سياسة هدم المنازل
تقوم سلطات الاحتلال الاسرائيلي باتِّباع أسلوب هادئ لترحيل المقدسيين يُطلَق عليه سياسة "الترحيل الهادئ/ أو الطرد الصامت"، وذلك عبر استخدام عدد واسع من سياسات وأدوات الترحيل "الناعمة" طويلة المدى، التي تخلق بدورها "بيئة قهرية" طاردة للمقدسيين، حيث تقوم إسرائيل بخلق الظروف الحياتية والاقتصادية والسكنية التي تجعل نمط الحياة شبه مستحيل، عبر استخدام سياسات استراتيجية بعيدة المدى، مثل إضعاف الوضع الاقتصادي وزيادة أعباء الحياة المعيشية وتكاليف الحياة الباهظة على السكان، وفرض الضرائب والغرامات، وتهميش الأحياء الفلسطينية من جميع مخططات التنظيم والبناء، وبالتالي حصرهم في مناطق سكنية مكتظة ومنعهم من التوسع العمراني اللازم لتلبية حاجات نموهم الطبيعي، وعدم منحهم تراخيص بناء، وسحب إقاماتهم، وهدم منازلهم، وغير ذلك، بحيث لا يبقى سبيل أمام المقدسيين إلا الرحيل عن مدينتهم بشكلٍ هادئ دون ضجيج. وهذه السياسات المستمرة الهادفة إلى الطرد يمكن وصفها باعتبارها جريمة تطهير عرقي مبني على أساس الانتماء القومي لجماعة معينة.
ومن أبرز سياسات تهويد مدينة القدس وترحيل سكانها هي سياسة هدم المنازل، الهادفة إلى تفريغ مدينة القدس من الفلسطينيين، مقابل انتشار استيطاني واسع ومشاريع استيطانية كبرى. وبناءً على ذلك أصبحت إمكانية حصول المقدسيين على تراخيص بناء مسألة شبه مستحيلة، خاصةً في ظل عدم وجود مساحات للبناء إضافة إلى الإهمال المتعمد للأحياء الفلسطينية في مدينة القدس، وتهميشها من أي مخطط تنظيمي للسكن. وفي ظل هذه السياسة الإسرائيلية التي خنقت المجتمع الفلسطيني في القدس، لم يبقَ فعلياً أمام سكان المدينة سوى خيارين أحلاهما مُرّ، فإما البناء دون الحصول على ترخيص وفق شروط سلطات الاحتلال وذلك تلبيةً لاحتياجاتهم النابعة عن نموهم الطبيعي، وبالتالي التعرُّض لغرامات باهظة الثمن وصولاً إلى هدم المنزل على كلفة صاحبه وتشريد أفراد الأسرة، أو خروج المقدسيين من العيش في كنف هذه الظروف الصعبة باتجاه المدن الفلسطينية في الضفة الغربية، الأمر الذي يؤدي إلى سحب بطاقات إقامتهم في مدينة القدس ورحيلهم عنها وهذا هو الهدف المنشود من سياسة الاحتلال. وتشير التقديرات إلى وجود أكثر من 100,000 مقدسي مهددِ بالنزوح تبعاً للتهديد بهدم منازلهم "غير المرخصة".كما تقوم سلطات الاحتلال بهدم منازل أهالي الشهداء الفلسطينيين من باب الثأر والانتقام بشكل مخالف للقانون الدولي باعتباره يقع في نطاق العقوبات الجماعية .
الحق بالسكن وهدم المنازل وفقاً للقانون الدولي
وفقاً للقانون الدولي لحقوق الإنسان، فإنَّ الحق بالسكن هو حق أساسي للإنسان دون تمييز، إضافةً إلى أنه تم تطوير معايير خاصة بالسكن الملائم.أما في حالة القانون الدولي الإنساني، فقد قيَّد صلاحيات السلطة القائمة بالاحتلال، ومنعها من إحداث تغيير جغرافي وديموغرافي بالإقليم الخاضع لسيطرتها.كما حدد ميثاق روما الجرائم التي تدخل ضمن إطار اختصاصه متمثلة بجرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية، وجرائم العدوان. وقد تم تحديد شروط تلك الجرائم التي تعتبر الصفة الأبرز لها بأنها ذات سياسة ممنهجة ومستمرة، والتي ترقى سياسة هدم المنازل تجاه المقدسيين لأن تكون من ضمنها.
