منذ عامين تقريبا، تبدلت أحوالنا بين عشية وضحاها مع انتشار فيروس كورونا وتحوله إلى جائحة، فطفق العلماء يبحثون في كيفية التصدي له، كل في جبهته وحسب تخصصه. وأكثر ما اتجهت إليه الأنظار هو توفير سُبل الحماية منه، مثل الكمامات والملابس الوقائية.
وفي دراسة نشرت في دورية "أميركان كيميكال سوسايتي" (American Chemical Society) يوم 30 سبتمبر/أيلول الماضي، طوّر فريق بحثي في جامعة "نورث ويسترن" (Northwestern University) بالولايات المتحدة الأميركية نسيجا متعدد الاستخدامات، يمكنه التصدي للأخطار البيولوجية مثل فيروس كورونا، بالإضافة إلى الوقاية من بعض الكيميائيات السامة.
كمامات تقاوم الفيروس في زمن قصير
اكتشف الباحثون أن مدة بقاء فيروس كورونا نشطا على الأسطح الخشبية والملابس هو يوم واحد فقط، وعلى الزجاج والنقود 3 أيام، وعلى البلاستيك والصلب غير القابل للصدأ 6 أيام، وعلى الكمامات الجراحية 7 أيام، لذلك هناك حاجة ماسة إلى كمامات لها قدرة على مقاومة الفيروس والقضاء عليه في مدة زمنية قصيرة لوقف انتشاره.
يقول عمر فرحة، أستاذ كيمياء المواد العضوية الفلزية والباحث الرئيسي في الدراسة، إن "أكثر ما يميز هذا النسيج ليس فاعليته المزدوجة تجاه المخاطر الكيميائية والبيولوجية في وقت قصير فحسب، ولكن قابليته لإعادة الاستخدام عدة مرات بعد معالجته وتنظيفه بطريقة بسيطة".
ويضيف عمر "يعتمد البحث على الهياكل العضوية الفلزية، وهي عبارة عن شبكات ثنائية أو ثلاثية الأبعاد تتكون من جزيئات من المعادن يربط بينها مادة عضوية (تحتوي على ذرات الكربون) ولها قدرة فائقة على الامتصاص، وذلك لأنها تحتوي على فتحات وفراغات في بنائها الداخلي مثل الإسفنج".
ويتابع "لكن الفارق الجوهري بينهما أننا يمكننا التحكم في حجم الفراغات والفتحات في الهياكل الفلزية، على عكس الإسفنج، مما يعني تحكمنا في كيفية ومقدار امتصاصها للمواد".
الهياكل العضوية الفلزية
وفي دراسة سابقة، أضاف عمر وفريقه مادة نانونية للهياكل العضوية الفلزية يمكنها التصدي لغاز الأعصاب الذي يعد واحدا من أكثر الغازات سمية، وأحد أخطر أسلحة الحرب الكيميائية، ويؤدي إلى شلل في الجهاز العصبي وقد يفضي إلى الموت.
ومع بعض التعديلات، تمكّن عمر وفريقه من إضافة مواد جديدة تقضي على فيروس كورونا في غضون 15 دقيقة، وعلى البكتيريا في غضون 7 دقائق، وعلى الغازات السامة في 3 دقائق.
ويضيف عمر "صممنا شبكات نانونية الحجم من جزيئات معدن الزركونيوم، واستخدمنا مشتقات الكلور العضوية كآصرة بينها، وهذه الشبكات بها فتحات عديدة لتمتص الغازات والأبخرة مثلما يمتص الإسفنج الماء، وهذا المركب الجديد يحتوي على مواد حفازة تثبط من تأثير البكتيريا والفيروسات وبعض الغازات السامة، ويمكن دمجها بسهولة مع ألياف النسيج الصناعي".
وبفضل مشتقات الكلور العضوية، وجد الباحثون أن النسيج المصنع من مادة البولي إيثيلين يعمل بفاعيلة كبيرة تجاه فيروس كورونا وكلا من البكتيريا سالبة الجرام "العصيات القولونية" (E. coli) والبكتيريا موجبة الجرام "العنقوديات الذهبيّة" (S. aureus).
بالإضافة إلى التصدي إلى غاز الخردل الذي استخدم لأول مرة في الحرب العالمية الأولى وتسبب في حروق للجنود وتقرحات في الجلد، كما أن له آثارا جانبية طويلة المدى مثل التغييرات الوراثية والسرطان الناتج عن استنشاقه، ولم يُكتشف علاج فعال له حتى الآن.
النسيج ودمج الهياكل العضوية الفلزية به
وتابع عمر فرحة قائلا "إن هذه المادة قابلة للتطوير لأن دمجها مع ألياف النسيج لا يتطلب سوى معدات معالجة المنسوجات الأساسية المستخدمة حاليا في الصناعة، وإذا ما تم دمجها في أقمشة الكمامات فإنها ستعمل في اتجاهين، الأول هو حماية من يرتدي الكمامة من الفيروسات في محيطه، والثاني حماية الأفراد الموجودين بالقرب من أي مريض بفيروس كورونا يرتدي الكمامة".
واختتم عمر حديثه بأنه "تمكنا من دراسة وفهم عميق لكل ذرة من ذرات معدن الزركونيوم النشطة داخل الهياكل الفلزية، مما يسمح للباحثين فيما بعد بابتكار شبكات عضوية فلزية أخرى".