منذ النصف الثاني من القرن العشرين تسارعت الأحداث بشكل لم تعرف البشرية مثيلا لها فـيتاريخها سيما في مجالي العلم والتكنولوجيا، وقد ساهمت هذه الأحداث في إعادة قولبة الأنماط المعيشـية والتفكير والسلوك في الدول الغربية، وما كان ذلك ليحدث لولا التحديات التي دفعت قادة هذه الدول إلـى إيجاد صيغ جديدة للعلاقات فيما بينها في الميادين الإقتصادية والإجتماعية والسياسية مـن شـأنها محـو مظاهر الحروب من الذاكرة الأوروبية وإشاعة ثقافة السلم والوصول بالفرد إلى أعلى درجات الرفاه.
إلا أن هذه الأهداف النبيلة لم تظهر بنفس الدرجة في السياسات التنموية التي انتهجتهـا غالبيـة الدول النامية ومنها الدول المغاربية ولذلك كانت جهود الأنظمة المغاربية في الوحدة والتكامل متواضـعة ونتائجها كانت مخيبة لآمال وطموح شعوبها، ومع ذلك فمن الطبيعي أن يزداد الإنشغال لـدى صـانعي القرار والمهتمين بالقضايا التنموية، نظرا لما لهذه الأخيرة من أهمية في اسـتقرار الأنظمـة السياسـية وتوفير الفرص لإستغلال الإمكانيات المادية والبشرية المتاحة، وهي في الدول المغاربية وفيـرة وكفيلـة بإحداث نقلة نوعية في تحقيق الكرامة والحرية والإنعتاق من الهيمنة والتخلف.
إن المتأمل في المجتمع الدولي المعاصر يلاحظ ظهور سياسات التكامل الجهوي وأنمـاط مـن الشراكة بين الدول المتقدمة والدول النامية وفي الحقيقة فإن الغرض من تبني هذه السياسة أو تلـك كـان وما يزال يتمثل في تذليل الصعوبات التي عجزت الدولة القطرية على حلها منفردة وكذلك فـي محاولـة منها اللحاق بالركب الإقتصادي العالمي قبل فوات الأوان.
وفي هذا الفصل سيتم التركيز على تجربة التكامل المغاربي من خلال أهم مراحلها وتطوراتهـا وأهم العوامل التي ساهمت في ظهورها ومحاولة الوقوف على أهم انجازات هذه التجربة.
مقالات ذات صلةالمبحث الأول : الإطار الجغرافي والبعد التاريخي لمشروع التكامل المغاربي
تتطلب دراسة أي تجمع إقليمي تقديم المعطيات التي يتوفر عليها، لذلك رأينا مـن الضـروري تقديم بعض المعطيات الجغرافية والتاريخية لمنطقة المغرب العربي بإعتبارها ضرورية لدراسة التكامـل المغاربي.
المطلب الأول : الإطار الجغرافي للتكامل المغاربي
التكامل الإقليمي لا يمكن أن يتم إلا في إطار جغرافي معين، حيث تصـبح الجغرافيـا مجـالا طبيعيا للتكامل بين الدول، ولكل مجالات الحياة مشكلة بذلك مجالا حيويا للـدول ذات الع لاقـة (علاقـة التكامل).
ومن الواضح أن تأثير الجغرافيا لا يقتصر على مجرد الإمتداد أو التواصل المكاني بين البلـدان المنفردة بين أراضيها وفضاءاتها بل إن الإمتداد أو التواصل يشكل أساسا لتكوين وحـدات ومنظومـات جغرافية من مستويات مختلفة، فهو ليس مجرد امتداد كمي بل تواصل وتكامل للخصـائص الجغرافيـة الرئيسية: الموقع، التضاريس والمساحة…الخ ومهما كان اختلاف وتنوع هذه الخصـائص فـ إن هنـاك درجة عالية من التماثل في إطار المنطقة أو الإقليم الجغرافي التي تنتمي إليه دول التكامل بحيث يكـون التماثل تعبيرا عن وحدة الإقليم (كونه إقليم جغرافي معين)، وأساسا للتكامل بين دوله، والتنـوع وسـيلة لتعزيز وتطوير هذا التكامل(1).
الفرع الأول : موقع إقليم دول المغرب العربي
تذكر موسوعة المغرب العربي أن لفظ بلاد المغرب هو مصـطلح يطلـق علـى كـل الـبلاد الإسلامية الممتدة من حدود مصر العربية حتى ساحل المحيط الأطلسي وتضيف أن اسم المغرب يتنـاول كل الأقاليم العربية من الشمال الإفريقي.
وذكرت الموسوعة أنه وإن كانت لفظة المغرب قد حددت في بعض الأحيـانبإشـتمالها علـى تونس، الجزائر والمغرب أو ما يعرف بإسم المغرب العربي الكبير فإن مدلولها التاريخي، منـذ القـرن السابع الميلادي كان يتناول حسب ما روته مصادر المؤرخين والجغرافيين القدامى كل الأقـاليم الواقعـة بين مصر من الشرق والمحيط الأطلسي في الغرب(2).
وتقع منطقة المغرب العربي بالتحديد في شمال قارة إفريقيا بين دائرتي عرض 15°-37° شمالا وخط طول 16°-25° شرقا وتشرف على الجناح الغربي للوطن العربي(3).
تطل على البحر الأبيض المتوسط الذي يحدها شمالا بساحل طوله 4837 كلم وعلـى المحـيطالأطلسي غربا بساحل طوله 3146 كلم ويحدها من الشرق مصر والسودان ومن الجنوب دول السـاحل الصحراوي وتضم منطقة المغرب العربي الدول الخمس التالية : الجزائـر، ليبيـا، تـونس، ال مغـرب، موريتانيا.
فالجزائر تقع في المنطقة الوسطى من شمال إفريقيا تطل على البحر الأبيض المتوسـط شـمالا بساحل يمتد طوله 1200 كلم يحدها النيجر ومالي وموريتانيا جنوبا تونس وليبيا شرقا المغرب غربا.
وتقع ليبيا وسط شمالي إفريقيا بين المشرق والمغرب العـربيين يحـدها مـن الشـرق مصـر والسودان و من الغرب تونس والجزائر و من الشمال البحر الأبيض المتوسط الذي تطل عليـه بسـاحل طوله 1800 كلم من الجنوب النيجر وتشاد.
أما تونس فتقع في الجزء الشمالي الشرقي من المغرب العربي يحدها من الشمال والشرق البحر الأبيض المتوسط الذي تطل عليه بساحل طوله 1300 كلم، يحدها من الجنوب والشرق ليبيا ومن الغرب الجزائر.
المملكة المغربية تقع في الجزء الشمالي الغربي من إفريقيا يحدها من الشمال البحـر المتوسـط بساحل طوله 537 كلم والممتد على واجهة المحيط الأطلسي بطول يصل إلى حوالي 2446 كلم، يحـدها من الشرق الجزائر ومن الغرب المحيط الأطلسي ومن الجنوب الصحراء الغربية.
أما موريتانيا فتقع في الجزء الشمالي الغربي من القارة الإفريقية يحدها من الشمال الجزائر ومن الجنوب نهر السينغال ومن الشرق مالي ومن الغرب الصحراء الغربية والمحيط الأطلسـي الـذي تطـل عليه بساحل يصل طوله حوالي 700 كلم(1).
فموقع بلاد المغرب العربي جعل منها منطقة استقطاب حضاري وتنافس دولـي، فهـي دومـا معرضة لضغوط خارجية، بدءا بالرومان وانتهاء بالهيمنة الأوروبية المعاصرة هذا ولعل نظرة متفحصة في خريطة العالم السياسية تحدد لنا مواصفات موقع بلاد المغرب فهي تتوغل في إفريقيا قارة المسـتقبل والإمكانات الخام، وتتفتح على أوروبا حيث مركز الثقل الصناعي والتأثير الحضاري المعاصر وتتصـل بالمشرق العربي وباقي الأقطار الإسلامية، وهذا ما جعل بلاد المغرب العربي تكتسـي أهميـة قصـوى وبعدا دوليا في مجال التوازنات الإقليمية والعلاقات الدولية(2).
الفرع الثاني : تضاريس ومساحة المغرب العربي
طبيعة تضاريس بلاد المغرب العربي جعلت منها منطقة جغرافية واحدة تتألف في مجملها مـن إقليم ساحلي خصب وهضاب قارية رعوية في الوسط وامتداد صحراوي شاسع فـي الجنـوب، تتخللهـا سلاسل جبال الأطلس في شكل كتل جبلية متعاقبة من ساحل البحر في الشمال وحتى حافة الصحراء فـي الجنوب، مع ارتفاع نسبي بالمغرب الأقصى جبل طوبقال 4165 م، وبعض أقاليم الجزائر جبـل الشـلية 2328 م، وهذا ما أعطى للمنطقة المغاربية صفة إقليم متكامل يغطي مساحة شاسعة، حيث تبلغ مسـاحة الجزائر 2381740 كلم2 ، تونس 163610 كلم2 ، ليبيا 1775500 كلم2 ، المغـرب 446550 كلـم2 ، موريتانيا 1030700 كلم2 وهذا ما يجعل بلاد المغرب بمثل هذا الإتساع والإمتداد تؤلف إحـدى الكتـل الجغرافية الرئيسية في العالم، والتي توفر المجال الطبيعي الملائم لقيام تكتل ذو وزن دولي وتأثير إقليمي مهم(1).
