منذ توليه رئاسة مجلس الوزراء الانتقالي في 2019 واجه عبدالله حمدوك تحديات كبيرة في بلد قامت فيه ثورة من أجل وقف الانهيار الاقتصادي والأمني.
والأزمة الاقتصادية المتشعبة جعلت خزينة دولته فارغة، بل مثقلة بديون أفضت فيما أفضت إلى انهيار كامل في البنى التحتية والمشاريع الإنتاجية، كما واجهته عزلة دولية حرمت السودان من بناء علاقات اقتصادية لأكثر من 27 عاما.
هل كانت مهمة حمدوك عسيرة؟
يقول الخبير الاقتصادي عثمان البدري، نعم مهمة رئيس الوزراء وحكومته واجهت اقتصادا منهاراً، تتطلب أولاً وضع معالجات سريعة، لذا كان لابد من فك الحصار والعزلة الدولية.
في العام الماضي صدر قرار بشطب السودان من القائمة السوداء وأصبح رسميا خارج قائمة الدول الراعية للإرهاب
لكن كيف تمت الخطوة؟ اشترطت الولايات المتحدة دفع مبلغ 300 مليون دولار توضع في حساب خاص بضحايا الإرهاب وأسرهم، وفي 14 كانون الأول/ديسمبر أعلنت السفارة الأمريكية في الخرطوم رسميا قرار شطب اسم السودان من القائمة.
وفور هذا الإعلان وعدت حكومات في الاتحاد الأوروبي بتقديم مساعدات في مجالات مختلفة وكان ان زار وزراء واقتصاديون أوروبيون الخرطوم وعقدوا لقاءات مكثفة مع الحكومة.
ويقول الوزير ميرغني موسى في تصريحات لـ»القدس العربي» إن شركات اللوفتهانزا أبرمت اتفاقيات مع الحكومة السودانية وفي ذلك ضمانات لعودة الخطوط الجوية السودانية لمسارها الصحيح وان قطاع النقل يشهد تطورا بعد ان كانت سودانير تمتلك طائرة واحدة بسبب التخريب الذي طال كل قطاعات النقل. وقال الوزير «إن النقل النهري والسككي ظل تحت إدارات عسكرية، وبعد مناقشات مستمرة مع رئيس الوزراء استطعنا فك هذا الارتباط».
وتعد هذه الخطوة وفقا لاقتصاديين بمثابة فتح طريق ظل مغلقا ومعطلا لأكثر المجالات الحيوية التي يحتاج السودان إليها.
وفي تأكيد على الانفتاح الخارجي لحكومة عبدالله حمدوك سجل وزير الخارجية البريطاني، دومينيك راب، زيارة إلى الخرطوم، منذ عقود من القطيعة وخلال الزيارة أعلنت المملكة المتحدة عن دعمها للانتقال الديمقراطي والحكومة المدنية، ولجهود الحكومة السودانية الرامية لتحقيق التحول الديمقراطي والاقتصادي.
وأثناء وجوده في الخرطوم، التقى راب بعدد من شخصيات المجتمع المدني السوداني، بمن فيهم محامية حقوق الإنسان، سامية الهاشمي، وشخصيات بارزة من قوى الثورة، للتعرف على رؤيتهم لمستقبل السودان ومناقشة كيف يمكن للمملكة المتحدة تقديم المزيد من الدعم.
حقوق الإنسان
أما أكثر المجالات التي شغلت الرأي العام العالمي والمحلي فهي القوانين المقيدة للحريات والتي بسببها تمت انتهاكات جعلت السودان يتذيل قائمة أكثر الدول انتهاكا لحقوق الإنسان، فأصدر وزير العدل نصرالدين عبدالباري جملة قرارات منها تجريم التكفير وإلغاء مادة «الردة».
وكان الوزير قد صرح لوسائل إعلام عن خطر تكفير الناس في السودان منذ سنوات حكم النظام السابق، ويقول الوزير إن تكفير الإنسان مهدد للأمن وسلامة المجتمع.
وواجهت المرأة السودانية قوانين لا تتماشى مع المواثيق والاتفاقيات الدولية وفقا لقانونيين، وهذا ما لفت إليه رئيس الوزراء فوجّه بالمصادقة والانضمام إلى كل الاتفاقيات الدولية، إلى ذلك أعلن وزير العدل السوداني نصر الدين عبدالباري التزام وزارته بإنهاء كل القوانين التي تضطهد المرأة، مؤكداً أنهم يعملون على «إلغاء قانون النظام العام وإجراء التعديلات في القوانين التي لا تتماشى مع المواثيق والاتفاقيات الدولية».