القانون الدولي لحقوق الإنسان
يعتبر الحق بالسكن الملائم أحد الحقوق الأساسية للإنسان التي تم تقنينها بالإعلانات والعهود والاتفاقيات الدولية المختلفة، حيث يحظر المساس بهذا الحق خاصةً إذا جاء المساس ضمن سياسة تطهير عرقي وتمييز عنصري تجاه جماعة بذاتها، أو جاء كعقوبة جماعية. فعمليات هدم المنازل تشكّل خرقاً واضحاً لإعلانات واتفاقيات حقوق الإنسان الدولية التي تكفل حق الفرد بالسكن الملائم خاصةً المادة 25/1 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان،والمادة 11(1) من العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لعام 1966،والمادة 5/ه/3 من الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري لعام 1965 التي تضمن الحق بالسكن.
القانون الدولي الإنساني
•هدم المنازل مخالفة جسيمة لأحكام اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949
يعتبر هدم المنازل عملاً منافياً لأحكام القانون الدولي الإنساني خاصةً ما نصَّت عليه اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 الخاصة بحماية المدنيين في وقت الحرب. وطبقاً لهذه المعاهدة، تندرج سياسة هدم المنازل ضمن المخالفات الجسيمة وأحد أشكال الإجراءات التعسفية التي تؤدي الى تدمير ومصادرة الملكية دون وجه حق ودون وجود أي ضرورة عسكرية تستدعي ذلك، فعمليات الهدم التي تنفذها قوات الاحتلال في مدينة القدس تخالف المادة 53 من اتفاقية جنيف الرابعة التي تحظر على دولة الإحتلال تدمير أية أموال ثابتة أو منقولة خاصة بالأفراد أو الجماعات إلا إذا كانت العمليات الحربية تقتضي ذلك لتحقيق أهداف عسكرية،الأمر غير الموجود في مدينة القدس، كون المنشآت الموجودة بها هي منشآت مدنية وسكانها مدنيين.
كما حَظَرَت المادة (33) كل من العقوبات الجماعية للسكان المدنيين المحميين بموجب الاتفاقية، أو معاقبتهم عن أفعال لم يرتكبوها، أو التعامل بطريقة الثأر منهم ومن ممتلكاتهم.
هدم المنازل كجريمة حرب
يعتبر القانون الجنائي الدولي هدم المنازل على نطاق واسع عملاً غير مشروع ومخالفاً للقانون الدولي. فقد نصت المادة 8/2 من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية على أنّ تدمير الممتلكات على نطاق واسع دون توافر ضرورة عسكرية تبرر ذلك، تعد بمثابة جريمة حرب.
وقد أجمع خبراء القانون الدولي، على أن الانتهاكات الجسيمة إذا ارتكبت بشكل منظم، فإنها تشكل جرائم حرب، وقد اعتمدت المحكمة الجنائية الدولية تفسيراً لكل مخالفة من المخالفات الواردة نصاً في هذه المادة على أنه جريمة حرب وأوردت أركان جريمة الحرب والجرائم ضد الإنسانية.
هدم المنازل كجريمة ضد الإنسانية
تعتبر سياسة هدم المنازل جريمة ضد الإنسانية، باعتبارها اضطهاداً للسكان المدنيين الفلسطينيين دون وجود أي ضرورة عسكرية تستدعي ذلك. فقد حدد النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية أركان جريمة اضطهاد أية جماعة محددة أو مجموع محدد من السكان لأسباب سياسية أو عرقية أو قومية أو إثنية أو ثقافية أو دينية.
كما يتبين أنّ سياسة هدم المنازل التي تتبعها إسرائيل بشكل عقابي ومنهجي بحق السكان الفلسطينيين في القدس تتضمن جميع أركان جريمة الاضطهاد بصفتها جريمة ضد الإنسانية، فبارتكاب الإحتلال لهذه السياسة يكون قد حرم عشرات الآلاف من الفلسطينيين من حقوقهم الأساسية بشكل يتعارض مع أحكام وقواعد القانون الدولي.
