كاترينا مانسونمن نيويوركفي مناطق أخرى، لا يزال التحضير للقتال مستمرا. في منشأة لشركة لوكهيد مارتن في أرلنجتون، وضعت خوذة على رأسي. في الأسفل، تمتد الحقول والممرات المائية خارج واشنطن العاصمة.
تملأ الخطوط والأرقام الخضراء رؤيتي. حين تختفي في خوذة طائرة الشبح F-35 فإن ذلك يشعرك بأن تنغمس في أكثر ألعاب الكمبيوتر ذات الطابع المستقبلي – والواقعية بشكل مخيف. يقول لي الطيار بيلي فلين: "هذا أشبه بتوني ستارك "صاحب المصانع العسكرية في الفيلم". هذا هو فيلم الرجل الحديدي".
القبعات الرأسية التي تبلغ قيمتها 400 ألف دولار تجعل الطيار أقرب إلى كونه آلة منه رجلا.
يقول فلين إن ست كاميرات تعمل بالأشعة تحت الحمراء مدمجة في أنحاء الطائرة تغذينا برؤية واحدة مدمجة، ما يمنح الطيار القدرة على "الرؤية من خلال جلد الطائرة".
تعتمد الطائرة على التسلل - السمة المميزة لطائرات "الجيل الخامس" – للتفوق على خطط العدو.
يتم تشكيل الطائرة وطلاؤها بحيث تتجنب كشف الرادار، وهي تحمل أسلحتها ووقودها بداخلها من أجل تقليل إنتاج الحرارة القابلة للكشف.
وهي محملة بأربعة أسلحة - صاروخين وقنبلتين - ويمكنها أن تشوش على رادارات العدو عبر الهجوم الإلكتروني. على أن قوتها الحقيقية هي كونها مركزاً لجمع البيانات وتوزيعها على نحو يمَكِّنها من تنسيق أي معركة والتفوق على عدو أقل كفاءة.
وهي معبأة بنحو 8.6 مليون سطر من التعليمات البرمجية، وتعمل في تشكيلات، ويمكن لهذه الطائرات أن تتسلل عميقا داخل وخارج أراضي العدو، وتتبادل المعلومات فيما بينها عبر وصلة سرية قصيرة، وإرسال واستقبال البيانات لمسافات طويلة إلى قيادة المهمة والسفن أو الصواريخ على بعد مئات من الكيلومترات. الطائرة الشبح، على حد قول فلين، "تأخذ عبء العمل بعيدا عن الإنسان".
يقول فلين، وهو واحد من 15 طيارا تجريبيا لطائرات طراز F-35: "نحن نطير الآن في ملاذ آمن؛ حيث لا يرانا أحد، ولكننا نرى كل شخص على الإطلاق، وكل شيء موجود"، مضيفًا أنه يستطيع رؤية 300 كيلومتر إلى الأفق من على ارتفاع نحو تسعة كيلومترات في الجو.
ويقول: "نحن نعمل بحصانة ونهاجم ما نريد.. لا أحد يعرف أننا هناك. هجوم غير مرئي سيُسقط طائرات العدو؛ سيتعين عليهم أن يشهدوا الطائرات وهي تتناثر إلى أجزاء".
تهدف الطائرة المقاتلة الأمريكية الجديدة إلى أن تدوم 50 عاما، ما يمنح الولايات المتحدة و13 من حلفائها ميزة دائمة على الصين.
ومن المقرر أن يتم تصنيع أكثر من 2000 منها خلال العقدين المقبلين، بما في ذلك 330 طائرة تم تسليمها بالفعل.
الصين تتنافس بقوة لصناعة طائرة مثل F-35، ويرجع ذلك جزئياً إلى المخططات العسكرية الأمريكية المسروقة، التي يزعم أن بكين تعتمد عليها لتصميم نسختها الخاصة. يقول فلين إن طائراته النفاثة متقدمة على الصين بفترة بين 15 إلى 20 سنة، وستستمر في التطور.
ويقول: "ليس لدينا حتى تعريف للجيل السادس حتى الآن". أحد الابتكارات المستقبلية قد يتضمن أجهزة استشعار تشاهد في أطياف مختلفة، تتجاوز نطاق الرادار.
