تابو الدين و الحدود الثيوقراطية في الرواية العربية بعد الربيع العربي

  • Time:Apr 12
  • Written : smartwearsonline
  • Category:Article

بقلم/ محمد مختار : باحث وكاتب

مقدمة

عرف الأدب العربي والثقافة العربية ظاهرة التابو أو المحظور في الأدب وفي السرد والحكي سواء السرد المكتوب أو السرد والحكي الشفاهي، ولم يقتصر التابو على موضوع واحد فقط بل كان التابو يتعدد بتعدد العوامل التي تفرضه، ومنها عوامل ثقافية ودينية واجتماعية، وأحيانا عوامل سياسية، ولكن ظل التابو الجنسي هو أقوى أنواع المحظور في الأدب العربي بشكل عام.[1]

لكن في نفس الوقت فإن من المبررات التي كانت تبرر لظاهرة التابو في الثقافة العربية أن الثقافة العربية كانت في فترة طويلة وفي الجانب الأكبر منها ثقافة ذكورية أحادية الاتجاه الجنسي، بمعنى أنها كانت تسمح للذكر بالخوض في كل المحظورات الاجتماعية بينما تحرم الأنثى من نفس هذه الصلاحية، وهى الحالة التي كانت ترتبط دوما بشخصية المؤلف في النص.[2] وحتى في المحظور الديني فقد كان من الممكن أن يخوض فيها الرجل في المحظور الديني أو السياسي أو حتى الجنسي ، بينما ظل من المحرمات على المرأة أن تخوض في مثل هذه التابوهات.[3]

وعلى الرغم من تغير الظروف السياسية والاجتماعية التي مر بها العالم العربي منذ أن عرف العرب الدين الإسلامي وتحولت البلدان العربية للإسلام استجابة لدعوة النبى صلى الله عليه وسلم، إلا أن تابو الدين ظل هو السائد والمسيطر كتابو حاكم في الأدب العربي وفي الرواية العربية، واستمر هذا التابو قائما كرقيب على إبداع الكاتب خاصة فيما يتعلق بالإبداع النسوي.[4]

حتى في الظروف التي سقطت فيها التابوهات الدينية والسياسية الأخرى أو توارت مع تقدم الحريات والتطور الاجتماعي والسياسي في العالم العربي، حتى في الفترة الأخيرة بعد أن عرف العالم العربي مناخا من الانفتاح السياسي والاجتماعي في ظل تداعيات ونتائج ما عرف باسم الربيع العربي، وهو الربيع العربي الذي ظهر معه هامش من الحرية النسبية في التعبير عن الرأى.[5]

ولكن في نفس الوقت عندما سمحت الظروف للمرأة العربية بأن تنخرط في الإبداع والسرد ظلت المرأة أقل قدرة من الرجل على التعبير أو تجاوز التابوهات في الأدب أو في السرد خصوصا في السرد الروائي الذي يجب أن يستعرض أدق تفاصيل المجتمع للتعبير عن خصوصيات هذا المجتمع ضمن الخطاب النسوي العام.[6]

وكان من الطبيعي أن يتضمن السرد العربي في ظل استمرار هذا التابو محظورات يصعب على الكاتب أو الكاتبة الاقتراب منها، وهى محظورات فرضت نفسها بشكل عام على السرد العربي المكتوب، وبشكل خاص في حقل الرواية العربية الحديثة.[7]

المبحث الأول

التابو الديني بين تحرير العقل وتطويعه

لا خلاف أن الرواية العربية، بعد أحداث الربيع العربي، قد مرت بمرحلة حساسة، تتسم بالتحرر الفكري، متأثرة – في ذلك- بالمناخ السياسي بعد تلك الأحداث، وهو ما حدا بالرواية إلى اختراق ما كان محظورًا من قبل، ومن ذلك التابو الديني، أو المحظور الديني بمعنى أوضح، وقد تجلى ذلك في في الروايات العربية التي صدرت في تلك الفترة، والتي اخترقت التابو الديني بشكل واضح([8]).

ومن ذلك رواية سارق العمامة، تتحدث الرواية عن الإنسان الهامشي، الإنسان الساعي إلى إعادة صياغة العلاقة مع الله، الإنسان الذي وجد نفسه في واقع جعله يحمل صفة “الأدنى”، يلتقي مع الرب في المنام فيتكلم معه ويطلب منه أن يكون له نبيًّا ، لكن نبيًّا يختلف عن بقية الأنبياء، وتتم الصفقة بشرط أن يسرق عمامة، تبدأ مهمته فيسرق عمامة، لكنها العمامة الخطأ، إنّها عمامة “ظهر الدين”، يتم إلقاء القبض عليه متلبسًا بالسرقة، يتم إرساله إلى مستشفى المجانين بأمر من “ظهر الدين” وهناك تبدأ صفحة جديدة من المهمة حيث يقوم أحد العاملين في المستشفى بمساعدته على الهرب ليخرج حاملاً معه أيامه السبعة الأخيرة من الحياة، يسكن فندقاً خاصاً بالهوامش البشرية، يعيش في غرفة مهملة مع اثنين من المتسولين، رغم المدة القليلة المتبقية له من الحياة إلا أنّه يصر على إكمال المهمة، عند خروجه ليلا لإكمال المهمة يجمعه القدر مع طفل “لقيط” يجده مرمياً أمام الجامع، يقرر أن يكون ذلك الطفل مكملا لنبوته، لكن المفارقة تكون أن الخطأ يتكرر في اليوم السابع …رسالة الرواية أو ما تريد قوله : نفخ الإنسانية في جسد فهمنا للاديان، في سبيل الوصول إلى إلغاء الانساق التي تقسم البشرية إلى هامش ومتن، وأدنى وأعلى، جميعنا متساوون أمام الرب[9].

وعلى ذلك فإن رواية سارق العمامة تبدو من خلال التحليل الظاهري للمحتوي لها على أنها هي من الروايات التي تهاجم استغلال المظهر الديني استغلالًا نفعيًّا من خلال التمسك بمظاهر الدين دون جوهره؛ لأن ذلك من شأنه أن يصيب البناء المجتمعي بالاهتراء، وهذه القضية عالجتها مقاربات أدبية متعددة في الشرق والغرب.[10]

يبدأ شهيد الحلفي نصه الروائي الذي يحاول من خلاله كسر تابو الإله وليس تابو الدين فقط من خلال البطل الرئيسي في الرواية الذي يرى الله في المنام، فيعرب عن أمنيته لله بأن يصبح نبيا، فيوافق الله على رغبته ولكن وفقا للكاتب فإن الله يضع للمؤلف شرطا وحيدا وهو أن يسرق عمامة. وهنا نلاحظ أن المؤلف قد اجترأ على الذات الإلهية بشكل غير مسبوق في الأدب العربي الذي لم يكن يعرف الاجتراء من قبل على ذات الله تعالى.[11]

وعندما يسمع البطل شرط أن يكون نبيا يمني نفسه بتحقيق حلمه، ووفقا للرواية وما اسهل سرقة عمامة، وما اكثر حاملي العمائم في الواقع الذي يعج بالعمامة، فقد اصبحت العمامة الزي الواقع الفعلي، بهذا التزاحم على لبس العمامة . لذلك ينمي نفسه بالامل في نيل النبوة في الشرط السهل الذي وضعه الله، ان يصبح نبياً بهذه السهولة، لذلك فلا حاجة الى جبرائيل، فله التفويض الالهي (- نبيك القادم ليس بحاجة الى جبرائيل)[12]

وفي موضع آخر من الرواية نرى بطل الرواية يخاطب طفلًا، فيقول:

ابتسم يا نبي المستقبل، الله فكرة جميلة، فكرة تدعو إلى الابتسام، عليك أن تحافظ على تلك الابتسامة، وأنت تقول للناس: أنا النبي اللقيط، ابسامتك سنضيف لصفة اللقيط شيئًا من القوة، سيؤمنون بك حتمًا حيت يرونك مبتسمًا وأنت تخبرهم بأنك نبي لقيط([13]).

حيث يربط المؤلف بين مفهوم النبوة والدعوة إلى تحرير العقل من الموروثات التي لا علاقة لها بالأنبياء، حيث يبرز الجانب النفعي ممن جعلوا من أنفسهم وصاة عليها. هنا، يبرز الأطفال كأمل، حيث البراءة التي يفتقر إليها أصحاب العمائم، الذين يباهون بشرف المحتد، ونبل الأصل، في سبيل التأنق الديني أمام مريديهم، وينسو – عن عمد- أن الأنبياء – على اختلاف عصورهم- قد عملوا برعي الأغنام، وعاشوا حياة البسطاء، وحيث كانت المفاهيم المتعلقة بالنبوة وطبيعة الأنبياء وصفاتهم دوما من الصفات التي تتصل بالعقيدة الإسلامية وتشكل شكلا من أشكال المحظور في السرد العربي بشكل عام.[14]

هنا، يظهر الطفل كرمز للمستقبل، وبارقة أمل في إزاحة الأستار عن وجه المتسترين بالمحظور الديني، مسيطرين به على الوعي الجمعي العام، بعد أن نصَّبوا من أنفسهم وصاة عليه، وسدنة على تقاليده وموروثاته. ويلاحظ في استخدام شهيد لرمز الطفل هنا هو أن الطفل كان دوما يرمز في التراث ليس للبراءة والطهر فحسب، بل يرمز أيضا للمستقبل الذي يمكن أن يكون أفضل من الحاضر.[15]

ويواصل حديثه للطفل في موضع آخر:

أتدري يا بني، أحيانًا أختمل أن يكون القدر قد تعمد إفشال مشروعي النبوي، أنا أعطيه العذر إن كان قد تقصَّد ذلك في سبيل إتاحة الفرصة لك لتكون أنت النبي، أنت الأحق بذلك، النبوة تليق بك أيها البريء([16]).

ويبرز – في الفقرة- تعبير (المشروع النبوي)، وهو تأكيد على فكرة أن الموروث النبوي الحقيقي لم يعد موجودًا إلا كما يوجد الملح في الطعام، وأن الوضع المنهار الذي تردَّى فيه ورثة النبوة الحقيقيون قد أصبح يحتاج إلى أنبياء، لا نبي واحد.

