قد تسهم تطبيقات وأجهزة مراقبة الحالة الصحية في الحد من مخاطر انتشار الأوبئة، لكن هل يرى الموظفون أن هذه التقنيات تنطوي على انتهاك لخصوصيتهم؟
يقول سوريندار ماغار، الذي يعد واحدا من كبار رواد الأعمال في مجال الإنترنت اللاسلكي وتكنولوجيا معالجة الإشارات الرقمية المستخدمة في الهواتف الذكية، وتقلد منصب رئيس مجلس إدارة شركة "لايف سيغنالز" في كاليفورنيا: "قضيت جزءا كبيرا من حياتي في البحث عن طرق لتحويل الأجهزة، من الكمبيوتر إلى الهاتف، إلى لاسلكية".
ومنذ 12 عاما، تساءل ماغار عندما كان على فراش المرض في المستشفى محاطا بأجهزة ومعدات عديدة لمراقبة المؤشرات الحيوية، عن إمكانية ابتكار أجهزة جديدة تتيح للأطباء متابعة الحالة الصحية لمرضاهم حتى بعد خروجهم من المستشفى.
وبعد عشر سنوات من البحث، طورت شركة "لايف سيغنالز" شريطا لاصقا رقيقا يستخدم لمرة واحدة، لمراقبة طائفة من المؤشرات الحيوية عن طريق جهاز استشعار حيوي مدمج داخل الشريط.
ويلصق المريض هذا الشريط على صدره لتسجيل البيانات، بما في ذلك معدل التنفس ودرجة حرارة الجسم وضغط الدم ووضعية الجسم وتخطيط القلب الكهربائي، أي الإشارات الكهربائية التي تنتجها الانقباضات في جدار القلب.
تخطى مواضيع قد تهمك وواصل القراءةمواضيع قد تهمكمواضيع قد تهمك نهاية
وقبل وباء كورونا، كان هدف ماغار الرئيسي من ابتكار هذا الشريط اللاصق هو أن يتيح للأطباء مراقبة المرضى عن بُعد والاستعانة بالبيانات التي يرسلها للكشف عن أي علامات تحذيرية محتملة. لكن في الشهور الأخيرة، لفت هذا الشريط اللاصق انتباه مصدر غير متوقع للعملاء: عالم الشركات.
فبعد أن أجبر الوباء شركات عديدة حول العالم على تبني نظام العمل عن بعد بمعدل غير مسبوق، تبحث الشركات الكبرى عن طرق للسماح لموظفيها بالعودة إلى بيئات العمل بأمان. وراقت فكرة الشريط اللاصق، الذي يقيس الحرارة، لشركات عديدة لمراقبة صحة موظفيها عن بُعد.
ويقول ماغار إن اهتمام الشركات بالشريط اللاصق كان مفاجئا لشركة "لايف سيغنالز"، التي تتعاون الآن مع ثماني شركات لتدشين برامج لمراقبة الحالة الصحية للموظفين بالشركات. وتنوي هذه الشركات استخدام الشرائط اللاصقة للكشف عن العلامات المبكرة لأعراض كورونا المستجد، وتوجيه الموظفين الذين تظهر عليهم الأعراض بالبقاء في المنزل.
تخطى البودكاست وواصل القراءةالبودكاستمراهقتي (Morahakaty)تابوهات المراهقة، من تقديم كريمة كواح و إعداد ميس باقي.
الحلقات
البودكاست نهاية
ويرسل الشريط اللاصق البيانات إلى تطبيق على هاتف الموظف، ثم يرسلها التطبيق إلى إدارة الصحة المهنية بالشركة. ويقول كيم راميسا، مدير التسويق بشركة "لايف سيغنالز": "حتى لو كان لديك 1000 موظف حول العالم، يمكنك أن تتابع حالتهم الصحية ومدى إمكانية عودتهم إلى العمل بأمان. وذلك للحد من مخاطر انتقال العدوى من الموظفين الذين تظهر عليهم أعراض إلى غيرهم".
ويعد هذا النوع من مراقبة الحالة الصحية للموظفين جزءا من اتجاه جديد تنتهجه الشركات لمراقبة موظفيها، بهدف تحفيز الأداء. وأشارت تقارير إلى أن الوباء أدى إلى زيادة التلصص الخفي على الموظفين، إذ يستعين أصحاب العمل بتقنيات رقابة للتأكد من أن الموظفين لا يهدرون وقت العمل في المنزل.
فقد طورت مؤسسة "برايس ووتر هاوس" للاستشارات، على سبيل المثال، تقنية للتعرف على الوجه مصممة خصيصا لتسجيل الوقت الذي يكون فيه الموظف بعيدا عن شاشة الكمبيوتر. وذكرت الشركة أن هذه التقنية تهدف إلى مساعدة البنوك الاستثمارية للوفاء بالتزاماتها بينما يعمل موظفوها من المنازل.