قبل أكثر من 100 عام بقليل، تنبأ المعلقون بأن أسلحة الحرب أصبحت متقدمة للغاية من الناحية التكنولوجية، ومميتة للغاية، إلى درجة أنه لن يلجأ أحد أبدا إلى استخدامها. كثيرون غلفوا سباق التسلح الذي لا هوادة فيه بأنه جزء من جهد اقتصادي لتحفيز القاعدة الصناعية المحلية، واعتبروا أن مثل هذا التدافع لن يؤدي على الإطلاق إلى الصراع. أثبتت الحرب العالمية الأولى أنهم على خطأ في هذين التوقعين.
في السباق المرعب لإيجاد طرق أفضل للقتال بما يشمل القتل، لا يزال خبراء الجيش اليوم يفكرون في الغالب في أن التكنولوجيا المحسنة ستنقذ الأرواح، وأن ومضات الحرب العالمية الثالثة يمكن أن تنتهي في غضون أسابيع.
وهم يجادلون بأن تحويل الخطر نحو الروبوتات ينبغي أن يقلل من التكلفة البشرية. يقول كوت: "منذ مئات السنين، كان الناس يقتتلون وجها لوجه بالسيوف. اليوم، معظم الجنود لا يرون الجنود الآخرين"، مشيرا إلى انخفاض الوفيات في ساحات المعارك على مر العصور.
وأضاف: "على الأرجح، ستؤدي الأشياء الأكثر ذكاءً في ساحة المعركة إلى خفض معدل وفيات البشر في ساحة المعركة".
على أن المسؤولين في "البنتاجون" اليوم يشعرون بالقلق من أن الولايات المتحدة تستوعب عددا هائلا من الإصابات إذا ما ذهبت إلى الحرب مع الصين، حتى إن حققت النصر في نهاية المطاف.
يقول لي بوب ويرك، نائب وزير الدفاع الأسبق: "ساحة المعركة المستقبلية ستكون مميتة بشكل غير عادي، وستكون الوتيرة بمعدل 24 ساعة في اليوم، طوال اليوم، في جميع الأحوال الجوية، ودون راحة. ستكون حربا للذكاء الاصطناعي من جانبنا ضد الذكاء الاصطناعي من جانبهم. جانب واحد سيدخل نظام القيادة ويغلق كل شيء. يمكنك أن تجد نفسك في مواقف حيث أسلحتك لا تعمل، بالمعنى الحرفي للكلمة".
الروبوتات قد تقصر أيضا. والمسؤولون الأمريكيون غير واضحين فيما إذا كان يمكن لعقود من الذكاء الاصطناعي في المستقبل، أن تحقق الشرارة الخلاقة اللازمة للتفوق في المعركة، وأن تكون قادرة على الاحتفاظ بالأرض، أو ما إذا كانت الآلات قد تسعى في نهاية المطاف إلى تحقيق قيم مختلفة عن البشر الذين يظنون أنهم مسؤولون عنها، وما لذلك من تأثير كارثي "إذا تمردت عليهم".
لا يتوقع ماتيس أنه سيكون هناك حل سحري بسيط واحد عندما يتعلق الأمر بسلاح محدد في المستقبل. ويقول عن المخططين العسكريين اليوم: "إنهم يدمجون كل التطورات معًا، بدءًا من مدخلات الاستخبارات والمراقبة والصواريخ وكل شيء".
"(يستغرق) الأمر وقتًا لوضعها معا والتحدث عنها.. كل حرب هي فريدة من نوعها". ويقول إن هذا النوع من التآزر، وليس أسلحة محددة وحدها، سيحقق الانتصارات.
يحتاج مثل هذا التحول إلى عقيدة عسكرية جديدة من النوع الذي لم يخضع مطلقاً للاختبار، مع تسليم كميات هائلة من البيانات بسرعة للوصول إلى قرارات تتعلق بالحياة والموت.
يأخذ ماتيس دروسه من التاريخ. "لم يكن لدى الألمان أفضل دبابة حين دخلوا الحرب العالمية الثانية، بل كانت لدى الفرنسيين. على أن الألمان عرفوا كيفية دمجها في الحرب، مضيفًا أن إدخالهم جهاز راديو وغطاء جوي أعطى الدبابة قوة أعلى بكثير.