ويواصل المؤلف رؤيته للطفل – النبى، في محاولة لكسر التابو المتعلق بانتهاء سلسلة النبوة . : (تلوح من وجه الطفل إيماءة تشبه الابتسامة. انظر إلى أبي نواس فأجده يرفع رأسه إلى الأعلى محدقة في الجدار. تلك الإيماءة الطفولية حقزت بداخلي الذات النبوية فزاد اندفاعي للكلام. خاطبته قائلا:

– أبتسم يا نبي المستقبل.. الله فكرة جميلة.. فكرة تدعو إلى الابتسام.. عليك أن تحافظ على هذه الابتسامة وأنت تقول للناس (أنا النبي اللقيط).. ابتسامتك ستضيف لصفة اللقيط شيئا من القوة.. سيؤمنون بك حتما حين يرونك مبتسما وأنت تخبرهم بأنك نبي لقيط.. سیدرکون في تلك اللحظة أي ني قد جاءهم.. سيدركون أن الله لا تقصي أحد )[17]

وفي موضع آخر من الراوية يقول الرواي على لسان الشخصية الرئيسية في النص الروائي:

(في احدى الليالي زارني الله .أخبرته برغبتي ان اصبح نبي. لم يعترض على ذلك…ولم يرفض طلبي..ولكنه وضع شرطا غريبا وقال لي:اذا نفذت هذا الشرط سأمنحك الفرصة.

وانا اقف امام الرب اكتشفت نوع النظرة التي ينظر بها الينا.ادركت مدى اهتمامه بنا.انه منشغل بنا بصورة لا نتوقعها.عرفت ايضا بأن هناك حالة اتصال قد تكونت بيني وبينه وانهذه الحالة لن تنقطع بعد هذا اليوم…

لقد تم حسم موضوع وجود الله… انه هنا..موجود بداخلي.له مستقر داخل ذاتي.لم اعد بحاجة الى التوجه للسماء.. اتفاقنا تم هنا … على الارضبطريقة بسيطة وبعيدة عن الشكليات والمراسيم القديمة التي يتم اتباعها عند اصدار المراسيم الالهية الخاصة بتكليف الانبياء خطوة واحدة فقط من بعدها تصبح مؤهلا لحمل صفة النبي اشارة الرب هكذا وصلتني)[18]

وقد ظهرت في الرواية النزعة العقلية، التي جعلها المؤلف مرادفًا لميراث النبوة؛ رغبة منه في تحرير العقل الجمعي من نير المحظورات الدينية التقليدية على منابع الفكر، وجوهر الإرادة البشرية. وهو ما حاول أدباء غربيون التعبير عنه وتأثر به أدباء في الشرق ضمن موجة أدب الحداثة وما بعد الحداثة.[19]

وقد يبدو التدين الكوني بديلًا يطرحه الكاتب، ووهذا ما جرى في بعض المجتمعات المتطورة جدًّا، عندما انفصلت الأنخاب العقلانية عن الدين تباعًا، عن نطاقات الديانة التقليدية([20]).

وتشير الفقرة السابقة إلى المعادل الموضوعي للتدين التقليدي، وهو ما دعت إليثه المجتمعات التي تطورت، حيث تعتمد آراؤها على فكرة الأخلاق الفطرية عند الإنسان، وهو ما يعد خرقًا جذريًّا للتابو الديني. ويمكن القول أن شهيد الحلفي قد استطاع من خلال روايته، سارق العمامة، أن يخوض مغامرة سردية خطيرة من خلال محاولة نقل ما يتعلق بتابو الدين والعقيدة من مربع السماء إلى مربع الأرض، وهو في هذه المحاولة منح المقدس طابعا إنسانيا جديدا يقترب أكثر من هموم الإنسان وواقعه، وهى رؤية كانت قد ظهرت بشكل دلالي وضمني ضمن محاولات سابقة للأدب العربي الذي تأثر بتراث غربي سابق حاول أن يقترب من هذه الحالة.[21]

وقد حاول شهيد الحلفي من سرده النصي إلى أن يؤكد على قيمة عليا للإنسانية وهى قيمة البحث عن العدل في سياق المنطق الإنساني الأرضي وبعيدا عما وصفه بعض المفكرين في مجال علم الاجتماع الديني بالتخبط في سياق المقدس، والذي تشير له بعض مقاربات علم الاجتماع الديني بأنه مشروع للظلم والتخويف الموجه للبشر وتحويل السماوي إلى مقدس متحجر لا يمكن أن يمسه إنسان بالنقد أو حتي أن يقترب منه بالتفكير.[22]

في حين يبدو إبراهيم عيسى مقتحمًا التابوات الدينية بجرأة بالغة، في روايته (رحلة الدم: القتلة الأوائل)، وفي مشاهد الرواية :

وفي هذه الرواية المفرطة في التمرد على تابو الدين يبدأ الكاتب والروائي المصري إبراهيم عيسي هذه السردية التي تمزج التاريخ بالدين بالأدب في مزيج إنساني ضمن مشهد مثير يحتل الفصل الأول للرواية وهو لعبدالرحمن بن ملجم المرادي وشبيب وهما في انتظارخروج أمير المؤمنين على بن أبي طالب ليؤم الناس في صلاة الفجر لاغتياله حيث يرون في أمير المؤمنين كافرا وخارج على الملة ، ثم ينتهي المشهد باغتيال على بن أبي طالب لتتدفق الأحداث بعدها لتعيد للذاكرة أحداثا دينية في ثوب تاريخي وأدبي، يورد ابراهيم عيسى تفاصيل مشهد ما قبل الاغتيال الدامي الذي غير مسار التاريخ على النحو التالي :

( …. وعاد برأسه للوراء بحركة خاطفة، وأدار جسده للشمال، وتفادي ضربة السيف، وصفع بقبضتيه ظهر شبيب، ومن ثقلهما ارتمی شبیب على الأرض بوجهه منكفئا، وزاحها بركبتيه، وبارگا بفخذيه، يصدر وجعة ألم بآهة صحا عليها الناعسون. حين وقف الكافر صلبا وثابتا وراسيا، كأنه لم تهزه الفجأة ولم تقلقه الصدمة، كان قد وصل إليه ووقف الآن خلف ظهر الكافر الذي أحس خبط قدمه وهفوف ثوبه و قعقعة سيفه يخرج من غمده، وصكة النصل بالهواء، ولهث الجري وحرارة الأنفاس، وتطاير حبات العرق وانخلاع لفة العمامة، فالتفت بجانب وجهه. وفي خطفة اللحظة إذا بالسيف يهوي على رأسه فتطير العمامة مزقا و قطعا، ويشق الجبهة ينفلق عظمها، ويفجر الدم ليكسو صلعة رأسه ويسيل على الجبين والوجه والعنق ويمخر نحو النحر والسرة، ويضرب ثانية فيقطع جلد وجهه، ويحطم عظم تر قوته، فيتناثر الدم دفقا ويغطى الوجه والصدر، فيرتد مترنحا بظهره بأبی أن يسقط كأنه يمانع في السقطة لا الموتة، هطول الدم من رأسه لم يمنع تلك النظرة في عينيه التي رمقه بها فأشله. ساعتها تدافع من الأبواب والشقوق والجوانب بشر، كأنما انشقت الأرض عنهم فزعين جزعین صارخين صائحين مندفعين محيطين به ومحلقين حوله، وبينما هو يحاول أن يفك الحلقة المستحکمة حوله بضرب سيفه في أجساد وأذرع وأكتاف وعصي وسيوف، حط غمام عجيب على رأسه كأنها عباءة أو خيمة، فغطت وجهه وأعمته ولفت جسده، فأقعدوه، وانحشر سيفه بين الأرض والعباءة والغمامة فانتزعوه منه، وكان يسمع القوم يصيحون ملتاعین متفجعین مذهولين: لقد قتل أمير المؤمنين! هذا اللعين قتل علي بن أبي طالب! )[23]

ومن ذلكمشهد يظهر فيه وعبد الرحمن بن الملجم يبايع علي للخلافة فكان كالآتي: ( رفع بن أبي طالب عينيه نحوه، فرأى ابن الملجم هذه النظرة من علي. هل رآها غيره؟ هل لاحظها أحدهم؟ هل فهمها واحد منهم؟ هل سمعوا ما سمعه من علي أم أنه تخيله أو توهمه؟ أكان علي وقد رماه بتلك النظرة التي فلقته يردد ويتمتم ويدمدم: إنا لله وإنا إليه راجعون)

ومن المشاهد التي أوردها ابراهيم عيسي في روايته مشهد الخليفة عثمان بن فان عندما يمنعه الخارجون عليه من الماء فيتحدث معهم مذكرًا إياهم بفضائله فيقول:

( أنشدكم بالله أن تجيبوني، هل تعرفون أننا كنا في عهد رسول الله نشتري الماء من بئر رومة اليهودي؟، وكان يبيعنا الماء بغلاء سعره وبأمره وهواه، فعز على فقرائنا ومهاجرينا ثمنه. فقال النبي: من يشتري بئر رومة يوسع بها على المسلمين وله بها الجنة؟، فاشتريتها بمالي بعشرين ألفًا سبيلاً لله يشرب منها المسلمون الرائح والغادي ويسقي الفقير والغني؟.

ثم صمت عثمان وقد تكاثفت الدموع في حبال صوته: وأنتم تمنعون عني الآن شربة ماء منها).وتتوالي المشاهد في الرواية:

( تنهد ابن عديس وكان السؤال قد أعياه: نصبر يا أشتر، لعله يرجع عن ظلمه لنا ولنفسه فيخلع قميص الحكم. أطرق الأشتر: وهل تنتظر منه أوبة أو رجعة؟

عاد ابن عديس وهو يتعطش لرية رأي من مالك الأشتر: بل أنتظر من الله الفرج للكرب، فهذا عثمان من نحاصره وليس عييا من بني أمية.

وافقه مالك الأشتر: بل عثمان صاحب النبي وصاحب اليد والفضل) .

