من المتوقع أن يصل حجم سوق خدمات طب الأسنان العالمي إلى 554.5 مليار دولار أميركي بحلول عام 2028، بمعدل نمو سنوي مركب يبلغ 6.4% من عام 2021 إلى 2028، وذلك كما ذكرت منصة "سيزيون" (CISION) في تقرير لها مؤخرا.
وبلغ حجم سوق زراعة الأسنان 10.57 مليارات دولار أميركي عام 2020، ومن المتوقع أن يصل إلى 17.44 مليار دولار بحلول عام 2028، بمعدل نمو سنوي مركب نسبته 6.97% من 2021 إلى 2028.
وفي أميركا وحدها هناك أكثر من 3 ملايين شخص لديهم أسنان مزروعة والتي تستخدم لتحل محل المفقودة بسبب التسوس أو أمراض اللثة أو الإصابة، ومثلت هذه الأسنان المزروعة أو الغرسات -كما يطلق عليها علميا- قفزة من التقدم على أطقم الأسنان أو الجسور التي كانت تستخدم في السابق، حيث يتم تركيبها بشكل أكثر أمانا ومصممة لتدوم فترة زمنية أطول.
أسنان ذكية قادرة على البقاء للأبد
ولكن غالبًا ما يكون عمر هذه الغرسات أقل من المتوقع، وبدلا من ذلك تحتاج إلى الاستبدال في غضون 5-10 سنوات بسبب التهاب موضعي أو أمراض اللثة، مما يستلزم تكرار إعادة عملية الزراعة المكلفة ماليا للمرضى.
هذا الأمر دفع العلماء للبحث عن تكنولوجيا جديدة لابتكار أسنان صناعية ذكية قادرة على البقاء لمدة طويلة وربما للأبد، وهو الأمر الذي توصل له أخيرا الدكتور جيلسيو هوانج، الأستاذ المساعد في جامعة بنسلفانيا الأميركية، حيث ابتكر وفريق العمل معه أسنانا نانوية ذكية قادرة على مقاومة البكتيريا لمدة طويلة من الزمن، وذلك كما ذكر تقرير تم نشره على منصة الجامعة مؤخرا.
يقول الدكتور هوانج "لقد أردنا معالجة هذه المشكلة بشكل جذري حيث توصلنا إلى غرسة جديدة ومبتكرة في مختبراتنا".
ويؤكد أن الغرسة الجديدة تحتوي على تقنيتين رئيسيتين، الأولى: تتضمن استعمال مادة مملوءة بالجسيمات النانوية تقاوم الغزو البكتيري، والثانية مصدر ضوئي مغروس داخليا لإجراء العلاج بالضوء عند الحاجة مدعوما بالحركات الطبيعية للفم، مثل المضغ أو تنظيف الأسنان بالفرشاة.
تقنيات جديدة بتطبيقات عديدة
نشر الدكتور هوانج هذه التقنية الجديدة في ورقة بحثية لأول مرة بالمجلة العلمية المحكمة "إيه سي إس أبلايد ماتيريالز آند إنترفيسس" (ACS Applied Materials & Interfaces) حيث وضع وزملاؤه نظامهم الأساسي، والذي يمكن في المستقبل استخدامه ليس في مجال زراعة الأسنان فقط بل وفي استبدال المفاصل أيضا، مما سيشكل ثورة أخرى بهذا المجال.
ويقول رئيس فريق العمل "يمكن أن يؤدي العلاج بالضوء إلى مجموعة متنوعة من المشاكل الصحية خصوصا إذا ما تم استبدال البطارية أو إعادة شحنها أثناء العملية.. للتغلب على هذا استخدمنا مادة كهروضغطية (a piezoelectric material) يمكنها توليد الطاقة من حركات الفم الطبيعية، ونستطيع بهذه التقنية حماية اللثة من البكتيريا بنجاح".
وكانت المادة التي استخدمها الباحثون هي تيتانات الباريوم (BTO) والتي لها خصائص كهروضغطية يتم الاستفادة منها في تطبيقات مثل المكثفات والترانزستورات، ولكن لم يتم من قبل معرفة إمكانية استخدامها كأساس للمواد الحيوية القابلة للزرع المضادة للعدوى.
ولاختبار إمكاناتها كأساس لزراعة الأسنان، استخدم الفريق لأول مرة أقراصا مدمجة مع جزيئات نانوية من تيتانات الباريوم (BTO) وعرّضوها لبكتيريا "ستربتوكوكاس ميوتانز" (Streptococcus mutans ) وهي مكون أساسي من البكتيريا الحيوية المسؤولة عن تسوس الأسنان. ووجدوا أن الأقراص قاومت تكوين الأغشية الحيوية بطريقة تعتمد على الجرعة، ووجدوا أن الأقراص ذات التركيز الأعلى من تيتانات الباريوم أفضل في منع الأغشية الحيوية من الارتباط مع البكتيريا المسببة للتسوس.
وكانت الدراسات السابقة قد أشارت إلى أن تيتانات الباريوم قد تقتل البكتيريا تماما، لكن الدكتور هوانج وزملاءه لم يلاحظوا هذا الأمر، وبدلا من ذلك تولد المادة شحنة سطحية سالبة محسّنة تطرد جدران الخلايا سالبة الشحنة للبكتيريا، وهو ما يمنع التسوس.
ويعلق الدكتور هوانج بقوله "أردنا ابتكار مادة غرسة يمكنها مقاومة نمو البكتيريا لفترة طويلة".
وقد تم الحفاظ على خاصية توليد الطاقة للمادة التي تم ابتكارها، وفي الاختبارات، ومع مرور الوقت لم تتسرب المادة. كما أظهرت أيضا مستوى من القوة الميكانيكية الذي يمكن مقارنته بالمواد الأخرى المستخدمة في تطبيقات طب الأسنان. فضلا عن أنها لم تؤذ أنسجة اللثة الطبيعية في التجارب، مما يدعم فكرة أنه يمكن استخدامها بأمان في الفم.
ويأمل هذا الفريق في المستقبل الاستمرار في تحسين نظام زراعة الأسنان "الذكي" واختبار أنواع جديدة من المواد التي يمكن استخدامها في هذا المجال، ويؤكد هوانج "نأمل أن نطور نظام الزرع الذكي بشكل أكبر، وأن نراه في المستقبل يحل مكان الطرق التقليدية لزراعة الأسنان المستخدمة حاليا".