المطلب الثاني : البعد التاريخي لتبلور مشروع التكامل المغاربي
إن فكرة وحدة المغرب العربي ليست وليدة الحاضر بل هي راسخة الجذور في أعماق التـاريخ المغاربي، إذ ترجع الأصول التاريخية للوحدة والتكامل المغاربي إلى فتـرة النضـال المشـترك ضـد الإستعمار الأوروبي، الفرنسي، الإسباني، الإيطالي(2)، الذي استهدف طمـس معـالم هويـة الشـعوب المغاربية.
وهذا ما جعل الحركات التحررية المغاربية، حسب وصف المؤرخ المغاربي سعيد بـن سـعيد حركات تنوير فكري إلى جانب كونها حركات تحرير تزاوج بين المقاومة المسلحة والنضال السياسـي، فهي تحمل في طياتها هدفين أساسيين: هدف إثبات الهوية المغاربية البربرية العربية الإسـلامية وهـدف التحرر والإستقلال، ففكرة التكامل إذن هي أحد إفرازات التاريخ السياسـي الحـديث لأقطـار الشـمال الإفريقي(3).
ويذكر سعيد بن سعيد أربعة معالم جسدت البعد المغاربي في تاريخ الكفـاح الـوطني للأقطـار المغاربية ويخص منها بالذكر أعمال كل من : جمعية نجم شمال إفريقيا، جمعية طلبـة شـمال إفريقيـا، مكتب المغرب العربي ومؤتمر طنجة لسنة 1958م(4).وهذه المحطات التي عكسـت رغبـة الشـعوب المغاربية في تحقيق الوحدة والتكامل.
وعلى ضوء هذه المعالم يمكن تقسيم مراحل تبلور مشروع التكامل المغاربي من خلال مرحلتينأساسيتين :
الفرع الأول : مرحلة الدعوة لتوحيد النضال المغاربي
منذ خضوع الأقطار المغاربية للهيمنة الإستعمارية أخذ سكانها يشـ عرون بضـرورة التضـامن والنضال المشترك ضد الإستعمار ومخططاته الرامية إلى القضاء على الذاتية العربية الإسلامية لشـعوب المغرب العربي وتجزئته إلى جماعات متنافرة، وهذا ما جعلهم يعقدون العـزم علـى تحقيـق وحـدتهم لمقاومة العدو المشترك وإفشال برامجه ومخططاته وإحباط نواياه ويتجلى ذلك من خلال محاولات توحيد جبهة المقاومة، فهي وحدة تنبعث من أعماق كفاح الشعوب المغاربية إحدى الواجهات الرئيسية في عمـل الحركات الوطنية في الجزائر، تونس، المغرب(1).
أولا : جمعية نجم شمال إفريقيا1923 م
تذكر بعض المصادر التاريخية أن أول زعيم فكر في ضرورة توحيد المغرب العربي في ميدان الكفاح هو الزعيم ” علي باشا حامبا ”(2).
أحد ملهمي الحركة الوطنية التونسية في بداية القرن العشرين، حيث أثمرت اللقاءات بينه وبـين قرنائه في الجزائر والمغرب إلى تأسيس جمعية للدفاع عن العمال المغاربة في بـاريس سـنة 1923م ،سميت ” نجم شمال إفريقيا ”(3) ، والتي أصبحت منذ مارس 1926م جمعية سياسية تعمل للـدفاع عـن كيان المغرب العربي وتطالب بحقوقه(4).
وكان قائد هذه الجمعية مصالي الحاج أحد رواد الحركة الوطنية الجزائرية وبذلك تكون جمعيـة نجم شمال إفريقيا قد انطلقت للعمل سياسيا من منظور وحدوي(5). وقد تجسدت أهم أهدافها في :
العمل من أجل توحيد الحركة الوطنية لشمال إفريقيا حيث يتلخص المبدأ المغاربي لنجم شمال إفريقيا في تحالف بلدان المغرب العربي على أساس حق كل منها دون استثناء في الإستقلال، ويؤكد مصالي الحـاج على ذلك بقوله >> أن وحدة وتفاهم هذه العناصر الثلاثة (الجزائريـون، التونسـيون، المغاربـة ) تقـود الجزائر وتونس والمغرب إلى التحرير <
ولغاية عام 1936م كانت فكرة نجم شمال إفريقيا الوحدوية تؤكد نفسها دون تردد ولم تكن تعني الوحدة في النضال فحسب بل أيضا خلق هوية مغاربية، عربية وها هو ” سي الجيلاني ” مـديـر جريدة الأمـة التابعة لنجم شمال إفريقيا يدعو في 03 سبتمبر عام 1934م : المغاربة إلى النضال المشترك من أجـل ” ولايات شمال إفريقيا المتحدة ” فالهدف الأساسي للنجم هو : تشكيل إرادة سياسية واحدة(1).
ثانيا : جمعية طلبة شمال إفريقيا المسلمين1927م
وهي المنظمة الثانية التي كان لها تأثير في نشر الوعي الوحدوي والعمـل مـن أجـل تحريـر المغرب العربي، وقد قامت المنظمة بدور بالغ الأهمية في صفوف طلاب المغرب العربي الـذين كـانوا يدرسون في الجامعات الفرنسية في حملهم لفكرة توحيد المغرب والذين سيصبحون فيمـا بعـد زعمـاء الحركة التحررية في شمال إفريقيا(2).
وإلى جانب التنسيق في دائرة العمل السياسي نشطت المنظمة على مستوى التنظيـر والتأسـيس الواعي وتجلى ذلك من خلال مطالب مؤتمرها الخامس الذي نظم في تلمسان شهر نـوفمبر مـن سـنة 1935م والتي تمركزت حول:
ضرورة توحيد التعليم في دول المغرب العربي وتوجيهه الوجهة التي ستمكنه مـن >> إيقـاظ الـوعي بوحدتنا الوطنية في شمال إفريقيا الوحدة التي تؤسسها ذهنية موحدة ودين واحد وعواطف مشتركة <
ويضيف البيان الصادر عن المؤتمر المذكور قائلا : >> ويجب أن لا يقال أننا نعمل على إنشـاء وحـدة مفتعلة كلا وألف كلا إننا لا نعمل إلا على بعث وحدة عتيدة سجلها التاريخ وهو ضامنها <<(3).
وما يمكن إستخلاصه هو أن عمل كل من نجم شمال إفريقيا وطلبـة شـمال إفريقيـا اسـتطاع اختراق الحواجز المنيعة للإستعمار الأوروبي في شمال إفريقيا هذا من جانب ومن جانـب آخـر أمـد الحركة الوطنية المغاربية بثلة من خيرة أطرها وقادتها وممن أصبحوا فيهـا قـادة الحركـات الوطنيـة وزعمائها أمثال : أحمد بلفريج (المغرب)، فرحات عباس (الجزائر)، والحبيب بورقيبة تونس وغيرهم.
كذلك ما يحسب لهذه المنظمات أنها إن لم تنجح في تحقيق كل أهدافها خاصة التحرريـة فلقـد نجحت في إحياء وبعث الهوية المغاربية العربية الإسلامية لشعوب شمال إفريقيا وظهور بـوادر الفكـر الوحدوي المغاربي، بمعنى خلق إرادة سياسية مغاربية وحدوية.
الفرع الثاني : مرحلة النضال المغاربي المشترك
تبدأ هذه المرحلة بإنتهاء الحرب العالميةالثانية وإنشاء جامعة الدول العربية في القـاهرةسـنة 1945م، حيث عرف العمل الوحدوي المغاربي نقلة نوعية هامـةبإنتقـال نشـاط الحركـات الوطنيـة المغاربية من أوروبا إلى القاهرة(1). وكذلك الإنتقال من العمل السياسي إلى العمـل الثـوري المشـترك لدول المغرب العربي.
أولا : مكتب المغرب العربي1947م
بدأت ترتسم الخطوط الأولى للإتجاه الوحدوي الثوري المغاربي من خـلال مـؤتمر المغـرب العربي الذي انعقد بالقاهرة من 10 إلى 22 فيفري 1947م شارك فيه حزب الشعب عن الجزائر ورابطة الدفاع عن مراكش من حزب الإستقلال عن المغرب الأقصى و الحزب الدستوري عن تـونس، وكانـت رئاسته الفخرية لأمين جامعة الدول العربية عبد الرحمان عزام(2).
وقد خصصت أعمال هذا المؤتمر للبحث عن أنجع الوسائل وتوحيد الخطط وتنسيق العمل لكفاح مشترك(3).
وقد انبثق عن هذا المؤتمر مكتب المغرب العربي الذي يعد أهم المحاولات ذات الدلالـة علـى أهمية العمل المغاربي المشترك، ويعبر عن ذلك الزعيم علال الفاسي عن حزب الإستقلال المغربي بقوله >> ظلت الحركات المغاربية تتطور في أطوار التنسيق والتوحيد المختلفة حتى تكون مكتـب المغـرب العربي الذي يعتبر من أكبر المظاهر لرغبة أبناء المغرب في التعاون على تحرير أوطانهم الثلاثة التـي توحد بينها اللغة والدين والجنس والتاريخ والجغرافيا، ووحدة المستعمر والآمال في التحرر منه<<(4).
