دفاتر مصرية – ديسمبر/كانون الأول 2021

  • Time:Jan 11
  • Written : smartwearsonline
  • Category:Article

دفاتر مصرية – ديسمبر/كانون الأول 2021

المحتويات

مقدمة

الدفتر السياسي

الدفتر الاقتصادي

الدفتر التشريعي

الدفتر الفكري والثقافي

الدفتر الإعلامي

مقدمة

يشتمل تقرير «دفاتر مصرية»، عن شهر ديسمبر/كانون الأول 2021، على أبرز الأحداث التي شهدتها مصر في نهاية العام على مختلف الأصعدة.

فعلى الصعيد السياسي، يستعرض التقرير الانتقادات التي تعرض لها النظام المصري الحاكم من عدة دول غربية بسبب ملف حقوق الإنسان، وعلاقات النظام بالكيان الصهيوني وأثرها على الوساطة المصرية في القضية الفلسطينية. فبعد الاعتراف الهولندي بأن النظام الحالي “انقلابي” و”جاء بطريقة غير ديمقراطية”، وجهت إلى السلطات المصرية انتقادات من جانب واشنطن وبرلين بسب الانتهاكات التي يتعرّض لها المواطن المصري، كما أعادت روما ملف قتل الباحث «ريجيني» للواجهة بعد أن أعلنت لجنة برلمانية مسؤولية أجهزة الأمن المصرية عن تعذيبه وقتله. وفي الوقت الذي تتواصل فيه الانتقادات بسبب سجله الحقوقي، يستمر النظام المصري في توطيد علاقاته مع الكيان الصهيوني الذي يدعمه لدى الغرب، وهو ما يؤثر على دوره كوسيط في القضية الفلسطينية.

وعلى الصعيد الاقتصادي، يقدم التقرير صورة لأداء الاقتصاد المصري في نهاية عام 2021، مع التركيز على قضيتين مهمتين، هما الإنفاق على التعليم، والأزمة التمويلية التي تمر بها مصر، وذلك لما لهما من انعكاسات على المستقبل التنموي للمجتمع المصري.

أما الدفتر التشريعي فيرصد أهم القوانين ومشاريع القوانين التي أقرها مجلس النواب، والتي غطت مجالات عديد، منها التدابير اللازمة لمواجهة جائحة كورونا، وتعديل قوانين الهيئة المصرية لضمان جودة التعليم والاعتماد، والضريبة على القيمة المضافة، وهيئة تنمية واستخدام الطاقة الجديدة والمتجددة، وقانون تنظيم أكاديمية الفنون، بالإضافة إلى تقنين أيلولة نسبة من أرصدة الصناديق الخاصة إلى الخزانة العامة.

وإذا انتقلنا إلى الدفتر الفكري والثقافي فسنجد أنه يسلط الضوء على سرقة الصهاينة للآثار المصرية، على ضوء إعادة الكيان الصهيوني بعض القطع المهربة إلى مصر. كما يوجه الأنظار إلى الخطر الكامن وراء الغزو الثقافي الغربي الذي يستهدف المنظومة الأخلاقية في مجتمعاتنا، بعد أن تزايدت محاولات الانقلاب على هذه المنظومة تحت ستار الحرية والتسامح وقبول الآخر.

وأخيرًا، يحتوي الدفتر الإعلامي على ثلاثة موضوعات، يدور أولاها حول التوجيه الأمني للإعلام المصري في تعاطيه مع قضية تسريبات مستشاري السيسي. ويدور ثانيها حول حديث رئيس المجلس الأعلى للإعلام عن مسألة التجاوزات الإعلامية وعدم مسامحة مَن يقومون بها. ويدور ثالثها حول مناقشة لجنة الثقافة والإعلام والسياحة والآثار في مجلس الشيوخ للإستراتيجية الإعلامية 2030.

يبدو أن محاولات النظام المصري لتجميل وجهه أمام الغرب لم تكن كافية لدى الأنظمة الغربية التي تشعر بالحرج أمام منظماتها الحقوقية التي ترصد انتهاكات السيسي المستمرة للحقوق والحريات من ناحيةٍ، وتخشى من حدوث انفجار شعبي مصري يُعرّض مصالحها للخطر من ناحيةٍ أخرى. ولهذا تعرضت القاهرة للانتقاد من جانب عدة دول، منها الولايات المتحدة وألمانيا، وأعيد فتح ملف المواطن الإيطالي «ريجيني» الذي “قتل وكأنه مصري” على يد الأمن في مصر. وكلما زادت الضغوط الغربية على النظام المصري، زاد ارتماء السيسي في أحضان الصهاينة الذين يدعمونه لدى الغرب، ويعتبرونه كنزًا إستراتيجيًّا لا يمكن التخلي عنه بالنسبة لهم، وهو ما يؤثر على حيادية الوسيط المصري في القضية الفلسطينية.

تعرض النظام المصري خلال الشهر الماضي لانتقادات من جانب عواصم غربية عديدة بسبب ملفه الحقوقي، وهو ما كانت بدايته من واشنطن، في مطلع ديسمبر/كانون الأول، حينما أصدر «تكتل حقوق الإنسان في مصر» في الكونجرس الأمريكي، بيانًا طالب فيه الإدارة الأمريكية بالتحقيق فورًا في احتمالية إساءة مصر استخدام المعونة الأمريكية، في ممارسات تشكل انتهاكات لحقوق الإنسان.

واستند التكتل في بيانه إلى ما نشره موقع «Disclose»، نقلًا عن وثائق عسكرية فرنسية، من أن القوات الجوية المصرية أقدمت على توجيه ضربات جوية دقيقة ضد مهربين مشتبه بهم في الصحراء الغربية، حيث يكون تهريب السجائر والسلع الأساسية أمرًا شائعًا، واصفًا ذلك بأنه “انتهاك خطير للقانون الدولي، ولشروط العقد التي تحظر استخدام المعدات الأمريكية في انتهاكات حقوق الإنسان”.

وأضاف البيان أن ما ورد في تقرير ديسكلوز صادم، ولكنه يتفق مع تقارير سابقة تشير إلى إستراتيجية ممنهجة لدى الجيش المصري بإطلاق النار، مذكرًا بمقتل 12 سائحًا وإصابة أمريكيين في هجوم من طائرة أباتشي قدّمتها الولايات المتحدة لمصر، عام 2015، ليتبين بعد ذلك أن جميع الضحايا من السائحين[1].

وكان نواب التكتل قد طالبوا في رسالة وجهوها إلى لجنة المخصصات في مجلس النواب بحرمان النظام المصري من بعض المساعدات المخصصة له لعدم احترامه لحقوق الإنسان، وقالوا: “نحن لا نعتقد أن أفضل ضمان لمصالح الولايات المتحدة هو توفير المساعدة العسكرية لحكومة يكون قمعها سببًا أساسيًا للتطرف والإرهاب”.

وأشار النواب في رسالتهم إلى أن “هذا العام يصادف عقدًا من الزمن منذ أن أطاح المصريون بقوات الأمن المشهورة بالفساد والتعذيب والقمع العنيف للمعارضة السلمية، وأنه لسوء الحظ، يجد المصريون اليوم أنفسهم يعيشون في ظل حكومة أكثر قمعيَّة بقيادة الجيش”[2].

وفي 20 ديسمبر/كانون الأول، علقت وزارة الخارجية الأمريكية على صدور حكم قضائي من إحدى المحاكم المصرية بسجن ناشط مصري وآخرين بعد إدانته بنشر أخبار كاذبة، وقالت “إن واشنطن تشعر بخيبة أمل”. وذكر المتحدث باسم الخارجية الأمريكية، «نيد برايس»، أن واشنطن أبلغت القاهرة أنه يمكن تحسين العلاقات بين البلدين إذا تم إحراز تقدم في مجال حقوق الإنسان[3].

ومن جانبها، ردت الخارجية المصرية على الموقف الأمريكي ببيان حذر، متجنبة استخدام لغة حادة أو هجومية، رغبة منها في عدم توسيع نطاق الخلاف بين النظام المصري والإدارة الأمريكية بسبب الملف الحقوقي، واكتفت بالقول بأنه “ليس من المناسب إطلاقًا التعليق بأي شكل أو التطرق إلى أحكام تصدر من القضاء، تنفيذا لقوانين، واستنادا لأدلة وأسانيد دامغة وقاطعة، في إطار مسار قضائي عادل ونزيه ومستقل”[4].

وعلى عكس موقفها من واشنطن، جاء رد القاهرة على برلين في نفس الشأن حادًّا وحازمًا، حيث رفضت التصريح الصادر عن الحكومة الألمانية في 18 ديسمبر/كانون الأول، والذي طالبت فيه بمحاكمات عادلة للمتهمين، وقالت الخارجية المصرية في بيان لها إنها “تعتبر هذا الأسلوب الذي ينطوي على تجاوزات غير مقبولة تدخلاً سافرًا وغير مبرر في الشأن الداخلي المصري”.

وتابع البيان أنه “من المُستغرَب أن تطلب الحكومة الألمانية احترام القانون، وتدعو في ذات الوقت للتدخل والتأثير على أحكام القضاء المصري الشامخ والمشهود له بالاستقلالية والحيادية والنزاهة، وهو ما نرصد معه ازدواجية المعايير”.

وشدد بيان الخارجية على أن القاهرة “تؤكد مجددًا رفضها الكامل للتدخل في الشأن الداخلي، ووجوب احترام سيادة القانون ودستور الدولة المصرية، وأن افتراض نتيجة بعينها هو أمر مرفوض جملةً وتفصيلاً لما يُمثله ذلك من إهدار للقضاء والعدالة، ولمبادئ سيادة القانون، وما ينص عليه الدستور من الفصل بين السلطات”.

واختتمت الخارجية المصرية بيانها بأنه “من الأحرى أن تلتفت الحكومة الألمانية لتحدياتها الداخلية بدلًا من فرض وصايتها على الغير”[5].

وكانت المستشارة الألمانية السابقة، أنجبلا ميركل”، قد أثارت حالة من الجدل والاستياء بعد أن وافقت قبل يوم واحد فقط من رحيلها عن الحكم على صفقة اسلحة للنظام المصري، وهو ما كشف عنه خطاب من وزير الاقتصاد الألماني السابق، «بيتر ألتماير»، موجَّه إلى رئيسة البرلمان الألماني، بتاريخ 7 ديسمبر/كانون الأول، ويحتوي على تفاصيل تصاريح من حكومة ميركل لتصدير أسلحة حساسة إلى مصر، قبل وقت قصير من تغيير الحكومة.

وفي هذا الصدد، صرّحت «كاتيا كويل»، والتي تشغل منصب وزيرة دولة في وزارة الخارجية الألمانية، بأنه “لا يمكنني تصوّر أن الحكومة الجديدة كانت ستصرّح بهذا البيع”.

وأكّدت وزارة الاقتصاد الألمانية الجديدة، وهي الوزارة المنوط بها الرقابة على صادرات الأسلحة، أنّ الأمر يتعلّق بقرارات للحكومة السابقة التي تتحمّل المسؤولية الكاملة عنها، وأن الحكومة الجديدة تعتزم التعامل بشكل تقييدي أكثر مع صادرات الأسلحة” في إشارة إلى ربط المافقة على صفقات السلاح المهمة مع النظام المصري بملف حقوق الإنسان[6].

يُشار أنه أثيرت موجة من الجدل منذ العام الماضي لتصاريح بيع الأسلحة إلى مصر بسبب الانتقاد الموجَّه للقاهرة لانتهاكات لحقوق الإنسان.

وفي إيطاليا، وبعد عامين من التحقيقات، أكدت لجنة برلمانية إيطالية في تقرير نشرته في الأول من ديسمبر/كانون الأول، أن أجهزة الأمن المصرية مسؤولة عن تعذيب وقتل الطالب الإيطالي «جوليو ريجيني» عام 2016 في القاهرة.