عمليات الهدم: أرقام وحقائق
إجمالي عدد المنازل الفلسطينية التي تم هدمها في القدس وحدها ابتداء من عام 1967 حتى عام 2018 هو 2,074 منزلاً، مما تسبب في نزوح 9,492 فلسطينياً. أما عام 2019 الحالي، والذي يعتبر الأضخم من حيث ازدياد عمليات الهدم، فقد هدمت سلطات الاحتلال حتى نهاية شهر أيلول / سبتمبر لهذا العام وحده، 140 منزلاً فلسطينياً وتم تشريد 238 فلسطينياً. وفي المقابل هدمت سلطات الاحتلال بين السنوات 2004 – 2018 ما معدله 54 منزلاً سنوياً، ما يعني أنَّ حالات الهدم خلال العام الجاري تعتبر الأعلى منذ أكثر من عشر سنوات.
وعليه، تعتبر سنة 2019 من أصعب السنوات على المقدسيين في ظل تزايد عدد عمليات الهدم بشكل ملحوظ. فقد بلغ العدد الإجمالي للفلسطينيين النازحين في الأشهر الأربعة الأولى من عام 2019 (193 شخصاً)، ويعتبر هذا الرقم أعلى من العدد الكلي للنازحين خلال عام 2018، والذي بلغ (178 شخصاً). ففي أبريل من عام 2019 وحده، تم هدم 63 منزلاً ومنشأة فلسطينية، مما يجعله أكبر عدد من عمليات الهدم التي قامت به سلطات الاحتلال الإسرائيلية في القدس الشرقية على الإطلاق خلال شهر واحد فقط.
ووفقاً لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA) فقد بلغ عدد النساء المتضررات من عمليات الهدم في مدينة القدس حتى بداية شهر نوفمبر لعام 2019 (78 امرأة، و 75 طفلة وفتاة).
ومن أبرز عمليات الهدم التي نفذها الاحتلال الاسرائيلي خلال عام 2019، والتي تعتبر الأكبر من نوعها منذ عام 1967، هي عملية الهدم الجماعي بحق ممتلكات ومباني المواطنين في حي وادي الحمص في صور باهر، حيث هدم الاحتلال بتاريخ 22/07/2019، 11 بناية سكنية تضم 72 شقة سكنية. وذات الخطر يتهدد مواقع أخرى من مدينة القدس، أبرزها حي البستان في سلوان الذي يضم 100 منزل مهدد بالهدم بشكل كامل، بحجة بناء حديقة توراتية يُطلق عليها حديقة الملك داوود.
الآثار النفسية والاجتماعية على النساء
عندما تتشرد الأسر بسبب هدم منازلها، تتحمل النساء العبء الأكبر لإعادة استقرار الأسرة. فإن الانتهاك والصدمة المترتبة على فقدان المنزل يكون بمثابة اغتصاب للنساء، تفقد المرأة عالمها بالمعنى المادي، والشعور الاجتماعي أيضًا، لأنها لم تعد مسؤولة، بل تعيش في منزل شخص آخر. ففي معظم الحالات، لا تستطيع الأسر التي هدمت منازلها تحمل تكاليف إقامة بديلة وتُجبر على الانتقال إلى منازل أقاربها، وذلك بسبب ذهاب دخل الأسرة لدفع الغرامات التي تفرضها المحكمة الاحتلالية وتكاليف الاستشارات القانونية وسداد تكاليف رخصة البناء.