لكن الخارجين على عثمان يمنعون عليًّا من إمداده بالماء فيتبرأ علي منهم في المشهد التالي: ( لكن صخبهم تآكل وصمتهم ارتفع حين رأوا عليًّا يفلت ذراعيه من أكف من حوله ويمسك بعمامته فيخلعها عن رأسه ثم يرفعها عاليًا بذراعه ثم يرميها بأقوى ما يملك من عزيمة فوق سور دار عثمان وهو يناديه:

يا عثمان اشهد أنني جئت وحاولت وأنني بريء منهم.

كان عثمان يسمعه في الداخل وهو يبكي، ومروان يشكك بلسانه وبإيماءاته وبإشاحاته فيما فعله علي وقاله، بينما نائلة مبهوتة وقد رأت النهاية تبدأ حين كرر علي صيحته المستبرئة:

يا عثمان، أنا بريء منهم.

وعند أحجار الزيت يتذكر علي ما حدث في البيعات السابقة وأن الناس اختاروا أبا بكر مرة وعثمان مرة ثانية فيناجي نفسه قائلا:

( لكنهم قد اختاروا غيره من قبل، فلماذا هذه المرة؟ ولكن أليست هذه المرة الخطرة الأخطر حين يشتد الشد والجذب وينشف الضلع في القلب؟، ألا يكون الأمر في حاجة إلى من يفلق الصبح بين الحق والباطل، بين الخير والشر، بين الحلال والحرام؟ ومن له ذو الفقار غيرك يا علي؟) .[24]

ومنذ بداية الرواية يتحدى ابراهيم عيسى كل التابوهات الدينية عندما يقرر في افتتاحية الرواية أن كل الشخصيات التي أوردها في روايته حقيقية وليست متخيلة، ليقطع بذلك الطريق على أى محاولة لتأويل روايته على أنها مجرد عمل أدبي متخيل، فنجد في صدر الرواية هذا الاعتراف الصريح محاولا الحصول لنفسه على مصداقية لما أورده من أحداث بقوله : (جميع شخصيات هذه الرواية حقيقية، وكل أحداثها تستند على وقائع وردت في المراجع التاريخية التالية: تاريخ الرسل والملوك» للطبري، «البداية والنهاية» لابن کثیر، «الكامل في التاريخ» لابن الأثير، «أنساب الأشراف» للبلاذري، سير أعلام النبلاء» للذهبي، «الطبقات الكبرى» لابن سعد، «أسد الغابة في معرفة الصحابة » الابن الأثير، صحيح البخاري، «المصاحف» للسجستاني، «النشر في القراءات العشر» لابن الجزري، «تاريخ القرآن» لعبد الصبور شاهين، فتوح مصر» لابن عبد الحكم، « الفتح الإسلامي لمصر» أحمد عادل كمال، «فتح العرب لمصر» لألفريدج بتلر، «سقيفة بي» لجورج کدر.)[25]

وبعد ذلك يورد ديالوجات متخيلة، لأحاديث الصحابة مع بعضهم البعض، بل يذهب إلى أبعد من ذلك، عندما يصفهم في مواقف اجتهادية بحتة، ومن ذلك حديث عثمان بن عفان، رضي الله عنه، مع (نائلة)، إذ يقول:

ضحكت (نائلة) تلك الضحكة التي تظن أنها لن تحزن بعدها أبدًا، كان ما تراه هو خليفة عاشق يتبتل في حبها، فقد وقف عثمان مبتسمًا، وأعاد عمامته الملفوفة إلى وسط رأسه، وفرد ذراعيه في مستوى كتفيه، مرتديًا عباءتها القشيبة فوق جلبابه … ([26]).

وقد ظهر خرق المحظور الديني، في الفقرة السابقة، في الكلام عن عثمان، رضي الله عنه، كرجل عاشق، يرتدي عباءة النساء، ويهيم عشقًا، وإبراهيم عيسى بذلك يكسر تابو الجنس والدين معا.[27]

وقد يثور تساؤل: هل كان السبب – في ذلك-هو الرغبة في كشف الزوايا الإنسانية في حياة ثالث الخلفاء الراشدين، ومن ثم، إقناع القاريء بأنهم ثمة بشر كغيرهم، يحبون ويخطؤون مع العلم أن هذا يمس تابو التذكير والتأنيث في السرد العربي، وأن تلك الهالة التي صنعت حولهم، ربما قد نشأت بفعل الزمن، واحتفال الأقدمين بهم بصورة متوارثة، أكثر منها مراعية لطبيعة العقل وما يقبله؟ فنرى المؤلف يتحدث عن أحد المبشرين بالجنة، وكأنه كغيره سواء بسواء.[28]

ويقول – في موضع آخر، على لسان (سودان)، وهو يحاور (ابن أبي حذيفة):

نحن نخرج للجهاد في سبيل الله وملاقاة أعدائه، فيجهزنا أمراؤنا بالسلاح والاعطيات، وننتصر في جهادنا، فينفق لنا أمراؤنا الأعطيات، ويوزعون علينا المغانم، ألسنا نحارب عثمان وابن أبي سرح؛ لأنهم يحصدون منا زرع جهادنا، ويأكلون سحتًا مغانمنا؟ ([29]).

وتدل الفقرة السابقة على منطق أعداء عثمان، رضي الله عنه، في قتاله، فيحيل المؤلف الحوار إلى لعبة حوارية عقلية؛ بهدف تكوين قناعة عند المستمع بأن الجهاد أو الاقتتال في بداية الفتنة، قبل مقتل عثمان، قد أفرغ من مضمونه – تمامًا- فأصبح أداة شكلية يتحكم فيها ولي الأمر لتمرير مصالخه؛ سعيًا للمزيد من الغنائم، وهو ما يعد جرأة على ما احترز الكثيرون من المؤرخين تناوله، فضلًا عن نسج حوار منسوب لأبطال الفتنة. وبذلك يعلي ابراهيم عيسى في روايته رحلة الدم سلطة النص فوق سلطة الدين.[30]

أما سمير زكي، فيبدو خرقه للتابو الديني لافتًا، فهو يستخدم لفظ (الإله) في حواريات الرواية بأريحية شديدة، وكأنه يكلم أحد الأشخاص، ومن ذلك حديث أحد أبطال الرواية:

لن أتركها لك أيها الإله القاسي، قل لي: ماذا تريد من هذه الفتاة؟ألا يكفها ما رأته معك أيها المتحجر القلب، يا من خلقتها للذل والهوان، لمَ أنا بالذات من تحاربه؟ ألم تكفك بشريتك البائسة حتى تأخذ مني من أحب؟ وأنت تعلم أني أحبها، ألا يمكن – لمرة واحدة- أن تكون رحيمًا؟ إذن، ليكن لك هذا، لقد قلتها مرة، وسأقولها مجددًا تحت سمائك، أنا ضدك، أنا الرجل الذي تحدى الله، وتحمل ما سيحدث بعد ذلك([31]).

وتدل الفقرة السابقة على خرق المحظور الديني عن طريق الحوار العاتب مع الإله، وإن وظف المؤلف ذلك في سياق الغضب، حيث الحديث مع النفس الذي لا يبارح الصدور، وقد تم توظيف تيار الوعي بحيث لا يقع البطل تحت طائلة اللوم، فجاء الحديث صامتًا متخيلًا، وهو ما يعد تقيدًا بالتابو الديني نفسه، فلعب العقل دوره في حدِّ الحدود أمام الحوار، والذي لا يصح أن يتفوه به البطل علانية أم أحد أشخاص الرواية، فتشتد العلاقة – حينئذ- بين المجتمع وبين الفلسفة، فيتحيم الاختيار بين التقدم الجدلي والهروب في اللا معقول([32]).

ويبدو اللامعقول – في نظر الكاتب- حين يتزيَّا رجال الدين بمسوح الرهبان، ويقيمون الكهنوت في عصر لا يعترف بالكهانة، ثم يتوارون وراء الأناشيد والتراتيل، وهو – في الحقيقة- يفرغون الدين من كل ما يمت إليه بصلة، وهو الاتجاه الذي ظهر بعد ذلك في أدب ما بعد الحداثة.[33]

وعالج عبد الله المفلح التابو الديني، في رواية (حكاية وهابية)، من منظور ازدواجية رجال الدين، والتي تلقي بظلالها العكسية على المريدين، فيبدون رافضين للدين ذاته، فيقول على لسان أحد شخصيات الرواية:

يخيفني حديث المنافقين الذين ينتهكون حرمات الله في السر، بينما –في العلن- هم أتقياء أصفياء، لهذا، حين انتكست انتكست مباشرة، واعلنت عن ذلك وأظهرته، لم أفخر به ولم أفرح به، ولم أشعر – في يوم- أنه كان قرارًا صحيحًا، ولا أظن – على الجهة الأخرى- أنني سأعود عنه([34]).

لقد أبرز المؤلف القضية التي تتناولها الرواية على محورين: حديث رجال الدين، والخوف، وهو ما يدمج الأثر مع المؤثر، ويضعهما في سلة واحدة، وقد عبَّر عن رجال الدين المتلونين بــــ (المنافقين)، وهو وصف يشي بالطابع الازدواجي الذي يطرحه المؤلف، فيخالف ظاهرهم باطنهم، أما عن محور الرهبة، فقد عبَّر عنه المؤلف بقوله: (يخيفني)، مما يدل على حالة من فقدان الثقة، وعدم القدرة على البوح، أو مجرد توجيه النقد، ويعكس استخدام أولئك المتلونين للدين كفزَّاعة وأداة للترهيب، وهو ما كشفت عن مدارس معاصرة في النقد الأدبي.[35]

ومع شيوع الإرهاب الفكري، يتجه العقل الجمعي للاتجاه المعاكس؛ إذ لا يستطيع الفصل بين حدود الحقيقي والزائف، فيتخذ القرار الانتامي من النفس، لا من الدين أو المتاجرين به أنفسهم، فيبتعدون عن الدين بكل تفصيلاته، وهو ا عبَّر عنه المؤلف بــــ (الانتكاسة)، أي: عدم التكيف. وعندما تمَّحي الفواصل بين كل ما هو ديني في الحقيقة، وكل ما هو متدين، ينقاد العقل الجمعي إلى أحد طريقين: الالتياث بالقشور الزائفة التي يروج – لها- المتاجرون بالدين، أو الابتعاد عنه كلية، وهي القضية الرئيسة التي يعالجها المؤلف، داعيًا إلى تحرير العقل من من الكهنوت، لا من الدين نفسه، وعليه، فإن سلوكهم اليوم يبدو لنا منحرفًا، إن لم يكن زائفًا بوضوح، وعلى كل حال، فهو من المتعذر إدراكه([36]).