وبحسب التقرير فإن “المسؤولية عن خطف وتعذيب وقتل ريجيني تقع مباشرة على جهاز الأمن في جمهورية مصر العربية، وعلى وجه الخصوص على عناصر الأمن الوطني كما أظهر بدقة التحقيق الذي أجرته النيابة العامة في روما”[7].

جدير بالذكر أن الحكومة الهولندية كانت قد أصدرت في شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي تقريرًا يُدين النظام المصري ويصفه بأنه انقلاب عسكري جاء بانتخابات غير ديموقراطية.

وجاء في التقرير الهولندي أن الحكومة المصرية مذنبة، حيث قامت بقتل 1150 متظاهر في ميداني رابعة العدوية والنهضة. ووصف التقرير انتخاب السيسي في مايو/أيار 2014 بأنه “عملية غير ديموقراطية” أتت في سياق “قمع المعارضين”، مضيفًا أنه في 2018 تم إعادة انتخاب السيسي في “انتخابات أعرب فيها خصمه الوحيد على دعمه للرئيس الحالي السيسي”. وأشار التقرير إلى أنه تم وضع تعديلات دستورية في 2019 أدت إلى مزيد من تركيز السلطة وتسمح للسيسي بالبقاء في منصبه حتى 2030.

وأشار التقرير إلى أنه لا توجد حاليًّا أي معارضة سياسية مهمة في مصر، وذلك لأن أي آراء مخالفة يمكن أن تؤدي إلى مقاضاة جنائية وحتى السجن، كما يتم تقييد الحريات المدنية مثل حرية الصحافة وحرية التجمع.

قام وزير خارجية الكيان الصهيوني، «يائير لابيد»، بزيارة القاهرة في التاسع من ديسمبر/كانون الأول، وهي أول زيارة له إلى مصر منذ توليه حقيبة وزارة الخارجية في يونيو/حزيران الماضي.

وتأتي زيارة لابيد إلى مصر بعد حوالي ثلاثة أشهر من استقبال السيسي لرئيس الوزراء الإسرائيلي «نفتالي بينيت» في منتجع شرم الشيخ، في زيارة كانت الأولى على هذا المستوى منذ عشر سنوات.

وذكرت وسائل الإعلام الإسرائيلية أن الغرض من الزيارة هو تعميق العلاقات الإسرائيلية المصرية، وبحث القضية الفلسطينية والأوضاع في قطاع غزة، مع التركيز على مسألة الأسري والمفقودين الفلسطينيين.

ووفق بيان الخارجية المصرية، فإن لقاء لابيد ووزير الخارجية المصري، سامح شكري، قد تناول مناقشة عدد من قضايا العلاقات الثنائية وسبل تعزيز التعاون في المجالات ذات الأولوية للبلدين وأهمية العمل على إحياء مسار المفاوضات بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني في أقرب فرصة[8].

من جهته، شكر لابيد السيسي على “كرم الضيافة”، وقال إن “مصر شريك إستراتيجي مهم بشكل خاص لإسرائيل، وهدفي هو تعزيز علاقاتنا الأمنية والديبلوماسية والاقتصادية مع مصر، ومن المهم مواصلة العمل على السلام بين بلدينا”. وأشار لابيد في بيانه إلى أنه بحث مع السيسي “الوضع في قطاع غزة”، وعرض عليه برنامج “الاقتصاد من أجل الأمن، والخطوات التي اتخذتها الحكومة الإسرائيلية في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية”. وذكر أنهما تطرقا أيضًا إلى “محاولات إيران لتصبح دولة ذات قدرات عسكرية نووية[9].

وتجدر الإشارة هنا إلى أن الكيان الصهيوني يتمسَّك بربط عملية إعادة الإعمالر في قطاه غزة بإتمام صفقة الأسرى والوصول لهدنة طويلة الأمد، وذلك من خلال خطة أعلنها لابيد في سبتمبر/أيلول الماضي، وتقوم على “تحسين الوضع المعيشي للفلسطينيين في غزة، بشرط أن يوقف مسلّحو حماس هجماتهم ضد إسرائيل”. وذكرت وزارة الخارجية الإسرائيلية حينها أن هذه الخطة “لا ترقى إلى أن تكون سياسة رسمية للحكومة”، وهو ما يتفق مع رؤية الحكومة الجديدة التي لا ترغب في الانخراط في عملية حقيقية للسلام مع الفلسطينين، وترفض حل الدولتين.

ولكن حركة المقاومة الإسلامية «حماس» تضع شروطًا لأي صفقة تبادل محتملة مع الكيان الصهيوني، منها إطلاق سراح سراح النساء، والأطفال، والمرضى، وكبار السن، والذين مضى عليهم أكثر من ثلاثين سنة في السجن، بالإضافة الى الأسرى الستة الذين تمكنوا من انتزاع حريتهم من سجن جلبوع، وكذلك الأسرى المعاد اعتقالهم بعد أن أفرِج عنهم في صفقة شاليط.

وقبيل زيارة لابيد للقاهرة، حمَّلت فصائل المقاومة الفلسطينية الكيان الصهيوني مسؤولية تداعيات المماطلة في رفع الحصار عن قطاع غزة والتلكؤ في إعادة الإعمار. وذكر مصدر قيادي في حماس أن القيادتين السياسية والعسكرية للحركة تدرسان خيارات التصعيد مع إسرائيل، في ظل استمرار الحصار على قطاع غزة والتباطؤ في إعادة الإعمار وتفاقم الأزمات الإنسانية.

وعبّر المصدر عن استياء الحركة الشديد من سلوك مصر التي تتلكأ في تنفيذ وعودها تجاه غزة ولم تلتزم حتى اللحظة بما تعهدت به للحركة والفصائل الفلسطينية في ما يتعلق بإعادة الإعمار. كما أوضح أن مصر “تواصل التنغيص على المسافرين الفلسطينيين إلى قطاع غزة”، متهما إيَّاها بمنع الآلاف من السفر من القطاع دون مبرر. وقال المصدر القيادي في حماس إن سلوك مصر يعتبر تخليًا عن تعهدها بإلزام إسرائيل مقابل التزام المقاومة بالتهدئة[10].

وكانت مصادر من «حماس» قد صرحت بأن الحركة فوجئت أكثر من مرة بموقف مصري معطِّل للتفاهمات التي جرت في أوقات مختلفة مع حماس، وبأن القاهرة كانت أكثر تشددًا من الموقف الإسرائيلي في بعض القضايا، ولا سيما إعادة الإعمار، بعدما نقل وسطاء آخرون للحركة مواقف إسرائيل في هذا الخصوص، وأن حماس أعطت أكثر من مهلة للوسيط المصري للمضي قدمًا في التفاهمات مع الاحتلال الإسرائيلي والبدء بإعمار ما دمره هذا الاحتلال في القطاع وفق المنحة المصرية التي تمت تغطيتها من الإمارات وقيمتها 500 مليون دولار، لكن على الأرض لم يبدأ أي عمل حقيقي بعد[11].

وفي تعليق له على موقف الوسيط المصري، قال الكاتب والباحثالفلسطيني، “مصطفى الصواف”، إن الجانب المصري لا يمارس دور الوسيط في الملف الفلسطيني، بل دور الضاغط على الفلسطينيين وفصائل المقاومة. وأشار الصواف إلى أنه لم يتم تنفيذ أي من الوعود التي قطعها الجانب المصري بعد الحرب الإسرائيلية الأخيرة على قطاع غزة[12].

وفي سياق متصل، زار وفد أمني مصري قطاع غزة في 19 ديسمبر/كانون الأول، وأكدت مصادر مطلعة أن الوفد التقى بقيادات حركة حماس والجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وأن اللقاءات تركزت على 3 مواضيع هامة، هي إعادة إعمار قطاع غزة، وكسر الحصار الإسرائيلي للقطاع، والمصالحة الفلسطينية. ولفتت المصادر إلى أن الفصائل الفلسطينية أكدت أن المصالحة هي الخيار الأمثل للشعب الفلسطيني لحل كافة الإشكاليات[13].

وفي تصريح لوكالة «سبوتنيك» الروسية، قال عضو المكتب السياسي لحركة حماس، “مشير المصري”، إن زيارة الوفد المصري جاءت في إطار العلاقات مع الأشقاء من مصر، وأنه تمت مناقشة دور مصر فيما يتعلق بملف إعادة الإعمار، والمطالبة بضرورة الإسراع بإنجازه، وأن المطلوب من مصر هو الإيفاء في الوعود، باعتبار الأشقاء في مصر هم وسطاء في ملف التهدئة، ويدركون أن حالة التباطؤ والتلكؤ التي يمارسها العدو الصهيوني وغيره من الأطراف، في مسألة إعادة الإعمار، تدفع الأمور باتجاه الهاوية. وذكر المصري أن المقاومة تلقت جملة من الوعود من الأشقاء في مصر، وأنها تتمنى الإسراع في إنجازها، وبخاصة على صعيد الإعمار، والانسيابية بالحركة البشرية والتجارية[14].

تنهي مصر عام 2021، واقتصادها يعاني من نفس المشكلات الرئيسة، التي لم تجد لها علاجًا جذريًّا منذ سنوات، فحقيقة التنمية غير مطبقة في مصر، فالتنمية عمادها التراكم الرأسمالي والتقدم التكنولوجي، في حين أن مصر تركز كثيرًا في خطابها الإعلامي الخاص بالشأن الاقتصادي على أداء مختلف، مثل إنشاء مشروعات للبنية الأساسية غير مرتبطة بخطة تنموية، مثل التوسع في إنشاء وتنفيذ الكباري والأنفاق والطرق، دون الإشارة للتخطيط لما هو مستهدف من مجتمعات عمرانية، أو مناطق صناعة، أو مشروعات زراعية على ضفاف هذه البنية الأساسية.

فالحديث عن وحدات سكنية مفروشة، تنفذها الحكومة، أو مشروعات الطرق الممتدة بين المحافظات، أو استيراد قطارات السكة الحديد أو المترو، كلها قائمة على تصور خاطئ للتنمية، فما يتم في الحالة المصرية، ليس أكثر ولا أقل مما يمكن وصفه بالهروب للأمام، فترك توطين التكنولوجيا، أو إنتاجها محليًّا، هو إسهام في استمرار مصر كبلد متخلفة اقتصاديًّا، وبخاصة في ظل هذا التنامي السكاني، كما أن إهدار المتاح من التمويل المحلي في مشروعات عقارية، أو بنية أساسية غير مطلوبة، هو عين التخلف الاقتصادي. فثمّة تجارب ناجحة ركزت بشكل كبير على الاستفادة من المدخرات المحلية، وتوظيفها بشكل جيّد، لتساعد في بناء ناتج محلي قوي، قائم على قاعدة إنتاجية في قطاعات الزراعة والصناعة والتعليم والتكنولوجيا.

ومصر إذ تستقبل عام 2022، لم تُجب حكوماتها على الأسئلة الكبرى الخاصة بتحقيق نموذج ناجح للتنمية، ومن تلك الأسئلة، متى يتم التخلص من أزمة الديون، وإمكانية تحقيق تمويل مناسب للتنمية في مصر، يعتمد على الاستثمار وال، وليس الاستدانة الخارجية أو المحلية.

ومما يؤسف له في شأن الصناعة المصرية، أن هناك حالة إصرار على المضي قدمًا في تصفية شركات قطاع الأعمال العام[15]، أو خصخصتها، دون التفكير في إصلاح المتعثر منها، بل يتم بيع الشركات الرابحة أيضًا، ويتم كل ذلك دون أن يكون هناك بديل أو إحلال من قبل الحكومة أو القطاع الخاص لهذه الصناعات التي يمثل وجودها ضرورة تنموية للاقتصاد المصري.

