هلع وصراخ وبكاء هيستيري، انتاب أفراد الأسرتين من هول صدمة الجريمة التي وقعت على يد جاني لا يشبه الإنس ولا ينتمي للجان، تسلل ليلا خفية دون أن يراه أحد، ليسجل كارثة محققة بإزهاق أرواح من كانوا بالقرب يتراقصان على وقع أنغام ليلة عرس شهدها الأهل والأصدقاء، لم تدم سوى سويعات تبدل فيها المصير.
ضحايا القاتل الصامتفي محافظة الدقهلية، ومنذ أيام قلائل، وفي مشهد مأساوي صبغ الأسود الأبيض، فلم يدر لخلد أحد أن أجواء الفرح التي لم تشبه غيرها وامتدت حتى الساعات الأولى من الصباح، ستتبدل برحيل ضابط البحرية وزوجته بعد ساعات من حفل الزفاف.
«القاتل الصامت»أفراح قتلها الغازومن كان يعلم أن الملاك الذي طل بالأبيض في الأمس، سيلبس أكفان لا خيط فيها ولا طرحة، وأن رائحة الموت ستجعل والدة العروس تسقط مغشيا عليها أمام نعش ابنتها، في الوقت الذي قررت فيه والدة العريس، احتضان بدلة البحرية- آخر ما تبقى لها من ولدها المختنق- وهي تردد "ملحقش تفرح بعروستك يا عمرو الموت خطف فرحتك وفرحتنا يا بني".مراسم العرس، التي انتهت وسط سعادة طلت على وجوه الجميع انتهت، وأخذ ضابط البحرية زوجته لمنزلهما ليقضيان ليلتهما الأولى، وفي اليوم الثاني يتوجه الأهل لمنزل العروسين، لتقديم الصباحية.يستمر الطرق على الباب لساعات، استنفذ فيها الأهل كل محاولات الصبر، غير أن الهواتف تطلق رناتها بالداخل دون أي استجابة من الزوجين، وهو ما جعل القلق والفزع يتسللان للجميع حتى جاء القرار بكسر باب الشقة، ليفاجأ الحضور بأن الزوجين فارقا الحياة مختنقين في الحمام.
«القاتل الصامت»سخان الغاز
أسدل الستار عن المحضر الذي حررته النيابة، كما لم يتهم الأهل أحدًا في التسبب بالوفاة، فاختناق العروسين ومصرعهما لم يكن بيد بشرية وإنما جاء بفعل غاز أول أكسيد الكربون الذي تسرب من سخان المياه وانتشر فجأة في أرجاء الحمام وأبى ألا يترك العروسين على قيد الحياة.
«القاتل الصامت»5 نعوش لأسرة واحدةجريمة غاز أول أكسيد الكربون، المنبعث من سخان الغاز المعد في حمام شقة العروسين والذي تسبب في قتلهما، لم تكن الحادثة الأولى من نوعها،وإنما يتكرر المشهد من حين لآخر بتفاصيل مشابهة تماما، حيث شهد حي امبابة بالجيزة، مأتم جماعي لأسرة من 5 أفراد، لفظوا أنفاسهم الأخيرة- ليلا- بعد تسرب غاز السخان إلى غرفهم، ليلقى الأب والأم والصغار الثلاثة حتفهم، في جنازة حملت 5 نعوش لضحايا الغاز السام.
ليلا وأثناء النوم
ومن الجيزة للإسكندرية تتوالى السرادقات.. وبعد أن قررت تلك الأم الخلود للنوم بنجليها لحين عودة الزوج مساء، فجأة يختطف القلق قلب الزوج الذي حاول مرارا وتكرارا الاتصال بزوجته، للاطمئنان عليها دون أي استجابة من هاتفها، ما اضطره للذهاب لمسكنه وكسر الباب، ليجد الأم تحتضن نجليها وقد صعدت أرواح الثلاثة للرفيق الأعلى، بسبب تسرب الغاز نفسه، من سخان المطبخ، في العقار الكائن 8 شارع جميلة بوحريد، دائرة القسم.
«القاتل الصامت»فقدان الذاكرة لمن يفلت من الموتلكن الصغير محمد، ابن العشر سنوات، كان له حظ أوفر بعد أن كتبت له النجاة- وإن تمت بشكل درامي- حيث أفلت الطفل من براثن الغاز المنبعث من سخان الحمام، بعد أن اضطر أبواه لكسر باب الحمام وإنقاذه بنقله لأقرب مستشفى.
وبعد غيبوبة دامت ليومين ظل فيها الطفل محمد، فاقدا للوعي بالرعاية المركزة، عاد الصغير للحياة دون أن يتعرف على أحد من أبويه، فقد الطفل الذاكرة بسبب الغاز الكربوني الذي أتلف أنسجة المخ.
«القاتل الصامت»أول أكسيد الكربون"القاتل الصامت"الغاز المدان هنا في جرائم الموت بالاختناق- بحسب دكتور إسلام العربي أخصائي الباطنة- هو أول أكسيد الكربون، الذي عرفته الموسوعات الطبية بأنه "القاتل الصامت"، وهو غاز سام، تكمن خطورته في كونه عديم اللون والرائحة والطعم، ينتج عن الاحتراق غير الكامل للمواد الكربونية مثل الأخشاب والفحم والوقود العضوي "غاز المنازل".
«القاتل الصامت»كيف تتم الوفاة
تسخين المياه في سخانات الغاز، يتم عبر احتراق الوقود داخلها ومن ثم يبدأ إنتاج أول أكسيد الكربون الذي يتسرب تلقائيا- بوجود خلل في السخان- ومع إحكام غلق الأبواب والنوافذ في فصل الشتاء، يتراكم ذلك الغاز الكربوني ويتم استنشاق أبخرة الاحتراق المنبعثة وانتشارها في الجسد، سواء أثناء الاستحمام أو النوم، ما يؤدي لانسحاب الأكسجين من الدم وفقدان الوعي المفاجئ، دون أي أعراض تمهيدية منذرة - وفقا لـ "العربي".
مضاعفات الغاز الكربونيمضاعفات أول أكسيد الكربون على الجسم - طبقا لإضافة الطبيب- تكبر بحسب مقدار نسبة تركز الغاز في الدم، مؤكدا أنها تؤدي إلى تلف أنسجة الدماغ وإلحاق الضرر بالقلب، انتهاء بالوفاة، في فترة أقل من 20 دقيقة، حال كان المريض سيئا للحظ ولم يتلق إسعافات سريعة تسمح بعودة الأكسجين للجسم في أقرب وقت.
«القاتل الصامت»حقائق علمية
ارتباط أول أكسيد الكربون بالهيموجلوبين في الدم يكون لصيقا وأكثر 200 مرة مقارنة بارتباط الأكسجين بالهيموجلوبين- معلومة أضافها إسلام العربي- ناصحا بعدم ترك الأطفال وحدهم أثناء الاستحمام لفترات طويلة، مع عدم غلق الأبواب من الداخل لسرعة الإنقاذ، واتخاذ الحيطة والحذر والكشف عن الأجهزة التي تعمل باحتراق الوقود، مثل السخان، وصيانتها بشكل دوري.
كيف تنقذ المصاب
وعن الإسعافات الأولية، يقول دكتور نبيل عبد المقصود، مدير مركز السموم بقصر العيني الفرنساوي: في حال تعرض أحد أفراد الأسرة للاختناق بالغاز، يجب نقل المصاب فورا لمكان به تهوية جيدة تسمح بوصول الأكسجين مجددا للدم، وغلق منافذ تسرب الغاز، مع طلب الإسعاف لنقل المصاب لأقرب مستشفى.
إنعاش القلب والرئة فورا
كما يرى"عبد المقصود" ضرورة ملحة لعمل إنعاش للقلب، باستلقاء المصاب على ظهره، وجعل الرأس لأعلى برفع الذقن بيد أحد المنقذين، وإمالة الرأس للخلف باليد الأخرى، لفتح مجرى التنفس، على أن يأخذ المسعف نفس عميق يملأ به الخدين ثم ينفث به في فم المصاب، وهو يحكم غلق الفمين، ويكرر ذلك لعدة مرات مع إمكانية عمل انعاش للقلب بضغط الكفين على منطقة أعلى الصدر بقوة، لحين وصول الإسعاف وتلقي المريض أول جلسة أكسجين.
المختصون ينصحون بسخانات الكهرباءويصر المختصون على العبارة الأشهر "الوقاية خير من العلاج"، لذا فهم ينصحون بالاستعاضة عن أي أجهزة منزلية تعمل باحتراق الوقود، مثل سخانات الغاز والمدفأة واتخاذ الكهربائية بديلا عنها، وفي حال تعثر الأسرة عن ذلك يجب إجراء صيانة دورية لتلك الأجهزة، تفاديا لحدوث تسريب، وغلقها تماما أثناء النوم، مع ضرورة ترك منافذ تهوية بالبيت في الشتاء.
الغاز قد يفقدك الجنين
الموت داخل الحمامات هو الأكثر شيوعا في جرائم الغاز، ولكن وجود سخانات الغاز بالمطابخ، لا ينفي وجود الخطر عن أهل البيت- حال وجود تسريب- حيث لا يخطئ الغاز القاتل طريقه إلى غرف النوم، وهو ما قد يجعل فكرة الإنقاذ ليست سهلة، لطول مدة الإغماءة وعدم اكتشافها عند النوم.تعقب الأجنة في الأرحام، جريمة أخرى يسجلها الغاز الكربوني المنبعث بالتسريب والاحتراق، تفقد الأم الحامل جنينها، بعدم وصول الأكسجين لرئتيه الصغيرتين، حيث يخترق أول أكسيد الكربون المشيمة بسرعة فائقة، ويقتل الجنين حتى وإن تم إسعاف الأم وكتب لها النجاة"- معلومة أكدتها الموسوعة العالمية "ويكيبيديا".
احذر هذه الأجهزة وبادر بالصيانة
"المدفأة، الفرن، البوتاجاز، السخانات، بعض أنواع التكييفات"- كلها أجهزة تعمل بالغاز وتدعوك للاستعانة بشركات الصيانة بشكل دوري مع تنظيف المداخن جيدا، للحفاظ على سلامة الأسرة، خاصة في فصل الشتاء الذي تتزايد به حالات الاختناق، مقارنة بالصيف، بسبب طبيعة الطقس التي تجبر معظم الأسر غلق فتحات التهوية، تجنبا لبرودة الجو، وهو ما قد ييسر مهمة القتل لأول أكسيد الكربون.
ووفق بيان جهاز الحماية المدنية، فإن هناك 12 عريسا وعروس لقوا حتفهم في الآونة الأخيرة، مختنقين بالغاز، في محافظات البحيرة، والجيزة، والقاهرة، والشرقية، فضلا عن وفاة بعض الأسر وهو ما دفع اللواء ممدوح عبد القادر، نائب رئيس قطاع الحماية المدنية بـلقائه لتقديم بعض النصائح للحد من تلك الظاهرة أبرزها: مراعاة تركيب الأجهزة ووصلات الغاز داخل المنازل عن طريق الشركات المختصة، مع ضرورة وجود أجهزة إنذار بالمنازل لاكتشاف المخاطر مبكرا، وفتح أي منفذ هواء للحمامات قبل الاستحمام وصيانة المداخن وتوصيلات الغاز.
توعية غائبة بالقرى والنجوعورغم أن الحاج محمد ارتدى فوق 3 جلاليب وحمل فوق رأسه لفافات متتالية – هربا من البرد- إلا أنه ومثله كثيرون مازالوا يعتمدون بشكل كلي على حرق الأخشاب وما تيسر من جذوع الشجر، للتدفئة، وهي محاولة تبدو بدائية وغير مكلفة في ظاهرها، لتدفئة البيوت المغلقة بإحكام، لكنها قد تكلف هؤلاء الفقراء أرواحهم في ظل غياب المعلومة عن النجوع والقرى، لانشغال المسئول عن إيضاحها، بترقب تعليقات الكوكب الأزرق، على فساتين النجمات، ومتابعة آخر مستجدات حملات "خليها تعنس" و"خليك في حضن أمك" الداعية إلى تفكيك المجتمع.