ويرى القانوني عبدالخالق نوري أن حكومة الفترة الانتقالية أجرت تحسينات مهمة، مثل إلغاء قانون النظام العام، وإلغاء الردة كجريمة، وإلغاء عقوبة الإعدام للأطفال، وإدخال تعديلات على قوانين ولاية الرجل، والسياسة الجديدة لحرية الصحافة، وتجريم تشويه الأعضاء التناسلية للإناث، مشيراً إلى أنّ «جملة تعديلات أجرتها وزارة العدل خلال الفترة الماضية، وهذه الخطوات وجدت إشادة ودعما من عدد من الدول المختلفة».
وقادت منظمات نسوية حملة واسعة طالبت بوقف إهانة النساء وإلغاء المادة 152 من القانون الجنائي السوداني وهي مادة «الزي الفاضح» خصوصاً أن هذا القانون لم يحدد ماهية الزي ونوعيته، والذي يحمل اتهاماً لمن ترتديه، ويخضع الأمر لتقدير بعض الشرطيين أو من يهمهم الأمر، كحالة كثير من المدعين ضد فتيات جرى اقتيادهن إلى أقسام الشرطة لمجرد ارتداء البنطال.
وسارعت حكومة رئيس الوزراء بإلغاء القوانين المقيدة للحريات وعلى رأسها قانون النظام العام، كل هذه الإصلاحات وضعت السودان في مستوى متقدم في مجال الحريات.
ويرى المحلل السياسي محمد حسن فرج الله ان مساعي الحكومة في مجال الإصلاحات القانونية بدأت تقطف ثمارها، وبسببها تم شطب اسم السودان من قائمة المراقبة الخاصة وكان وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، قال إن «التقدم الكبير والملموس» الذي حققته حكومة السودان نموذج تحتذي به الدول الأخرى.
ومنذ سنوات طويلة يسجل القطاع الزراعي نجاحات في أكثر من محصول ووفقا للجنة زراعية في مشروع الجزيرة من المتوقع جني نحو مليار دولار من عائدات محصول القطن إذا سارت الخطة الموضوعة بشكل جيد.
وقال مقرر اللجنة العليا للموسم الزراعي بمجلس الوزراء محمد عوض، في تصريحات صحافية إن «المؤشرات الأولية لإنتاج محصول القطن هذا الموسم جيدة جدًا ولاحظنا أن الخطط الحكومية تنفذ بإتقان بقدر كبير».
وأوضح عوض أن المساحات الزراعية لمحصول القطن هي التي شجعت على رفع التوقعات بجني نحو مليار دولار إلى 800 مليون دولار هذا العام، منوهًا إلى أن: «التوقعات مرتبطة بتجهيز المحالج في مناطق قريبة من المشاريع الزراعية التي تسير فيها عمليات حصاد القطن هذه الفترة».
ولفت إلى أن الحصاد يواجه بعض النقص في العمالة، لكن هناك حلولا أخرى باستجلاب حاصدات ميكانيكية عبر القطاع الخاص، وبعض الشحنات في الطريق وبعضها في ميناء بورتسودان.
وكان مجلس الوزراء أعلن في جلسة الأسبوع الماضي أن زراعة 54 مليون فدان هذا العام بمحاصيل مختلفة يعد تحولًا كبيرًا في القطاع الزراعي وخطوة لم تحدث في التاريخ القريب.
وذكر رئيس الوزراء عبد الله حمدوك في خطاب بثه للسودانيين مساء الجمعة أن هناك مؤشرات اقتصادية جيدة بدأت تظهر، ودعا إلى عدم التقليل في إشارة إلى نجاح الموسم الزراعي.
وعرف السودان منذ سنوات طويلة بتصدير القطن وجني ملايين الدولارات، وفي عهد النظام البائد تدهور القطاع الزراعي جراء سوء الإدارة وعقود من الإهمال وهجرة المزارعين للأراضي.
المشاريع الوهمية
وما ان تسلمت حكومة الفترة الانتقالية مهامها شرعت في رسم خريطة جديدة للاستثمار وألغت كل المشاريع الوهمية خاصة المتعلقة بالبحر الأحمر والتي تتنافس عليها دول مثل الإمارات وروسيا، وتسابقت في الظفر بالميناء الذي ظل يعاني من ضعف في بناه التحتية.
وخططت الحكومة السودانية لتأهيل الموانئ البحرية وإلى ذلك دفعت بشركة ألمانية «هامبورغ» العاملة في تأهيل الموانئ، بعدما تنافست عليه كل من الإمارات والسعودية وألمانيا.
الشركة الألمانية وفقا لوزارة الاستثمار ستتولى عملية إعادة تأهيل وتغيير نظام التشغيل بالميناء لرفع كفاءته من 15 إلى 35 حاوية، وستبدأ العمل في الأول من حزيران/يونيو 2021.