من المحتمل أن تكون حرب الغد مختلفة عن الطريقة التي قد يتوقعها أي شخص. "قد تكون حرب الذكاء الاصطناعي، أو الروبوتات التي تستخدم أسلحة تفوق سرعة الصوت".
بيد أن ماتيس يعترف أيضا بأن بعض الأمور قد يكون لها تأثير عميق لدرجة أنه لا يستطيع أن يتأكد من كيفية تغير الحرب. يمكن للسيطرة البشرية على الذكاء الاصطناعي - وهو أمر أساسي للغاية للعمل الذي يجري في "البنتاجون" وأماكن أخرى - أن تنحسر في النهاية. وقال لي: "من الواضح أنه سيكون في المستقبل القريب عنصر بشري مهم. ربما لمدة 10 سنوات، ربما لخمس عشرة سنة، ولكن ليس على مدى 100 عام".
بالنسبة لجيم ماتيس، فإن السؤال هو ما ستفعله التطورات التكنولوجية التي من هذا القبيل لطبيعة الحرب نفسها. ويتساءل ما إذا كان الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي والروبوتات قد تُخرِج من المعركة في يوم من الأيام أكثر صفة مهمة موجودة لدى الإنسان: الخوف. درس ماتيس المُنظر العسكري في أوائل القرن التاسع عشر كارل فون كلاوزفيتز، الذي يجادل بأن أفضل الانتصارات تأتي من حروب تتم في عمق أرض العدو، وأن المفاجأة في القتال غالبا ما تكون بعيدة المنال.
مثل كلاوزفيتز، يرى ماتيس أن عوامل اللبس والخوف هما من المكونات الأساسية للحرب، لكنه أمضى فترة طويلة بما فيه الكفاية وهو يتفكر في التحول المقبل في الحرب، على نحو يجعله يعلم أنه لا يستطيع فهمها حتى الآن.
قال لي، في أول مقابلة شخصية له مع إحدى الصحف القومية منذ توليه منصبه: "لم أصل إلى تلك المرحلة حتى الآن طوال تفكيري في الأمر".
نحن على متن طائرته التي يُطلَق عليها اسم "يوم القيامة" – المتقدمة جدا إلى درجة أنها يمكن أن تعمل أيضا مثل مخبأ جوي من الهجوم النووي، وهي تنتمي إلى حد كبير إلى المدرسة القديمة، إلى درجة أن لديها مطافئ عتيقة ومفروشات من الثمانينيات لتتناسب معها.
ماتيس جنرال بحري متقاعد من رتبة أربع نجوم، قاتل في العراق وأفغانستان، ويتخذ نهجا مدروساً، لكنه لا يرحم في شأن الحرب، وهو معروف بملاحظاته الفكِهة التي تصيب الهدف تماما: "كن مهذبا، كن محترفا، لكن يجب أن تكون لديك خطة لقتل كل شخص تقابله" – وهو لا يزال يتلذذ بالإشارة التي وسمه بها زملاؤه ذات مرة: Colonel has an Outstanding Solution (العقيد لديه حل مميز) حيث الأحرف الأولى من كلمات هذه الجملة بالإنجليزية تشكل كلمة Chaos أي "الفوضى". في أيامنا هذه غالبا ما يتلقى الثناء على أنه راهب محارب.
في اليوم الذي نتحدث فيه، في أوائل أيلول (سبتمبر) الماضي، كان في رحلة جوية مدتها 22 ساعة إلى الهند لتوقيع اتفاقيات تعاون عسكري جديدة، ستبدأ في إحياء أمل أمريكي قديم في أن تصبح دلهي ثقلا عسكريا في التكنولوجيا المتقدمة، يقف في وجه بكين.
على أنه لا يعتقد أن الولايات المتحدة متجهة إلى الحرب مع الصين. وقال لي: "أنا لست من الذين يعتقدون أن هناك صراعاً تلقائياً في المستقبل"، مشيراً إلى فكرة جراهام أليسون، وهو موظف رسمي سابق في "البنتاجون" حول مصيدة "ثوكيديديس" – حيث تحل قوة صاعدة محل قوة حالية من خلال الحرب.
في وقت سابق من هذا العام، حضر ماتيس مع كبار الشخصيات العسكرية في بكين مأدبة عشاء، تُوِّجت بمقطوعة موسيقية ناعمة في وقت متأخر من الليل.
