ما التطويرات التي تحتاجها قناة السويس لتفادي تكرار حادث "إيفر جيفن"؟ في غضون ستة أيام فقط، كلف حادث جنوح الناقلة العملاقة "إيفر جيفن" بقناة السويس مصر نحو 90 مليون دولار من الإيرادات، وفقا لرئيس هيئة قناة السويس أسامة ربيع. وأعلن ربيع مؤخرا أن الهيئة تدرس توسعة الجانب الجنوبي من القناة حيث جنحت ناقلة الحاويات العملاقة. دفعنا هذا إلى سؤال الخبراء في مجال الخدمات اللوجستية عن تطويرات البنية التحتية الأخرى التي تحتاج إليها قناة السويس لتجنب تكرار الحادث، وقد وجدنا شبه إجماع على تطوير القاطرات والكراكات ومسار السكك الحديدية الموازي للقناة.
ما الذي حدث للناقلة العملاقة أصلا؟ أشارت التقارير الأولية إلى أن السفينة "إيفر جيفن" التي يبلغ طولها 400 متر ضربتها عاصفة ترابية في 23 مارس، مما تسبب في جنوحها لتصطدم بجانبي القناة وتغلقها بشكل مائل. استخدمت الهيئة الكراكات لإزالة الرمل من أسفل السفينة والطين من جانب القناة، ومع ارتفاع المد عادت السفينة إلى العوم أخيرا بعد ستة أيام. ويعد إنقاذ وإعادة تعويم هذا النوع من السفن عملية معقدة تتطلب معدات متخصصة وربما الكثير من الوقت، حسبما ذكر المنتدى الاقتصادي العالمي. وذكرت صحيفة وول ستريت جورنال أن الحادث تسبب في تعطيل أكثر من 420 سفينة في البحرين الأحمر والمتوسط، مما كلف الاقتصاد العالمي أكثر من 9 مليارات دولار في اليوم، مع امتداد تداعيات الأزمة إلى الصيف المقبل. ولا تزال التحقيقات الرسمية مستمرة لتحديد ما حدث بالضبط على متن السفينة، ومن المتوقع أن تنتهي بحلول نهاية الأسبوع. وفي غضون ذلك، طالبت هيئة قناة السويس الشركة المالكة للسفينة بدفع تعويض قدره 900 مليون دولار، وحصلت على حكم من محكمة الإسماعيلية الاقتصادية بوضعها تحت الحجز لحين سداد المبلغ، وفق ما أوردته جريدة الشروق.
شهدت البنية التحتية للقناة تطورات في السنوات القليلة الماضية، منها توسعة الأرصفة والموانئ وإنشاء محطات عبور، وفق ما ذكره رئيس غرفة ملاحة الإسكندرية محمد مصيلحي لإنتربرايز. وأدت التحسينات إلى زيادة معدلات عبور القناة، التي وصلت إلى 4.8 مليون سفينة في عام 2020 مقارنة بـ 4.4 مليون في 2019، بحسب تقرير مؤشرات أداء الموانئ الصادر عن وزارة النقل. وقال ربيع مؤخرا إن هيئة قناة السويس تتطلع لزيادة عدد السفن التي تعبر يوميا إلى 95 سفينة بحلول عام 2030. ويعتقد مصيلحي أن إنشاء محطات الحاويات وأرصفة التفريغ سيزيد من تداول البضائع في كل الموانئ المصرية وليس قناة السويس فقط. لكن لا بد من اتخاذ المزيد من الخطوات لتجنب حدوث اضطراب آخر شبيه بـ "إيفر جيفن"، حسبما يؤكد نائب رئيس الأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحري محمد داوود لإنتربرايز.
التوسع في أعمال التكريك بجانبي القناة: عملت الهيئة على تنفيذ الكثير من أعمال التكريك في السنوات الماضية خلال إنشاء قناة السويس الجديدة، حسبما أخبرنا داوود، موضحا أنه رغم صعوبة تكرار حادث آخر مشابه قريبا، فإن أعمال التكريك يجب أن تستمر لتوسيع مسار الشحن. والمقصود بالتكريك هو عملية إزالة الرواسب من قاع القناة وحوافها، مثل الطمي والرمل، وهو روتين ضروري لأنه يزيد من عمق القناة، مما يسمح بالمرور الآمن للناقلات والسفن الضخمة. ويبلغ عمق قناة السويس اليوم 24 مترا، وهو ما يكفي لعبور السفن العملاقة. ومع ذلك، يشرح داوود أنه يجب تنفيذ مزيد من أعمال التكريك على حواف المجرى الملاحي لتفادي تكرار الحادث.