لكن بعد ظهور تقنيات مراقبة الحالة الصحية للموظفين، أليس من الممكن أن تستخدمها الشركات أيضا لجمع بيانات عن الموظفين مستقبلا حتى بعد انحسار الوباء؟
طرق جديدة لمراقبة الموظفين
حاولت شركات كبرى عديدة من قبل توظيف الأجهزة القابلة للارتداء في برامج للحفاظ على صحة الموظفين، فقد كانت شركة "بريتيش بيتروليوم" في الولايات المتحدة من أوائل الشركات التي وضعت برنامج لتوفير أساور "فيت بيت" للموظفين لجمع معلومات عن لياقتهم البدنية وجودة النوم ومستوى الإرهاق ومواقعهم.
لكن بعد وباء كورونا، أثار الباحثون الذين يجرون دراسات عن العلاقة بين الرأسمالية وبين الحقوق الفردية، مخاوف من انتشار أنظمة مراقبة الحالة الصحية للموظفين في الشركات عبر أجهزة معقدة يرتديها الموظف. ويقول إيفان مانوخا، الباحث بجامعة أوكسفورد الذي يدرس التغيرات في وسائل المراقبة في بيئات العمل: "من المرجح أن تتجه المزيد من الشركات لوضع سياسات تتيح لها مراقبة الحالة الصحية واللياقة البدنية للموظفين".
وهذه السياسات لها بعض المزايا، منها منع انتشار الأمراض بين الموظفين، أثناء موسم الإنفلونزا، على سبيل المثال.
وقد يستعين فريق الموارد البشرية بالبيانات التي يجمعها من الأجهزة التي يرتديها الموظفون لوضع استراتيجيات للحفاظ على الصحة تناسب كل موظف على حدة، كما هو الحال في معرض "إكسبو 2020 دبي"، حيث يشارك 5000 عامل بناء في برنامج لاستخدام أساور "ووب" لمراقبة صحة القلب والأوعية الدموية واضطرابات النوم. وساهمت البيانات المجمعة من الأساور في تحديد الاحتياطات التي ينبغي أن يتخذها العمال الذين يعانون من مشاكل صحية، مثل تغير معدل نبضات القلب.
وقد تسهمالموظفين في هذه البرامج التي تراقب بيانات الحالة الصحية واللياقة البدنية على المدى الطويل في الحد من مخاطر الإصابة بالأمراض ذات الصلة بنمط الحياة، مثل السمنة وداء السكري. وقد تساعد هذه البيانات الشركات في وضع برامج تدريبية للموظفين لحثهم على الحفاظ على نمط حياة صحي، وهذا سيعود بالنفع على الشركة، فستقل الإجازات المرضية وستوفر الشركة الكثير من النفقات.
ويقول كريس براوير، مدير الابتكارات بمعهد الدراسات الإدارية بجامعة لندن: "تضاعف استخدام الأجهزة القابلة للارتداء لمراقبة الحالة الصحية، وقد تلعب البيانات المجمعة من هذه الأجهزة دورا في برامج التغذية أو برامج تغيير السلوكيات أو الثقافات والتدريب على الريادة".
مخاطر اختراق الخصوصية
غير أن بعض الناس يعتقدون أن استخدام بياناتهم على هذا النحو ينطوي على اختراق للخصوصية وانتهاك للمعايير الأخلاقية. وحذرت مؤسسة "إلكترونيك فرونتيير" التي لا تهدف للربح بولاية سان فرانسيسكو، من أنه كلما زادت المعلومات التي تجمعها الشركات عن موظفيها خارج ساعات العمل، زادت قدرتها على التحكم في حياتهم.
وهذا قد يعيد إلى الأذهان أول شكل من أشكال الرقابة على الحالة الصحية للموظفين في مطلع القرن العشرين. ففي عام 1913، واجهت شركة "فورد" للسيارات مشكلة تسارع معدل دوران العمالة في مصانعها. ورأت أن الحل هو مضاعفة الرواتب للحفاظ على الموظفين. لكنها وضعت شرطا صارما للموظفين للحصول على راتب أعلى وهو الحفاظ على نمط حياة صحي.
وأسس هنري فورد إدارة الشؤون الاجتماعية لمراقبة مدى التزام العاملين بالقواعد. وكان المحققون يزورون منازل العمال دون سابق إنذار ويجمعون معلومات من الجيران، وكانت الشركة تخفض رواتب الموظفين الذين ترى أنهم لا يلتزمون بالمعايير الصحية.
وفي العشرينيات من القرن الماضي، أُجبرت الشركة على إنهاء هذا البرنامج، بعد أن عجزت عن توفير الرواتب المرتفعة بسبب المنافسة مع مصانع السيارات الأخرى، وزادت احتجاجات العمال على تطفل الشركة على حياتهم الخاصة.