كذلك أسفر هذا المؤتمر عن تأسيس لجنة تحرير المغرب العربي في جانفي 1948م وقد تمحور برنامج هذه اللجنة حول :
وقد باركت هذا الإتجاه المغاربي الوحدوي الذي اتخذ طابعا ثوريا أغلب المنظمات والأحـزاب المغاربية، حيث ذكرت جريدة المنار التابعة لجمعية العلماء المسلمين الجزائريــة فـي عددهــا 13 الصادر في 4 جانفي 1952م مقالة في هذا الإتجاه تحت عنوان : قضية المغرب واحدة وكفاحه واحـد، وذكرت فيه : >> أن لجنة تحرير المغرب العربي التي تكونت في القاهرة من ممثلي الحركات التحررية الإستقلالية للأقطار الثلاثة، تعتبر قضية المغرب واحدة وكفاحه واحد وتؤكـد أن الحـق فـي الحريـة والإستقلال واحد للأقطار المغاربية، بدون تمييز ولا تفضيل <<(1).
ولم يلبث هذا الإتجاه الوحدوي أن أخذ مع مطلع الخمسينات طابع العمـل العسـكري فتكونـت بالتعاقب جيوش التحرير المغاربية، جيش التحرير الجزائري في الفاتح نوفمبر 1954م، جيش التحريـر التونسي في أواخر سنة 1955م، وجيش التحرير المغربي في صـائفة 1955م، علـى أن هـذا الـنفس الثوري الذي بدأ يبشر بتحقيق الهدفين الأساسيين وهما الإستقلال والوحدة لـم يسـتمر طـويلا بفضـل المخطط الإستعماري الذي أخرج تونس والمغرب من وحدة النضال والكفاح المسلح بعد أن حصل كـلا القطرين على استقلاله، المغرب 2 مارس 1956م، تونس 20 مارس 1956م، حتـى ينفـرد بـالجزائر ويقضي على الإتجاه الثوري مما فوت الفرصة على أقطار المغرب العربي لتحقيق الوحدة عبر الكفـاح المسلح والتضحية(2). ولكنه لم يقضي على روح الإستقلال والتحرر لدول شمال إفريقيا.
ثانيا : مؤتمر طنجة وتبلور مشروع التكامل المغاربي
إذا كانت فكرة المغرب العربي قد سايرت الكفاح الوطني لشعوب شمال إفريقيا مع مطلع القـرن العشرين فإن ميلادها الرسمي لم يتم إلا في مؤتمر طنجة المنعقد في الفترة الممتدة من 27 إلى 30 أفريل 1958م(3).
وذلك ب كل من : الحزب الحر الدستوري التونسي، حزب الإستقلال المغربـي وحـزب جبهة التحرير الوطني الجزائري وحضرت ليبيا هذا الإجتماع بصفة مراقب(4).
وانعقد مؤتمر طنجة لتحقيق ثلاثة أهداف رئيسية وهي :
1956م ومن ثمة إفشال المحاولة الوحدوية ثم قصفها بدعم من قوات حلف شمال الأطلسي لساقية سيدي يوسف في فيفري 1958م.
وقد أعطى المؤتمر مضمونا واضحا لفكرة المغرب العربي حيث لم تعد مجرد تنسيق الأعمـال بل أصبحت تعني العمل من أجل قيام وحدة فدرالية بين الأقطار الثلاثة، بإعتبارها الشكل الأكثر ملائمـة في الواقع لهذه الأقطار وقد رسم الزعماء المغاربة الخطوط الأساسية لهذه الوحدة المغاربية، وقـد قـرر مؤتمر طنجة إقامة المؤسسات المشتركة الفدرالية وهي : مجلس استشاري للمغرب العربي منبثـق عـن المجالس الوطنية المحلية، وتأسيس أمانة عامة للمغرب العربي وبما أن الجزائر لم تكن حصـلت علـى استقلالها حينذاك كان على المؤتمر إصدار قرار يؤكد فيه على مساندة الثورة الجزائرية ويوصي بتشكيل حكومة مؤقتة لها(2).
ورغم أهمية النتائج التي انبثقت عن مؤتمر طنجة فإن الظروف الداخليـة والدوليـة للأطـراف الثلاثة ال في المؤتمر لم تسمح بالتطبيق الفوري لقراراته، فالجزائر كانت منشـغلة بقيـادة ثـورة مسلحة شاملة ضد المستعمر الفرنسي وأنه من الناحية العملية لا يمكنها تطبيق قرارات المؤتمر إلا بعـد حصولها على الإستقلال، أما تونس والمغرب فكانتا منشغلتين بعملية بناء الدولة الوطنية وما أفرزته مـن تحديات ومتاعب بالإضافة إلى ارتباطها بإتفاقيات تعاون مع فرنسا ولم يكـن فـي اسـتطاع تهما تنفيـذ قرارات مؤتمر طنجة(3).
ما يمكن استخلاصه والخروج به هو القول أن هذه المرحلة عكست مدى وعي النخب السياسـية المغاربية بضرورة الوحدة والتضامن كذلك تعد خطوة طنجة ايجابية جدا ومتقدمة، يبـدو أنهـا سـايرت موجة التوجه الأوروبي في إنشاء سوق أوروبية مشتركة.
المبحث الثاني : التجربة المغاربية في التكامل
عرفت منطقة المغرب العربي بعد حصول دولها على الإستقلال تجربتين بارزتين في محاولـةمنها لإقامة تكامل مغاربي، التجربة الأولى تزامنت مع موجة الإقليمية القديمة في فترة السـتينات وهـي تجربة اللجنة الإستشارية، أما التجربة الثانية فتمثلت في إنشاء اتحاد المغـرب العربـي والـذي تـزامن ظهوره مع موجة الإقليمية الجديدة في نهاية الحرب الباردة والذي ما يزال قائما ليومنا هذا.
المطلب الأول : تجربة اللجنة الإستشارية الدائمة 1964م-1975م
برز الإهتمام بالتكامل الإقتصادي المغاربي منذ أن أحرزت الجزائر اسـتقلالها عـن فرنسـا، وإدراكا من القيادات السياسية آنذاك بأهمية التكامل.
حيث انطلق الإتجاه الوحدوي نحو بناء المغرب العربي عن طريق اللجنة الإستشارية الدائمة في نهاية عام 1964م هذه اللجنة ذات الإختصاص الإقتصادي والتي تعمل على إيجاد المناخ الملائم للتكامـل والإندماج(1).
الفرع الأول : النشأة والأهداف
تم في الفترة الممتدة من 29 سبتمبر إلى غرة أكتوبر 1964م انعقاد مؤتمر فـي تـونس ضـم وزراء الإقتصاد لدول المغرب العربي قصد ضبط المحاور الرئيسية للتعاون الإقتصادي، وقد تم التوقيـع على بروتوكول اتفاق يسمى ببروتوكول تونس والذي نص على بعث لجنة استشارية مغاربية دائمة وهو بذلك يشكل شهادة الميلاد الرسمية لتجربة الإندماج الإقتصادي لدول المغرب العربي(2).
وضمت هذه اللجنة في عضويتها كل من الجزائر، المغرب، تونس، ليبيا وقد نتج عن هذه اللجنة هيئات يطغى عليها الطابع الإقتصادي وهي :
ولقد استهدفت اللجنة دراسة إمكانية إحداث تكامل بنيوي بين اقتصاديات الدول المغاربية وذلـكعلى مستويين :
الأول : هو تحرير المبادلات بين دول المغرب والتنسيق بين سياساتها الإقتصادية.
الثاني : هو تنسيق المبادلات الإقتصادية بين دول المغرب والمجموعة الأوروبية(1).
وحددت اللجنة لأجل التكامل قطاعي المبادلات التجارية والصناعة (الصلب والفولاذ) بالدرجـة الأولى ويشتمل إلى جانبهما ميادين أخرى كالسياحة والمواصفات والإحصاءات…الخ(2).
الملاحظ أن اللجنة الإستشارية الدائمة كانت قد اعتمدت في بـداياتها التكامليـة علـى الجانـب الإقتصادي في الوحدة بمعنى أنها انطلقت من منطق وظيفي، البدء بقطاعات السياسـة الـدنيا (القطـاع الإقتصادي) وصولا إلى قطاعات السياسة العليا في المستقبل أي أن تحقيق الوحدة والإندماج الإقتصـادي وهي آخر مرحلة يمكن أن يصل إليها التكامل حسب الدرجات التي وضـعها العـالمالإقتصـادي بـيلا بالاسا.
الفرع الثاني : مراحل التجربة
التكامل المغاربي في تجربة اللجنة الإستشارية مر بمراحل متميزة من حيث أنماطه وأشكاله ساد فيها الأسلوبين الإقتصاديين القطاعي والشامل.
أولا : مرحلة التعاون القطاعي1964 م-1967 م
كانت الأفضلية في هذه المرحلة للتعاون القطاعي، حيث قام مركز الدراسات الصناعية بالعديـد من الدراسات التي شملت العديد من القطاعات خاصة منها : الصناعة والتجارة مثـل دراسـة خاصـة بإنشاء صناعة مغاربية للفولاذ، التأمين والمواصلات والتنسيق في ميدان التجارة الخارجية(3).
واتخذت الحكومات المغاربية أهدافا متفاوتة الأهمية والشمول حيث جعلـت المرحلـة الأولـى 1964 م-1967م تسعى إلى إقامة وحدة كاملة ووحدة اقتصادية اندماجية وسوق مغاربية مشتركة، لكـن سرعان ما تبين من دراسات اللجنة الإستشارية أي السبيل القطاعية المجزأة سبيل وعرة تثير عددا مـن المشاكل المعرقلة مثل : منشأ السلعة وطابعها المغاربي ونسبة القيمة المضافة علـى المنتـوج المرشـح لأفضلية المبادلات المغاربية، وكذلك نسبة رأس المال المغاربي المستثمر في المشـاريع الصـناعية(4). وهكذا تم التخلي عن هذا الأسلوب.