وتشير الفقرة السابقة إلى ما أراد المؤلف طرحه، من اتِّجار تجار الدين به، والتظاهر بالتقوى أمام الناي، بينما هم لا يتقيدون به في الحقيقة، ولكي نسبر أغوارهم، ونقف على ما بدلوه من سلوكيات شائهة، تسيء للدين نفسه.

ويحسب للمؤلف أن وقف على مسافات متساوية من الدين الزائف الذي يروج له المنتفعون، والدين كما ينبغي أن يكون: معتنق مقتنع، وعقل حر، وأداء يتسم بالواقعية، ويلبي متطلبات العصر.

ويتناول المؤلف النمطية في التفكير الديني، على مستوى الفرد والمجتمع، فيقول:

أي جريمة ارتكبها عمر في حق بلده، وهو الذي أخذ بفتوى ابن باز -رحمه الله –وغيره، في وجوب نصرة الشيشان بالمال والنفس، أي ضرر يحدثه عمر على بلده التي خرجت منها هذه الفتوى، لماذا يُلاحق، وهو الذي لم يحمل سلاحًا ضد حكومة بلده، ولم يكفرها، ولم يحرض عليها، ألم يترك علي بن أبي طالب الخوارج، ولم يبدأهم بالقتال؟ وهو بذلك يطبق من خلال طريقة سرد الحكي تقنية جديدة في الرواية وفقا لمدارس ما بعد الحداثة في السرد .[37]

من يفترض أن كل جهادي هو مشروع إرهابي؟ مثله مثل من يفترض أن كل حكومة هي مشروع كفر؟

ثم لماذا يصدق على الحكومات التفريق الشرعي في الحكم بغير ما أنزل الله، بين الكفر والفسق والظلم، ولا يصدق على الجهاديين التفريق بين التكفيري والباغي والمسالم([38]).

ويتناول المؤلف – في الفقرة السابقة –قضية الفتاوى لتي تعتمد – أول ما تعتمد- على التراث الفقهي السابق للمسلمين، فتسقط أحكامها دون محاباة على المجتمع المسلم المعاصر، ولا تأبه لمن يطالبها بالتجديد، أو الاجتهاد بما يرعي احتياجات العصر، وهو ما وقع فيه عمر، الذي كان مثالًا لمن التزم بتنفيذ فتوى الجهاد في الشيشان، مثله مثل المجاهدين في كافة الأقطار الإسلامية، وهو ما تسبب في خلخلة فكرية عقدية شديده، فلا يلتفت إلى الواقع المحيط، ويصبح العقل وقتها صنيعة القرون السابقة، بينما هو – فعليًّا- يسبق زمنها بقرون.

اعتمد المؤلف، في مناقشته لتلك الأفكار- على اختراق التابو الديني النتوارث منذ الأجداد، وقد أراد أن ينبه – بطريقة غير مباشرة- إلى التخلخل العقدي عند إنسان العصر الحديث، الذي وقع بين مطرقة التقليد، وسندان التجديد، فجاء نتاجه الفكري مشوشًا متخبطًا، لم يدرك كنه المفهوم الديني الحقيقي، ولم يترفَّد رافده الأصيل، لا سيما وأن اختلطت عليه المفاهيم، والأركان الركينة للدين، فلم يعد يدري للجهاد مفهومًا، وقد اصبح القتل غاية لا وسيلة، ولم يعد يفهم من الذين يجاهدهم، ولأي شيء يفعل ما يفعله.

هنا تصبح المفاهيم الدينية طوطمية حسية، في المقام الأول، وبحسب التطور عند فرويد، أصبح مفسِّراً للدين تفسيرًّا جنسيًّا، حيث أصبح الدين هو الشعور بالندم؛ من قتل الأولاد لأبيهم، الذي حرمهم من الاستمتاع بأمهم، ثم صار عبادة للأب، ثم عبادة الطوطم، ثم عبادة القوى الخفية في صورة الدين السماوي، وكل الأدوار تنبع وترتكز على عقدة أوديب([39]).

وتشير الفقرة السابقة إلى لجوء الفرد والمجتع غلى التفسيرات الحسية المادية، عند افتقاد القيمة الروحية الصحيحة. وقتها، يصبخ الفرد كالآلة، لا تعي إلا ما تراه، ولا ترى إلا ما تشعر بوجوده، فتحول النظرة بالدين إلى النظرة عن الدين، وهو ما مثَل جرأة من المؤلف، الذي اقتحم محظورًا دينيًّا هامًّا، وهو وجوب فتح باب للمناقشة لكل ما هو مأثور عن أسلافنا، مع القدرة على تطويعه حسبما يناسب العقل، ويسترشد به اللاحقون عن السابقين، مع ارتباط واضح لتابو الدين مع أزمة التعبير عن غرائز الجسد في السرد العربي.[40]

ويتبين لنا، في نهاية المبحث، أن الرواية العربية، بعد أحداث الربيع العربي، قد تناولت التابو الديني، من خلال عدة محاور، وهي:

وأخيرًا، يظل التابو الديني منطقة شائكة، قد يجرؤ البعض على اقتحامها، وتناول قضاياها المتعددة، بينما يفضل البعض البقاء في الظل؛ خوفًا من مغبة عواقب الاقتحام، ويحسب للرواية العربية ذلك الطرح الثري، وتلك الرؤية المتجددة، وإن تطلب ذلك التقيد ببعض القيود، وتوخي الحذر في تناول بعض الشهصيات، وهو ما يراه الباحث، ويميل إليه.

المبحث الثاني

التذاوت والمجتمع في التابو الديني

ينبع التأثير والتأثر –في التابو الديني- من خلط النظرة الفردية بنظيرتها الاجتماعية، وهو ما يجعل التقييدات التابوية شيئًا مغايرًا للمحظورات الدينية والأخلاقية، فهي لا ترجع إلى أمر من الله، بل تحظر نفسها من نفسها، وتفترق عن المحظورات الأخلاقية بعدم اندراجها في نظام يقول – عمومًا بضرورة التعفف، ويعلل هذه الضرورة([41]).

وقد برزت النظرة الفردية الذاتية، في مقابل نظيرتها المجتمعية، في الروايات محل الدراسة، مما ربط بينهما بعلاقات واضحة، حيث اختار المؤلفون لحظات خاصة، تشتد -فيها- نبرة التحاور، فتستبين العلاقة بين الفرد والمجتمع، وذلك على النحو الآتي:

ترصد رواية (سارق العمامة) المظهر الديني الزائف، والذي أصبح طاغيًا على الجماعة، حتى أصبح لكل فرد عمامة تعممه، يستطيع – من خلالها- إخفاء ملامحه الحقيقية عمن حوله، يقول المؤلف على لسان شخصيتين في الرواية:

من خلال تلك الجملة، عرفت ما يريد مني، في حواره معي كان يبحث عن شيء ما، لم يصرح بهذا الشيء، ولكنه لم يخفِ عليّ، أنه يبحث عن السبب، يبحث عن دواعي اختياري له بالذات، لماذا هو دون غيره؟

يكرر ذلك في سبيل استفزاز وعي النبوة المتعلق بالشرط الإلهي المرتبط بعمامته، يشدني الشبه الواضح بينه وبين (ظهر الدين)، حتى نبرة الصوت تكاد تكون متطابقة، أتأمل وجهه، تقودني اللحظة العصيبة التي قادتني إلى عالم المجانين، هذه المرة كان تعاملي معه مختلفًا، منحته وقتًا كافيًا لإبداء ما لديه من دفوع، يستمر في إعادة نفس العبارة، منتظرًا نوع الاستجابة التي ستصدر عني، تتأخر عليه تلك الاستجابة، فيضيف:

دين يثير كراهية الآخرين…

دين خال من الجمال…

دين خال من الحب…

خال من الإنسانية.

استفزتني عبارة (دين مزخرف). بعد هذه العبارة، لم يعد الصمت إيجابيًّا بالنسبة لي([42]).

ويبدو، في الفقرة السابقة، بوضوح، النزعة المجتمعية المنبثقة من التذاوت الفردي، حيث يرى المتكلم دين لابسي العمائم دينًا خاليًا من الحق والجمال، وهو ما يفرغ الدين نفسه من مضمونه، فهو اتهام خفي بانتشار لا بسي العمائم في المجتمع، بأشكال مختلفة، واتجاهات متباينة، حتى تحولت العمامة إلى ما يشبه الزخرفة التي تجمِّل المزخرَف، ولا تشي بجماله الحقيقي، أو على الأقل تقدير، تخفي حقيقته، بما يدل على انعدام الوعي الجمعي، وفقدان الرغبة المجتمعية في التصحيح.