يتفاقم التوتر الذي يولده هذا الاكتظاظ بسبب حقيقة أن المرأة "الضيفة" لا تملك سيطرة على المجال المنزلي، وعلى رعاية زوجها وأطفالها، مما يقلل من دورها ومكانتها. في كثير من الحالات، يؤدي هذا إلى توترات حادة داخل الأسرة، بما في ذلك العنف المنزلي. فالتأثير العاطفي والنفسي على أفراد الأسرة غالبًا ما يكون مؤلمًا، وقد تؤدي صدمة تجريد الإنسان من ملكيته إلى توتر أسري، وعدم وجود بيئة صحية داخل الأسرة الواحدة؛حيث تبرز الحالات الدراسية أنإخلاء وهدم المنازل يؤدي إلى انتهاكات إضافية ومتعددة لحقوق الإنسان خاصة بالنسبة للنساء والأطفال؛ بما في ذلك الحق في التعليم، وتحمل الأعباء المنزلية، والرعاية الصحية. وغالبًا ما ينتج عن فقدان الخصوصية والمساحة الآمنة وجود ضغط كبير داخل الأسرة يؤثر سلباً على العلاقات بين أفراد الأسرة، مما يؤدي إلى شعور الأمهات بالضعف في دورهن كمصدر للسلطة وللدعم العاطفي والمادي لأطفالهن. وفي هذا الصدد تقول المواطنة سهاد "أشعر بالتوتر المستمر، وأحتاج بشدة إلى مكان خاص لعائلتي؛ حتى غرفة صغيرة مع الفئران سيكون بخير بالنسبة لنا! أريد أن يكون أطفالي قادرين على التحرك كما يحلو لهم واللعب بحرية مع ألعابهم ... لقد أصبت بالاكتئاب لدرجة أنني لا أستطيع تناول الطعام، وقد أثر هذا الاكتئاب على زوجي وأطفالي".هؤلاء النساء يجدن أنفسهن يشعرن بالقلق والاكتئاب، ومع ذلك يجبرن على أن يكن قويات من أجل عائلاتهن؛ وخاصة الأطفال.
كما تترك عمليات هدم المنازل النساء خائفات وقلقات وحزينات، فقد أفاد عدد كبير من النساء أنه تم هدم منازلهن سابقا أو شاهدن منازل الجيران يتم هدمها وهن دائمًا في محنة في انتظار صدور أمر الهدم في منزلهن الحالي. تصف أم محمد حمدان، امرأة تبلغ من العمر 60 عامًا من عناتا ، أيامها ولياليها التي لا نهاية لها تنتظر يوم هدم منزلها الثاني قائلة: "لم أستطع النوم إلا لأول مرة منذ ستة أشهر، الخوف والرعب من انتظارهم (الجيش) أسوأ من الأنقاض التي تحيط بي في هذه اللحظة ، أول عملية هدم قاموا بها فجراً ... هدموها مرة أخرى ، لكن على الأقل يمكنني النوم الآن".
عند إعداد ورقة الحقائق هذه تم لقاء مجموعة من النساء المقدسيات اللواتي تم هدم منازلهن من قبل قوات الاحتلال الاسرائيلي ضمن سياسات استهداف المقدسيين. قامت النساء بوصف يوم الهدم وأحداث ما قبل الهدم من محاكم، ومخالفات، وعمليات تخويف من قبل جنود الاحتلال. كما تحدثت النساء أيضاً عن حياتهن وأسرهن بعد الهدم من تشرد وتعب نفسي. ومن أبرز هذه الإفادات:
هنادي أبو رموز:
هنادي أبو رموز، امرأة مقدسية تم تهجيرها وعائلتها من بيت حنينا بعد أن قامت قوات الاحتلال بهدم منزلها في 22/2/2017. أفادت السيدة هنادي عندما وصفت أحداث يوم الهدم: "بتحسهم بيتعاملوا معك كمجرم، أنه أنت ارتكبت جريمة عشان ساكن بالقدس"، "المجندة دخلت على غرفة بناتي وصارت تمشط بشعرها بغرفتهم قبال المراية، وهم قاعدين بيبكوا على البيت، موقف بقمة الاستفزاز".
أضافت هنادي قائلة: "هم هدموا حلم العمر، كلشي هدموا، هدموا أحلام وذكريات وطموح، هم هدموا حياتنا، ضلوا يهدموا لآخر نَفَس، وكل ما كف الجرافة بيهدم بالحيطان، كنت حاسة أنهم قاعدين يهدموا بقلبي. جايين يعملوا جريمة مش طبيعية وهم قاعدين بيضحكوا، وبس نهدم البيت يقعدوا يسلموا على بعض ويهنوا بعض، أنهم انجزوا مهمتهم، فعلاً مش بشر، أنا مش فاهمة كيف ناس بتقعد تضحك ومبسوطة وهم شايفين أطفال مرميين بالشارع".