وعلى الرغم من أهمية قضية التعليم في أي مجتمع يريد أن ينهض تنمويًّا وحضاريًّا، يلاحظ أن ما ذكر من توصيات لكثير من الدراسات والبحوث، من أهمية ربط التعليم ياحتياجات الصناعة، أو باحتياجات سوق العمل، غير معمول بها، بل الواضح للجميع، هو تراجع مستويات التعليم في كافة مراحله، ولا أدل على ذلك من تريب مصر على مؤشر جودة التعليم، على المستويين العربي والعالمي. ولم تقدم الحكومة بنهاية عام 2021، أي تصور للنهوض بقطاع التعليم، واعتباره حجر زاوية في قضية التنمية.

كذلك قضية الاعتماد على الخارج في توفير الغذاء، وبخاصة في السلع الإستراتيجية، مثل القمح والسكر وزيوت الطعام، وكثيرًا ما يتحدث الخطاب الإعلامي للحكومة عن استصلاح الأراضي، ولكن لم تتحقق بعد نتائج لهذا الحديث على أرض الواقع، لكي تحد من فاتورة استيراد الغذاء، فضلًا عن غياب إستراتيجية للاعتماد على الاكتفاء الذاتي النسبي لمصر من الغذاء، باعتبارها قضية تتعلق بالأمن القومي المصري، وبخاصة في ظل تقلبات السوق الدولية للغذاء، وارتفاع الأسعار، بعد أزمات كورونا، وما تتعرض له سلاسل الإمداد، وارتفاع تكاليف النقل والشحن والتأمين على حركة التجارة الدولية.

ومن أبرز الأحداث التي شهدها عام 2021، ويتوقع أن يزداد دوره، هو صندوق مصر السيادي، حيث تتم السيطرة على العديد من أصول مصر الرأسمالية المستغلة أو غير المستغلة، بحكم قانون إنشاء الصندوق، والذي يعطي الحق للرئيس، بنقل ملكية الأصول للصندوق، بعد العرض من رئيس الوزراء والوزير المختص فيما يتعلق بالأصول غير المستغلة، أو العرض من قبل رئيس الوزراء والوزير المختص، والتنسيق مع وزير المالية فيما يتعلق بالأصول المستغلة. وثمّة علامات استفهام كثيرة، على هذا الصندوق منذ نشأته، وإصدار قانونه، تتعلق بمسألة الرقابة على أموال الصندوق وتصرفاته، فضلًا عن أن فوائض هذا الصندوق لا تؤول إلى الموازنة العامة للدولة في نهاية كل عام مالي، ولكن ترحل للأعوام القادمة، فضلًا عن الحصانة القانونية والقضائية لتصرفات الصندوق في شأن الأصول الرأسمالية المملوكة للدولة، سواء بالبيع أو الإيجار أو التشغيل.

ولعل من أبرز القضايا والأسئلة الملحة التي لم تعد لها الحكومة المصرية جوابًا، ما يتعلق بالأموال الساخنة، وما تكبده للاقتصاد المصري من خسائر. ومما يتعجب له المرءُ، أن الحكومة تفخر بارتفاع رصيد هذه الأموال في مصر، حيث تقدر بقرابة 22 مليار دولار[16]. ولا يخفى على أحد أن الحكومة تحرص على هذه الأموال، لكي تدعم سعر صرف الجنيه، وكذلك دعم احتياطي النقد الأجنبي ليظل أعلى من 40 مليار دولار، ولا تعطي الحكومة أهمية لما تتكبده الموازنة العامة في مصر من فوائد على الأموال الساخنة، التي تبحث فقط عن أعلى سعر فائدة، بغض النظر عن أي اعتبارات أخرى.

قد تتسع الأجندة، التي تمثل جوانب القصور في أداء الاقتصاد المصري، خلال الفترة الماضية، وقد يتناسب الحديث عن أداء الاقتصاد المصري بين عامين، عام مضى وعام جديد، ينتظر فيها رؤية وبرامج يمكن المحاسبة عليها، مع حكومة ديمقراطية، ومجتمع مدني يقظ يحاسب ويراقب، ومؤسسات وهيئات رقابية، له استقلالية تمكنها من محاسبة الحكومة ومكافحة الفساد، ولكن الواقع في مصر بعيد عن هذا تمامًا، فلا الحكومة تخشى المحاسبة أو المراقبة، في ظل طبيعة العصا الأمنية التي تدار بها البلاد، ولا المؤسسات الرقابة الشعبية والحكومية تقوم بدورها.

وبقى ملمح أخير ومهم جدًا -يتعلق بالتداعيات الاجتماعية، للسياسات الاقتصادية التي تنفذها الحكومة المصرية- وهو رد فعل الناس واعتراضاتهم على تلك السياسات، وما أصابهم من أضرار تنال من مستوى معيشتهم، وانحدار مستوياتهم إلى ما دون خط الفقر، ولعل ما ينشر من نداءات واستغاثات عبر وسائل التواصل الاجتماعي، تعكس هذه الحالة من الضجر لدى شرائح ليست بالقليلة في مصر. ولعل ما تنشره بعض وسائل الإعلام من رد الفعل السلبي على حديث السيسي ووزير التموين عن رفع الدعم عن رغيف الخبز أو عدم منح بطاقة تموين للمتزوجين حديثًا، والإشارة إلى أن أجهزة الأمن رفعت تقارير تحذر من اتخاذ مثل هذه الخطوات، دليل على أن هذه الخطوات من قبل الحكومة لا تحظى بالدراسة والبحث الكافيين، لا على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي، ولا على الصعيد السياسي.

وقد أظهرت تصرفات الحكومة المصرية خلال الفترة الماضية، وبخاصة في عام 2021، نسف ما يُعرف بالعقد الاجتماعي، ويتوقع أن تستمر هذه التصرفات خلال عام 2022، وما بعده -إذا ما استمر تظام السيسي- فالسيسي والحكومة يتصرفان، وكأن فكرة العقد الاجتماعي غير موجودة أصلًا، فالسلطة تتصرف منفردة، دون أي اعتبار للمجتمع ومؤسساته، ويمكن أن يتضح هذا من خلال شاهدين فقط، من ضمن كثير من الشواهد التي تدلل على قيام السيسي والحكومة بإهدار فكرة العقد الاجتماعي، الشاهد الأول ما يتعلق بتصرفات السيسي في إدارة مشروعات كبرى، سواء فيما يتعلق بتقدير تكلفتها أو عمليات الإسناد الخاصة بها، وبرز ذلك بشكل كبير من خلال نموذج “الحاج سعيد” الذي أسند إليها طريق في منطقة «دشنا» خلال مؤتمر عام، بمخالفة كافة القوانين المنظمة لعمليات إسناد المشروعات العامة.

والشاهد الثاني ما يتعلق بالوضع المالي وطبيعة الإنفاق الحكومي، فالسيسي كثيرًا ما يتحدث إلى الشعب، وكأن موارد الدولة تأتي بعيدًا عن الضرائب أو مؤسسات القطاع العام والهيئات العامة. ففي عهد السيسي تمّت مضاعفة الإيرادات الضريبية أكثر من ثلاثة أضعاف، وهو ما يضع الحكومة والسيسي باعتباره على رأس السلطة التنفيذية تحت رقابة السلطة التشريعية والمجتمع المدني، بشكل كبير، ولكن حديث المَنّ والأذى هو ما يصدره السيسي وحكومته للشعب دافع الضرائب، وصاحب الاصول الرأسمالية للدول، وباقي مرافقها.

ولعله من المناسب أن نخصص بعض سطور هذا الدفتر، لقضيتين مهمتين، يتصدران أجندة اهتمامات المجتمع المصري، لما لهما من انعكاسات على مستقبله التنموي، وهما قضية الإنفاق على التعليم، وكذلك الأزمة التمويلية التي تمر بها مصر، ويتوقع لها أن تتفاقم خلال الفترة القادمة.

كافة تجارب النهوض الاقتصادي ونجاح مشروعات التنمية، تمّت من خلال التركيز على التعليم، منذ الأيام الأولى لخطط التنمية، وهذا ما حدث في اليابان، وكذلك في باقي دول جنوب شرق آسيا. ولعل تجربة الصين خير مثال على أهمية التعليم، وخوض صراع التكنولوجيا مع أميركا، يوضح لنا أهمية التعليم.

لكن يلاحظ على أداء الحكومة المصرية، وكذلك تصريحات السيسي، أن التعليم لا يمثل أولوية لديهم، بل صرح السيسي غير مرة بتصريحات تؤكد على انصرافه بالكليّة عن التعليم، مثل “هيعمل إيه التعليم في وطن ضايع”، أو أنه يريد أن يركز على تعليم فئة محدودة من أبناء المصريين، تعليمًا نوعيًّا، وهؤلاء يكونون مسئولين عن التقدم في مصر.

تعكس هذه التصريحات، غياب توصيات العديد من الدراسات التي أجرتها مراكز البحوث والجامعات، عن ضرورة التدريب في مراحل التعليم المختلفة، وأهمية ربط التعليم باحتياجات سوق العمل، وكذلك ربط التعليم باحتياجات الصناعة المصرية. فبدون التعليم تفقد مصر واحدة من أهم مواصفات سوق العمل، وهي الأيدي العاملة الماهرة، سواء للمتطلبات المحلية أو جذب الاستثمار الأجنبي، ولك أن تتخيل أن نسبة الأميّة في مصر تقترب من 25 بالمئة، ممن هم في سن فوق 15 سنة.

وفي الوقت الذي تشكو فيه وزارة التعليم ما قبل الجامعي، من عجز في المدرسين بنحو 320 ألف مدرس، وكذلك العجز في فصول الدراسة بنحو 250 ألف فصل[17]، تتجه للدعوة لإجراء امتحانات الثانوية العامة عبر جهاز “التابلت”، وهي التجربة التي لم يكتب لها النجاح، بسبب عدم توفر البنية التكنولوجية اللازمة لإجراء مثل هذه الامتحانات، مما عرض الوزارة للحرج، ولجوء المدارس إلى إجراء الاختبارات يدويًّا.

وفي إطار العجز المالي الذي تعانيه وزارة التعليم ما قبل الجامعي، تمّت الدعوة لالتحاق المعلمين للتدريس بدون أجر، كمتطوعين، وهي الدعوة التي سخر منها قطاع كبير من المجتمع المصري، في ظل الضغوط الاقتصادية والاجتماعية المستمرة منذ عام 2013.

وبشكل عام تعاني المؤسسات التعليمية في مصر من انخفاض مستوى الجودة، وبخاصة في المؤسسات التعليمية العامة، حيث تكدس التلاميذ والطلاب، وانخفاض رواتب المعلمين، ولجوء الكثير من المعلمين إلى الدروس الخصوصية، فضلًا عن أن الحكومة في معالجتها لأزمة الدروس الخصوصية، تنظر لها فقط في إطار محاسبة هؤلاء المعلمين ضرائبيًّا، بغض النظر عن التداعيات السلبية للظاهرة، سواء على مستوى الطلاب، أو في تكلفتها على ميزانية الأسر المصرية؟

لقد نصّ دستور 2014، على الالتزام بنسب معينة للإنفاق الحكومي على التعليم، منها نسبة 4 بالمئة على الأقل من الناتج المحلي الإجمالي، للتعليم ما قبل الجامعي، ونسبة 2 بالمئة على التعليم الجامعي، ونسبة 1 بالمئة على البحث العلمي. وتحتال الحكومة لاحتساب نسب الإنفاق على التعليم للتوافق مع النسب التي حددها الدستور، على الرغم من إعطائهم فرصة لفترة انتقالية استمرت 3 سنوات. وبالرجوع لقاعدة البنك الدولي وجد أن المتوسط العالمي لنسبة الإنفاق على التعليم كنسبة من الإنفاق الحكومي، بلغت 13.8 بالمئة[18]، بينما نجد هذه النسبة في مصر بحدود 9.5 بالمئة.