ثانيا : مرحلة التعاون الكلي :1967 م-1975 م
اختارت الحكومات المغاربية في هذه المرحلة طريقة التعاون الكلي الشامل حيث قـررت نـدوةتونس المنعقدة في نوفمبر 1967م أن تطلب من اللجنة الإستشارية درس آفاق التعاون في نطاق إجمـاليوضبط مرحلة تجريبية لمدة خمسة سنوات، وإعداد اتفاقية بين الحكومات للتعاون الإقتصـادي، وقـدمت اللجنة مشروع هذه الإتفاقية إلى مجلس وزراء الإقتصاد عند اجتمـاعهم بالربـاط فـي 1970م، فأثـار المجلس جملة من الإعتراضات الفنية في مضمون الإتفاقية تتعلق بمراقبة رأس المـال وبمـأتى السـلع وبهيكل كلفة الإنتاج وبالقيمة المضافة، وتقرر أن يعاد النظر في المشروع وكان ذلك عام 1975م ولكنـه رفض مرة أخرى وأوصى المجلس بالعودة للتعاون القطاعي(1).
ثالثا : مرحلة العودة للتعاون القطاعي1975م
ظهر من جديد التعاون القطاعي مع تميز هذه المرة بعنصرين :
وأوصت ندوة الجزائر التي انعقدت سنة 1975م بإنشاء مؤسسات صناعية مغاربية مشتركة فـي تمويلها، تأطيرها وتوزيع إنتاجها والقيام بدراسات شاملة للطلب الإجمالي علـى المسـتوى المغـاربي، بالنسبة لكل صنف من السلع المرسمة والمستوردة من قبل الدول المغاربية، وقد أسفرت هذه الدراسة عن تحديد قائمة بـ 30 سلعة مهمة مستوردة يمكن أن تنتج محليا من قبل الدول المغاربيـة متعاونـة، إلا أن كل هذه الدراسات والمشاريع توقفت(2). والسبب يرجع إلى الخلافات السياسية بين دول التجربة وأبرزهـا الخلاف الجزائري المغربي حول قضية الصحراء الغربية وتأزم العلاقات بين الدولتين ودخول المنطقـة في سياسة المحاور والتعاون الثنائي المحدود بدل الجماعي والتكامل.
حيث أبرمت معاهدة الإخاء والوفاق بين الجزائر وتونس سنة 1983م ثم انضمت إليها موريتانيا فيما بعد، وقد اعتبرت هذه المعاهدة كآلية لمواجهة كل ما يمكن أن يفرزه تدهور العلاقات بـين تـونس وليبيا من جهة، وبين الجزائر والمغرب من جهة ثانية وكرد فعل دخل المغرب وليبيا في تحالف مـوازي عام 1984م أطلق عليه تسمية الإتحاد العربي الإفريقي(3).
يتضح من خلال تجربة الإندماج الإقتصادي للدول المغاربية عن طريـق اللجنـةالإستشـاريةالدائمة 1964م-1975م أنها جاءت على اثر موجة الإقليمية القديمة والطروحات الوظيفية الجديـدة فـي محاولـة منها لإرساء دعائم تكامل جهوي مغاربي وذلك بالإعتماد على المنهج الوظيفي الذي يقوم على المرحلية والتدرج بإتباع مراحل إقتصادية متصاعدة بالتركيز على قطاعي الصناعة والمبادلات التجارية ،وذلك بالمزاوجة بين التعاون القطاعي والتعاون الكلي.
الشيء الملاحظ كذلك هو أن تجربة اللجنة الإستشارية قد اتخذت آليتين لتحقيق التكامل وهما :
آلية الإنتاج وآلية السوق حسب ما أوضحه العالم الإقتصادي ” فاجدا ” Vajda .
لكن على الرغم ما أبدته التجربة من جدية من حيث الدراسات والمشاريع المقترحة والطاقـات الفنية المتوفرة إلا أنه لم يكتب لها الإستمرار والنجاح لأسباب عديدة، يتم التطرق إليها. في جـزء آخـر من هذه المذكرة .
المطلب الثاني : اتحاد المغرب العربي ودوافع إنشائه
أخذت فكرة إرساء تكامل مغاربي تظهر من جديد مع تطور الأحداث السياسـية التـي شـهدتها المنطقة لاسيما بعد التصالح المغربي الجزائري في ماي 1987م والتآخي التونسي الليبي فـي ديسـمبر 1987م وما نتج عنه من تطبيع للعلاقات المغاربية، وتهيئة المناخ لبناء المغرب العربـي الكبيـر علـى أساس الأخوة والتعاون والمصلحة المشتركة ففي العواصم المغاربية تم العديد من اللقاءات الثنائيـة بـين القادة المغاربة، أكدوا فيها على مواصلة الجهود من أجل بناء صرح المغرب العربي كما تم التأكيد علـى ما يجمع بين الشعوب المغاربية من روح أخوة وتفاهم متبادل ورغبة مشتركة في تدعيم التعاون المثمـر بينهم.
إلا أن القمة المغاربية التي جمعت القادة المغاربة فـي الجزائـر بتـاريخ 10 جـوان 1988م ب الحسن الثاني ملك المغرب اعتبرت إعلانا رسميا عن ميلاد مرحلـة جديـدة مـن العلاقـات المغاربية عامة والمغربية الجزائرية خاصة، والتي تم خلالها إصدار بيان زرالدة الذي عبر عـن رغبـة القادة المغاربة في إقامة اتحاد مغاربي يمهد لتحقيق نوع من التكامل الإقتصادي بين دوله، وكـان ذلـك بداية بالعمل على تشكيل لجنة مختصة تبحث في سبل وكيفيات تحقيق ذلك وهو ما تم التأكيد عليه خـلال اجتماع القادة المغاربة بمراكش بتاريخ 17 فيفري 1989م حيث تم الإعلان الرسمي عن مـيلاد اتحـاد المغرب العربي(1).
الفرع الأول : دوافع قيام اتحاد المغرب العربي
قد يكون غريبا التساؤل عن الدوافع القريبة أو البعيدة التي قد تكون لها مساهمتها الفعالـة فـيالدفع بدول المغرب العربي إلى إقامة اتحاد يجمعهم من أجل تحقيق أهداف وغايات مشتركة واحدة ولكنالغرابة تزول عندما نكون مقتنعين بالمستوى المتدني للعلاقات المغاربية على جميع المستويات والأصعدة سواء في جانبها الإقتصادي أو الإجتماعي أو الأمني أو السياسي طيلة التاريخ الطويل الذي عرفت فيـه هذه العلاقات.
ولعلنا لن نكون مبالغين إذا ما قلنا بأن معاهدة اتحاد المغرب العربي لم تأت في سـياق تطـور العلاقات بين دوله وفق سيرها الطبيعي المعهود، ولكنها جاءت كنتيجة لتطورات ايجابية ومفاجئـة فـي سرعتها مست هذه العلاقات.
فهل كان هذا الإتحاد ضروريا ؟ وهل جاء كنتيجة لرد فعل خارجي عن المغرب العربـي ؟ أم هو نابع من معطيات داخلية موضوعية وذاتية في نفس الوقت ؟
أولا : الدوافع الخارجية
يمكن أن نشير إلى أبرز المتغيرات التي قادتها آليتان أو ديناميكيتان متباينتان وهمـا ديناميكيـة الدمج والتفكيك، ففي إطار الديناميكية الأولى كانت رياح العولمة العاصفة تتجه إلى تفكيك الإقتصـاديات الوطنية وإعادة دمجها في الإقتصاد العالمي الذي تسيطر عليه المؤسسات الماليـة والشـركات متعـددة الجنسيات أما ديناميكية التفكيك فكانت تفعل فعلها مع سقوط الإتحاد السوفياتي والمنظومـةالإشـتراكية وتفككها إلى جمهوريات ودويلات وإلى جانب هاذين العاملين اللذين عجلا ولو بشكل غير مباشـر ببنـاء الإتحاد المغاربي، علينا أن نذكر أيضا ظهور تجمعات إقليمية وعلى رأسها الإتحـاد الأوروبـي، الـذي كانت اتفاقية ماستريخت قد أعطته الدفعة الكبرى لإستكمال بنائه المؤسساتي(1).
مما تقدم سيتم التطرق إلى العوامل الخارجية التي دفعت بالدول المغاربية لإنشاء اتحاد المغـرب العربي، وسيكون ذلك وفقا للطرح المؤسساتي الليبرالي الجديد على اعتبار أن الإتحاد جـاء كـرد فعـل للبيئة الخارجية.
1– إنهيار الإتحاد السوفياتي وبروز الهيمنة الأمريكية
أدى الإنهيار المفاجئ للمعسكر الشيوعي عام 1989م إلى دخول النظام العالمي مرحلـة جديـدة غير مسبوقة، تغيرت فيها معالمه وتعدلت ثوابت الوضع الدولي التي سادت منذ انتهاء الحـرب العالميـة الثانية. حيث أدى اختفاء الإتحاد السوفياتي وانهيار النظام ثنائي القطبية إلـى تفـرد الولايـات المتحـدة الأمريكية بالقدرة على السيطرة والتأثير وتوجيه دفة الأمور على الصعيد العالمي في مختلف المجـالات السياسية والإقتصادية والأمنية، الأمر الذي أسفر عن خلل ملموس في التوازن الدولي الدقيق الذي خلفتهالحرب العالمية الثانية وساد طيلة فترة الحرب الباردة([1]).