وكانت خمس شركات عالمية قد تقدمت بعروض لتأهيل وتشغيل الميناء، منها شركتان إماراتيتان وشركة سعودية وشركة ألمانية، هذه الأخيرة التي رسا عليها العطاء لخبرتها الدولية في تأهيل الموانئ.
ووفقا لدوائر حكومية فإن الاستثمارات الناجحة بالسودان بلغت أكثر من مليار دولار على مدار السنوات الماضية، مشيرة إلى أنها متعددة وتشمل قطاعات إنتاجية مهمة مثل الدواجن والزراعة والصناعة.
وكان وزير الاستثمار والتعاون الدولي الهادي محمد إبراهيم قد كشف عن وجود عدد من المشاريع الاستثمارية غير موجودة على أرض الواقع، مضيفاً أن حل كل هذه المشاكل سيكون عبر وجود خريطة استثمارية للمشاريع والفرص الواعدة في الاستثمار خاصة مشاريع الطاقة والبنية التحتية والطرق والجسور والسكك الحديد والموانئ.
ونبه الهادي إلى أن قانون تشجيع الاستثمار للعام 2021 عمل على حل كافة المشكلات التي كانت تعترض القانون السابق، والتي من أهمها حل قضية الأرض وتبسيط الإجراءات عبر النافذة الواحدة بجانب عمل دليل الإجراءات الاستثمارية.
ويقول الخبير الاقتصادي عبدالعظيم الاموي في تصريح خاص لـ»القدس العربي» بعد خروج السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب عكفت الحكومة السودانية على إجراء إصلاحات اقتصادية لإزالة التشوهات وتخفيف الضغط على الموازنة العامة وقامت بمعالجة مشكلة تعدد أسعار الصرف وتوحيدها ما أحدث استقرارا خلال الثمانية أشهر الماضية، ويرى الأموي ان الثقة عادت للتعامل مع الجهاز المصرفي السوداني خلال الأشهر الأولى من العام الجاري إضافة إلى ارتفاع حجم الودائع المحلية بنسبة 105 في المئة وارتفاع حجم الودائع الأجنبية بمعدل 550 في المئة، إلى جانب ارتفاع اجمالي الودائع في البنوك بنسبة 80.3 في المئة وارتفاع حجم الايداعات النقدية بنسبة 9 في المئة.
ويقول الأموي إن السودان انتقل لمجتمع التنمية الدولي عبر خطة محكمة وضعتها حكومة الفترة الانتقالية، والخروج من قائمة الدول الراعية للإرهاب كان من الأولويات المهمة التي عملت الحكومة على استيفاء شروط الخروج من هذه اللائحة عبر طريق قانوني وتوجت المساعي بخروج السودان من هذه القائمة في كانون الأول/ديسمبر 2020 وكانت هذه الخطوة بداية طريق معالجة الديون عبر مبادرة الدول الفقيرة المثقلة بالديون «هيبيك» وللاستفادة من هذه المبادرة على السودان أن يستوفي أربعة شروط أولها، تصفية متأخرات الديون السيادية (البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وبنك التنمية الأفريقي) وإيجاد آلية تفاهم بشأن الديون التي لا يمكن حلها بالطرق التقليدية يعني المفاوضات، بالإضافة إلى تحقيق سجل من الإصلاحات والسياسات ووضع إستراتيجية للحد من الفقر. ويضيف الأموي ان هذه الشروط الأربعة هي التي أوصلت السودان لنقطة إتخاذ القرار في حزيران/يونيو الماضي وفي مؤتمر باريس ايار/مايو 2021 استطاع السودان توفير آخر شروط مبادرة هيبيك وتسوية متآخرات ديون صندوق النقد الدولي عبر قرض تجسيري التزمت به فرنسا، وأيضا بدأ السودان تفاهمات بشأن إعفاءات الديون تكللت بإعفاء 14 مليار دولار من ديونه التي تقترب من 60 مليار دولار. ويشدد الأموي ان على الحكومة السودانية أن تستمر في طريق الإصلاح الاقتصادي حتى تصل لنقطة الإكمال في إطار مبادرة هيبيك وهذه تتطلب أيضا ثلاثة شروط على حد وصفه، أبرزها إنشاء سجل من النتائج الإيجابية في تنفيذ البرامج المدعومة بقروض من البنك الدولي والصندوق وتنفيذ الإصلاحات المتفق عليها في وثيقة إتخاذ القرار بجانب تنفيذ وثيقة الحد من الفقر لمدة سنة كحد أدنى.
وتوقع المحلل الاقتصادي عبدالعظيم الأموي أن يصل السودان لنقطة الإكمال في 2024 وعليه يمكن القول بأن مسار الإصلاح الاقتصادي ضرورة لاستكمال معالجة ملف الديون.