فكيف تنهض دولة، ولديها نسبة أميّة تقترب من 25 بالمئة؟ فضلًا عن تدني كفاءة التعليم، في كافة المراحل التعليمية. وفي الوقت الذي تشكو فيه وزارة التعليم من عجز في المدرسين، وعجز في الفصول الدراسية، نجد الحكومة تتوجه لبناء العديد من السجون، حتى بلغ عدد السجون ضعف ما كان عليه في عام 2013، فمصر لديها الآن نحو ما يزيد عن 80 سجنًا، بينما كان عدد السجون في عام 2014 بحدود 43 سجنًا، ويظهر الإعلام مدى التطور الذي حدث في بناء السجون، ومدى استيفائها لشروط ومعايير حقوق الإنسان، بينما وسائل التواصل الاجتماعي تنشر واقع المدارس المصرية في العديد من الأماكن بدون مقاعد للأطفال في الفصول الدراسية.

يمكن النظر إلى الأزمة التمويلية في مصر من خلال مؤشرين مهمين، وهما: مؤشر العجز الكلي بالموازنة العامة للدولة، وطريقة التعامل معه، عبر آليّة الديون، وما يتبعها من مشكلات. وكذلك مؤشر العجز بين الصادرات والواردات السلعية والخدمية.

ففي المؤشر الأول تبيّن أرقام البيان المالي لموازنة الدولة عن العام المالي 2021/2022، أن العجز الكلي بالموازنة بحدود 475 مليار جنيه، وأن فوائد الديون بالموازنة أيضًا بحدود 579 مليار جنيه[19]، وإذا ما أضيفت أعباء أقساط الديون إلى جملة الالتزامات التمويلية، فإننا أمام 1.06 تريليون جنيه، تحتاجها الحكومة خلال العام المالي 2021/2022، منها 990 مليار جنيه من السوق المحلي، و78 مليار من السوق الخارجي، وذلك وفق تقديرات البيان المالي للموازنة لعام 2021/2022[20].

ومن خلال تلك الأرقام، نجد أن الحيّز المالي المتاح للحكومة لتنفيذ مشروعات تنموية حقيقية، غير متوفر، ولذلك عندما نقول أن مصر لا تشهد وجود مشروع تنموي، فلدينا أهم هذه الشواهد المتمثلة في غياب التمويل. ولكن المؤسف أن الحكومة عندما تقترض من الداخل أو الخارج، فإنها تفرط في تخصيص هذه الأموال على بنود جارية وليست استثمارية، أو في جوانب ليس لها مردود من قيمة مضافة جيّدة، تساعد على سداد أعباء الديون من أقساط وفوائد، ولذلك تتراكم أعباء الديون، وتزيد التزامات الحكومة كل عام، وليس لديها من حل سوى تدوير الديون، أو استهلاك الجديد منها بالقديم.

وسوف نجد الحكومة في موازنة العام القادم 2022/2023، تعاني من نفس أزمة المديونية، من حيث زيادة قيمة الديون، وكذلك زيادة قيم الفوائد المطلوب سدادها، وبالتالي استمرار أزمة العجز الكلي بالموازنة، بما يؤدي إلى استمرار طلب الحكومة لديون جديدة تفوق ما حصلت عليه في العام المالي 2021/2022. لقد بلغت الديون المحلية 4.7 تريليون جنيه في يونيو 2021، وبلغت الديون الخارجية في نفس التاريخ 137 مليار دولار[21].

إن إدارة أزمة الدين، من خلال استبدال أذون الخزانة، بإحلال السندات مكانها، أو استبدال الديون قصيرة الأجل بأخرى طويلة الأجل، ليس حلًّا، ولكن المطلوب أن يكون لدى الحكومة إستراتيجية، ليكون الدين العام أقل من 60 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي. والأهم من جهة أخرى، أن يتم استخدام الديون وتوظيفها في أنشطة استثمارية يمكن من خلالها سداد كافة الأعباء المترتبة على هذه الديون.

ومن الضروري، أن تتم محاسبة الحكومة على استخدام ما تمّ اقتراضه من أموال خلال السنوات الماضية، سواء من الداخل أو الخارج، حتى لا تنتهي المسؤولية السياسية والاقتصادية، بتحميلها على الأجيال القادمة. وقد يحول دون تحقيق هذا المطلب، سيطرة النظام على إدارة المؤسسات الرقابية، فضلًا عن عصا الأمن الغليظة. ومن الأهمية بمكان، أن نذكر هذا المطلب، لنحافظ به على حق الأجيال القادمة، في أن تعيش حياة بلا أعباء لم تكن هي السبب فيها.

تناول الدفتر التشريعي لشهر ديسمبر/كانون الأول 2021، مشروعات القوانين التي أقرها مجلس النواب خلال جلساته طوال الشهر، وهي كالتالي:

قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 3400 لسنة 2021، بشأن التدابير اللازمة لمواجهة جائحة فيروس كورونا المستجد[22]، ومشروع قانون بتعديل بعض أحكام القانون رقم 82 لسنة 2006 بإنشاء الهيئة المصرية لضمان جودة التعليم والاعتماد، ومشروع قانون مقدم من الحكومةبتعديل بعض أحكام قانون الضريبة على القيمة المضافة، وإرجاء مناقشة مشروع القانون المقدم من الحكومة بتعديل بعض أحكام قانون ضريبة الدمغة الصادر بالقانون رقم 111 لسنة 1980، ومشروع قانون مُقدم من الحكومة بشأن أيلولة نسبة من أرصدة الصناديق والحسابات الخاصة والوحدات ذات الطابع الخاص وفوائض الهيئات العامة إلى الخزانة العامة للدولة، ومشروع قانون مقدم من الحكومة بتعديل بعض أحكام القانونين رقمى 102 لسنة 1986 بإنشاء هيئة تنمية واستخدام الطاقة الجديدة والمتجددة، بالإضافة إلى الموافقة على تعديل قانون تنظيم أكاديمية الفنون.

وكانت اللجنة العليا لإدارة أزمة الأوبئة والجوائح الصحية، برئاسة رئيس الوزراء، قد أصدرت عددًا من القرارات بشأن التصدي لفيروس كورونا مؤخرًا، وخاصة بعد ظهور المتحور الجديد (أوميكرون) الذي أوجب على الدول اتخاذ عدد من الإجراءات الاحترازية.

القرار نص على أنه “تتخذ كل أو بعض التدابير التالية لمواجهة خطر انتشار وباء فيروس كورونا، بما يحفظ الصحة والسلامة العامة، وتتولى اللجنـة العليـا لإدارة أزمـة الأوبئة والجوائح الصحية إصدار واتخاذ الإجراءات اللازمة لتنفيذ أى مـن تلك التدابير، وذلك فى ضوء ما تسفر عنه المتابعة للحالة الصحية وتقييمها لحالـة تفشى وباء فيروس كورونا، على أن يسرى هذا القرار لمدة عام من تاريخ العمل به، مع خضوع جميع التدابير الواردة به للمتابعة لتقدير الموقف”.

وشملت الإجراءات أيضًا حظر أو تقييد تقديم بعض المنتجات أو الخدمات ذات الأثر فى تفاقم الحالة الوبائية، وتنظيم إقامة المعارض والمهرجانات الثقافية والسينمات والمسارح ودور الثقافة.

ووفقًا لقانون مكافحة الأوبئة والجوائح الصحية، والذي أقره المجلس في نوفمبر/تشرين الثاني 2021، فإنه يحق لرئيس مجلس الوزراء، اتخاذ نحو 25 تدبيرًا لمواجهة الأوبئة والجوائح الصحية لمواجهة الأخطار بما يحفظ السلامة العامة.

ونص القانون فى المادة الثانية على تشكيل لجنة عليا تسمى “اللجنة العليا لإدارة أزمة الأوبئة والجوائح الصحية”، برئاسة رئيس مجلس الوزراء، وعضوية عدد من الوزراء المختصين، وحددت المادة 3 اختصاصات اللجنة فى إصدار القرارات واتخاذ الإجراءات اللازمة لتنفيذ أي من التدابير الواردة بقرار رئيس مجلس الوزراء المشار إليه في المادة الأولى من هذا القانون، وذلك في ضوء ما تسفر عنه المتابعة للحالة الصحية وتقييمها لحالة تفشي الأوبئة أو الجوائح.

وقد صدر في العام 2006 قانون بإنشاء الهيئة المصرية لضمان جودة التعليم والاعتماد، حيث كفل لها الشخصية الاعتبارية العامة و تمتعها بالاستقلالية على أن تتبع رئيس مجلس الوزراء، وقد عنى هذا القانون بتحديد أهداف الهيئة التي تقوم على نشر الوعي بثقافة الجودة، والتنسيق مع المؤسسات التعليمية بما يكفل الوصول إلى منظومة متكاملة من المعايير وقواعد مقارنات التطوير وآليَّات قياس الأداء استرشادًا بالمعايير الدولية، مع دعم القدرات الذاتية للمؤسسات التعليمية للقيام بالتقويم الذاتي، ووضع أسس وآليَّات استرشادية لقيام هذه المؤسسات بالتقويم الذاتي.

التعديل الوارد على القانون تطرق إلى زيادة الرسوم التي تضمنها القانون الحالي، وهي تكافئ المصاريف الفعلية التي تتكبدها الهيئة لفرق المراجعة التي تتولى زيارة المؤسسات التعليمية باختلاف أنواعها، حيث تم تحديدها منذ أكثر من عشر سنوات. وفق القانون فقد طرأ على تكاليف هذه الزيارات زيادات كبيرة أضحت معها هذه الرسوم التي تقوم المؤسسات بسدادها غير كافية لمواجهة هذه المصروفات.

في حين أن المضمون وهو الأهم في مسألة “جودة التعليم” يعتبر خاليًا، ولم يحقق من أهدافه الكثير، فمنذ العام 2006 إلى اليوم كانت جودة التعليم في مصر في مرحلة متدنية، وهو الأمر الذي يستوجب مراجعة القانون وفق الأهداف التي تعمل عليها الهيئة المصرية لضمان جودة التعليم والاعتماد.

وأشار تقرير لجنة التعليم بمجلس النواب، إلى أن قضية تطوير التعليم والتدريب التقني والفني والمهني تحتل مكانة بارزة ضمن أولويات الدولة، نظرًا للدور المهم الذى يمكن أن تلعبه منظومة التعليم والتدريب الفني والمهني[25].

في حين أشار النائب “ضياء الدين داوود” إلى مسألة إهمال الدولة للقانون من حيث المستهدف الأساسي المرجو منه، وهو تحسين جودة التعليم. وانتقد النائب مناقشة مثل هذه القوانين في غياب وزير التربية والتعليم، وهو الأمر الذي أثار جدلًا كبيرًا، وأشار إلى كون القانون الاصلي ما قبل التعديل صادر منذ سنوات، دون أن ينتج عنه جدوى حقيقية.

ويهدف القانون إلى إخضاع تعاملات التجارة الإلكترونية للضريبة من خلال تطبيق نظام تسجيل وتحصيل مبسط، بما يتوافق مع المعايير العالمية ومتطلبات الشركات الأجنبية، ويتسق مع تطبيقات التجارة الإلكترونية، علاوة على تقرير بعض الإعفاءات الضريبية التي تمس قطاعات حيوية مثل هيئة قناة السويس وتوفير مزايا للمناطق الاقتصادية ذات الطبيعة الخاصة لدعم الصناعات الوطنية وجذب الاستثمارات، دون تقرير أعباء إضافية على كاهل المواطن المصري[27].