بسبب عدد المخالفات التي فرضتها حكومة الاحتلال والصعوبة المالية التي واجهتها الأسرة للعيش بحيز سكني مستقل، فقد اضطرت العائلة للانتقال قسراً للعيش في بيت أهل هنادي لمدة سنتين، قبل أن تستطيع استئجار منزل في منطقة كفر عقب، والتحوُّل من مالكين لمنزل إلى مستأجرين لمنزل آخر، ضمن حيز اجتماعي جديد ومختلف، قائلة: "دارنا كانت مستقلة مع ساحة باب الدار، اليوم عيشتنا مثل السجن حول الجدار والأزمة والعمارات العالية. بعد هدم البيت، حسّيت كيف كل حبة تراب بالقدس غالية، كان بين بيتي والمسجد الأقصى 10 دقائق، اليوم كثير صارت المسافة بعيدة بسبب حاجز قلنديا وأزمته، عن جد عزلونا عن القدس".
كما قامت أيضاً بوصف حياتها وحياة عائلتها بعد الهدم على النحو التالي: "نفسياتنا انهدمت كلياً، بالأول كنت بحاول أصبِّر الكل، وأقوّي الكل، بعدين حسيت حالي انهديت". عندما تحدثت هنادي عن حياتها وحياة عائلتها بعد الهدم بدأت هنادي قائلة "نفسيات أولادي تدمرت، 4 من ولادي لسا بالمدرسة في بيت حنينا وشعفاط وكل يوم يعانوا على الحاجز بالروحة والرجعة".أضافت أيضا أن ابنها الأكبر قام بتقديم التوجيهي في نفس سنة هدم المنزل؛ "كثير تغلبنا، سواء على المستوى النفسي، كيف بده يقدر يدرس وغرفته وبيته انهدم، وصرنا بدار أهلي. كان يطلع كل يوم من بيت أهلي بكفر عقب الساعة 6 الصبح، عشان يلحق يوصل قاعة الامتحان بالقدس الساعة 9، ورغم كل هذه الظروف الحمد لله حصل على معدل عالي 92%".
وحول أثر الهدم على أولادها، أفادت: "رغم أن ابني تفوَّق بالتوجيهي، دخلنا بمرحلة إحباط بعد التوجيهي، كثير ناس وجهات وعدوه بمنح دراسية، بس للأسف ما حدا أعطانا اشي، وراحت عليه سنة كاملة."
"ابني الصغير مهند، ابن ال 5 سنين، صار بألعابه يحط سياراته ع صورة حاجز وجيش وأزمة. وهذا الولد كثير غلبنا بعد الهدم، كان يضل يخاف من الجيش لما يشوفهم على الحاجز، لأنه شاف همجيتهم يوم ما هدموا بيتنا".
"هدم بيتنا أثر على أولادي وعلى بناء شخصياتهم كثير، اختلفوا، وعيوا، صحيوا، فهموا إيش يعني تهجير وكيف لازم يواجهوا، فهموا شو يعني صمود وثبات، هي مش مجرد كلمات تُحكى، هذه مواقف وحياة وسلوك".
وعند سؤالنا لها عن المستقبل الذي تنظر له على مستواها الشخصي، قالت: "أنا أصلاً ربة منزل، وطول عمري كنت حابة أكمّل تعليمي، بس ظروف الحياة وتربية الأولاد كانت ماخدة كل وقتي. بعدما انهدم بيتنا صرت لازم أساعد زوجي بمصاريف الحياة والإيجارات .... صرت اشتغل مساعدة معلمة ومرافقة لطلاب".