وتقول الولايات المتحدة الأمريكية أنه بعد سقوط النظام الدولي القديم، العالم فقد توازنه ودخـلمن جديد حالة الطبيعة وهي الحالة الفوضوية، وما دام أن أمريكا هي القوة العظمى المتبقية مـن النظـامالقديم إذن فهي القوة المؤهلة والمسؤولة لإعادة بناء هذا النظام الدولي ونجدها أحيانا تعتبـر كـل هـذا واجب وعبئ بل أكثر من ذلك نجدها تقدم نفسها أنها تحمل رسالة حضارية وسماوية للعالم كلـه، فهـي تريد أن تنقذ العالم من الفوضوية التي تسوده وتؤسس نظام دولي جديد، وعليه فهي تريد إصلاح بعـض مؤسسات النظام القديم كالأمم المتحدة والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي، لتصبح تتماشى مع الأحـداث والتطورات وكذا طموحاتها الكبيرة لسيادة العالم كله ولإنجاح ذلك ترى ضرورة إنشاء مؤسسات دوليـة جديدة إلى جانب كل هذا فهي تسعى لوضع مجموعة من القواعد والضوابط والميكانيزمات التـي تحكـم عمل وسير هذا النظام الدولي الجديد وعلى كل الأطراف أن تحترم ذلك حتى يستتب الأمن ويتحقق التقدم المنشود([2]).
ويصب التوجه الجديد للولايات المتحدة الأمريكية من خلال إعادة بعث وإحياء دور المؤسسـات الدولية. لأجل السيطرة والنفوذ إلى مناطق الثروة الإقتصادية في العالم والسبيل الوحيـد هـو ضـرورة فرض النموذج الديمقراطي الغربي والنهج الإقتصادي الليبرالي عن طريق مؤسسات العولمة ، صـندوق النقد الدولي والبنك الدولي، الذين يشترطا على الدول إلزامية إدخال إصلاحات اقتصادية وسياسية مقابـل تقديم المساعدات والمعونات المالية لهذه الدول التي تنتمي في أغلبها لمجموعة الدولية النامية.
حيث صرح ” هيرمان كوهين ” مساعد وزير الخارجية الأمريكية للشؤون الإفريقية فـي عـام 1990م بأنه >> إضافة إلى سياسة الإصلاح الإقتصادي وحقوق الإنسان فإن التحول الـديمقراطي قـد أصبح شرطا ثالثا لتلقي المساعدات الأمريكية << ونصح “كوهين” الـدول الإفريقيـة بضـرورة الأخـذ بالنموذج الغربي للديمقراطية([3]).
وهذا ما جعل العديد من الدول الإفريقية ومنها الدول المغاربية تأخذ بهذه الإصـلاحات لأجـلالإندماج في الإقتصاد العالمي الذي أصبحت تسيطر عليه المؤسسات المالية، ومـن ورائهـا الولايـاتالمتحدة الأمريكية التي تنفرد بنسبة 20 % من القوة التصويتية و 20 % من رأسمال كل مـن صـندوقالنقد الدولي والبنك الدولي على التوالي(1).
وقد تمكنت الولايات المتحدة الأمريكية بفضل هذه المؤسسات من السيطرة على مصادر الطاقـة التي تحتاجها هي وحلفائها فاليابان مثلا: تستورد95 % من نفطها و80 % منـه يـأتي مـن الشـرق الأوسط كذلك قدرا كبيرا من احتياجات هذه الدول من المعادن يأتي من جنوب إفريقيا([4]).
يشير المؤرخ ” ريتشارد ايمرمان ” Emerman Richard إلى أن >> قـوة أمريكـا وأمنهـا يتعلقان بصورة رئيسية بالوصول إلى الأسواق والموارد الأولية في العالم وخاصة في العالم الثالث الـذي يجب التحكم به بشكل وثيق <<([5]).
أما من يرفض التعامل مع الطرف المهيمن حميد النوايا فإن الولايات المتحدة الأمريكية لا تتأخر في استخدام القوة العسكرية للحفاظ على مصالحها الإقتصادية. وعماد هـذه القـوة الترسـانة النوويـة الضخمة التي تملكها والسيطرة الجوية المطلقة والمتطورة.
إذ برز بجلاء الهيمنة والتفوق العسكري للولايات المتحدة الأمريكية من خلال تطور مراحل حل أزمة الخليج الثانية، إذ بات أن القوة الوحيدة القادرة والراغبة في نشر قوات عسكرية ضخمة في المنطقة هي القوات الأمريكية.
والدلالة الأساسية للدور الأمريكي في حرب الخليج تتمثل في عدم وجود منـافس دولـي آخـر وربما لن تواجه الولايات المتحدة الأمريكية أي تحد لهيمنتها خلال الأمد المنظور ([6]).
في ظل هذا الوضع الدولي الجديد الذي يتسم بعودة الإقتصاد بقوة كعامل محرك أساسـي لإدارة العلاقات الدولية بآليات الإقتصاد الحر الليبرالي بزعامة القطب المهيمن وحلفائه، وجدت الدول المغاربية نفسها أمام بيئة تختلف عن بيئة الحرب الباردة حيث أن هذه الدول اكتسبت أهميتها الإسـتراتيجية إبـان الحرب الباردة من وضعها كساحة للمواجهة بين الشرق والغرب واستطاعت الحصول على كافة أشـكال الدعم والمساندة من كلا الجانبين، كما توفر لها هامش كبير من الحركة تمتعت بفضله بقدرة عالية علـى المناورة ومن ثم نجحت في جني المزيد من المكاسب.
بيد أن انهيار الإتحاد السوفياتي قوض من الأساس الإيديولوجي لإهتمام القـ وى الكبـرى بهـذهالدول الأمر الذي أثار المخاوف من تعرضها للتهميش في مرحلة ما بعد الحرب الباردة.
إذن فلقد ولد مناخ ما بعد الحرب الباردة ظروفا ساهمت في دفع مسيرة التكامل الإقليمـي فـيالمنطقة المغاربية.
فمن ناحية : أن التهميش كان يعني بالضرورة أمرا أساسيا وهو ضرورة أن تتحمـل الـدول المغاربيـة مزيدا من الأعباء والبديل هو أن تنخرط بصورة أكبر في عمليات التكامل الإقليمي الـذي ربمـا يكـون سبيلا للخروج من دائرة التهميش. ومن ناحية أخرى فإن انتهاء الحرب الباردة أسهم في إحداث تقـارب بين القوى الكبرى إذ يمكن للمتابع لتوجهات الدول الكبرى حيال القارة الإفريقية أن يلحظ وجود مزيد من التنسيق في السياسات الخارجية لهذه القوى في مواجهة القارة الإفريقية. وذلك على عكس المنـاخ الـذي ساد لفترة طويلة من الزمن، إذ هيمن على القوى الكبرى خاصة فرنسا، بريطانيـا، الولايـات المتحـدة الأمريكية، حالة من الشك في دوافع بعضها البعض وعليه فقد مثل انتهاء الحرب الباردة نهايـة لتنـافس هذه القوى في القارة، وبداية التنسيق والإتفاق حول مصالحها في المنطقة وهو ما من شأنه تسريع وتيـرة العمل التكاملي المغاربي.
2– دور السوق الأوروبية المشتركة
أصبح من المعروف أن من أهم خصائص النظام الإقتصادي العالمي الجديد هو الإتجاه المتزايد نحو تكوين التكتلات الإقتصادية العملاقة، ليكون نطاقا تتضاءل فيه أهمية الإقتصاد الذي يعمـل بمفـرده في الدولة الواحدة عند رسم السياسات الإقتصادية التي تتعامل مع العالم الخارجي، بل يحل محله في هذا المجال الإقليم الإقتصادي في مجموعة للحصول على أكبر مكاسب ممكنة من التجارة الدولية. وتعكـس هذه التكتلات الإقتصادية درجة عالية من كثافة الإعتماد المتبادل وتقسيم العمل الـدولي وا لإسـتثمارات وأنواع التبادل الأخرى.
إن أهم التكتلات الإقتصادية التي لها أثر كبير على الإقتصاد العالمي والدور البارز في ظهـور اتحاد المغرب العربي هو تكتل الإتحاد الأوروبي الذي بدأ بما يعرف بالجماعة الإقتصادية الأوروبية بعد التوقيع على معاهدة روما في مارس 1957م والتي دخلت حيز التنفيذ سنة 1958م وقد تأسست الجماعة الإقتصادية الأوروبية بهدف إقامة سوق مشتركة ونتيجة لذلك قامت المفوضية الأوروبية برئاسة ” جـاك ديلور ” في مارس 1985م بتقديم مشروع بإستكمال السوق المشتركة بحلول نهاية عام 1992م وأطلـق عليه مشروع السوق الموحدة المنبثق عن اتفاقية ماستريخت فبراير 1992م(1). والتـي سـتجعل مـن السوق الأوروبية المشتركة متعامل اقتصادي يملك كل وسائل ومواصفات القوة الإقتصادية العظمى.
ومما لا ريب فيه أنه بإعلان الجماعة الإقتصادية الأوروبية عن نيتها في تكوين سوق موحـدة،تولدت القناعة لدى قادة المغرب العربي بأنهم بحاجة إلى تنسيق جهودهم لكي يمكـن لهـم أن يتعـاملواتعاملا أفضل مع دول الجماعة ،ومن ثم الدول المغاربية عليها أن تتجمع حتى تستطيع أن تتعاون داخـلالمنطقة وخارجها خاصة والأحداث أثبتت أن الإنفراد يعني التعرض لمزيد مـن ضـغوط المؤسسـات الإقتصادية والنقدية الكبرى.