ويتذكر قائلاً: "أقاموا لي حفلة لا يمكنك تصديقها". وفي خضم عبارات المجاملة، أعلنت الصين أنها لن تتخلى حتى عن "شبر واحد" من بحر الصين الجنوبي.
ماتيس اتهم الصين في وقت سابق "بالترهيب والإكراه"، بعد أيام من قراره المفاجئ بإلغاءبكين في التدريبات البحرية واسعة النطاق في المحيط الهادئ.
أخبرني مسؤول أمني كبير أن ماتيس حذر بشكل خاص نظراءه "الصينيين" من أنهم سيكونون في وضع غير مواتٍ، ضد خصمٍ متمرس إلى درجة كبيرة مثل الولايات المتحدة، حيث استغل المخاوف الصينية من عدم الكفاية القتالية.
تدهورت الأمور بسرعة. في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، ألغى ماتيس رحلته الثانية إلى بكين وسط تصاعد التوترات العسكرية، بعد أن نجحت مدمرة أمريكية في تجنب الاصطدام بسفينة حربية صينية في بحر الصين الجنوبي.
في الأسبوع الماضي حاول الجانبان "إصلاح الوضع" مرة أخرى - وزير الدفاع الجنرال واي فنجي، الذي أطلق في الشهر الماضي تحذيرات معهودة بأن الجيش الصيني سيتخذ إجراءات عسكرية "مهما كان الثمن" للحفاظ على تايوان، سافر إلى واشنطن لملاقاة ماتيس.
يقول ماتيس: "يبدو لي تماما أنه يوجد توتر ضد الهيمنة لكلينا"، لكنه يشير إلى خط استبدادي عدواني في الصين يصيغ التوتر على شكل مواجهة بين نظامين لهما قيم مختلفة إلى حد هائل.
"في الوقت الذي يبلغون فيه سن الرشد، ويجدون أن من غير الممكن ببساطة الدخول والسيطرة على موانئ الآخرين وضماناتهم وما إلى ذلك، سيكون هناك انضباط".
ويقول إنه في نهاية المطاف من المهم بالنسبة للبلدين "أن ينظرا إلى نوع العلاقة التي يمكن أن نطورها" - ودون أن يقول صراحة إنه يتوقع أن تتبادل الصين والولايات المتحدة أماكنهما - يشير إلى حقيقة أنه عندما تفوقت الولايات المتحدة في النهاية على المملكة المتحدة كقوة عالمية في أوائل القرن العشرين، تمكن البلدان من تجنب مواجهة عسكرية؛ لأنهما كانتا تتقاسمان إلى حد كبير القيم نفسها.
مع ذلك، فإن أيا من هذه الأشياء لا يمنع ماتيس من إعداد الولايات المتحدة للحرب. وهو يحدثني عن جهود مكثفة لتحديد أي تكنولوجيات مستقبلية تظهر "أفضل وعد أو يمكن أن تكون عاملا في تغيير قواعد اللعبة.. لدينا بالفعل عالم صواريخ عليم بالقيام بالأشياء الإضافية"، كما يقول بكل فخر.
ماتيس يعني مايكل جريفين، كبير الإداريين الفنيين في "البنتاجون". تُعهَد إلى هذا الرئيس السابق لوكالة ناسا مهمة جلب آلة الحرب الأمريكية إلى العصر التالي.
وهو يسارع إلى إعداد الأجهزة العسكرية للمستقبل، ويريد تجنب "قتال رجل لرجل" مع الصين.
يقول جريفين: "ليس هذا هو نوع القتال الذي نرغب في الدخول فيه، وربما لا يمكننا كسب هذه المعركة". فوق ذلك، فهو مكلف بتحقيق فتوحات كبيرة في التكنولوجيات الجديدة التي تُذهل العقل - وليس فقط الذكاء الاصطناعي، بل أيضا المعدات فوق الصوتية، وعلم الكم، وأجهزة الليزر، والأسلحة النووية، والحرب الإلكترونية.
التفوق على الصين سيستلزم الإسراع في دورات التطوير. في الوقت الحاضر، ستحتاج الولايات المتحدة إلى 16 سنة في المتوسط لتحقيق فكرة معينة بشأن قدرة العمليات، مقابل أقل من سبع سنوات بالنسبة للصين. إنشرها