كان ذلك استجابة للضغط الذي واجهه المجلس نظرًا للاعتراضات بسبب حجم الضرائب التي تثقل كاهل المواطن في جميع المجالات، حيث تمّت إضافة ضرائب على جميع القطاعات دونما زيادة في الدخل بما يتلائم مع هذه الزيادات.

وحددت المادة الأولي النسب التي تؤول للخزانة العامة للدولة من أرصدة الصناديق والحسابات الخاصة والوحدات ذات الطابع الخاص في 30/6/2021، لمرة واحدة على النحو الآتي:

5 بالمئة من الأرصدة التي تبلغ (5) ملايين جنيه ولا تجاوز (7.5) مليون جنيه

10 بالمئة من الأرصدة التي تزيد على (7.5) مليون جنيه، ولا تجاوز (15) مليون جنيه

15 بالمئة من الأرصدة التي تزيد على (15) مليون جنيه

وجاء في مشروع القانون أنه نظرًا لصدور القانون رقم 74 لسنة 2021 بربط الموازنة العامة للدولة للسنة المالية 2021/2022 اعتبارًا من 1/7/2021، وفي ضوء ما تضمنه هذا القانون من تقديرات للإيرادات لمجابهة المصروفات المعتمدة، تمَّ إعداد مشروع القانون بأيلولة نسب متدرجة من لأؤصدة الصناديق والحسابات الخاصة والوحدات ذات الطابع الخاص وفوائض الهيئات العامة في 30/6/2021 إلى الخزانة العامة للدولة لدعم موارد الموازنة العامة للدولة.

ويتوقع أن تحقق هذه النسبة من 2.5 مليار جنيه إلى 3 مليارات جنيه من الفائض المرحل من هذه الأرصدة والذى يبلغ نحو 36 مليار جنيه لعدد 7000 صندوق وحساب خاص[29].

وقضت المادة الثانية بأن يؤول إلى الخزانة العامة للدولة نسبة مقدارها (10 بالمئة) من أرصدة الفوائض المرحلة للهيئات العامة الخدمية والاقتصادية والقومية في 30/6/2021 لمرة واحدة، وذلك استثناء من أحكام القوانين والقراراتالمنظمة لهذه الهيئات التي تنص على ترحيل فوائضها من سنة مالية الى أخرى.

واستثنت المادة الثالثة أيلولة نسب الأرصدة والفوائض المنصوص عليها بالمادتين الأولي والثانية إلى الخزانة العامة كليًّا أو جزئيًّا بقرار يصدر من رئيس مجلس الوزراء بناءً على طلب السلطة المختصة وعرض وزير المالية.

وألزمت المادة الرابعة الجهات المشار إليها بالمادتين الأولي والثانية من مشروع القانون بتوريد النسب المنصوص عليها خلال ثلاثين يومًا على الأكثر من تاريخ العمل بهذا القانون إلى الحساب المفتوح لدعم موارد الموازنة العامة للدولة بالبنك المركزي المصري.

وأفاد تقرير اللجنة، أن القانون المقدم من الحكومة بالترخيص لوزير البترول والثروة المعدنية في التعاقد مع الهيئة المصرية العامة للبترول وشركة دراجون أويل ايجيبت هولدنج 2 ليمتدللبحث عن البترول وتنميته واستغلاله في منطقة تنمية شرق تانكة البحرية بخليج السويس (ج.م.ع)، يحقق بعض المكاسب، منها: الحصول على العديد من المنح غير المستردة، وإعطاء الأولوية للوفاء باحتياجات السوق المحلية من الزيت والغاز، وقيام المقاول بتدريب موظفي الهيئة بمبلغ 100 ألف دولار أمريكي تدفع عن كل سنة مالية طوال مدة سريان الاتفاقية.

ونظرًا لعدم وجود مشروعات كهرومائية كبيرة وجديدة ذات جدوى اقتصادية يمكن تنفيذها فى مصر، جائت فلسفة المشروع بإلغاء هيئة تنفيذ مشروعات المحطات المائية لتوليد الكهرباء وأيلولة أصولها إلى هيئة تنمية واستخدام الطاقة الجديدة والمتجددة المنشأة بالقانون رقم 102 لسنة 1986.

ونظرًا لأنه تم بالفعل استغلال جميع المساقط المائية الكبيرة على نهر النيل وفروعه ولم يتبق سوى قدرات مائية صغيرة أو مشروعات الضخ والتخزين، بالإضافة إلى تحقيق الهيئة خسائر كبيرة، وبناءً على ذلك أصبح من الملائم دمج نشاط هيئة تنفيذ مشروعات المحطات المائية ضمن أنشطة الطاقة المتجددة التى تقوم بتنفيذها وتعمل على تنميتها هيئة تنمية واستخدام الطاقة الجديدة والمتجددة.

واستعرضت النائبة «درية شرف الدين»، رئيس لجنة الثقافة والإعلام والآثار بمجلس النواب، فلسفة مشروع تعديل قانون أكاديمية الفنون المقدم من الحكومة.

وأوضح تقرير اللجنة أنه بعد مرور ما يجاوز 35 عامًا على صدور القانون رقم 158 لسنة 1981 بتنظيم أكاديمية الفنون دون أن يطرأ عليها تعديل، ولما كانت الضرورة العملية حال تطبيق القانون، أوجبت تعديل بعض أحكامه بما يتواكب ومستجدات الأوضاع الراهنة.

وأضاف أن المادة 82 من القانون الحالي قصرت تعيين الأساتذة المتفرغين على من يبلغ سن المعاش وهو بدرجة أستاذ فقط دون ما عداها من باقى درجات أعضاء هيئة التدريس، وهى درجتا الأستاذ المساعد والمدرس، متابعا: “فى ضوء حاجة الأكاديمية لخبرة أبنائها من أعضاء هيئة التدريس، ونظرًا لندرتهم في مجال تخصصهم وطول فترة إعدادهم، فيتعين تعديل تلك المادة لتتيح تعيين جميع درجات أعضاء هيئة التدريس كأساتذة أو أساتذة مساعدين أو مدرسين متفرغين، وذلك على غرار ما هو معمول به بقانون تنظيم الجامعات في مادته رقم (121)”.

كما أجازت المادة المقترحة ندب وإعارة الأساتذة أو الأساتذة المساعدين أو المدرسين المتفرغين على أن يكون ذلك بضوابط يضعها مجلس الأكاديمية بما يراعى حسن سير العمل.

كما وافق مجلس النواب في جلسة 14 ديسمبر/كانون الأول 2021، على قرارين جمهوريين باتفاقيتين دوليتين كالتالي:

دفاتر مصرية – ديسمبر/كانون الأول 2021

أعاد الكيان الصهيوني إلى مصر بعض القطع الأثرية المسروقة والمهربة إليه بشكل غير قانوني، في خطوة قيل إنها لتكريم رأس النظام، السيسي، وقد فتح هذا الحدث بابًا يرغب النظام المصري في الإبقاء عليه مغلقًا، وهو استعادة الآثار التي سرقها الصهاينة أثناء احتلال سيناء، والتي يعترفون بسرقتها، وذلك على الرغم من وقوف القانون الدولي إلى جانب مصر إذا ما طالبت باسترداد هذه الآثار.

ومن سرقة الآثار، وهي الموضوع الأول، ننتقل إلى الموضوع الثاني، وهو الغزو الثقافي، أو التغريب، حيث تتعرض أخلاقنا المستمدة من الدين والمرتبطة بقيمنا الإنسانية الشرقية لحملة غربية ممنهجة، تستهدف إحلال منظومة أخلاقية مغايرة، تبيح ممارسات خبيثة، مثل الشذوذ الجنسي.

أعلنت القاهرة في 9 ديسمبر/كانون الأول أنها استردت 95 قطعة أثرية مصرية مسروقة من الكيان الصهيوني. وذكرت وسائل الإعلام أن وزير الخارجية الإسرائيلي، «يائير لابيد»، قد حمل القطع الآثرية معه على الطائرة التي أقلته إلى القاهرة، وأنه سلمها إلى وزير الخارجية المصري، «سامح شكري»، كبادرة طيبة تجاه مصر[33].

وبحسب ما ذكرته صحيفة «يديعوت أحرونوت»، فإن القطع الأثرية المصرية المسروقة تضم أجزاءً من نقوش حجرية هيروغليفية، وجزءًا من تابوت خشبي به نقوش مصرية، ونقوش على ورق البردي، فضلًا عن تماثيل لآلهة المصريين القدماء. وذكر موقع الصحيفة العبرية أنه تمت مصادرة الدفعة الأولى من هذه القطع الأثرية في مارس/آذار 2013، عقب إحباط محاولة تهريبها إلى داخل الكيان الصهيوني، فيما صودرت دفعة أخرى في أغسطس/آب من العام ذاته. وأضاف الموقع الإسرائيلي أن هيئة الآثار أخطرت السلطات المصرية بهذه القطع عن طريق الإنتربول، مؤكدًا أنه بناءً على طلب السلطات المصرية فتحت سلطة الآثار الإسرائيلية تحقيقًا تمّت على إثره مصادرة القطع الأثرية.

وكالعادة، استغلت وسائل الإعلام المصرية الخبر في الترويج للنظام، وإظهاره في مظهر المهتم باسترداد آثار مصر الموجودة في الخارج، حتى إن صحيفة «الأخبار» عنونت للخبر بعنوان عامي ركيك، ينم عن عنترية كاذبة، تقول فيه: “مصر مش هاتسيب حقها”، وكأن السلطات المصرية هي التي أعادت الآثار المهربة. والحقيقة هي ما أعلنته وسائل الإعلام العبرية، التي قالت إن النظام الصهيوني هو الذي ضبط الآثار المهربة، وأخبر الجانب المصري، وأن الوزير الإسرائيلي يخطط للقيام ببادرة تكريم للسيسي، حيث سيعيد الكيان الصهيوني إليه قطع أثرية مصرية تم تهريبها بشكل غير قانوني، وحفظت حتى الآن من جانب مسؤولي الآثار الإسرائيليين[34]. أي أن الأمر لا يعدو أن يكون مجاملة بين حليفين.

لم تذكر لنا الصحيفة كيف خرجت هذه الآثار من مصر حتى وصلت إلى الكيان الصهيوني؟ ومن الذي يقف وراء سرقة الاثار المصرية من المخازن والمواقع الأثرية ويساعد في إخراجها من المعابر المصرية؟ ولماذا لم تشترط مصر عودة الآثار المنهوبة في اتفاقية السلام مع الصهاينة؟ ولماذا تقاعست الحكومة حتى الآن عن شكوى الكيان الصهيوني في اليونسكو لمطالبة دولة الاحتلال بإعادة الآثار المسروقة؟

ولم يشر أحد من المسؤولين في وزارتيْ الخارجية والآثار المصريتين شيئًا عن آثار مصر التي سرقها الكيان الصهيوني من شبه جزيرة سيناء بعد احتلالها في 1956 و1967؟ وهل ستطالب القاهرة بتلك الآثار التي مازالت موجوده هناك وتعرضها المتاحف الإسرائيلية في ظل العلاقات الوثيقة بين النظامين الانقلابي والصهيوني أم لا؟

كانت صحيفة «معاريف» العبرية قد ذكرت في سبتمبر/أيلول 2020، أن وزير الدفاع الإسرائيلي الأسبق، «موشيه ديان»، عكف على سرقة الآثار المصرية في سيناء، بعدما كان يشرف بنفسه على أعمال الحفر للكشف عن الآثار في سيناء. وأوضح الصحفي الإسرائيلي، «عيدو ديسنتيك»، أن والده «آريي»، الذي كان محررًا لصحيفة معاريف، ضبط أثناء خدمته في قوات الاحتياط، موشيه ديان، وهو يسرق الآثار في شبه جزيرة سيناء، وبأنه كان يشرف على أعمال الحفر للكشف عن الآثار، ثم أرسلها إلى بيته في تل‌أبيب، عبر مروحيته الخاصة.