وهكذا فإن المصلحة الإقتصادية للدول المغاربية تتطلب المزيد من تقارب وجهات النظر حتـ ى تتمكن من تنسيق سياساتها الإقتصادية داخليا وخارجيا مما يؤدي على حمايتها من الإستغلال الخـارجي الواقع عليها من الدول الأجنبية، وإلى الإستغلال الأمثل لثرواتها الإقتصادية لإقامـة صـناعة متكاملـة ومتطورة وتبادل تجاري محكم بينها وبين الجماعة الإقتصادية الأوروبية فمع دخـول اليونـان سنــة 1981م واسبانيا والبرتغال سنة 1986م إلى السوق الأوروبية، وهذه الـدول تتشـابه فـي المنتوجـات الفلاحية مع منتجات وصادرات دول المغرب العربي، ومن ثم أصبحت هذه الدول تشكل منافسـا قويـا لدول المغرب العربي في منتوجاتها وبخاصة الحوامض، البوكير، وزيوت الزيتون والكروم. فهي مشكلة للدول المغاربية على اعتبار أن تعاملها مع السوق الأوروبية أكثر من تعاملها مع الدول العربية كـون أن الدول المغاربية مرتبطة بإتفاقية الشراكة مع الجماعة الإقتصادية الأوروبية(1).
وهذا ما يجعلنا نتساءل عن الآثار المترتبة على الإنتقال إلى السوق الأوروبية الموحدة بالنسـبة لدول المغرب العربي ؟
هذا الإنتقال يحمل أكثر من أثر بالنسبة للدول المغاربية، لكـون السـوق الأوروبيـة الموحـدة تستهدف زيادة التبادل الداخلي بين أعضائها، وهذا بالضرورة على حساب مبادلاتها التجارية مع العـالم الخارجي، وأمام هذا الوضع ستصبح النتيجة الحتمية هي انخفاض إمكانيات تسوق البضائع المغاربية في هذه السوق، بالإضافة إلى إزالة الحواجز الجمركية وغير الجمركية يـؤدي إلـى حريـة تـدفق رؤوس الأموال من أي مكان في أوروبا إلى كل حدود المجموعة، وهذا التدفق يمكن أن يؤدي مـن جهـة إلـى اتساع معتبر في حجم السوق ومن ثم زيادة الطلب على المنتجات المصدرة مـن طـرف دول المغـرب العربي، ولكن من جهة أخرى هذا التدفق يؤدي إلى إطلاق حرية الدول المنافسة للدول المغاربيـة فـي السوق الأوروبية في تسويق منتجاتها الصناعية الخفيفة والزراعية في بقية المجموعة بشـروط أفضـل نسبيا من تلك التي تتعامل بها دول المغرب العربي، ومن ثم الحد من القـدرة التنافسـية لمنتجـات دول المغرب العربي(2).
ولكن الوضع يكون مغايرا في حالة التنسيق الإقتصادي المغاربي، فإن وقـوف دول المغـربالعربي ككيان اقتصادي متلاحم أمام السوق الأوروبية الموحدة سيعطيها بالضرورة قوة كبيرة في مجـالالمساومة الدولية ولا سيما إذا تمت هذه المساومة على أساس ما لـديها مـن إنتـاج طـاقوي ومعـدنيوزراعي والذي لا يمكن أن تستغني عنه الدول الأعضاء في السوق الأوروبية الموحدة([7]).
كل ذلك خلق ضرورة التعاون والتنسيق للخروج من دائرة العمل المنفرد إلـ ى دائـرة العمـل الجماعي الموحد ويمكن أن نستخلص أن المحرك الحقيقي للدفع بالدول المغاربية بالتوجه نحـو التكامـل هـو :
وهذا ما يسمح بالقول أن للخارج ومتغيراته دور مؤثر في التوجه المغاربي للتكامل ،وكيـف لا إذا كانت الدول المتقدمة بل والأكثر تقدما تحرص على وجودها ضمن أكبر قدر من التكتلات من أجـل حماية مصالحها الإقتصادية وعلى سبيل المثال تكتل النافتا الذي جاء كرد فعل مضاد للتكتـل الأوروبـي فلقد قامت الولايات المتحدة الأمريكية بتأسيس هذا التكتل وهو اتفاق التجارة الحـرة لأمريكـا الشـمالية ويضم الولايات المتحدة الأمريكية وكندا والمكسيك وذلك سـنة 1992م والغـرض منـه هـو توحيـد الأمريكيتين اقتصاديا، لمواجهة أوروبا واليابان وربما يكون الهدف من إنشاء هذا التكتـل هـو خـوف الولايات المتحدة الأمريكية من تحديات القرن الواحد والعشرين وبالتالي الحصول على حصة أكبر مـن الإدارة المركزية الجديدة للإقتصاد العالمي([8]). ولذلك كان لزاما على الدول المغاربية أن تتجه للتكامـل أمام بروز التحدي الإقتصادي محل التحدي الأمني والإيديولوجي.
إلا أنه من الصعوبة بمكان الجزم المطلق بأن الإلتجاء إلى إقامة اتحاد مغاربي دوافعه خارجيـة أو هو مجرد رد فعل لظروف خارجية لا يملك أبناء المغرب العربي التحكم فيها، ذلك أن هذه العوامـل الخارجية التي جاءت نتيجة لتوفر عدة متغيرات على المستوى الدولي لم تكن وحدها الباعث على إقامـة اتحاد المغرب العربي رغم ما لهذا الباعث من تأثير في سياسـة أقطـار المغـرب العربـي الداخليـة والخارجية وإنما هناك عوامل داخلية توفرت نتيجة لمعطيات كل قطر من أقطار المغرب العربـي مـن جهة، وداخل المنظومة العلائقية المغاربية من جهة أخرى.
ثانيا : اتحاد المغرب العربي والمعطيات الداخلية
أخذت دول المغرب العربي دون استثناء تعرف خلال العقود الأخيرة ما يمكن تسـميته بأزمـةالدولة الوطنية وهي أزمة ناتجة عن تراجع دور الدولة في إيجاد الحلول لمختلف المشاكل التي تطرحهـاقضايا التنمية في مختلف ميادينها الإقتصادية والإجتماعية والثقافية والإنسانية بصفة عامة، وهذا التراجع يعود بالأساس إلى أزمة في الأنظمة السياسية وفي الإختيارات الإقتصادية كما يعود إلى أزمة الإيدولوجيا كنتيجة للأزمتين السابقتين.
1– تراجع شرعية النظم السياسية المغاربية
لقد آمن غالبية المواطنين المغاربة بالمشروع الوطني الذي تبنته الدولة بصفتها المزدوجة، فهـي التجسيد الحي للكفاح الوطني والقوة القادرة على إحداث ثورة الداخل سواء في مجال تحـديث الجماعـة السياسية أو في مجال تحقيق النقلة التنموية.
ولكن بعد ممارسة استغرقت عقدين وفي حالات أخرى ثلاثة عقود بدأت فـي الظهـور أبعـاد الأزمة القومية تحت وطأة عنصرين أساسيين:
أولهما : احتكار السلطة ومحدودية المردود التنموي.
وثانيهما : تكريس التفاوت الإجتماعي واتساع دوائر التهميش والإستقطاب الطبقي(1).
ولئن كانت الدولة المغاربية قد سيطرت على معظم أشـكال التعبيـرالإجتمـاعي والسياسـي وارتبطت شرعيتها بالدور المزدوج على مستوى الرابطة القومية والرعاية الإقتصادية، فإنه مـع عبـور الفترة الأولى للتعاقد الإجتماعي بين المجتمع والدولة وما حفلت به من استخدامات رمزية، حلت عناصر وعوامل التغيير التي هزت عرش الدولة منذ الثمانينات على وجه التقريب.
وفي هذا الإطار يمكن التركيز على عدة عناصر منها :
وقد تكثفت صور عدم شرعية النظم السياسية المغاربية في تزايد مظاهر الرفض والإضـطراب السياسي، في معظم دول المغرب العربي ففي الجزائر وصلت الأزمة إلى أقصاها مع أحـداث أكتـوبر
1988م والتي لم تكن أزمة النسق السياسي فحسب وإنما أزمة المجتمع برمته، كما كانت شرخا عميقا فيصلب المجتمع الجزائري نتيجة إخفاقات متعددة سياسية، اقتصادية اجتماعية وثقافية، وكانت اللحظة التيشهدت ميلاد الجماعات الإسلامية التي أثبتت قدرة فائقة على تأطير الإنتفاضات الشعبية.
أما في المملكة المغربية وهي أكثر دول المغرب العربي استقرارا فقد شهدت لحظـات الصـدام بين السلطة وعناصر شعبية استخدم خلالها النظام القوة في مواجهة المجتمع([9]).
ففي يونيو 1981م على سبيل المثال لا الحصر وقعت صدامات في : المغرب أخـذت صـورة انتفاضة شعبية في الدار البيضاء وخاصة في الأحياء القصديرية، ويذكر أن الدار البيضاء تحتوي علـى 60 % من الصناعات المغربية و 70 % من الطبقة العاملة ونسبة كبيرة من الفقراء والمهمشين، الـذين اغتنموا فرصة انتفاضة 1981م للثورة على الدولة وأهم رموزها([10]).