وكأن المؤلف يشي إلى كون ظاهرة العمائم من الظواهر التي تنشأ متذاوتة، أي: نابعة من النظرة الفردية لطبائع الأمور، ومع انتشار الإحباط بين الأفراد، يذهب الجميع، كلٌّ إلى عمامته التي تتخذ شكلًا مختلفًا، ويعيش المجتمع – بالتالي- تحت عمامة كبيرة، من المحظور الزائف، الذي صنعه الأفراد، ولما انتشرت الظاهرة، اتخذت لها شكلًا مجتمعيًّا يصطبغ بصبغتها الخاصة، إذ إن الحياة – في مجملها- قابلة لأن تكون مقدسة، وإن الرسائل التي تحصل – بها- على التقديس متعددة، ولكن النتيجة هي – دائمًا- ذاتها: عيش الحياة على مستوى مزدوج، أنها تجري بصفتها وجودًا بشريًّا، وفي الحنين ذاته تساهم بحياة غير بشرية، هي حياة الكون والآلهة([43])

ويقوا إبراهيم عيسى في (رحلة الدم)، عند اجتماع ابن عديس بأصحابه؛ ليروا رأيهم في الهجوم على (عثمان بن عفان)، رضي الله عنه:

لكن عمرو بن الحمق كان كثير الكلام والنقاش معهم حول عثمان وأهله، كان يدعوهم لأن ينضموا لهم، ويمضوا معهم للمدينة، فلما سأله أحدهم:

رد ابن الحمق، وقد كره السؤال وصاحبه:

فعلق الرجل، متحديًّا بسذاجة سؤاله:

تدخل كنانة، وقد انزعج من لجاجة الرجل:

وتبرز في الفقرة السابقة ملامح النظرة الفردية الأنوية، في مقابل النظرة الجماعية المناوئة، حيث يرى الثوار على عثمان، رضي الله عنه- أن يتخذوا خط الثورة، وأن يصعِّدوا منها حتى تتخذ شكلًا عنيفًا على الأرض، وهنا يبرز سؤال، أراد المؤلف إبرازه: إذا اجتمعت الرؤى على خلع الإمام أو الحاكم بمعنى أدق، فما عساها تلك الخطة التي تُتَّبع، وما هي أولويات الحراك؟

هنا، يسقط المؤلف – بوضوح- على أحداث الربيع العربي، التي اتخذت حراكًا شعوبيًّا بلا قائد يقودها، ولعله يقصد إلى أن يدين تلك الثورات على مستوى القيادة، حيث أفرغت معظمها من مضامينها، كما أفرغت الثورة على (عثمان) من محتواها، فتم قتل الخليفة، وكانت الثورة بداية الفتنة الكبرى بين فريقين، وهو ذاته ما سببته ثورات الربيع العربي في أغلب البلدان التي قامت بها، حيث امَّحى مفهوم الثورة بعد فترة وجيزة، وأصبحت الفوضى هي الأساس الذي تستند إليها كل المجريات، ونسي الجميع أن الأهواء الخيِّرة هي التي تقود الفكر، وهي التي توجه السلوك، وهي التي تحرك النشاط، فإصلاح التفكير لا يكون بمناهضة الأهواء، وإنما بتحويل مسارها ومجالها من نزعة الهدم إلى نزعة البناء، ومن الاعوجاج إلى الاستقامة، ومن التشتت إلى الانتظام، ومن خدمة الأنانية إلى خدمة المجتمع([45])، مع التأكيد على أن إذا كان النص لا يسمح له منطقه الديني بتجاوز استراتيجية العنف الأضحوي القرباني، فإن التاريخ، وباسم الضرورة، قد يحول ما هو استراتيجي في النص إلى عنصر عادي، وربما قد يغيب وينبعث بالثانوي، في حين يتحول ما هو أداتي (العنف الأضحوي السياسي) إلى هدف استراتيجي([46]).

وتشير الفقرة السابقة إلى أن السلوكيات غير المنضبطة دينيًا، مثل الثورة على عثمان، رضي الله عنه وغيرها، قد تتحول مع التاريخ إلى وقائع سردية، وقد نُزِع عنها قداستها، مما يجعل إعادة طرحها من التابوات الدينية، وهو ما تناوله إبراهيم عيسى في روايته.

أما في رواية (رجل ضد الله)، فيتخذ المؤلف من (رحمة) رمزًا للوطن، الذي فقد بريقه على يد الخونة والمغرضين، فيقول على لسان القسيس الذي جاء يطهر المنزل:

– هذا هو الإنجيل يا أبانا.

انزعجت نفس سليمان جدًّا، ففتح كتابه المقدس على سفر المزامير لداود النبي، والملك قارئًا ذلك المزمور الذي كتبه بعد خطيئته الشهيرة (الزنى)؛ لكي يستعطف الله عليه، وينظر إليه بعين الشفقة.

انتهى سليمان من قراءة المزمور، منتظرًا أبونا (حنا)، الذي كان مغمض العينين، جالسًا، قائلًا:

قال سليمان بريبة:

غير مصدق قائلًا:

انهار سليمان، ولم يتمالك أعصابه؛ ليشعر بالدم يغلي في عروقه.

وقد أشار المؤلف – في الفقرة السابقة – إلى فكرة فقدان المجتمع براءته، والتي رمز لها بـــ (رحمة)، التي فقدت عذريتها، واستطاع الربط – ببراعة- عن طريق مزمور الإنجيل، وفكرة المقدس الذي يسعى للتوبة؛ أملًا في التطهر من المدنس الذي لحق به؛ واستعادة لــــ (الرحمة) المفقودة.

وقد دلت الفقرة على أن فكرة الخطيئة لا تتشكل بأشكال فحسب، بل قد تتعدى ذلك إلى شكل الخطيئة الفكرية، والتي لا تلبث – بعد حين- أن تكتشف أنها لم تكن سوى سلوكيات تفتقر إلى الدقة والانضباط، وأن ذلك السلوك الفردي قد لا يدنس المنزل، إلا إذا نحا منحى جماعيًّا بحتًا، وهو ما أراده المؤلف.

وعندما تتعدى الخطيئة الذات إلى الذوات، تصبح الرؤية المجتمعية مضببة، أكثر منها متبصرة واعية، وحينئذ، تحتاج الجماعة إلى القديس، الذي يظهر على مرمى البصر؛ أملًا في تطهير البيت الذي تشكلت فيه الخطيئة بأشكال مختلفة متنوعة، حتى صارت مرضًا ينهش في الجسد المجتمعي العليل، وقد اختار المؤلف لحظة الاستدعاء؛ للتخلص من خطأ صغير، فإذا بالقادم ينبئ المستدعي بالإثم الفاحش العظيم، الذي يهدد كيان البيت كله، ولا يخفى ما في هذا من إسقاط على المجتمعات العربية، بعد ثورات الربيع العربي، وما أصابها من اختلال، وفقدان القدرة على السيطرة والاتزان، وهو ما يدل على بدء تكون الطبقية الثقافية، بين التي تنظر للعمل كونه فتحًا جديدًا في عالم الرواية، وبين التي ترى أنه مجرد سرد يغوص في الإثارة وتابوهات المجتمع المحظورة، بلغة محكية، لا تضيف لمنهج الرواية أية قيمة أدبية([48]).

ويذهب (عبد الله المفلح) إلى الربط بين الفتاوى الدينية، وحالة التخبط على المستويين: الفردي والجماعي، في فترة حرب الخليج، فيقول:

ازداد الارتباك، حين صدرت فتوتان دينيان معتبرتان، واحدة من هيئة كبار العلماء السعوديين، تؤيد السماح بدخول القوات الأمريكية للسعودية؛ من أجل رد العدوان وتحرير الكويت، وواحدة من الشيخ الألباني، ترفض الاستعانة بالقوات الأمريكية، لم ترق فتوى الاستعانة لمشايخ الصحوة، وبالتالي، لم ترُق لشباب الصحوة، الذين التقطوا مشاعر وآراء مشايخ الصحوة حول تلك الفتوى([49]).

وقد ربط المؤلف – في الفقرة السابقة- بين الفتاوى الدينية، والحراك المجتمعي المتنامي؛ بفعل أحداث تهدده خارجيًّا، ولو من بعيد، حيث يطابق الأفراد بين وجهات نظرهم، ومعتنقاتهم، وبين التوجهات الجماعية المتضاربة؛ بفعل تلك الفتاوى، والتي قد تتوجه توجهًا يفرضه الظرف الراهن، أكثر مما وعوا استقراء لنصوص الفقه، فيتعدى الأمر إلى رؤيتين متضاربتين، كلاهما يستند إلى الدفع الديني القوي، ويتسم بوجاهة دينية ظاهرة، و يرجع إلى نصوص ثابتة لا تقبل التشكيك.

وبين وجوب الشيء وعكسه، وانتفاء الشيء رغم إثباته، تتحول النصوص الدينية إلى موجِّه، يدعمه – أول ما يدعمه- الظرف الراهن، ويتشح بوشاح من الألفاظ الرنانة، كـــ (فقه الواقع)، و(الثابت والمتغير في الإسلام)، وغير ذلك مما يخلق حالة من اللجاج والبلبلة، ويدعم نزعة انقسامية واضحة، بين شرائح المجتمع الواحد، والتي لا تلبث أن تتزيَّن بأزياء تناسب اتجاهاتها، مثل: شباب الصحوة- مشايخ الصحوة، إضافة إلى الاتجاه الديني الكلاسيكي التقليدي.

يرصد المؤلف توابع الانقسام على المجتمع، حيث تتباين الآراء، ما بين مؤيد ومعارض، ويسعى الجميع إلى إعذار أمام الله، ويتبرأ كل فريق مما ضل أو شط – فيه- الفريق الآخر، في حين أنهم – جميعًا- لا يضعون – في حسابتهم- أنهم – بذلك- يقوضون صرح المجتمع نفسه؛ إذ مجتمع آراؤه متضاربة كفيل بأن يحمل في طياته عوامل فنائه.

وقد اهتم المؤلفون – فيما أوردناه آنفًا- بإبراز حالة التناقض الواضحة، التي يصنعها الفهم الخاطئ للدين، سواء في المظهر، كما في (سارق العمامة)، أو في السلوك، كما (رجل ضد الله، أو في العقيدة، كما (رحلة الدم)، أو في التطبيق، كما (حكاية وهابية)، وهو ما يجعل الحرك المجتمعي، النابع من الأداء الفردي غير الواعي، متجهًا إلى اتجاهين متعاكسين، يعني لنا من جهة: مقدس، مبارك، ومن جهة أخرى: رهيب، خطير، محظور، مدنس … بذلك يختلط بالتابو شيء مثل مفهوم احتياط([50]).

وتشير الفقرة السابقة إلى طبيعة الاتجاهات المتعاكسة التي يفرضها التابو، والذي يبين – بوضوح- أنها ليست من المحاذير الإلهية، وإنما هي – في ذاتها- تصنع نفسها بنفسها؛ عن طريق التصور الفكري الفردي، الذي يتنامى، فيطغى على المجتمع، حتى يصبح له مؤيدوه، والمنتفعون من وجوده، فيتحول إلى ما يشبه الصنم الفكري الذي يعبده مجتمعه، ويتولى سدانته المستفيدون من ذلك الوضع الفكري المريب.