وأرفقت الصحيفة العبرية صورًا لمنزل موشيه ديان، وهو مليء بالآثار الفرعونية المسروقة من سيناء. وأشارت إلى أن ديان قام بالحفر بحثًا عن الآثار في منطقة «سرابيط الخادم» الأثرية، التي تقع جنوب غرب سيناء، وكان يحط بمروحيته الخاصة في المناطق المصرية، ويخفي الآثار في أكياس تمهيدًا لنقلها إلى بيته. ولفتت الصحيفة العبرية إلى أن وسائل الإعلام الإسرائيلية، الصادرة باللغة العبرية، خاصّة صحيفة معاريف نفسها، لم تكتب عن سرقات ديان الآثرية إلا في عام 1981، بعد اعتزاله العمل السياسي[35].

وقبلها، ذكر موقع «لوكال» الإسرائيلي التابع للقدس المحتلة أن متحف إسرائيل افتتح معرضًا للآثار المصرية، وذلك في شهر مارس/آذار 2016. وبحسب التقرير العبري، فإن المعرض الإسرائيلي احتوي على آثار فرعونية، تعود إلى فترة حكم الإمبراطورية المصرية القديمه لـ”أرض كنعان”. وأشار التقرير العبري إلى أن الآثار تعرض لأول مرة تاريخ فترة الحكم المصري لأرض فلسطين، أو أرض كنعان.

وتذكر تقارير عبرية أن “المتحف الإسرائيلي” في تل أبيبيعرض آثارًا مصرية كثيرة، وهي عبارة عن قلادات وتماثيل مصنوعة من الذهب الخالص، توجد في ركن مخصص للآثار المصرية يضم 700 قطعة أثرية. وترجع هذه الآثار إلى القرنين الثاني عشر والثالث عشر والقرن التاسع عشر قبل الميلاد. ومن بين هذه الآثار سيف الملك الفرعونى «توت عنخ آمون» المعروف باسم «سيف المنجل».

هذا بالإضافة إلى التقارير الصحفية المصرية العديدة التي ذكرت أن الإسرائيليين شكّلوا أثناء احتلال سيناء لجانًا من علماء الآثار، وقاموا بمسح أثري لساحل البحر المتوسط، وحفروا في مواقع عديدة، منها الشيخ محسن، والنبي صالح، ووادي فيران، ومغارة، وسرابيط الخادم، ووادي النصب، وخريج بجنوب سيناء، واكتشفوا الكثير من الآثار، وهو ما اعترف به عالم الآثار الإسرائيلي، «أورين»، عام 1994، في أحد مؤلفاته.

لم تحرك اعترافات الإسرائيليين المتتالية بسرقة الآثار المصرية وعرضها في متاحف الكيان الصهيوني ساكنًا لدى النظام المصري الذي تربطه بالصهاينة علاقات وطيدة وتحالف غير مسبوق، وكان التجاهل التام هو سيّد الموقف على المستويين الرسمي والإعلامي، حتى إن الإعلام العالمي كان أكثر اهتمامًا بهذه السرقات من الإعلام المصري الموجَّه، والذي لا يمكن أن يسيء إلى علاقات النظام مع الكيان الصهيوني.

وحول إمكانية استرداد الآثار المصرية التي سرقها الكيان الصهيوني، يرى رئيس قطاع الآثار المصرية السابق، الدكتور «محمد عبدالمقصود»، أن القاهرة يمكنها أن تسترد تلك الآثار، وذلك بالاستناد إلى اتفاقية لاهاي لعام 1899 و1907، خاصة وأن السرقة تمّت من مواقع أثرية ثابتة ومعروفة، وقعت تحت الاحتلال، وتمّت سرقتها زمن الحرب. ويؤكد عبدالمقصود أن الاعترافات الإسرائيلية توثق هذه السرقة، وأن ما يُعزز موقف مصر هو أن أحد أهم الضالعين في سرقة الآثار هو موشيه دايان، وكان مسؤولًا رسميًّا وقت السرقة، وهو ما يلقي بالمسؤولية على عاتق الحكومة الإسرائيلية[36].

جدير بالذكر أن الحكومة المصرية كانت قد أعلنت أنها استردت نحو 1800 صندوق تحتوي على آثار من الكيان الصهيوني بعد مفاوضات ثنائية بينهما، وذلك بين عامي 1992 و1996، ولكن خبراء مصريين يتهمون مسؤولي الآثار بأنهم خدعوا الشعب المصري حينما قالوا إننا استعدنا الآثار المسروقة من الكيان الصهيوني، لأن معظمها كسرات فخار وأخشاب مهشمة وعينات من الأتربة والصخور، وهي أشياء لا تتمتع بقيمة أثرية أو تاريخية، بالقياس إلى ما يكشف عنه الإسرائيليون بين الحين والآخر من قطع أثرية قيّمة.

تجدد في الفترة الماضية الجدل حول خطورة المساعي الغربية لفرض منظومته الأخلاقية على مجتمعاتنا الشرقية، ونشره لمظهر من مظاهر هذه المنظومة، وهو الشذوذ الجنسي، تحت مظلة الحريات وحقوق الإنسان وتقبل الآخر المختلف، والترويج لذلك عبر فعاليات تدخل بيوتنا ويراها أبناؤنا، مثل مباريات كرة القدم والأعمال الفنية التي تتابعها قطاعات كبيرة من المشاهدين، بل وأفلام الكارتون التي يشاهدها الأطفال، وتؤثر في تشكيل شخصيتهم.

وكان إدلاء شيخ الأزهر، «أحمد الطيّب»، بدلوه في هذا الموضوع هو آخر تجليَّات هذا الجدل، وذلك بعد أن حذر في لقائه مع سفير الهند بالقاهرة، «أچبت چوبتيه»، في 19 ديسمبر/كانون الأول، من أن “ما نشهده الآن من غزو ثقافي غربي لمجتمعاتنا الشرقية، والذي هبَّ علينا كالغيوم السوداء الداكنة بدعاوى الحقوق والحريات؛ لتقنين الشذوذ والتحوُّل الجنسي وغير ذلك من الأفكار غير المقبولة شرقيًّا ولا دينيًّا ولا إنسانيًّا؛ لهو سطو على حق الإنسانية والحياة في استمرارهما كما أرادهما الله، وازدواجية في تفسير حقوق الإنسان، وتعديًا على حق الشرق في اتباع الدين، واعتباره مرجعًا أصيلًا لرفض هذا الطوفان من الأفكار المنحرفة”[37].

نسب الشيخ ما يحدث في هذا المجال إلى “الغزو الثقافي الغربي”، أو ما يُعرَف بالتغريب، ذلك المصطلح الذي فرض نفسَه على عالمنا الإسلامي بعد حركة الاتصال بين الشرق والغرب في عصرنا الحديث، وهو “محاولة تغيير المفاهيم في العالم العربي والإسلامي والفصل بين الأمة وبين ماضيها وقيمها، والعمل على تحطيم هذه القيم بالتشكيك فيها وإثارة الشبهات حول الدين واللغة والتاريخ ومعالم الفكر ومفاهيم الآراء والمعتقدات جميعًا”[38]، كما أنه “دعوة كاملة، لها نظمها وأهدافها ودعائمها، ولها قادتها الذين يقومون بالإشراف عليها. وهي حلقة من مخطط واسع في تأكيد الاستعمار ودعمه، قوامها عمل استعماري فكري بعيد المدى، قصد به القضاء على معالم شخصية هذه الأمّة وتحويلها إلى صورة غريبة الملامح، لتخليصها من القيم والمثل والتراث الذي يتصل بها والذي كان عاملًا على تكوينها خلال الأجيال الطويلة”[39].

ويتحرك التغريب في مسارات عديدة، ويعمل على مستويات مختلفة لطمس معالم الشخصية الإسلامية، وتظهر آثاره في كل مجالات الحياة في العالم الإسلامي، في الثقافة والسياسة والاقتصاد والتعليم والأخلاق والسلوكيّات و… إلخ.

ويُعَد تغريب الأخلاق والسلوكيّات من أخطر جوانب التغريب، إذ تتمركز حركته حول نقل الأخلاق والسلوكيّات الغربية إلى ديار المسلمين، ولهذا فإنهم “جلبوا إلى هذه الديار نساءهم الكاسيات العاريات، وخمورهم ومسارحهم ومراقصهم وملاهيهم، وقصصهم وجرائدهم، ورواياتهم وخيالاتهم، وعبثهم ومجونهم، وأباحوا فيها من الجرائم ما لم يُبيحوه في ديارهم، وزينوا هذه الدنيا الصاخبة العابثة، التي تعج بالإثم وتطفح بالفجور، في أعين البسطاء الأغرار من المسلمين الأغنياء، وذوي الرأي فيهم، وأهل المكان والسلطان”[40].

وتظهر آثار التقليد للسلوكيات الغربية في بيوت كثير من أبناء الأمة، حيث لا ترى فيها إلا مظاهر أوروبية، وعادات غربية، ولغة أجنبية، وخدمًا لا يمتون إلى مصر ولا ينتسبون إليها بنسب، وأولادًا من بنين وبنات تتشكل هويتهم وأخلاقهم في بيئة غربية، حتى ةإن لم يغادروا بلادهم، وهؤلاء هم الذين سيقودون البلاد في مستقبلها، وتنظر إليهم عيون المقلدين من بقية الشعب.

وللتحذير من هذه الحملة التغريبية الممنهجة على منظومتنا الأخلاقية، نبَّه مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية من تلك الحملات التي تقف وراءها منظمات عالمية تمتلك وسائل إعلام وبرامج ترويجية وغنائية ومنصات إلكترونية، وتوظف شخصيات شهيرة للدعاية لأهدافها. واستنكر المركز بشدة تلك المخططاات االشيطانية وما تهدف إليه من هدم منظومة القيم الأخلاقية والاجتماعية لمؤسسة الأسرة ومسخ هوية أفرادها والعبث بأمن المجتمعات واستقرارها.

وأشار المركز إلى أن محاولات فرض ثقافة الشذوذ الجنسي على العالم الإسلامي بدعوى قبول الآخر، وكفالة الحقوق والحريّات هو من قبيل التَّلاعب بالألفاظ، والتَّنكر للدين والفطرة والقيم الإنسانية، والعودة إلى عهود التسلط الفكري في أزمنة الاستعمار وفرضِ الوصاية على الشعوب والأمم؛ مُشدّدًا على ضرورة احترام ثقافات الدول والمجتمعات، وأهمية تمسُّك المجتمعات الإسلامية والعربية بهويَّتها، وقِيَمها، وتعاليم دينها الحنيف.

وعلى الرغم من ذلك فإن القطيعة مع الغرب ليست هي الحل، وإنما الحل في إدراك الاختلافات بين الحضارتين الغربية والشرقية في الأصول والقيم، والتمسُّك بعناصر القوة في مجتمعاتنا والمحافظة عليها، والاستفادة من مكامن القوة في الحضارة الغربية.

وأول ما ينبغي أن ندركه في مجال القيم والأخلاق والسلوكيات هو أن المنظومة الغربية تركز على اللذة والاستقلالية والحرية المطلقة، ومن هنا جاءت فكرة الفردانية، التي تعبر عن تلك النزعة للفرد، وتشجعه على التمرد على القيم، لأنها تعتبر القيم نسبية، وترى أن المبادئ مجرد اتفاق جماعة معينة من الناس ليس أكثر، ومن الممكن لأي اتفاق أن يقر القيم والمبادئ التي ترضى عنها الجماعة[41].