أما في موريتانيا فقد كانت مركزية السلطة ونفوذ الحزب سمة أساسية فـي النظـامالسياسـي لموريتانيا منذ الإستقلال، ثم جاء الإنقلاب العسكري الأول الذي أطاح بنظام الحـزب الواحـد للـرئيس المختار ولد دادة في 10 يوليو 1978م وتواكبت في التاريخ الموريتاني الحديث الإنقلابـات العسـكرية خلال الثمانينات مع محاولات لملئ الفراغ السياسي واحتواء المعارضة السـرية، ومـع تفـاقم مظـاهر الركود الإقتصادي وزيادة عجز ميزان المدفوعات في غضون منتصف الثمانينات فقد تكاملـت أسـباب التغيير لدفع النخبة السياسية لطرح مشروع ديمقراطي في إطار أهداف عامـة لتسـيير شـؤون الـبلاد والوصول إلى فاعلية تنموية ايجابية([11]).
كذلك الأمر بالنسبة إلى تونس فهي لم تخلو من ظاهرة الإضرابات والتي ارتفع عددها مـن 25 إضرابا سنة 1970م إلى 452 إضرابا سنة 1977م(4). وهذا ما يدل على تصاعد حركـةالإحتجاجـ ات الشعبية على سياسة نظام الحكم.
ولم يسلم النظام الليبي بدوره من الإضرابات واللحظات العصيبة وربما يعـود ذلـك بالدرجـةالأولى إلى الطبيعة الخاصة للنظام السياسي الليبي، ذلك أن الصورة في ليبيا تختلف جـذريا فـالأحزابالسياسية محظورة بحكم القانون والتجربة الليبية في الديمقراطية الشـعبية المباشـرة لا تسـمح بوجـودالبرلمانات والإنتخابات كوسيلة للوصول إلى السلطة وتقاسمها وال فيها، والأفراد والجماعـات لا يسمح لهم بتنظيم وتقديم برامج بديلة إلى المواطنين على أساس أنه ليس هناك ضرورة أو حاجة لـذلك، نظرا لأن جميع الليبيين يستطيعون التعبير عن وجهات نظرهم و آرائهـم بحريـة فــي المـؤتمرات الشعبيـة([12]).
ونتيجة لإحتكار السلطة من قبل النظام الليبي تصاعدت موجات الرفض وكانت أخطر التحديات التي واجهها النظام الليبي جماعات المعارضة في عام 1984م، عندما تسللت مجموعة منها إلـى داخـل ليبيا في محاولة لزعزعة إستقرار النظام، ولكن اكتشاف المحاولة تسبب في إجهاضها حيث تمكن النظـام من قتل واعتقال العديد من أفراد المعارضة([13]).
وفي ظل الأوضاع المتأزمة للدول المغاربية ومع استمرار موجة الإحتقان السياسـي وتصـاعد وتيرة الإعتراض على أداء الأنظمة السياسية المغاربية، لم يكن أمام هذه الأنظمة لأجـل الخـروج مـن الأزمة السياسية سوى التخلي عن الإحتكار المطلق للسلطة والسماح بالتعددية في نهاية الثمانينـات لكـن هذا الإنفتاح السياسي جاء في ظل أزمة اقتصادية خانقة.
2– الأزمة الإقتصادية
تعد الأزمة الإقتصادية في دول المغرب العربي الوجه الآخر لأزمة الدولة الوطنية والتي أخذت على عاتقها مسألة إحداث التنمية وبناء الإقتصاد الوطني بعد حصولها على الإستقلال فمنـذالإسـتقلال اعتمدت كل دولة برنامجها الخاص للتنمية وجاءت هذه البرامج كلها في سياق التبعية التي نشـأت فيـه بحيث رسخت الإندماج في التقسيم الدولي للعمل والتبعية الهيكلية للخارج.
ففي تونس قادت البرجوازية الوطنية مشروعها للتنمية الإقتصادية فبدأت في السـتينات تعتمـد على التخطيط الإقتصادي والمضي ببرنامج التعاونيات إلى أبعد ما تستطيع البرجوازية احتمالـه ولكنهـا فشلت ليكون التحول الكامل نحو الإقتصاد الحر في السبعينات، حيث زاد ارتباط تونس بالسوق العالميـة ومن ثم تعرضت منذ الثمانينات لآثار الأزمة الإقتصادية العالمية في شكل تضـخم البطالـة واسـتيراد التضخم، واختلال هيكلي في ميزان المدفوعات.
وبينما توجهت الجزائر نحو التصنيع من خلال ملكية الدولة لمعظم وسائل الإنتاج، عقب حركـةتأميمات واسعة في الستينات وهذا التوجه لم يقم بناءا على خطة للتكامل الإقتصادي مـع بقيـة الـدولالمغاربية ومن ثم ظل الإقتصاد الجزائري معتمدا على الخارج سواء لإسـتيراد التكنولوجيـا والمعـدات والمديرين والفنيين أو لتسويق المنتجات، وأدى الإعتماد المتزايد على مبيعات الـنفط لتمويـل التحـول الصناعي إلى زيادة التبعية للسوق الدولي.
واتبعت المملكة المغربية منذ البداية درب الإندماج الكامل في السوق الرأسمالي للعمل وأوجدت نظاما اقتصاديا يقوم على المنافسة الحرة، وتوسعت في صناعات كثيفة لرأس المـال بجانـب الزراعـة التقليدية ومن ثم تأثر الإقتصاد المغربي بشدة بالتغيرات التي طرأت علـى السـوق الأوروبيـة خاصـة والدولية عامة.
أما ليبيا فقد اعتمدت بشكل شبه مطلق على مبيعات النفط(1). والتركيز علـى حركـة التجـارة الخارجية مع الدول الأجنبية.
أما موريتانيا فيعتمد اقتصادها على الصيد والثروة البحرية والتعدين وأهم صادراتها خام الحديـد والصلب والثروة السمكية والفوسفات والنحاس([14]).
وبشكل عام تعتمد الإقتصاديات المغاربية على بيع المواد الأولية والسلع النصف مصـنعة فـي الأسواق الخارجية، وهذه الأسواق غير ثابتة بسبب ظروف العالم السياسية والإقتصادية وهـذا الوضـع يؤدي غالبا إلى عجز في الميزان التجاري بالنسبة للدول المغاربية، كما أن اختلال التوازن بين عوامـل الإنتاج في مختلف الإقتصاديات المغاربية يؤدي إلى عدم توازن نمو الإقتصاد([15]).
وهذا ما أدى إلى ظهور عدة أزمات إقتصادية متتالية في الدول المغاربيـة خاصـة مـع فتـرةالثمانينات، وكان لهذه الأزمات تأثير على المستوى الداخلي وعلى المستوى الخارجي أما المستوى الأولفتمثل في ظهور العديد من المؤشرات السلبية للإقتصاديات المغاربية والتي تجلت في :
وأمام هذه النتائج السلبية برزت أحداث الرفض والإضطراب في مختلف أقطار الدول المغاربية تعبيرا عن الأزمة الإقتصادية وانعكاساتها على المجتمعات فلقد شهدت الجزائر اضطرابات عنيفـة فـي أواخر الثمانينات احتجاجا من الجماهير على عدم توافر الحاجات الأساسية للمواطن وقـد عرفـت هـذه الإضطرابات بإنتفاضة الخبز، والتي عكست عجز الدولة عن توفير احتياجات المواطن الأساسـية وهنـا يتجسد البعد الثاني للأزمة من خلال التبعية الغذائية للغير.
هذا الغير ذو الفائض الغذائي أصبح يستخدم هذه المنتوجات كسلاح اسـتراتيجي فـي مواجهـة الدول التي في حاجة إلى منتوجاته، بلا شك أن هذا العجز زاد في الأعباء المالية المترتبة على اسـتيراد هذه المنتوجات الغذائية من الخارج، حيث امتصت هذه الواردات جـزءا كبيـرا مـن إيـرادات الـدول المغاربية من العملة الصعبة، الأمر الذي أدى إلى اختلال في التوازنات المالية والإقتصـادية ممـا دفـع الدول المغاربية إلى الإستدانة من البنوك الدولية وبفوائد مرتفعة من أجل توفير الغـذاء وشـراء المـواد المصنعة وإقامة المشاريع الخاصة بها ومن ثم السقوط في شباك المديونية([17]).
أمام هذه الأوضاع المتأزمة على الصعيدين السياسي بتراجع شرعية النظم السياسية المغاربيـة، وعلى الصعيد الإقتصادي بفشل الدولة الوطنية في تحقيق التنمية الإقتصادية وما رافقهـا مـن تصـاعد لموجات الرفض والغضب والثورات الشعبية للمطالبة بضرورة التغيير والإصلاح هذا علـى المسـتوى الداخلي.
أما على المستوى الخارجي فتميزت الأوضاع بإزدياد درجة الضغط مـن طـرف مؤسسـات العولمة صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومن خلفهما القوى العظمى خاصة الإتحاد الأوروبـي الـذي اشترط ضرورة إدخال إصلاحات اقتصادية وسياسية في هذه الدول مقابل منحها القـروض مـن جهـة وتفعيل علاقات الشراكة الأوروبية المغاربية من جهة أخرى.
