها، ويكون تفجيرها من خلال المفجر، الذي يمكن من خلاله تصميم عملية التفجير لتكون بعدة طرق، منها اللمس أو الضغط أو التحكم من بعد أو بالتوقيت، ولهذه الألغام أنواع متعددة فمنها أنواع أرضية، مثل تلك الخاصة بالأفراد والدبابات العسكرية بمختلف أنواعها، وكانت روسيا أول من استخدم الألغام الأرضية ضد الدبابات العسكرية أثناء الحرب العالمية الأولى 1918، وتم تطويرها بشكل أكبر حيث استخدمت أيضا في الحرب العالمية الثانية 1939، وأصبح هنالك أنواع أخرى منها ما يدفن تحت الأرض بعمق معين ومنها ما يظل فوق الأرض، ومنها أنواع أخرى كالألغام البحرية، وهي ذات مدى وبعد معين مثل ألغام الاتصال المباشر وألغام التحكم عن بعد "ذات المفجر الإلكتروني"، والألغام الحساسة، وهذا النوع الأخير يتم تصميمه بحساسات إلكترونية، مثل الحساسات المغناطيسية، ويسمى اللغم المغناطيسي Magnetic Mine وهذا النوع يتأثر بالمجال المغناطيسي للغواصات أو السفن، وحساسات ضغط الماء ويسمى Pressure Mine، وتفجيره يعتمد على الضغط الذي يحصل من جراء مرور كذلك السفن أو الزوراق على الماء، وحساسات صوتية وتسمى اللغم الصوتي Acoustic Mine وهو الذي يتأثر بصوت محركات ومراوح القطع البحرية. وطبيعة الموقف العملياتي هو التي تحدد طريقة استخدام ونشر هذا السلاح، وكيفية استخداماته الهجومية أو الدفاعية، ويتميز تصنيع مثل هذا النوع من الألغام بالسهولة وقلة التكلفة الإنتاجية، إلا أن لها آثار كبيرة وخطيرة جدا تخلفها من جراء استخدامها أثناء وبعد المنازعات والصراعات. فهي تسبب خطرا كبيرا على الأرواح البشرية، لإمكانية أن تظل هذه الألغام مدفونة ولا تزال تحافظ على نشاطها لفترة طويلة من الزمن تصل لعقود، إضافة إلى ما تسببه من آثار سلبية بيئية ومجتمعية، وتشير بعض التقاير إلى خطورة هذه الألغام على مستوى العالم، ومنها التقارير التي تصدرها الحملة الدولية لحظر الألغام الأرضية The International Campaign to Ban Landmines: ICBL من أن هناك 65 دولة ومنطقة لديها تهديد بالتلوث بالألغام المضادة للأفراد، وأنه في 2019 تم تسجيل ما لا يقل عن 5554 ضحية من الألغام وأغلبية الضحايا، 80 في المائة كانوا من المدنيين.ولمكافحة هذا النوع من الخطر يسعى كثير من الدول إلى تسخير قدراتها وطاقاتها البحثية والتطويرية والتصنيعية، ويتم وضع وإنفاق الميزانيات الضخمة لبرامج ومشاريع، تهدف إلى إيجاد أفضل الطرق والتقنيات والابتكارات النوعية للحد من خطرها. ولأهمية ذلك شكلت أيضا الأمم المتحدة عددا كبيرا من الهيئات يعمل تحت مظلتها، لهدف واحد وهو التخلص من خطر هذه الألغام، إضافة إلى برنامج الأمم المتحدة الإنمائي United Nations Development Programme: UNDP، الذي يدعم كثيرا من الدول المتأثرة من ذلك، ولا ننسى دور المملكة الريادي والإنساني في ذلك من خلال إطلاقها مشروع "مسام السعودي لنزع الألغام"، من خلال مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية بتكلفة 40 مليون دولار، الذي أسهم في نزع أكثر من 320 ألفا من الألغام. ويسعى كثير من مراكز الأبحاث المتطورة، مثل معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا Massachusetts Institute of Technology: MIT، إلى العمل على تدريب وتصميم وتطوير الأجهزة والمعدات الخاصة بالألغام، ويتعاون عديد من مراكز الأبحاث والجامعات وغيرها في تطوير أفضل التقنيات لاكتشاف هذه الألغام والحد من خطرها، من ذلك التعاون المشترك بين كل من جامعة ولاية كارولينا الشمالية ومعهد جورجيا للتكنولوجيا ومختبر أبحاث الجيش التابع لقيادة تطوير القدرات القتالية للجيش الأمريكي، الذي أثمر عن إيجاد طريقة جديدة لتحديد الألغام الأرضية وتقلل بشكل كبير من معدلات الإنذار الكاذب لأجهزة الاكتشاف، حيث يتم تحفيز الأجزاء المعدنية الصغيرة داخل اللغم الأرضي لتهتز باستخدام مجال مغناطيسي نابض، ويتم الكشف عن الاهتزازات بوساطة مقياس اهتزاز فريد ذي نطاق ديناميكي عال.وعلى الرغم من التقدم التقني الذي نشاهد، إلا أنه ما زالت هنالك حاجة ماسة إلى إيجاد طرق وأجهزة وابتكارات نوعية في هذا المجال وغيره، الأمر الذي لم تغفله القيادة الرشيدة لهذا البلد المعطاء، ووضعت لذلك الخطط الاستراتيجية، والمبادرات مثل مبادرات برامج التحول الوطني المنبثقة من رؤية المملكة 2030، وعملت على تطوير الشراكات البحثية من خلال مراكز الأبحاث الوطنية مع أفضل مراكز الأبحاث الدولية، وفي ضوء ذلك تم إنشاء مراكز التميز المشتركة، منها - على سبيل المثال - مركز تميز تقنيات الاستشعار بموجات الميكروويف المشترك مع جامعة ميشيجانCenter of Excellence for Microwave Sensor Technology: CMST، وكوني أحد الباحثين في هذا المركز، فالعمل جار حاليا لتطوير تقنيات رادارية عالية الكفاءة والدقة لاكتشاف الأجسام المدفونة في أعماق الارض ومن ضمنها الألغام، ولا شك أن تبني مثل هذه المشاريع الابتكارية والعمل على توطينها وتصنيعها محليا من قبل الهيئات والجهات المعنية، مثل الهيئة العامة للتطوير الدفاعي، والهيئة العامة للصناعات العسكرية، يعد مجالا جيدا سيسهم في حل مشكلات دولية عالمية، وسيحقق عوائد استثمارية اقتصادية ناجحة، وسيسهم أيضا في نقل الابتكارات الدفاعية وتوطينها وإيجاد فرص عمل جديدة.

اخر مقالات الكاتب

إنشرها