كنت على وشك أن أرسل لرئيس تحرير الموقع أول مقال من سلسلة عنوته: “الدولة الإسلامية الأولى”، فإذا بي، وأنا جالسة أراجع المقال وأصححه وأنقحه وأطل بين الفينة والأخرى من النافذة إلى الطريق السيار وممر الراجلين حيث كثرة المارة والمتسويقين، بين برد وحر فصل الربيع المتقلب الأجواء المقلب للأهواء، أشاهد أمامي ما لو رآه “جورج بوش” لشن حربا على بلاد المسلمين لإبادة هذه الفرق الإرهابية المتطرفة.. فغيرت من فوري إلى أجل قريب بحول الله المقال الشبيه بمقدمة ابن خلدون طولا وتصريفا بالكامل، إلى مقالي هذا لأتطرق إلى موضوع “مؤخرات الدمار الشامل”.
فتيات كاسيات عاريات مائلات مميلات، فور خروج أول شعاع دافئ بعد طول برد الشتاء يتخلصن من ثيابهن كأنهن على موعد مع العري. لباس فاضح بشكل يجعلني أنا نفسي أتابع خطوات الفتاة أو المرأة حتى تغيب عن نظري.. كيف بالرجل.. مهما أبدى وأخفى، أن يتحكم في نظراته وإعجابه أو ازدرائه، ثم كيف لهم أن يحاكموه على غريزة فطرية طبيعية ويطالبوه بلجمها وإيقافها ومنعها حتى لا ينزل إلى مرتبة الحيوان، إن كان الإنسان قد خلق بين مرتبتي الحيوان والملاك، بغرائز جسدية وقدرة على الترفع عن المادة، كل في حينه، الأولى بتقنين والثانية باختيار.. هم في حكمهم ذاك كمن يعري على أسلاك الكهرباء ويضع جنبها الماء، ثم يسمي الصعقة سوء تربية وقلة احترام!!!
ولن أدخل هنا في وظيفة الجهاز العصبي الذي يحفز الرغبة الجنسية عبر النظر إلى المحفز وتحرير الفكرة ثم إصدار الأوامر إلى الأجهزة التناسلية لتعمل، فإما يتم وقف التنفيذ بإعادة الفكرة إلى الدماغ وقياسها على ملفات الحلال والحرام والخطأ والصواب، وإما يتم العمل بموجبها إن تعطلت الملفات أو كانت قوة الفكرة أكثر إقناعا من قوة الموازين. لن أدخل في كل هذا ـ وقد فعلت عمدا ـ لا لكون الأمر ليس من اختصاصي، بما أننا درسنا هذا في مقرر النشاط العلمي للسنة الرابعة ابتدائي، وإنما لأن الأمر يبدو لي واضحا ومن المسلمات، إلا إن كان تحفيز الرغبة الجنسية عند البعض أصبح رهينا بقرار من جمعية حقوق الإنسان، لتبث في أمر جوازه أو عدمه، وتتحفنا بجليل أحكامها: فإن كان شذوذا فمرحبا، وإن كان زنا وجب تقنينه، وإن كان زواج فتبا للحيوانات البشرية المتأسلمة التي تدافع عن الزواج لتضمن للمرأة حقوقها المدنية بعقد شرعي وميثاق قانوني!!!!
