عمّان – أمضت الصحفية الأردنية سمية العواملة 13عاما من عمرها تعمل في صحيفة الرأي الأردنية، وطوال تلك السنين لم تتأخر عليها إدارة الصحيفة بصرف أجرها الشهري، إلا أن حالها تغير خلال العام الماضي ومطلع العام الجاري.
فجائحة كورونا، وتراجع الإعلانات التجارية، وانخفاض الإيرادات المالية للصحيفة، وسوء أداء الإدارات المتلاحقة، كل ذلك تسبب بأزمة مالية خانقة أدت لتأخر صرف أجور 7 أشهر، وفق العواملة.
أما زميلها المصور الصحفي أسامة العقاربة (38 عاما) فبات يفتقر للأمان الوظيفي بعد خدمة امتدت لـ21 عاما في صحيفة الرأي كبرى الصحف الأردنية، كما يقول للجزيرة نت.
ويضيف أن مشكلة تأخر الرواتب تعرض الموظفين لـ"أزمات مالية ومشاكل في تسديد القروض البنكية، وتأمين متطلبات العائلة المعيشية، وعندما خرجتُ للمطالبة بمستحقاتي المالية تم فصلي و6 من الزملاء من العمل" على حد قوله.
صحيفة الرأي التي أسسها رئيس الوزراء الراحل وصفي التل قبل نصف قرن تعاني من مديونية تجاوزت الـ40 مليون دولار، إلى جانب إشكاليات تأمين أجور العاملين الشهرية، وتأخر الإدارة بتسليمهم أجور 7 أشهر تراكمت من العام الماضي 2021، وحرمانهم من الزيادات السنوية لعدة أعوام، وفق العقاربة.
أزمة متدحرجة
أزمة الصحف الورقية بالأردن ليست محصورة في صحيفة الرأي المملوكة بنسبة 56% لمؤسسة الضمان الاجتماعي، فالموظفون في صحيفة الدستور اليومية يعانون هم أيضا من تأخر في صرف أجورهم الشهرية، وفق صحفيين هناك.
فيما تعاني بقية الصحف اليومية المملوكة للقطاع الخاص من "تأخر بالرواتب، وحرمان من الزيادات السنوية"، وفق الصحفي في جريدة الغد موفق كمال.
وخلال العام الماضي تم تسريح عشرات الصحفيين والموظفين من صحيفة الرأي بعد تسليمهم لرواتبهم المتأخرة وراتبين إضافيين، وفق صحفيين تقدموا باستقالاتهم هناك، سبقتهم في ذلك صحيفة الدستور وصحف يومية أخرى.
فيما شهد عام 2018 إغلاق صحيفتي "السبيل" المحسوبة على المعارضة الإسلامية و"الديار" أبوابهما نتيجة الضائقة المالية، وتحولت السبيل لموقع إلكتروني إخباري.
مسؤولية مشتركة
أزمة فصل 6 صحفيين وموظفين من صحيفة الرأي الأسبوع الماضي بعد احتجاجهم على تأخر رواتبهم، تم طيها أمس بإلغاء قرارات الفصل وفق نائب نقيب الصحفيين الأردنيين جمال اشتيوي.
لكن أزمة الصحف الورقية مستمرة وتتفاقم منذ سنوات -يضيف اشتيوي للجزيرة نت- ومع الأسف "لم تتقدم الأطراف المعنية بحلها"، داعيا سلطات بلاده ومجالس إدارات الصحف لـ"العمل بجدية وخطط طويلة الأمد لتحقيق الاستقرار والاستمرار للصحف الورقية".
ووجهت نقابة الصحفيين مذكرة للحكومة وصلت للجزيرة نت نسخة منها قدمت فيها جملة من الحلول أبرزها:
• إلغاء الضرائب والرسوم على مدخلات إنتاج الصحف من أوراق وأحبار وقطع غيار وغيرها.
• وإطلاق صندوق لدعم الصحف، ووضع الصحف على برامج مؤسسة الضمان الاجتماعي حتى نهاية العام الحالي، لإسهام هذه البرامج بتأمين دفع أجور الموظفين.