شراء المزيد من زوارق قطر والمعدات عالية السعة: في أزمة إيفر جيفن، استغرق الأمر بضعة أيام حتى تصل زوارق القطر الإيطالية والهولندية للمساعدة في التعامل مع الموقف. ويقول أحمد مصطفى، عضو شعبة النقل البحري الدولي بغرفة التجارة في الإسكندرية، إن البعض اقترح عندئذ ضرورة تحديث معدات الهيئة والتوسع فيها حتى تكون قادرة على التعامل مع هذه المواقف بطريقة أسرع وعدم الاعتماد على وصول القوارب المستأجرة. وإلى جانب ذلك، لم تتوفر معدات لتفريغ حمولات إيفر جيفن بسهولة، بحسب مايكل كينجستون، مستشار المنظمة البحرية الدولية التابعة للأمم المتحدة، في تصريح لرويترز. وكان الرئيس عبد الفتاح السيسي تعهد بشراء معدات وقوارب جديدة للقناة وطالب الوزراء بالموافقة على الفور على أي احتياجات للهيئة. كما قامت الهيئة بطلب شراء قاطرات وجرافات ورافعات جديدة.
خط قطارات مواز: ويقترح البعض التوسع في البنية التحتية للسكك الحديدية الممتدة على طول الممر المائي للقناة تخفيفا للضغط عليها. ويقول مصطفى إن الخط الممتد بالفعل بين مينائي السخنة والسويس إلى الإسكندرية يحتاج إلى التوسع، ومن ثم يمكن تأجيره لشركات خاصة توفر العربات اللازمة لنقل البضائع، وهو ما سيقلل التكلفة على الحكومة. وبالنظر إلى ارتفاع أسعار النفط منذ أزمة إيفر جيفن، فقد تجد شركات الشحن الصغيرة رسوم عبور القناة مرتفعة للغاية. وسيسمح وجود خط قطارات كفء بنقل بضائعها إلى الإسكندرية عبر القطارات، وهو أقل تكلفة بكثير، كما يقول مصطفى. كما سيقلل الخط الضغط على البنية التحتية للقناة ويدر للدولة عائدات مجزية.
المزيد من إجراءات السلامة: على الرغم من أن السنوات الماضية شهدت تنفيذ المزيد من إجراءات السلامة في القناة، إلا أنه هناك حاجة لمزيد من التدابير الإضافية، بحسب مالك وكالة ساراتوجا للنقل البحري، أحمد السعيد، في تصريح لإنتربرايز. وأضاف أن هذه التدابير يمكن أن تشمل حث السفن على إغلاق أجهزتها عند الدخول والاعتماد على زوارق القطر التابعة للهيئة لقيادة السفن عبر القناة.
وهناك حاجة أيضا لمزيد من إجراءات الأمن السيبراني. فأنظمة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات بالقناة معرضة للاختراق والهجمات الإلكترونية، حسبما كتب روبرت جرينواي، المدير السابق لشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مجلس الأمن القومي الأمريكي، في مقال على بلومبرج. ويشير جرينواي إلى الهجمات الإلكترونية الأخيرة على أنظمة التحكم الصناعية، مضيفا أن القناة معرضة لاعتداء مماثل بسبب بنيتها لتكنولوجيا المعلومات "العتيقة".
هل تنمو حركة الشحن البحري العالمية بوتيرة أكبر من إمكانات بنيتنا التحتية؟ فعالميا، يجري نقل حوالي 11 مليار طن من البضائع سنويا عن طريق السفن، وهو ما يمثل 1.5 طن للفرد بحسب عدد سكان العالم الحالي، وفقا لغرفة الشحن الدولية. وللحفاظ على قدرتها التنافسية، تعمل الشركات على زيادة أحجام سفنها لتتمكن من حمل المزيد من البضائع. وقال كتب المنتدى الاقتصادي العالمي إن "حادثة (إيفر جيفن).. تسلط الضوء على زيادة حجم السفن وتعقيدها واستمرار اعتمادها على طرق الشحن الضيقة التي شيدت في عصر سابق، وهو ما يبدو محفوفا بالمخاطر بشكل متزايد". إضافة إلى ذلك، يبقى السؤال عما إذا كانت الموانئ مجهزة للتعامل مع هذا القدر من تفريغ البضائع وهو ما يوجه الأنظار إلى جهود تطوير البنية التحتية لقناة السويس، إذا حدث، وهل ستكفي لطمأنة هذه المخاوف العالمية.
أبرز أخبار البنية التحتية في أسبوع: