محمد بن علي الوهيبي- كاتب عماني
دون سابق إنذار وفي أحد أيام عام 2017م أوصدت المكتبة الإسلامية أبوابها أمام زائريها، وكما علمت أن محتويات المكتبة من كتب ومراجع نقلت ووزعت على أماكن مختلفة!!، وقيل حينذاك بأن مبنى المكتبة سيستفاد منه لأغراض أخرى!! قلت في نفسي وأنا الذي عرفت هذه المكتبة منذ بدايات تأسيسها في هذا المكان: تُرى ما الأغراض الأخرى التي ستكون أهم من هذه الشبيهة بحدائق الأحلام؟! وما الأغراض الأخرى التي تكون أهم من هذه المنارة الثقافية وهذا المتحف المفتوح على كل أزمنة العقل والفكر، والذي نطل من خلاله على شتى الفنون والعلوم والثقافات، ولعمري كم يبتهج الإنسان وهو يقضي أوقاته بين الكتب حيث المتعة التي لا تضاهيها متعة.
وفي هذه الأيام أي بعد مرور خمسة أعوام تقريبًا على إغلاق المكتبة قررتُ زيارة ذلك المكان الواقع في أحد جوانب شارع النور بمدينة روي لأرى وأكتشف ماذا طرأ على المبنى!! وكل ما شاهدته واكتشفته أن المبنى ظل على حاله كما كان لكن المكتبة ذهبت وبقي الشارع شاهدا يحمل اسم النور الذي استمد اسمه ونوره من تلك المكتبة!!
وتبين لي أثناء جولتي في محيط ذلك الصرح العمراني أن ثمة من يهتم ويعتني بالمبنى وأشجاره كما يبدو للرائي، لكن الباب المؤدي إلى الداخل موصد بقفل يعلوه صدأ السنين الخمس، واتضح أنه لم يستفاد من المبنى للأغراض الأخرى كما قيل حينذاك!!
وكم شعرتُ بالمرارة على طمس وإغلاق هذا المعلم الثقافي، حيث ظلت هذه المكتبة وفيةً لمرتاديها على مدى 42 عامًا (1975-2017م) وبقيت طوال هذه العقود زاخرة ووارفة الظلال بما تحتويه من جواهر ونفائس الكتب، وهي التي حملت هذا المسمى بالرغم من تنوع محتوياتها من شتى صنوف المعرفة كالشعر والأدب واللغة والفنون والكيمياء والطب والفلك والتاريخ والجغرافيا نظرًا لتبعيتها عند التأسيس والبدايات لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، وبعد ذلك أُحيلت إلى وزارة التراث والثقافة.
وكم من مرة تصادف وأن التقيت بطلاب من جامعة السلطان قابوس وجههم الأكاديميون في الجامعة للبحث في هذه المكتبة عن بعض الكتب والأبحاث خصوصا في مجالي الفنون والتراث التي لا تتوافر في مكتبة الجامعة والتي تُصنف أنها الأحدث والأكبر، والأكثر تطورًا.
والسؤال الذي يتبادر إلى الأذهان الآن: لماذا أُغلقت هذه المكتبة؟! علمًا بأن المبنى الذي احتضن المكتبة قد أنشئ وخصص ليكون لهذا الغرض، فزار المكتبة الباحثون عن المعرفة منذ ذلك الزمن المبكر من عمر نهضة البلاد الحديثة، ويُعد هذا المكان من الأملاك الحكومية وليس مبنى مستأجرًا، وكنا نأمل أن تُوسّع المكتبة وتُطوّر حسب الأسس والأطر الحديثة للمكتبات بدلا من إغلاقها وبات يخيم عليها الصمت المطبق، وإنه مما لا شك فيه أن إغلاق أي مكتبة هو هزيمة للروح، وهزيمة للفكر، وهو أمر أشبه بالكارثة.
مضت خمسة أعوام منذ إغلاق المكتبة وحتى تاريخه لم يطرأ شيء على المبنى؛ فلا الأغراض الأخرى رأيناها ولا المكتبة عادت ليعود معها النور!!