دعوني أقف هنا لأرتب الأوراق، وأصرح أني ضد المعاكسة في الشارع العام، وما يعلوها من سلوكيات حد التحرش الجنسي، وأربطها، مهما كان المحفز، بقلة الإيمان وانعدام التربية وقلة الشهامة والمروة في نفس الرجل، يقينا مني أن الرجل النقي التقي حين يرى ما يستفزه يبدي نفورا أكثر منه اجتذابا. لكن تفشي الظاهرة بهاته الكثرة يجعلنا نتساءل عن السبب قبل أن نحاسب. فإن كان الذي يعاكس يصدر هذا السلوك المشين اتجاه كل امرأة أو ظل امرأة، مهما كان شكلها ولباسها وسنها، فإن محاكمته يجب أن تكون قطعية دون أدنى محاولة للإحاطة بملابسات ما سأسميها من دون تردد “جريمة”. أما إن كان الشخص المعاكس فعل فعلته فقط مع ضحايا المواضا بنات “الكولونات” (من القولون أو المصران وصفا لطوله وحجمه)، أو نساء “الفيزون” وهو أبشع من “الكولون” في وصف معالم الجسد، أو مع لابسات سراويل “الدجين” الفاضحة للخفايا الكاشفة للخبايا المحدثة للمشاكل المرهبة بخلفيات الدمار الشامل، فلربما، كان الضحية في حقيقة الأمر هو المتحرش السفيه الغافل. وحين أقول ضحية، لا أعني بذلك البتة عدم محاسبته، وإنما أعني بها محاسبة دعاة المساواة أيضا، أي محاسبتهما كليها، الراقصة والطبال: العارية والسفيه!
كيف لمراهق صنع ضحكته وثقافته بين صفحات “بوزبال”، ومروؤته أمام أبواب الثانويات بالكلمات النابية والمصارعة الذكورية وفن الاقتتال، مفتون بالڤيديوكليبات، ومغنيات أصبحن يرقصن بالملابس الداخلية تستقبلهم مهرجانات الدولة بمراسيم الأميرات، مفتون مسلوب الفكر والقدرة على تمييز الحق والباطل، أن يفعل أمام مؤخرات الدمار الشامل، غير التعبير عما يخالج نفسه في أنفة واعتدال كأنه فعل خيرا بمن رآها في ذاك المنظر الشنيع. كيف بعاطل دخن زهرة حياته مع لفافات “الحشيش”، لم يعد يفرق بين برلماني مسيس وبين نقابي مسوس وبين مسؤول على فقره وتهميشه يعيش، أن يفعل أمام مقدمات النواعم معروضة للنظر بالكامل.
كيف نلوم المجتمع على التعددية ـ يا أصحاب احترام التعددية ـ ونطالبهم جميعا بمستوى تربوي أخلاقي متساوي، في ظل الفقر والتهميش والبطالة التي تعرفها أكبر شريحة اجتماعية في المغرب. كيف نلوم من خرب أخلاقهم الإعلام بسهرات السبت وأفلام الأحد ومسلسلات الاثنين ومهرجان الربيع وشواطئ الصيف وبرلمان الخريف وصلوات استسقاء الشتاء أن يرتقوا بالخلق إلى أخلاق شعوب أنظمة فرقت بين حق المواطن في العيش الكريم وحقهم في السرقة والتعويم.
والله إني هنا لا أدافع عن أحد، بقدر ما أحاول عرض الحقيقة لأهل الطلب. فليس من المعقول أن يسلبوا من شعب مرجعه الوحيد لحسن السلوك ثم يطالبوه بحسن السلوك. نحن في المغرب نحتكم في أخلاقنا إلى الإسلام، فإن أخرجوا منا الإسلام أصبحنا أوباشا نحتكم إلى سياسة الغاب حيث حكم الأقوى هو الغالب. فالواجب إعادة هذا الدين، وإعطاءه حقه من التسيير والتمكين، حتى نقيس به سلوكياتنا، فنقنن الاستفزاز بقدر تقنيننا لردة الفعل. ليس من العدل أن نستفز شخصا تم نطالبه بالصمت! وإن كانوا يريدون منع الدين من تسيير شؤون المسلمين، وأرادوا لنا أن نتعرى كالغرب ونحكم أنفسنا بسياسة الغرب، فليعلموا علم اليقين أن غرائزنا لن تبرد برود دماء الغرب، لنا مرجع اسمه الإسلام يضبطنا ويغنينا عن التقليد ويحكم بالقيم ويحاكم بالموازين! بل نقول لهم: لكم دينكم ولنا دين!
www.facebook.com/elMayssa