وفي نهاية المبحث، يتضح لنا العديد من النقاط، وهي:

المبحث الثالث

التابو الديني: تنوير أم تثوير؟

تنبع فكرة التثوير في التابو الديني من اختلاف الناس في تقييماتهم، وتباين تلك التقييمات باختلاف العصر، ويتنافر الناس بقدر اختلاف آرائهم، ولكن آراءهم لا تستقر، بل تتبدل بتبدل اتجاهات أهوائهم، فهي دائمة التذبذب، وثباتها مرتبط بثبات الأهواء، فإذا تغيرت الأهواء، تغيرت الآراء، مما يستوجب أن يدرك الناس أن آراءهم –في الغالب- ليست قائمة على أسس موضوعية، وإنما تتقلب مع تقلب الرغبة، ورغم هشاشة الأساس الذي تقوم عليه الآراء، ، فإنها توجه نشاط الناس، وتصطبغ بها علاقاتهم، وتؤدي إلى تناغم المجتمع أو تنافره، ومع كل هذا، فإن الناس لا يهتمون بتمحيص آرائهم، كما أنهم لا يعتنون بكيفية تكوين هذه الآراء([51]).

تابو الدين و الحدود الثيوقراطية في الرواية العربية بعد الربيع العربي

وتشير الفقرة السابقة إلى ما ذكرناه آنفًا من العلاقة التي تربط بين الحكم، ووقت صدور الحكم، ومع اعتبار عنصر التزمين، المرتبط بتكوين وجهة النظر، يكمن التثوير في التابو الديني؛ تقريبًا بين خطوط متباعدة، ورجوعًا بالمحظور إلى منطقته الدينية الصحيحة، دون تكلف أو مزايدة.

ومما يسترعي النظر الإنسان في المجتمع، والإنسان وهو ينقل مشاعره لإنسان آخر وهكذا وقد نجعل أحد تلك الأسس الفعالية الاجتماعية التي تنظم مختلف الأساليب النقدية من حيث هي مظاهر متصل بعضها ببعض في جماعات مختلفة، أو قد نتخذ درامية (بيرك) أساسًا فنستغل دعائمها الخمس، ونطبقها على الأساليب المتنوعة مستغلين دعامة دون أخرى حسب المقام، كأنما بينها صراع أو تعاون كصراع الشخصيات وتعاونها في داخل الرواية([52]).

وتشير الفقرة السابقة إلى أن (الفعالية الاجتماعية) تعد من الركائز الأصيلة التي يستند إليها البناء المجتمعي، وهو ما اهتم به الكثيرون، مثل: بيرك وغيره، مع التركيز على عنصر الصراع بين تلك الطبقات، لا سيما الفكري منه، وهو ما يمس الطرح المجتمعي في جوهره ولا شك، وهى الفعالية الاجتماعية التي نجد لها صدى خاص في الأدب النسوي على وجه الخصوص.[53]

إن اللاعقلانية – في الطرح- تبدو ككيان قوي، له أدواته التي تربط ما بين أجزائه، كما أن المعضلات، معضلات الجوهر والطريقة، المطروحة عليها، تتماسك بشكل وثيق، وتقدم طابع وحدة عميقة وملفتة للنظر: تحقير الفهم والعقل، تمجيد الحدس بلا حد أو قياس، نظرية للمعرفة أرستقراطية، رمي التقدم التاريخي للمجتمع، خلق أساطير([54]).

وتشير الفقرة السابقة إلى أن اللاعقلانية، كمظهر من مظاهر التابو الديني، تتراكم في الأذهان بمرور الزمن، حتى تنشئ كيانًا متلاصقًا قويًّا، يستمد – مع الوقت- أسباب قوته، فينشأ المجتمع على تحقير العقل ورفض الاحتكام إليه، مما يؤدي إلى تسطيح الفكر، بالإضافة إلى رفع شأن الحدس، والاعتماد على الغيبيات، مما يؤدي إلى ظهور الفئة الدخيلة، التي تسيطر على العقول؛ بدعوى أنها الأقرب من ذلك العالم الغيبي، فيقوي الاتجاه اللاعقلاني، ويثبت أركانه، مما يحتاج – معه- إلى ثورة حقيقية؛ سعيًا لزحزحته عن العقول؛ في سبيل تصحيح السلوك على أرض الواقع، وهو ما تهدف إليه الرواية العربية.

وقد وضحت، في الروايات محل الدراسة، القضايا التي تحتاج إلى إعادة صياغة، والأفكار التي تفتقر إلى أعادة تدوير؛ بهدف التصحيح؛ لتأخذ حظها من التنوير.

ومن ذلك ما رصده إبراهيم عيسى في روايته (رحلة الدم)، إذ يقول:

هل هرقل الذي أراد أن يجمع المذاهب المسيحية المختلفة المتناحرة المتصارعة، الممزقة للمسيحيين في أركان الأرض، وينهي خلافاتهم اللاهوتية الفارغة، وتنافس رهبانهم وقساوستهم بثرثرات وتقولات وهرطقات ونزف دم، وحروب شعوب، ويصنع مذهبًا واحدًا جمعًا موحَّدًا، يؤمن به كل مسيحي على وجه الأرض، يصبح في نظر هؤلاء الحمقى كافرًا؟

ومن يحكم عليه بالكفر؟ مجموعة الجهلة، وجوقات الفلاحين والصيادين والنجارين، في بلد لا يقدر شعبه على البقاء يومًا – في حياته- دون أن يحتله أجنبي؟([55]).

ويبدو – من خلال الفقرة السابقة- سيطرة فكرة التكفير، والاتهام بالتزندق والكفر، أو مخالفة سنن السابقين، وهو ما عني إبراهيم عيسى برصده في الرواية، وهو – في الفقرة السابقة- يبين أن كيل الاتهامات للأمام أو الملك لا تقتصر على الإسلام فقط، بل تتعداه إلى سائر الملل والأديان.

ويتبين – من خلال ذلك الطرح- انسياق الغوغاء، ومن ليسوا بأهل الخبرة والدراية، وراء المشاغبين المتشحين بثياب الثوار، في مشهد فوضوي محض، كما حدث مع عثمان بن عفان، رضي الله عنه؛ إذ نبعت فكرة الثورة عليه من منابع مخالفته السابقين عليه، في حين نسي الثوار، أنه كان يبني جولة الإسلام التي ستمتد – من بعده- ما شاء الله لها من الزمان، فلجأ المؤلف إلى التمثيل بما حدث مع هرقل؛ تأصيلًا لمبدأ عدم اختصاص دين معين عن غيره من الأديان، وهو خطاب عبثي متكرر في التاريخ، يحتاج إلى تثوير، وبيان للأخطاء التاريخية؛ تجنبًا لتكرارها؛ لأنها تعد امتدادًا لعصر القبيلة البدائية، بما يظهر في سلوك البدائيين تجاه حكامهم، حيث يظهر فيما يسمى (جنون الملاحقة)، هناك تحصل مبالغة فائقة في أهمية شخص معين، وفي كمال سطوته؛ من أجل تحميله كل المكاره التي تصيب المريض، في الحقيقة لا يسلك البدائيون مسلكًا آخر مع ملوكهم عندما ينسبون إليهم سلطة على المطر وضوء الشمس والريح والطقس، ثم يعزلزنهم أو يقتلونهم إذا خيبت الطبيعة آمالهم أو موسم طيب([56]).

أما عبد الله المفلح، فيتناول قضية هامة، في روايته (حكاية وهابية)، وهي قضية تصحيح مفهوم الجهاد، وقد ورد – في روايته الحوار التالي:

– أوووه، ما شاء الله، صار (روبرت فيسك) دليلكم، عفوًا، أقصد: دليلك، يا صديقي أنا عندي رؤية أخرى، هل تسمح لي بعرضها؟

قالها باسمًا.

وتناقش الفقرة السابقة مفهوم العنف المبني على خلفية إخراج الناس من ملتهم؛ بتكفير الحكومات والشعوب، وهي قضية تحتل مكان الصدارة في تبرير الجهاديين مسالكهم الجهادية، ومع عدم اختصاص القاعدة، كنموذج وارد في الفقرة، يطرح المؤلف طرحًا عامًّا، وهو ابتعاد المتأسلمين عن جوهر الدين، بما يخالف أصوله وثوابته، فاستحدثوا بدعة التكفير، وأسقطوا نصوصًا على غير مرادها، بما ينقض أصل الدين نفسه، ويجعله حكرًا عليهم فحسب، مما يدرج تلك القضية تحت باب ما يحتاج إلى تثوير، وتجديد في الفكر الإسلامي المعاصر، بما يضمن ترفُّده روافده الأصيلة، دون ابتداع أو مزايدة.

ومما يجدر ذكره، ومن هنا يدرك القارئ أن الحكم لا بُدَّ وأن يختلف فيهم على حسب معرفتهم ومعتقداتهم، كلهم يشملهم اسم الإسلام إلّا من أعرض عن شرع الله تعالى وأقيمت عليه الحجة من كتاب الله وسنة نبيه وأقوال علماء الإسلام، فعاند وأصرَّ وردَّ النصوص وفضَّل الأحكام الوضعية على الأحكام الشرعية، فهذا غير مسلم، على أنه يجب الحذر من التساهل في التكفير، فإنه أمر خطير، خصوصًا تكفير المعيَّن، فإن للسلف في التكفير تفصيلات لا بُدَّ من معرفتها، ومعرفة تفريقهم بين الكفر العملي والكفر الاعتقادي([58]).

وتشير الفقرة السابقة إلى الفهم السليم، والعقيدة الواضحة، في مسألة التكفير، وهي مما عالجته الرواية العربية، سواء قبل ثورات الربيع العربي أو بعدها، منددة باتخاذه وسيلة لأي منهج كان، متشكلًا بأي شكل من الأشكال.