وبما أن مصدر الأخلاق في الحصارة الغربية الحديثة هو العقل البشري المحدود، أو ما يتفق عليه الناس في المجتمع «العرف»، فإن القيم والأخلاق متغيرة من مجتمع لآخر ومن مفكر لآخر، ويمكن في حالة الاتفاق إقرار الأمور الخبيثة والدعوة إليها بوصفها قيمًا أو أخلاقًا توافقت عليها الجماعة.

أما المنظومة الإسلامية فإنها تعتبر الأخلاق شيئًا ثابتًا، لأن مصدرها هو الوحي، ولهذا فهي قيم ومثل عليا تصلح لكل إنسان بصرف النظر عن جنسه وزمانه ومكانه ونوعه.

وبناءً عليه فإنه ليس كلُّ ما تراه الكيانات المنحرفة عن ركب الفطرة والقِيَم الإنسانية قيمةً من القيم، هو كذلك في واقع الأمر، فقد ترى هذه الكياناتُ بعضَ السلوكيات حسنًا وهو في ميزان الأديان، والقيم الشرقية الحضارية، في مُنتهى السوء والقُبح[42].

يتناول الدفتر الإعلامي عن شهر ديسمبر/كانون الأول 2021، التوجيه الأمني للإعلام في مصر، من خلال طريقة تعاطي الإعلام المصري مع قضية تسريبات مستشاري السيسي، إضافة إلى حديث رئيس المجلس الأعلى للإعلام، «كرم جبر»، عن مسألة التجاوزات الإعلامية وعدم مسامحة مَن يقومون بها، وانتهاءً بمناقشةٍ قامت بها لجنة الثقافة والإعلام والسياحة والآثار في مجلس الشيوخ للإستراتيجية الإعلامية 2030.

أثار الإعلامي واليوتيوبر المصري «عبدالله الشريف»، الرأي العام والأوساط الإعلامية في مصر، خلال شهر ديسمبر/كانون الأول، من خلال تسريبات عرضها تحتوي على فضائح لمستشارين في القصر الجمهوري، أثناء حديثهم عن مبالغ ضخمة تم تحصيلها بغير الطرق الرسمية.

ويظهر في التسجيل الصوتي ما تبدو محادثة هاتفية بين شخصين، قالا خلالها “إنهما من مستشاريْ الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، وإن أحدهما ضابط برتبة لواء يُدعى فاروق القاضي، وهو ينسق لرشاوى بملايين الجنيهات مع سيدة تدعى ميرفت محمد علي”.

الإعلام غير الرسمي “السوشيال ميديا” تفاعل مع هذا الأمر تفاعلًا كبيرًا، نقدًا وتأييدًا، من خلال الصفحات العامة والخاصة والبرامج الحوارية التي تُبَث على قنوات اليوتيوب وغيرها من منصات التواصل الاجتماعي المختلفة.

أما الإعلام المصري، من خلال الصحف والقنوات الفضائية الخاصة والحكومية كذلك، فلم يتفاعل أبدًا في بادئ الأمر مع تسريبات عبدالله الشريف، في حالة من التجاهل تطرح تساؤلات عديدة، حيث من غير الطبيعي أن تسكت جميع وسائل الإعلام عن التعليق على موضوع في غاية الخطورة مثل هذه التسريبات.

غير أن الأمر لم يكن مجرد “تجاهل” من الإعلام المصري لما يطرحه عبدالله الشريف، ففي غضون ساعات أو أيام قليلة، وعقب تعليق وزارة الداخلية ببيان رسمي تنفي فيه ما ورد في تسريبات “مستشاري السيسي” من معلومات، تدافعت جميع وسائل الإعلام في حالةٍ من السيولة الإعلامية للتعليق على ما ورد في هذه التسريبات بعد حالةٍ من الصمت المطلق، لتردد فيه وسائل الإعلام ما أوردته وزارة الداخلية من معلومات، إضافة إلى تناول شخص عبدالله الشريف بالطعن والنقد والتخوين.

التناول الإعلامي أظهر التوجيه الأمني لمؤسسات الإعلام بشكل كبير، إذا ما قورن بالتعليقات “الحرة” التي لا تخضع لرقابة والتي قام الناس بها على وسائل التواصل الاجتماعل، من مناقشات حتى لبيان الداخلية نفسه، وعرض ما به من خلل أو عدم جديته في إثبات كذب عبد الله الشريف، بين التأييد والرفض، وبين ما قام به الإعلام من حملات موجهة لاغتيال الشخصية كما هو متبع منذ 2013.

وهو ما يدفع إلى القول بأنه ثمَّة توجيه مباشر في تعامل الدولة مع الوسائل الإعلامية، من دون ترك أي مساحة حرية للتعاطي مع الموضوعات المختلفة إلا في حدود ما تقرره الدولة، وأجهزتها المختلفة، وربما ليست هذه هي الحادثة الأولى التي يظهر فيها مدى التزام الإعلام المصري بكافة قنواته بالتعليمات الحكومية دون أي انحراف عنها خشية الإبعاد كما هو متبع من قبل النظام في مصر.

فمنذ العام 2013، وقيام الانقلاب العسكري في مصر، سادت مشاعر التوجس والريبة في الأوساط الإعلامية، بعدما شهدت أحلامًا بتطوير وتحرير المهنة، بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير، حيث واكبت مرحلة الانفتاح السياسي ميلاد منابر إعلامية عديدة.

وفي دراسة نشرها مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، عن دور الإعلام بعد أحداث 30 يونيو/حزيران، ذكرت أن سبب هذه المشاعر من التوجس وعدم الحرية في الأوساط الإعلامية تعود إلى النخبة الحاكمة، فهي تتوجس من الإعلام الحر أو غير الخاضع للسيطرة التامة على خلاف نظام مبارك الذي ظن أن قبضته الأمنية سوف تنتصر على الحريات في وقت تعارض المصالح[43].

ويستمر هذا التوجس برغم عداء الإعلام الخاص للإخوان المسلمين وقت حكمهم – ما عدا الإعلام الممول من التيَّار الإسلامي – وقيامه بشبه تنسيق لخطاب إعلامي مناوئ لحكم الإخوان وسياساتهم. ويعود التوجس في أحد أسبابه إلى نوع من التنافس المكتوم على موارد الدولة بين بعض رجال الأعمال والنظام، بما يضع المصالح الاقتصادية في تعارض.

وقد أعقب الإغلاق التدريجي للمجال العام آليَّة أشبه بمفهوم الطرد المركزي المستمد من علوم الطبيعة، بشكل أدى إلى إنشاء منصات إعلامية صغيرة اقتصاديًّا بعيدة عن المركز تتسم بالمرونة وسرعة الأداء الإعلامي منها «زائد 18» أو «بوابة يناير» أو «المنصة» ومن قبلهم «مدى مصر»، وخروج عدد من كوادر الإعلاميين ذوي الانتماءات المغايرة عن التيَّار الرسمي من منظومة الإعلامالمصري إلى أنماط إعلام مهاجر خارج مصر مع الاهتمام بالشأن المصري[44].

وقد مرت العلاقة بين الصحافة والسلطة في مصر بمحاولات “استغواء”، حيث يقول أحد الصحفيين لموقع «فرانس 24»: “غالبًا ما كان هناك تصور أن الإعلام جزء من الثغرة التي أدت إلى 25 يناير (2011) التي أطاحت بالرئيس السابق حسني مبارك”[45].

ويتابع، هناك وعي بذلك عبّر عنه السيسي خلال لقاء خاص مع الضبّاط، حينما قال: “محتاجين نعمل لنا أذرع إعلامية”. ويضيف: “مرحلة البحث عن أذرع كانت واسعة وفضفاضة، واستخدمت عدة وسائل، مثل الترغيب والتحالف، باعتبار أن الإعلام ساهم إلى حد الشراكة (مع النظام) في احتجاجات 30 يونيو”.

صرح المجلس الأعلى للإعلام برئاسة الكاتب الصحفي «كرم جبر» على احترامه لحرية الرأي والتعبير المكفولة طبقًا للدستور، مع ضرورة “التزام وسائل الإعلام المختلفة بالقوانين والأكواد الإعلامية ومواثيق الشرف الإعلامي، التي تثمن الحفاظ على الرموز المصرية وعدم إهانتهم أو ازدرائهم أو التقليل منهم أو أن ينسب لهم تصريحات مجتزأة أو مقتطعة من سياقها”[46].

وثمَّن المجلس “الدور الوطني الذي يقوم به الإعلام المصري تجاه “القضايا الوطنية” ووقوفه صفًّا واحدًا مع الدولة المصرية في كل ما يواجهها من تحديات، ودوره البارز الذي لا يقبل التشكيك في الوقوف كخط دفاع قوي في ظهر الدولة المصرية والدفاع عن القضايا الوطنية، ومواجهة وسائل الإعلام التي تحاول تشويهها أو النيل منها”[47].

يُلاحظ في بيان المجلس الخلط بين الدفاع عن الدولة المصرية وبين الدفاع عن النظام المصري، حيث يمتلك الإعلام المصري الحرية الكاملة في اغتيال شخصيات معارضة للنظام والسكوت عن الانتهاكات التي تجري بحقهم، في حين يُحاكم المجلس الأعلى للإعلام أي جهة إعلامية حال تعرضها لإحدى الشخصيات الرسمية في الدولة.

ودعم المجلس في بيانه، ما أسماه “دور النقابات المهنية في وضع الضوابط اللازمة لممارسة المهنة على سبيل الاحتراف، إما بموجب عضوية النقابة أو بناء على تصريح يصدر منها على النحو الذي أقره القانون واللوائح المنظمة ذات الصلة”.

ففي الآونة الأخيرة، ظهرت على الساحة المصرية أزمة تناولتها وسائل الإعلام بكثير من الاهتمام والتفاعل، حيث تكررت مسألة الإيقاف لمطربين شعبيّين أو مطربي مهرجانات من قبل نقابة المهن الموسيقية التي يترأسها «هاني شاكر»، وذلك في سياق تناول الأشخاص والمحتوى الذي يتم تقديمه، ومدى اتساقه في عرف المجتمع المصري.

قضية الاتساق مع “الذوق العام” استعملها الإعلام المصري كذلك كمظلة لممارسة دور “رجل الأمن” وليس دور الإعلامي الذي يعالج القضايا عن طريق النقاش المجتمعي، وقد ظهر ذلك في أزمة المطرب الشعبي «عمر كمال»، الأخيرة بعد الحملة التي شنها عليه الإعلام بسبب إحدى كلماته التي قالها في أحد المهرجانات، والتي فسرت على أنها إهانة لمصر.

امتد الدور نفسه ليطال النقابات المهنية، فما قامت به نقابة المهن الموسيقية مع المطربين الشعبيّين خلال هذه الفترة هو امتداد للدور الشمولي الذي امتازت به الدولة بكامل مؤسساتها، فمسألة “الحفاظ على الذوق العام” هو أمر يخضع للتفاوت في الرأي ويتم بحثه من خلال آليَّات عديدة، وإلا فمسألة المنع في ظل العالم الرقمي الذي أصبحنا نعيش فيه غير فعالة ولن تجدي في منع المحتوى الذي شاع بشكل غير مسبوق.

واستكمالًا لبيان المجلس، فقد أعلن في نهاية اجتماعه، فتح تحقيق مع القنوات التي تجاوزت في التغطيات الإعلامية خلال الفترة الماضية التي لا تتفق مع الأكواد الإعلامية ومواثيق الشرف الإعلامي، وذلك طبقًا للشكاوى المقدمة إلى المجلس ومتابعات أجهزة الرصد الخاصة بالمجلس.