• وإعطاء الأولوية في المطبوعات الحكومية لمطابع المؤسسات الصحفية، ورفع قيمة الإعلان الحكومي لزيادة الإيرادات المالية للصحف.
ووفق صحفيين ومالكين لصحف يومية فإن مجلس نقابة الصحفيين السابق، انحاز للصحف الكبرى الثلاث على حساب بقية الصحف اليومية، مما أدى لإغلاق صحيفتي السبيل والديار، وذلك بسبب حرمان تلك الصحف من الإعلانات القضائية، وتقديم تلك الإعلانات للصحف الكبرى، في محاولة لإنقاذها من أزمتها المالية.
تمويل حكومي
حكوميا، أعلن رئيس الوزراء الأردني بشر الخصاونة أن حكومته قدمت وستقدم الدعم اللازم والضروري للصحف الورقية خاصة صحيفتي الرأي والدستور للخروج من أزمتهما المالية، وذلك ضمن حدود الإنفاق العام المسموح وفق قانون الموازنة العامة للدولة.
وتابع -في تصريحات صحفية قبل أيام- أن الحكومة تتعامل في قضية الصحف مع شركات خاصة وليست مملوكة للحكومة، متهما إدارات سابقة لتلك الصحف باتخاذ قرارات "استثمارية لم تكن موفقة، مما انعكس سلبا على الأداء المالي لهما".
وعدد الخصاونة جملة من الإجراءات التي قدمتها الحكومة لإنقاذ هاتين الصحيفتين، منها:
• تسييل الرواتب المتأخرة للعاملين في الصحيفتين بعد التمديد لهما في برنامج "استدامة"، وتقديم العديد من المساعدات التحفيزية بما فيها مبالغ مالية للصحفيين.
• تأخير سداد بعض الفوائد والغرامات المترتبة عليهما بسبب تأخير دفع بعض الاشتراكات لجهات حكومية، إلى جانب تقديم أي دعم مالي ممكن في حدود القانون.
لكن الأزمة المالية في تلك المؤسسات بلغت إلى حد أن يتم الحجز على سيارة المدير العام في صحيفة الرأي بأمر قضائي على ذمة دعاوى مالية تقدم بها كتّاب في الصحيفة، أما صحيفة الدستور فقام الكاتب الصحفي جمال العلوي بالحجز على "اسمها التجاري" لعدم تقاضيه حقوقه المالية، وفق العلوي.
الإعلام الرقمي
ويصف نبيل غيشان المحلل السياسي ورئيس تحرير سابق لصحيفة يومية؛ أزمةَ الصحف الورقية في الأردن بأنها "مركبة، تبدأ من الحكومات، مرورا بإدارات الصحف ومجالس إداراتها، وصولا إلى تغيّر اتجاهات القراء".
ويضيف غيشان للجزيرة نت أن الحكومات "تسيطر على الصحف الورقية خاصة صحيفتي الرأي والدستور، وتتحكم بحجم ونوعية المعلومات المتدفقة من خلال تلك الصحف للقراء، فتحجب ما تريده من حقائق ومعلومات، وتسكت الرأي الآخر".
أما إدارات الصحف المعينة من قبل السلطات، فغالبيتها بدون خبرة ولا معرفة لديها بأهمية الصحف، -والحديث لغيشان- وتنظر لها على أنها شركات خاصة، ولم تحقق استثمارات تدر دخلا ماليا لتأمين نفقات الصحف.
وقدم غيشان جملة من الحلول أبرزها وقف التدخل الحكومي بسياسة التحرير، وتطوير المحتوى الصحفي المقدم للقارئ، وتسليم إدارات الصحف لشخصيات مؤهلة وتملك رؤية وخططا واضحة، وتشغيل المطابع التجارية لتلك الصحف، و"ترشيق" الكوادر الوظيفية، وتطوير المواقع الإلكترونية لتلك الصحف لمواكبة الأحداث أولا بأول.