ويبدو التابو الديني – في الحوار السابق- متداخلًا مع التوجهات السياسية، مما يدمغ المنتمين إليه بشبهة التواطؤ لتحقيق أهداف سياسية، فيُفرغ التوجه الديني من محتواه؛ لاختلاطه بما يشكك في نزاهته وحياديته. إذ لا يوجد – في الإسلام رجل دين رسمي أو مبلغ رسمي أو مفسر رسمي، أو مندوب ديني رسمي، فالجميع جنود مبلغون يربطون الخلق بالخالق، وهم – في الوقت ذاته- مفكرون مستقلون، مسؤولون عن أعمالهم وعقائدهم، وهذا هو البعد الفردي الليبرالي في الإسلام([59]).

وفي رواية (رجل ضد الله)، يناقش المؤلف فكرة تهميش الإنسان تحت ستار التدين المنعزل، والاهتمام بالأتباع والأنصار فحسب، فيرد الحوار التالي:

– ليست مهمتنا نشر العدالة والحب إلا لأبنائنا، دع أبناء آدم في عذابهم وأنينهم، وتعاستهم الأرضية الفانية، فهم مخلوقون لهذا الغرض. ألم يقل لهم خالقهم: إنهم سيضطهَدون ويسلمون إلى المجامع؟ سوف يسلم الأب ابنه والابنة تسلم أمها، إذًا، مالك أنت وكل البشرية، إنك تخدم الجميع وتقدم المحبة للجميع من دون حساب …

دعهم يروا العذاب حتى يأتوا خاضعين خاشعين، راضين بي أبًا وإلهًا، يجب أن تعذبهم كما عذبوك وأهانوك وضربوك، أليس هؤلاء الناس الذين تساعدهم، دعهم يعانون ويتذللون في الأرض، منفذين وصاياه …([60]).

ويشير الحوار المتخيَّل السابق، بين البطل وبين الله، إلى فكرة الاستتار بالدين، واتهاذه كوسيلة انتقامية من الآخرين، وهي فكرة هامة، أراد المؤلف طرحها؛ لأنها من الأفكار العميقة التي تحتاج إلى تثوير جاد، وتصويب هادف؛ إذ تصل بدوافع السلوك الكامنة في الضمير، ويحتاج المجتمع، والقائمون على تطبيق القانون، الذي هو روح الشريعة، وأداتها الفاعلة على أرض الواقع، إلى التحلي بالنزاهة التامة، والتخلي عن الأهواء.

وقد شهد التاريخ القديم والمعاصر، ممارسات منحرفة، اتخذت من الدين ستارًا؛ سعيًا لأهداف انتقامية، متهمين كل من عارضهم بالسحر والهرطقة، والبعد عن المحراب الإلهي المقدس، في حين أن نواياهم الحقيقية كانت تمارس انتقامًا بحتًا، لا علاقة له بالدين، حتى وإن كان الضحايا غير متدينين بالمرة.

إن الغالبية العظمى ممن لا دين لهم، ليسوا محررين بمعنى الكلمة، من التصرفات الدينية، والتيلوجيات والميتولوجيات، إنهم مغرقون أحيانًا بركام سحر، وإنما هابط إلى درجة الكاريكاتير، وإن هذا السبب، من الصعب أن يكون قابلًا للاعتراف به، إن عملية نزع صفة القداسة عن الوجود البشري وصلت -أكثر من مرة- إلى أشكال هجينة من سحر متدنٍّ، وتدين شبيه بالقرود([61]).

ويناقش المؤلف، في رواية (سارق العمامة) قضية العلاقة الحقيقية بين الإنسان وخالقه، تلك العلاقة التي تتجاوز المظهر الخارجي العام، وتتجه – مباشرة- إلى صميم القلب، فيتحقق التدين الفعلي، ويستظل – حينئذ- الإنسان بالشجرة الإلهية، وإن أغلقت كل المساجد أبوابها. يقول المؤلف على لسان بطل الرواية:

أتأمل مشهد دموع السماء المنهمرة على الأضواء المنبعثة من الجامع، يفزعني مقدار الحزن النازل من الأعلى، أضع رأسي بين ركبتيَّ لعدة لحظات، أغمض عيوني؛ في محاولة لاستعادة التوازن النفسي، والتهيؤ للخطوة المقبلة. تذكرت ليلتي الأولى التي جلست فيها في هذا المكان.

يحضرني السؤال الذي طرحته في تلك الليلة، عندما قلت: لماذا باب بيتك أيها الرب؟ في هذه الليلة، سيفتح الباب، ولكنه ليس باب الجامع، الباب الذي سيفتح، سأنتقل – من خلاله- إلى عوالم أخرى، لا حياة فيها. الشجرة التي شهدت هذا السؤال ستشهد عملية نقلي من الحياة إلى العدم، هي الوحيدة التي رافقت رحلتي الفاشلة نحو النبوة، أرفع رأسي، وأقول لها: لم يعد البكاء مجديًا، الأنبياء يموتون، ولكن الأشجار لا تموت([62]).

وقد وقف المؤلف – في الفقرة السابقة- على قضية هامة، كما ذكرنا آنفًا، هي جدية العلاقة مع الله تعالى بين المتوقع الظاهري، والإيمان الجوهري المستكن، وهي قضية محورية رئيسة، تحتاج إلى تثوير الخطاب الديني؛ ليتخذ مكانًا فاعلًا على أرض الواقع، ويصبح له رصيد من التشارك المجتمعي السليم.

وقد لجأ المؤلف للترميز، فعبر عن الغضب الإلهي تجاه الاتجاه الديني الشكلي بـــ (دموع السماء)، ومع نزول المطر، نشأت حالة من الرغبة في التطهر، وجاء إغلاق الجامع رمزًا للابتعاد عن الأداء الشكلي للعبادة، وصولًا بها إلى جوهر العلاقة مع الخالق، والمؤلف – في ذلك- لا يهاجم شكل العبادة، إنما يدفع الحدث في اتجاه أن يخلص العبد تجاه ربه وجدانيًّا – في المقام الأول- مقترنة بمظاهر العبادة، مع الاعتراف بالتقصير البشري الطبيعي، والذي عبر – عنه- المؤلف بالفشل في الوصول لمقام لنبوة، وهو ما كان أدعى إلى إثبات صدق دعوته، وعبر عن الوصول إلى الله بالعوالم الأخرى، وكان لزامًا عليه – لإتمام ذلك- أن ينتقل من الحياة الجسدية الفانية إلى عالم الروح والصفاء الإلهي، وهو ما عبر عنه بالعدم. وهو ما يشير إلى أنه بمرور الزمن، يصبح الدين الحقيقي محتاجًا إلى تثوير، على كافة الأصعدة والمفاهيم؛ لأنه – حينئذ-يكتشف الجميع أن بنية المقدس الإسلامي، بوصفها ممركزة وممحورة حول مقولة الحرام مزدوجة الدلالة، فبدلالتها على الطهارة والقداسة، تحيل على المقدس الطاهر، وبدلالتها على المنع، تحيل على ما ينظم العلاقة بين المقدس، وما يعارضه مجسدًا فيما هو مدنس، وبذلك، تعكس مقولة الحرام أكثر من مقولة المقدس الازدواجية، والبناء الداخلي للكيفية التي يتصور بها الإسلام مقولة المقدس([63]).

وفي نهاية المبحث، يتضح لنا نقاط عديدة، وهي:

المراجع:

غالي شكري. أزمة الجنس في القصة العربية. منشورات دار الآفاق الجديدة. بيروت. لبنان

صلاح صالح . سرديات الرواية العربية المعاصرة. الطبعة الأولى. 2003 . المجلس الأعلى للثقافة . القاهرة

رفيعة الطالعي. الدلالة في الخطاب الروئي النسوي بين الواقع والمتخيل و القارئ في النص. مجلة نزوى. العدد 83 . ابريل , 2004

صلاح صالح . قضايا السرد في الأدب المعاصر. الطبعة الأولى. 1997 . المجلس الأعلى للثقافة . القاهرة. ص 87

حميد لحمداني. بنية النص السردي من منظور النقد الأدبي. ط2 . 1993 م. المركز الثقافي العربي للنشر والتوزيع. بيروت

احسان عبد المنعم سمارة. مفاهيم أساسية في العقيدة الإسلامية. دار الكتاب الثقافي. الطبعة الأولى. 1997 . إربد. الأردن

محمد ابراهيم حور. الطفل و التراث. دائرة الثقافة و الاعلام.. الطبعة الأولى. 1998 . الشارقة .دولة الإمارات العربية المتحدة

.شكري عزيز الماضي. أنماط الرواية العربية الجديد. سلسلة عالم المعرفة. المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب عدد 355 .2008 . الكويت.

مجموعة من المؤلفين. ملتقى الروائيين العرب الأول. مهرجان قابس الدولي. دار الحوار الطبعة الاولى. 1993 م . اللاذقية. سوريا

تشارلس مورجان. الكاتب وعالمه. ترجمة محمد شكري عياد. المجلس الأعلى للثقافة .الطبعة الأولى. 2000 , القاهرة

بوث واين. البعد ووجهة النظر. ترجمة علاء الدين العبادي. وزارة الإعلام. سلسلة الثقافة الأجنبية . العدد الثاني. مايو 1992

أنا ستاسييف، نيكولاي، (1991)، شخصية المؤلف في أدب القرن العشرين، ترجمة: بنعيسي بوحمالة، فصول، مج10، ع1

بوث، ديفيد، نيتشه وبلاغته النسوية، 1998 ترجمة: حسن حلمي، نزوی، ع13،يناير، ص 12

عفاف بطاينة ، (2007)، خارج الجسد، ، ط2، دار الساقي للنشر والتوزيع، بيروت، لبنان.

بيتر بروکر ، (1995)، الحداثة وما بعد الحداثة، ترجمة: عبد الوهاب و علوب، ط1، منشورات المجمع الثقافي، أبو ظبي، الإمارات.

رجا، بهلول (1988)، المرأة وأسس الديمقراطية في الفكر النسوي الليبرالي، ط1، المؤسسة الفلسطينية لدراسة الديمقراطية.

عیسی برهومة ، (2002)، اللغة والجنس، “حفريات في الذكورة والأنوثة”، ط1، دار الشروق للنشر والتوزيع، الأردن.

مشري بن خليفة، (2000)، سلطة النص، طا، نشر رابطة كتاب الاختلاف، الجزائر.