"انا وصلت للتوجيهي، وكنت متفوقة، بس بعد الزواج ما كملت،لي 21 سنة تاركة المدرسة، بس بعد الهدم حكيت يا ريت عندي شهادة جامعية عشان اشتغل، الأن حسيت بقيمتها، لو معي شهادة كان ما تركت زوجي لحاله هيك، بس هيني أخذت قرار أن أتعلم بالجامعة، وقررت أسجل بالجامعة هذه السنة، وحابة أدرس علم نفس، يمكن عشان الظروف اللي مرقت فيها، اكتشفت قديش هذا التخصص مهم، لأنه أنا كنت بحاجة لدعم نفسي بعد الهدم، وحاسة بمسؤولية أن أدعم نفسيات الناس اللي تُهدم بيوتها وأرشدهم. لأن الهدم تماماً مثل مصيبة الموت، هم يكسرون الحجار، وأنت تتكسر مع الحجار، بتلاقي حالك عاجزة ومش قادرة تعملي شيء، كل الأمن والاستقرار راح بلحظة، شكل المقص اللي كان يقص بالبيت، عمري ما راح أنساه، بدون رحمة وإحساس وشعور بأطفال ونساء تبكي. كل حالة هدم بيت بشوفها على التلفزيون أحس أنها صارت معي، وترجع لي كل الذكريات المؤلمة، وبحزن على أصحاب البيت المهدوم لأنه نحن عشنا نفس التجربة. لما كنا نسمع من الناس أنه انهدمت بيوتها كنا نتأثر، بس لما صار معنا الموضوع كانت كثير صعبة، كأن حياتنا كلها انهدمت مع البيت، عشان هيك لازم يتم تقديم دعم مالي ونفسي للمتضررين من هدم البيوت".
مريم محمود عمايرة:
مريم هي ربة منزل مهجرة من منزلها في حي وادي الحمص بعد أكبر عملية هدم من قبل قوات الاحتلال التي وقعت بتاريخ ٢٢/٧ /٢٠١٩. بعد سنتين من البناء وثلاث سنوات في المحاكم لمحاولة إنقاذ المنزل، قالت مريم: "ما في حدا ساعدنا أو دعمنا... نحن بدون سند في هذه البلاد".قالت مريم أنه في يوم الهدم كان هناك حوالي 6 حافلات، كل حافلة مليئة بحوالي 50 جندياً من القوات الخاصة، واستيقظنا على آلاف الجنود يحيطون بالحي؛ " لم يرضوا أن يدخلوني أشوف أو أودع بيتي. جاءوا الساعة 4 الفجر. كانت صدمة كبيرة كل تعب السنين وتحويشة العمر راحت". تحدثت أيضا عن مبلغ المال الهائل الذي يتعين عليهم دفعه مقابل كل المخالفات وعملية هدم منزلهم بنفسهم، كما كان عليهم سد المبلغ المقترض الذي تم استخدامه لبناء المنزل. تحدثت مريم عن الضغط النفسي الواقع عليها وعائلتها الذي نتج من هذه الصعوبات المالية قالت "أديش كنا نحاول نتداين عشان نبني البيت، بس هلأ صرت أحرم حالي وأحرم ولادي عشان نسد الدين، صرت أعصّب عليهم".
"ثلاث سنين في المحاكم وهدوا 9 عمارات وفجروهم، المنازل والعمارات جميعها كانت مرخصة من قبل السلطة الفلسطينية، نحن بنينا بمنطقة A عشان ما ننحط بهالموقف. تم هدم المنازل بدعوى قربهم من الجدار وللحفاظ على أمانه المنطقة. قام الجنود بتحويط المنزل والإسكان بشكل عام ومنعونا من الاقتراب. مهما عملوا، الأرض أرضنا رح نضلنا نبني بدهم يهدموا كمان دور يهدموا بس رح نضل نبني".
شيرين أبو كف موظفة المجلس القروي في وادي الحمص:
"أدت عملية الهدم في وادي الحمص إلى حالتي فسخ خطوبة في الحي، فبسبب المحاكم واضطرار العائلات لتأجيل العرس أكثر من مرة وعدم القدرة على إنقاذ المنزل المراد السكن فيه من الهدم تم الإقرار أن زواج بدون بيت لا يمكن. كما أدت إلى حالة طلاق بين زوج وزوجته قائلة الحياة والعلاقة بينهم بعد الهدم أصبحت صعبة والضغط النفسي أصعب ".
للاطلاع على ورقة الحقائق بصيغة PDF
تم إعداد هذه الورقة ضمن نشاطات مشروع "الشباب الفلسطيني كمدافعين عن حقوق الإنسان" الممول من الاتحاد الأوروبي
محتوى هذه النشرة لا يعبر بالضرورة عن أراء الاتحاد الأوروبي، ويتحمل الكاتب كامل المسؤولية عن كل المعلومات والآراء الموجودة فيها