وهذه الحالة لا يزال يضرب بها المثل في التبعات السلبية لمراقبة الحالة الصحية للموظفين. وبينما أشار استطلاع للرأي في عام 2017 إلى أن 57 في المئة من البالغين العاملين لا يمانعون أن يرتدوا هذه الأجهزة لمراقبة حالتهم الصحية وإرسال البيانات للشركة طالما أنها توفرها لهم بالمجان، فإن بعض الباحثين يرون أن المبالغة في مراقبة البيانات والتحقق منها سيكون له عواقب سلبية.
ويشير مانوخا إلى تبعات أخلاقية أخرى لجمع البيانات الصحية للموظفين وتحليلها، منها على سبيل المثال، أن الشركة قد تحرم الموظفين الذين ترى أنهم يعانون من مشاكل صحية من فرص الترقي أو تحيلهم للتقاعد.
ويقول مانوخا إن قدرة الإدارة على مراقبة الموظفين بلغت مستويات غير مسبوقة في الكثير من الشركات، وهو ما أدى إلى مضاعفة المهام التي يكلف بها الموظفون، ومن ثم مفاقمة التوتر والضغط النفسي والاحتراق النفسي.
وبعد ظهور أجهزة مراقبة الحالة الصحية للموظف، يقول مانوخا: "لم تعد الشركات تراقب أداء الموظف فحسب، بل أيضا تضغط على الموظفين لتبني نمط حياة صحي، وأن يتمتعوا بلياقة بدنية. فقد أصبحت أجساد الموظفين أيضا محل اهتمام الشركات."
ويرى مانوخا أن ذلك لا ينطوي على انتهاك خصوصية الموظف فحسب، بل يثير أيضا مشكلة "تحويل الموظفين إلى مجرد أشياء" يمكن الاستفادة منها إلى أقصى حد ممكن.
لكن بعض القوانين تمنع أصحاب العمل من استغلال البيانات الصحية للموظفين، مثل قوانين حماية المعلومات التي صدرت مؤخرا. فإذا أقدم صاحب العمل على بيع البيانات الصحية عن الموظف، لشركة تأمين على سبيل المثال، قد يُلزم بدفع تعويضات باهظة.
ويقول أوران كيازيم، مستشار حماية البيانات بمؤسسة "بيرد أند بيرد" للمحاماة: "إن بيع البيانات الصحية مخالف لقانون حماية المعلومات وكذلك قوانين سرية المعلومات"، ويشير إلى أن أصحاب العمل قد يتعرضون لعقوبات جسيمة في حال إساءة استخدام هذه البيانات أو التعامل معها بأي طريقة دون إخطار الموظفين. ومن غير المرجح أن تفرض الشركة على الموظفين تقديم بيانات صحية، أو أن تلزمهم بالاشتراك في برامج لمراقبة الحالة الصحية رغم إرادتهم.
لكن المشكلة أن الموظفين الذين يمتنعون عن ال في هذه البرامج قد يتعرضون لصعوبات في بيئات العمل.
تجاوز الخطوط
ويرى بعض العاملين في مجال خصوصية المعلومات أن الحل لمنع اختراق برامج مراقبة الحالة الصحية للموظفين للمعايير الأخلاقية، هو أن تتعاقد المؤسسات مع جهات متخصصة في إدارة المعلومات الصحية للموظفين، على أن تلتزم هذه الجهات بقواعد خصوصية المعلومات الصارمة، وتتعامل مع الموظفين مباشرة لحثهم على تغيير نمط حياتهم.
وتقول ماري هندرسون، نائبة رئيس قسم الابتكارات واستراتيجيات التسويق بشركة "بلو هيلث إنتليجينس" لتحليل البيانات في شيكاغو: "إن أفضل الممارسات تقتضي عدم إطلاع صاحب العمل على أي معلومات ذات الصلة بصحة الموظف، وأن تضع الشركات سياسات صارمة لحماية خصوصية البيانات".
لكن الأيام المقبلة ستثبت مدى استعداد الشركات للالتزام بأفضل الممارسات. وفي ظل ارتفاع معدلات البطالة، من المرجح ألا تواجه الشركات التي ترغب في تطبيق برامج مراقبة الحالة الصحية للموظفين، أي معارضة من العاملين.
ويقول مانوخا: "في وقت اشتد فيه التنافس على الوظائف، فإن الموظفين الذين يريدون الحفاظ على وظائفهم بأي ثمن، لن يهتموا بمعارضة هذه البرامج. فإن همهم الرئيسي الآن ليس الحفاظ على خصوصية بياناتهم الصحية".
يمكنك قراءة الموضوع الأصلي على BBC Worklife