بن سلامة، رجاء وآخرون، (1995)، التذكير والتأنيث (الجندر)، ترجمة: أنطوان أبو زيد، ط2، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء،

المغرب.

ميشيل بوتور ، بحوث في الرواية العربية، ترجمة: فريد أنطوس، منشورات عويدات، بيروت.

بيلسيكاترين، (2003)الممارسة النقدية، ترجمة: فؤاد عبد المطلب، طا، دار التوحيد، حمص، سورية.

میخائیل باختين (1985)، المتكلم في الرواية، ترجمة: محمد برادة، فصول مج5، ع3، ص 104.

جورج، تحطيم العقل لوكاتش ، دار الحقيقة للطباعة والنشر، بيروت، ط2، 1403ه-1983م،

الندوة العالمية للشباب الإسلامي، الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة، إشراف وتخطيط ومراجعة: مانع بن حماد الجهني، دار الندوة العالمية للطباعة والنشر والتوزيع، ط4، 1420هـ ، (2/928).

سيغموند فرويد ، الطوطم والتابو، ترجمة: بوعلي ياسين، دار الحوار للنشر والتوزيع، سورية، ط1، 1983م،

ستانلي ادغار هايمن ، النقد الأدبي ومدارسه الحديثة، إحسان عباس، ط1، دار الثقافة، بيروت، لبنان،

غالب بن علي عواجي . المذاهب الفكرية المعاصرة ودورها في المجتمعات وموقف المسلم منها، المكتبة العصرية الذهبية، جدة، ط1، 1427هـ-2006م،.

علي شريعتي دين ضد دين، ترجمة: حيدر مجيد، مؤسسة العطار الثقافية، ط1، 1423ه – 2007م

مرسيا إلياد ، المقدس والمدنس، ترجمة: عبد الهادي عباس، دار دمشق للطباعة، ط1، 1988م

صبحي الصالح، معالم الشريعة الإسلامية، دار العلم للملايين، بيروت، لبنان، ط4، 1982م

إبراهيم البليهي ، بنية التخلف، كتاب الرياض، ع16، 1995م،

نور الدين الزاهي ، المقدس الإسلامي، دار توبقال للنشر، ط1، 2005م،

[1] غالي شكري. أزمة الجنس في القصة العربية. منشورات دار الآفاق الجديدة. بيروت. لبنان. ص 41

[2] أنا ستاسييف، نيكولاي، (1991)، شخصية المؤلف في أدب القرن العشرين، ترجمة: بنعيسي بوحمالة، فصول، مج10، ع1،ص. .240

[3] صلاح صالح . قضايا السرد في الأدب المعاصر. الطبعة الأولى. 1997 . المجلس الأعلى للثقافة . القاهرة. ص 87

[4] بوث، ديفيد، نيتشه وبلاغته النسوية، 1998 ترجمة: حسن حلمي، نزوی، ع13،يناير، ص 12

[5] صلاح صالح . سرديات الرواية العربية المعاصرة. الطبعة الأولى. 2003 . المجلس الأعلى للثقافة . القاهرة. ص 114

[6] رفيعة الطالعي. الدلالة في الخطاب الروئي النسوي بين الواقع والمتخيل و القارئ في النص. مجلة نزوى. العدد 83 . ابريل , 2004. ص 142

[7] حميد لحمداني. بنية النص السردي من منظور النقد الأدبي. ط2 . المركز الثقافي العربي للنشر والتوزيع. بيروت. ص 41

([8]) صبحي الصالح، معالم الشريعة الإسلامية، دار العلم للملايين، بيروت، لبنان، ط4، 1982م، (ص132).

[9] شهيد الحلفي. سارق العمامة. دار سطور للنشر والتوزيع. الطبعة الثالثة. 2017 . بغداد.

[10] تشارلس مورجان. الكاتب وعالمه. ترجمة محمد شكري عياد. المجلس الأعلى للثقافة .الطبعة الأولى. 2000 , القاهرة. ص 201

[11] بوث واين. البعد ووجهة النظر. ترجمة علاء الدين العبادي. وزارة الإعلام. سلسلة الثقافة الأجنبية . العدد الثاني. مايو 1992 . بغداد. العراق. ص 41

[12] سارق العمامة، (ص55).

([13]) سارق العمامة، (ص132).

[14] احسان عبد المنعم سمارة. مفاهيم أساسية في العقيدة الإسلامية. دار الكتاب الثقافي. الطبعة الأولى. 1997 . إربد. الأردن

[15] محمد ابراهيم حور. الطفل و التراث. دائرة الثقافة و الاعلام.. الطبعة الأولى. 1998 . الشارقة .دولة الإمارات العربية المتحدة .ص 141

([16]) سارق العمامة، (ص183).

[17] سارق العمامة، (ص184).

[18] سارق العمامة، (ص196).

[19] بروکر، بيتر، (1995)، الحداثة وما بعد الحداثة، ترجمة: عبد الوهاب و علوب، ط1، منشورات المجمع الثقافي، أبو ظبي، الإمارات.ص204

([20]) إلياد، مرسيا، المقدس والمدنس، ترجمة: عبد الهادي عباس، دار دمشق للطباعة، ط1، 1988م، (ص82).

[21] شكري عزيز الماضي. أنماط الرواية العربية الجديد. سلسلة عالم المعرفة. المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب عدد 355 .2008 . الكويت.ص 231

[22] مجموعة من المؤلفين. ملتقى الروائيين العرب الأول. مهرجان قابس الدولي. دار الحوار الطبعة الاولى. 1993 م . اللاذقية. سوريا. ص 173

[23] رحلة الدم . ص 15

[24] ابراهيم عيسي . رحلة الدم. الكرمة للنشر والتوزيع. الطبعة الأولى. 2016 . القاهرة

[25] ابراهيم عيسي . رحلة الدم. الكرمة للنشر والتوزيع. الطبعة الأولى. 2016 . القاهرة. ص 1

([26]) رحلة الدم، (ص276).

[27] عیسی برهومة ، (2002)، اللغة والجنس، “حفريات في الذكورة والأنوثة”، ط1، دار الشروق للنشر والتوزيع، الأردن.ص24

[28] بن سلامة، رجاء وآخرون، (1995)، التذكير والتأنيث (الجندر)، ترجمة: أنطوان أبو زيد، ط2، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، المغرب. ص117

([29]) رحلة الدم، (ص491).

[30] بن خليفة، مشري، (2000)، سلطة النص، طا، نشر رابطة كتاب الاختلاف، الجزائر. ص 241

([31]) رجل ضد الله، (ص188).

([32]) لوكاتش، جورج، تحطيم العقل، دار الحقيقة للطباعة والنشر، بيروت، ط2، 1403ه-1983م، (ص85).

[33]ميشيل بوتور ، بحوث في الرواية العربية، ترجمة: فريد أنطوس، منشورات عويدات، بيروت.ص51

([34]) حكاية وهابية، (ص90).

[35]كاترين بيلسي (2003)الممارسة النقدية، ترجمة: فؤاد عبد المطلب، طا، دار التوحيد، حمص، سورية.ص14

([36]) إلياد، مرسيا، المقدس والمدنس، مرجع سابق، (ص122).

[37]میخائیل باختين (1985)، المتكلم في الرواية، ترجمة: محمد برادة، فصول مج5، ع3، ص 104.

([38]) حكاية وهابية، (ص370).

([39]) الندوة العالمية للشباب الإسلامي، الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة، إشراف وتخطيط ومراجعة: مانع بن حماد الجهني، دار الندوة العالمية للطباعة والنشر والتوزيع، ط4، 1420هـ ، (2/928).

[40]عفاف بطاينة ، (2007)، خارج الجسد، ، ط2، دار الساقي للنشر والتوزيع، بيروت، لبنان.ص 211

([41]) فرويد، سيغموند، الطوطم والتابو، ترجمة: بوعلي ياسين، دار الحوار للنشر والتوزيع، سورية، ط1، 1983م، (ص41).

([42]) سارق العمامة، (ص33).

([43]) إلياد، مرسيا، المقدس والمدنس، مرجع سابق، (ص124).

([44]) رحلة الدم، (ص494).

([45]) البليهي، إبراهيم، بنية التخلف، كتاب الرياض، ع16، 1995م، (ص13).

([46]) الزاهي، نور الدين، المقدس الإسلامي، دار توبقال للنشر، ط1، 2005م، (ص94).

([47]) رجل ضد الله، (ص101).

([48]) المناصرة، حسين، وهج السرد: مقاربات في الخطاب السردي السعودي، عالم الكتب الحديث، الأردن، ط2010، (ص139).

([49]) حكاية وهابية، (ص283).

([50]) فرويد، سيغموند، الطوطم والتابو، مرجع سابق، (ص41).

([51]) البليهي، إبراهيم، بنية التخلف، مرجع سابق، (ص28).

([52]) هايمن، ستانلي ادغار، النقد الأدبي ومدارسه الحديثة، إحسان عباس، ط1، دار الثقافة، بيروت، لبنان، (2/250).

[53]رجا، بهلول (1988)، المرأة وأسس الديمقراطية في الفكر النسوي الليبرالي، ط1، المؤسسة الفلسطينية لدراسة الديمقراطية. ص72

([54]) لوكاتش، جورج، تحطيم العقل، مرجع سابق، (ص16).

([55]) رحلة الدم، (ص89).

([56]) فرويد، سيغموند، الطوطم والتابو، مرجع سابق، (ص73).

([57]) حكاية وهابية، (ص135).

([58]) عواجي، غالب بن علي عواجي المذاهب الفكرية المعاصرة ودورها في المجتمعات وموقف المسلم منها، المكتبة العصرية الذهبية، جدة، ط1، 1427هـ-2006م، (2/803).

([59]) شريعتي، علي، دين ضد دين، ترجمة: حيدر مجيد، مؤسسة العطار الثقافية، ط1، 1423ه – 2007م، (ص123).

([60]) رجل ضد الله، (ص191).

([61]) إلياد، مرسيا، المقدس والمدنس، مرجع سابق، (ص149).

([62]) سارق العمامة، (ص217).

([63]) الزاهي، نور الدين، المقدس الإسلامي، مرجع سابق، (ص27).