ناقشت لجنة الثقافة والإعلام والسياحة والآثار في مجلس الشيوخ برئاسة الكاتب «محمود مسلم» الإستراتيجية الإعلامية 2030، بحضور الكاتب الصحفي كرم جابر رئيس المجلس الأعلى للإعلام.

واستعرض رئيس المجلس الأعلى للإعلام، أمام اللجنة أبرز محاور وأهداف إستراتيجية الإعلام خلال الفترة المقبلة وأبرز تحدياتها، مؤكدًا أهمية اللقاء الذي يتناول مشكلات الإعلام التي تطرح نفسها من فترة لأخرى.

أشار كرم جبر، إلى حدث هام يجب الاستعداد له، وهو المؤتمر الدولي للمناخ بشرم الشيخ، الذي سينقل مصر نقلة كبرى في مجالات عديدة، على حد قوله. مضيفًا أنه لابد أن تبرز سمات مصر “كدولة كبيرة” خلال هذا الحدث الكبير الذي يشارك فيه 126 رئيس دولة و30 ألف مشارك، وهو مؤتمر مهم على كل المستويات[48].

وتحدث كرم جبر، عن الدور الذي يجب الانتباه له أثناء تواجد هذه الدول في مصر، قائلًا إن الفترة المقبلة ستشهد شائعات من جماعة بعينها ـ في إشارة إلى جماعة الإخوان المسلمين ـتستعد للحدث، وهذا ليس رجمًا بالغيب، ولابد من الاستعداد للرد السريع على تلك الشائعات المتوقعة.

وتابع كرم جبر، عما يقصده من “شائعات سوف تطلقها الجماعة” قائلاً إن المجال الذي سَتتناوله الشائعات هو مجال حقوق الإنسان، حيث يحصرون الأمر في “السجون وحرية التعبير دون النظر إلى باقي الحقوق التي تقدمها مصرر”.

وأضاف “أن مصر تتقدم في ملف حقوق الإنسان، ولا يوجد فيها انتهاكات، وليس على رأسنا بطحة، موضحًا أن الدولة قدمت إنجازات غير مسبوقة، منها الإسترتيجية القومية لحقوق الإنسان”[49].

ويُلاحظ في حديث كرم جبر، تغافل تام عن حقيقة ما تقوم به الدولة مع المعارضين لها من انتهاكات، كانت آخرها في مجال يمس سمعة الإعلام والدولة المصرية، وذلك باعتقال والد الإعلامي المصري المعارض عبدالله الشريف، بعد إذاعته تسريبات “مستشاري السيسي”، للضغط عليه للتراجع.

وفي الوقت الذي تحدث فيه كرم جبر عن التقدم في مجال حقوق الإنسان وما ينبغي أن يقوم به الإعلام المصري من دور في تحسين صورة النظام الانقلابي، ظهر منذ أيام قليلة الدكتور «محمود عزت» نائب المرشد العام للإخوان المسلمين، بصورة أظهرت كم الانتهاكات التي تعرّض لها، وتحدث في كلمته أمام المحكمة عن ظروف احتجازه التي بلغت غاية الصعوبة والتعقيد.


[1] مرصد، تكتّل برلماني أمريكي يطالب بالتحقيق في «إساءة مصر استخدام المعونة، 2 ديسمبر/كانون الأول 2021، https://bit.ly/32tYh0f

[2] العربي الجديد، نواب أميركيون يطالبون بالتحقيق في مزاعم استخدام مصر للمساعدات في قتل مدنيين، 3 ديسمبر/كانون الأول 2021، https://bit.ly/3JleRQE

[3]Sputnikعربي، الخارجية الأمريكية تعلق على صدور حكم بالسجن ضد ناشط مصري، 20 ديسمبر/كانون ألأول 2021، https://bit.ly/3FwMpc9

[4] صحيفة الأهرام، السفير أحمد حافظ ردًا على الخارجية الأمريكية: ليس من المناسب إطلاقًا التعليق أو التطرق لأحكام تصدر عن القضاء، 21 ديسمبر/كانون الأول 2021، https://bit.ly/3HhYRN8

[5] صحيفة أخبار اليوم، «تجاوزات غير مقبولة».. الخارجية تعلن رفضها لتدخل ألمانيا السافر بالشئون المصرية، 18 ديسمبر/كانون الأول 2021، https://bit.ly/3etbCIE

[6]TRTعربي، عقدتها ميركل قبل رحيلها.. استياء في ألمانيا بعد الكشف عن صفقة أسلحة لمصر، 17 ديسمبر/كانون الأول 2021، https://bit.ly/3JoJLHU

[7]France 24، لجنة برلمانية إيطالية تحمّل الأمن المصري مسؤولية قتل الطالب جوليو ريجيني بالقاهرة، 1 ديسمبر/كانون الأول 2021، https://bit.ly/3FDITgg

[8] صحيفة الأهرام، الخارجية تكشف تفاصيل لقاء شكري مع نظيره الإسرائيلي، 9 ديسمبر/كانون الأول 2021، https://bit.ly/3eymhBz

[9] France 24، وزير الخارجية الإسرائيلي في زيارة إلى مصر لتعزير العلاقات بين البلدين، 9 ديسمبر/كانون الأول 2021، https://bit.ly/3z0HePh

[10] الجزيرة، حماس تدرس خيارات التصعيد مع إسرائيل وفصائل المقاومة تطالب الوسطاء بتحمل مسؤولياتهم قبل فوات الأوان، 7 ديسمبر/كانون الأول 2021، https://bit.ly/3ewzR8A

[11] العربي الجديد، توتر بين “حماس” والقاهرة: انتقادات للتلكؤ المصري تجاه غزة وتلويح بالتصعيد، 8 ديسمبر/كانون الأول 2021، https://bit.ly/3FxGp2O

[12] المصدر السابق.

[13] سوا الإخبارية، خاص سوا: تفاصيل لقاءات الوفد المصري مع قيادات الفصائل في غزة، 19 ديسمبر/كانون الأول 2021، https://bit.ly/3euO1Hk

[14]Sputnikعربي، حماس تكشف لـ”سبوتنيك” ما بحثته مع الوفد المصري، 20 ديسمبر/كانون الأول 2021، https://bit.ly/3eshlOL

[15] قامت الحكومة بتصفية شركات مهمة بالنسبة للصناعة المصرية بزعم تحقيقها خسائر، مثل الشركة القومية للأسمنت، وشركة الحديد والصلب، وفي طريقها لتصفية شركات أخرى.

[16] مصراوي، استثمارات الأجانب في اذون الخزانة تتراجع من أعلى مستوى خلال جائحة كورونا، 29 ديسمبر/كانون الأول 2021، https://bit.ly/3nbeONJ

[17] اليوم السابع، نائب وزير التعليم لـ”النواب” لدينا عجز يصل إلى 250 ألف فصل و320 ألف معلم، 25 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، https://bit.ly/3FdnjOt

[18] قاعدة بيانات البنك الدولي، مؤشر الإنفاق على التعليم، إجمالي (كنسبة من الإنفاق الحكومي)،

https://data.albankaldawli.org/indicator/SE.XPD.TOTL.GB.ZS

[19] وزارة المالية المصرية، البيان المالي لموازنة العام المالي 2021/2022، ص90.

[20] المصدر السابق، ص64.

[21] البنك المركزي المصري، النشرة الاحصائية الشهرية، نوفمبر 2021، ص 95، 109.

[22] اليوم السابع، النواب يوافق على قرار رئيس الوزراء بشأن التدابير الاحترازية لمواجهة كورونا، 12 ديسمبر/كانون الأول 2021، https://bit.ly/3FpJSQI

[23] المصدر السابق.

[24] الشروق، النواب يوافق نهائياً على مشروع قانون إنشاء هيئة ضمان جودة التعليم والاعتماد، 14 ديسمبر/كانون الأول 2021، https://bit.ly/3J5HqRL

[25] المصدر السابق.

[26] اليوم السابع، مجلس النواب يوافق على تعديل قانون الضريبة على القيمة المضافة، 14 ديسمبر/كانون الأول 2021، https://bit.ly/3qDZudy

[27] المال، حصاد مجلس النواب خلال الفترة من 12 إلى 14 ديسمبر/كانون الأول 2021، https://bit.ly/3qMk2Ai

[28] اليوم السابع، النواب يوافق على أيلولة نسبة، 26 ديسمبر/كانون الأول 2021،https://bit.ly/3mQwGNL

[29] مصراوي، النواب يوافق على أيلولة نسبة إلى الخزانة العامة للدولة، 26 ديسمبر/كانون الأول 2021،https://bit.ly/3FRhUxK

[30] بوابة أخبار اليوم، النواب يُصرح بالبحث عن البترول في منطقة تنمية شرق تانكة البحرية، 26 ديسمبر/كانون الأول 2021، https://bit.ly/3eNWhCB

[31] المصدر السابق.

[32] المصدر نفسه.

[33] جريدة الأهرام، وزير الخارجية يتسلم من نظيره الإسرائيلى 95 قطعة أثرية مهربة، 10 ديسمبر/كانون الأول 2021، https://bit.ly/3ssuYG2

[34] شبكة رصد، قناة عبرية: «إسرائيل» تفكر بتكريم السيسي خلال زيارة «لابيد» للقاهرة الأسبوع الجاري، 6 ديسمبر/كانون الأول 2021، https://bit.ly/3mFwnoG

[35] Sputnik عربي، صحيفة عبرية تكشف كيف سرقت إسرائيل الآثار المصرية في سيناء، 27 سبتمبر/أيلول 2021، https://bit.ly/3FoiUJn

[36] عربي 21، اعتراف إسرائيلي بسرقة آثار سيناء.. لماذا تصمت مصر؟، 28 سبتمبر/أيلول 2020، https://bit.ly/3JqdK1S

[37] القاهرة 24، شيخ الأزهر ينتقد الدعوات الغربية لتقنين الشذوذ والتحول الجنسي، 19 ديسمبر/كانون الأول 2021، https://bit.ly/32pi1C1

[38] الجندي، أنور. تغريب الشرق، منبر الإسلام، العدد 6، السنة الثانية والعشرون، جمادى الآخرة 1384هـ، ص94.

[39] المصدر السابق، ص93.

[40] نفس المصدر، ص151.

[41] الرابطة العراقية، مقارنة بين المنظومة الفكرية الإسلامية والغربية، 1 مايو/أيار 2015، https://bit.ly/2HDPN5H

[42] بوابة أخبار اليوم، “الأزهر” يحذِّر من المواد الإعلاميَّة التي تستهدف تطبيع الشذوذ الجنسي، 4 ديسمبر/كانون الأول 2021، https://bit.ly/3HqlT4K

[43] مركز الأهرام للدراسات، دور الإعلام في مصر بعد 2013، 5 يونيو/حزيران 2017،https://bit.ly/3HG19pU

[44] المصدر السابق.

[45] France 24، الإعلام المصري في عهد السيسي، بين الترغيب والترهيب، 22 مارس/آذار 2018،https://bit.ly/3qUyd6N

[46] اليوم السابع، “الأعلى للإعلام”: فتح تحقيق مع القنوات فى تجاوز التغطيات الإعلامية، 8 ديسمبر/كانون الأول 2021،https://bit.ly/3HAgEzx

[47] المصدر السابق.

[48] مصراوي، كرم جبر: الفترة المقبلة ستشهد شائعات من جماعة بعينها.. و”مش على راسنا بطحة”، 2 يناير/كانون الثاني 2022،https://bit.ly/3n0x10h

[49] المصدر السابق.

دفاتر مصرية – ديسمبر/كانون الأول 2021

1 file(s)7.35 MBDownloadTags: الاقتصاد المصريالسياسة المصريةالغزو الثقافيمصر