في 2014، احتلت الهند المركز الأول عالميا في "التغوط بالعراء" بنحو 600 مليون من حوالي مليار شخص في العالم يقومون بتلك الممارسة.
ودعا ذلك الطقس غير الصحي منظمةَ الأمم المتحدة إلى إطلاق حملة عام 2015، لإنهاء ظاهرة التغوط في العراء بحلول عام 2030، مؤكدة أن ذلك ليس أمرا مستحيلا، وزعمت المنظمة أن نجاح تلك الحملة سيحدث أثرا عظيما في الصحة العامة، فالأمراض الناجمة عن ضعف مرافق الصرف الصحي وعن المياه غير الآمنة، تتسبب بوفاة 10% من 525 ألف طفل يقتلهم الإسهال سنويا في جميع أنحاء العالم.
ماذا يعني التغوط في العراء؟
تشرح الأمم المتحدة مصطلح "التغوط المفتوح" بأنه تغوط الناس في العراء -على سبيل المثال في الحقول والغابات وبين الشجيرات أو في البحيرات والأنهار- بدلا من استخدام المرحاض.
وتفيد وكالات الأمم المتحدة -بحسب بياناتها عام 2019- أن من بين الـ 673 مليون شخص الذين يمارسون تلك العادة؛ يعيش 91% منهم في المناطق الريفية، بينما يؤدي التنامي بأعداد السكان -في بلدان مثل نيجيريا وتنزانيا ومدغشقر والنيجر وبعض ولايات أوقيانوسيا- إلى نمو محلي في تلك الممارسة.
دوافع اختيارية
وتوصلت دراسة نوعية في ريف نيبال بعنوان "ما الذي يحفز التغوط في العراء؟" – وهي منشورة في "المكتبة العامة للعلوم" (Public Library of Science)- إلى فهم دوافع عدم استخدام الحمامات، وصنفت الأسباب إلى "دوافع اختيارية وأخرى بالإكراه".
ومن أكثر الدوافع القهرية انتشارا؛ عدم وجود مرحاض في المنزل من الأساس، وعدم وجود شبكات صرف صحي.
أما رفض استخدام المراحيض بالاختيار، فيعتبر في بعض المجتمعات عادة ونشاطا ماتعا في الهواء الطلق يتوافق مع الأعراف الروحية والدينية.
وهناك سبب آخر أشارت إليه الدراسة؛ فعلى الرغم من وجود مرحاض خاص في المنزل أو مرحاض عام؛ اضطر الناس إلى ممارسة هذا الأمر بسبب القواعد التي تقيد استخدام المراحيض وقضايا النظافة بشكل عام. فبالنسبة للنساء -والأمور المتعلقة بالخصوصية والقواعد التي تمنع النساء من استخدام نفس المرحاض مثل الرجال- أُجبرن على البحث عن أماكن للتغوط في العراء.
أما السبب الأكثر شيوعا -بحسب الدراسة- فهو القاعدة الثقافية المتأصلة التي تجعل هذه الممارسة مقبولة في بعض المجتمعات.
وهو ما أوضحته ببساطة سو كوتس رئيسة برنامج المياه والصرف الصحي والنظافة العامة "ووش" (WASH) في منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) -في مقابلة مع "بي بي سي" (BBC)- قائلة إن "مجرد بناء المراحيض لن يحل المشكلة، لأن التغوط في العراء ممارسة مكتسبة منذ الوقت الذي تتعلم فيه كيفية المشي. وعندما تكبر في بيئة يقوم فيها الجميع بذلك -حتى لو كان بإمكانك في وقت لاحق من الحياة الوصول إلى الصرف الصحي- سوف تعود إليه".
الهند نموذجا
في عام 2014، كانت الهند الأولى عالميا في اتّباع هذه العادة بنحو 600 مليون من حوالي مليار شخص في العالم يقومون بتلك الممارسة.
وكلفت الأمم المتحدة منظمة "الصرف الصحي الشامل بقيادة المجتمع" (CLTS) بإنهاء التغوط في العراء، وكان الحل المنطقي هو بناء مراحيض أو إعطاء المال للناس للقيام بذلك.
لكن المنظمة أوضحت أن الدعم المالي ليس فعالا للغاية، فالعديد من المراحيض التي تم بناؤها غالبا ما لا يتم استخدامها لأن عادة الخروج من المنزل لم يتم التراجع عنها، واستخدمت المراحيض المنزلية كأقفاص للدجاج أو حتى معابد في بعض الأحيان، لذا أكدت المنظمة على أن العنصر الأهم والفعال هو تغيير وعي الناس وفقا لشبكة "إن بي آر" (Npr) الإعلامية.
وفي العام ذاته (2014)، أعلن رئيس الوزراء الهندي "ناريندرا مودي" عزمه إنهاء هذه الظاهرة في الهند قبل عام 2020 وبناء ملايين المراحيض، واتخذ مودي لحملته هذه شعار "المراحيض قبل المعابد".
ويبدو أن وعد مودي كان جديا بشكل لا يقبل التشكيك، فبعد 3 سنوات انخفض العدد إلى 344 مليون شخص لا يمكنهم الوصول إلى المراحيض بشكل منتظم، وفقا لبيانات البنك المركزي.
وجاء الحدث الأهم في أكتوبر/تشرين الأول 2019، حين أعلنت الهند أنها أصبحت خالية من التغوط في العراء وفقا لخطة رئيس الوزراء "الهند نظيفة"، وبناء أكثر من 110 ملايين مرحاض.
ومع ذلك، لم ينته التغوط في العراء في الهند، كما زعمت الحكومة، ووفقا لـ"سي إن إن" (CNN) فإن الحكومة ركزت كثيرا على بناء المراحيض وفشلت في التأكد من أن الناس يستخدمونها بالفعل، كما أنها لم تضمن أيضا صيانة المراحيض الجديدة بشكل صحيح، مع التخلص من مياه الصرف الصحي بطريقة مناسبة.
ولعدة سنوات عملت المنظمات غير الحكومية والحكومة من أجل بناء المراحيض في قرى الهند، لكنهم وجدوا أن الناس لا تستعملها، ومع ذلك لا يمكن إنكار التقدم الهائل في بناء واستخدام المراحيض.
وربما تحتاج الهند إلى مزيد من الجهد لتشكيل وعي الناس وإقناعهم بضرورة وأهمية استخدام المرحاض من أجل صحة أفضل.
لماذا يعد ممارسة خطيرة؟
ويعد التغوط في العراء إهانة لكرامة وصحة ورفاهية البشر، خاصة الفتيات والنساء؛ حيث تفتقر مئات الملايين من النساء إلى الخصوصية عند الحيض، وتزيد هذه الممارسة من احتمالات تعريض النساء والفتيات لمزيد من الاستغلال الجنسي، وهو ما يهدد سلامتهن الشخصية، كما يشكل أيضا خطرا على الصحة العامة.
ووفقا لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)؛ يمكن أن يحتوي غرام واحد من البراز على 10 ملايين فيروس ومليون بكتيريا وألف كيس من الطفيليات. والممارسات السيئة في الصرف الصحي والنظافة الصحية -مثل عدم غسل اليدين بالصابون بعد التغوط وقبل الأكل- تتسبب سنويا في أكثر من 800 ألف حالة وفاة بسبب الإسهال، وهذا العدد يفوق أعداد الناس الذين يموتون بسبب الملاريا كل عام.