وفي ظل هذه المتغيرات كان أمام دول المغرب العربي ثلاث اختيارات وهي : إما
وكان الإختيار الأمثل للدول المغاربية هو التكتل والتكامل من خلال قيام اتحاد المغرب العربـي وهو الأداة التي يمكن بواسطتها دعم الدولة القطرية و إكسابها مشروعية، إنها مشـروعية الوحـدة فـي الفكر والهويتين المغاربيتين هذا من جهة وتحقيق التنمية الإقتصادية بواسطة التكامل من جهـة أخـرىلأن هناك علاقة قوية للتكامل بالتنمية، تتجسد في العوائد التي يمكن للتكامل خلقهـا لصـالح الأطـراف المساهمة لأن الحافز الأساسي للحكومات في الإنضمام للتكتلات الإقتصادية يتمثل في تحقيق قـدر مـن الأهداف على نحو أفضل من تلك التي يمكن بلوغها بجهود منفردة، يعني أن هذه العلاقـة تتمثـل فـي ارتباط الوسيلة بالهدف إذ يفترض أن التكامل من أفضل الوسائل البديلة في التنمية، لذلك يقال: ليس كـل محور للتنمية محور للتكامل، بينما كل محور للتكامل هو محور للتنمية([18]).
كذلك جاء هذا الإختيار كون أن دول المغرب العربي كانت مجبرة تحت ضـغوط المؤسسـات المالية الدولية صندوق النقد الدولي والبنك الدولي للتوجه نحو التحول الديمقراطي والإقتصاد الحر، مقابل منحها القروض أو إعادة جدولتها، لذلك رأت ضرورة أن تنفتح على البيئـة الخارجيـة وتنـدمج فـي الإقتصاد العالمي وهي مجتمعة، وتتفاوض من مركز قوة مع هذه المؤسسـات والتكـتلاتالإقتصـادية الكبرى، خاصة الإتحاد الأوروبي الذي يعد الشريك الأول لدول المغرب العربي، والذي أعطته معاهـدة ماستريخت الدفعة الكبرى لإستكمال بنائه المؤسساتي.
والجدير بالملاحظة أن هذا التوجه للدول المغاربية صوب التكامـل وإنشـاء اتحـاد المغـرب العربي، إنما كان للدوافع والعوامل الخارجية الدور الأكبر في ظهوره و انبعاثه وهنا نكون بصدد الطرح المؤسساتي الليبرالي الجديد الذي يؤكد على دور المؤسسات الدولية في إنشاء التعاون الدولي فـي ظـل الفوضى الدولية على اعتبار أن اتحاد المغرب العربي جاء رد فعل للبيئة الدولية التـي تسـيطر عليهـا المؤسسات المالية والتكتلات الإقتصادية العظمى، والتي تلجأ للضغط على الدول كي تتعـاون وتراعـينظاما ما ولكي تقبل في المنظومة الإقتصادية الدولية، عليها أن تثبت أهليتها الليبرالية وهذا ما حدث فعلا في الدول المغاربية.
الفرع الثاني : الأهداف والهيكل التنظيمي
في العاشر من يونيو 1988م بزرالدة في الجزائر العاصمة وبمناسبة انعقاد مؤتمر عربي للقمـة إلتأم اجتماع لقادة المغرب العربي الكبير فكان مؤتمر أولا تمخض عنه تشكيل لجنـة سياسـية مغاربيـة كبرى وخمس لجان فرعية، أنيطت بها مهام التفكير وصياغة الإقتراحات في الشؤون المرتبطة بمشروعبناء المغرب العربي.
ولقد أنهت اللجان الفرعية أشغالها في سبتمبر 1988م .
وقد عقدت اللجنة السياسية الكبرى اجتماعا ثانيا لها يومي 27 و 28 أكتـوبر 1988م بالربـاط لأجـل دراسة حصيلة أعمال اللجان الفرعية.
وفي بيان موجه إلى الصحافة أعلنت عن مقترح مشروع يهدف إلى احـداث هيكـل مغـاربي سيوكل أمر البث في مضمونه إلى المؤتمر المقبل لقادة دول المغرب العربي الكبير.
ولقد انعقد بالفعل هذا المؤتمر الثاني لقادة الدول المغربية بمـراكش فـي فبرايـر 1989م تـم الإعلان في أعقابه يوم 17 فبراير عن نص معاهدة اتحاد المغرب العربي(1). بين خمس دول وهي :
ليبيا، تونس، الجزائر، المغرب، موريتانيا.
أولا : أهداف اتحاد المغرب العربي
انطلقت دول اتحاد المغرب العربي لأجل إرساء التكامل بمجموعة من الأهـداف ذات الأبعـاد المختلفة والتي تتلخص ضمن ما جاء في نص المادة الثانية من معاهدة إنشاء اتحاد المغـرب العــربي فـي :
ومن خلال نص هذه المادة يمكن أن نستشف الأهداف الحقيقية التي بعث اتحاد المغـرب العربـي مـنأجلها.
إنه من الأهداف السياسية والدولية للإتحاد تحقيق تقدم ورفاهيـة مجتمعـات الـدول المغاربيـة والدفاع عن حقوقها، وهو بذلك يهدف إلى >> تمتين أواصر الأخوة التي تربط الدول الأعضاء وشعوبها بعضها ببعض <
ويعتبر هذا الهدف من أهم الأهداف التي يسعى الإتحاد لتحقيقه، إذ يسـاعد علـى مجابهـة أي مخاطر وتحديات تتعرض لها المنطقة المغاربية أو إحدى دولها نتيجة أي محاولة تهـدف إلـى تمزيـق الإتحاد وإشاعة الإنقسام، كذلك فإن الإتحاد هو الذي يكفل للدول المغاربية المحافظة على استقلالها، كمـا تساهم مساهمة فعالة في إزالة كل صور النزاعات الإقليمية ولهذا الغرض تسعى الدول بالمسـاهمة فـي صيانة السلام المؤسس على العدل والإنصاف، وفي هذا السياق تنتهج الدول الأعضاء سياسـة مشـتركة في مختلف الميادين التي تهدف بها إلى تحقيق الوفاق بين الدول الأعضاء وذلك بإقامة تعاون دبلوماسـي بينها يقوم على أساس الحوار([20]).
لتحقيق المساهمة في صيانة السلام المرتكز أساسا على العدل والإنصاف، تعمل الدول الأعضاء في الإتحاد في ميدان الدفاع على >> صيانة استقلال كل دولة من الدول الأعضاء <<([21]).
ولا شك أن هذا مبدأ من المبادئ العامة في العلاقات الدولية، يرتبط ارتباطا وثيقا بموضوع مبدأ احترام سيادة كل دولة وسلامة أراضيها.
ففي ميدان الدفاع يجب الإشارة إلى أن الإتحاد المغاربي انفرد دون التجمعات العربية الأخـرى المماثلة ببعد خارجي وداخلي، أي أنه انفرد بالحديث عن أمن الدول الأعضاء وضد التهديدات الخارجيـة صراحة، وعن أمن النظم الحاكمة في الدول الأعضاء. وانطلاقا مما ورد في معاهدة إنشاء الإتحاد مـن مضامين تتصل بصيانة استقلال كل دولة من الدول الأعضاء، نجد الإتحاد المغاربي أكثر طموحـا فـي النص على قضية حساسة جدا وهي التحسب للعدوان الخارجي وهي مسألة معقولة ولكن الخطوة الأكثـر طموحا أمن النظم الحاكمة([22]).
وقد أوضحت معاهدة إنشاء اتحاد المغرب العربي هاتين المسألتين من خـلال نصـي المـادتينالرابعة عشرة والخامسة عشرة، حيث جاء في المادة الرابعة عشرة أن >> كل اعتداء تتعرض له دولـةمن الدول الأعضاء يعتبر اعتداءا على الدول الأعضاء الأخرى << وهنـا إشـارة لفكـرة التهديـداتالخارجية.
أما المادة الخامسة عشرة فقد نصت على أنه :
>> تتعهد الدول الأعضاء بعدم السماح بأي نشاط أو تنظيم فوق ترابها يمس أمن أو حرمـة تـراب أي منها أو نظامها السياسي، كما تتعهد بالإمتناع عن الإنضمام إلى حلف أو تكتل عسكري أو سياسي يكـون موجها ضد الإستقلال السياسي أو الوحدة الترابية للدول الأعضاء الأخرى <<(1). وهنا إشارة واضـحة لقضية المحافظة على أمن النظم الحاكمة في دول اتحاد المغرب العربي.
3– الأهداف الإقتصادية
قضت معاهدة إنشاء اتحاد المغرب العربي في إحدى مضامينها على أن الهدف من تعـاون دول الإتحاد هو تحقيق حياة أفضل للشعوب المغاربية والدفاع عن حقوقها، ولا شك أن هذا الهدف مرتبط إلى حد كبير بالهدف السياسي، ومن شأنه تقوية أواصر الأخوة بين شعوب تلك الدول ولتحقيق هـذه الغايـة تتخذ الإجراءات التالية :
ولتحقيق هذه الأهداف حدد أول اجتماع لمجلس الرئاسة المغاربي عام 1990م أربعة مراحل يتمالإنتقال وفقها لأجل الوصول إلى آخر مرحلة للتكامل وهذه المراحل هي :
ولتحقيق ذلك فإنه من الضروري خلق شركات اقتصادية مغاربية وكذلك مجمعات صناعية، في إطار تكاملي وليس تنافسي والهدف هو الوصول إلى السوق المغاربية المشتركة ودعم روابـط تعـاون وتكامل جديدة مع المجموعات الأخرى وكذلك مع السوق الأوروبية المشـتركة(2)، مـن أجـل تقويـة مركزها التفاوضي أمام هذه السوق والتي تعد الشريك الأول لها والمتضمن لمنافسين اقتصاديين يشكلون خطر للتجارة الخارجية المغاربية مع السوق الأوروبية.
4– الأهداف الثقافية
تنص الفقرة السادسة من المادة الثالثة في هذا المجال على ضرورة إقامة تعاون يرمي إلى تنمية التعليم على مختلف مستوياته وإلى الحفاظ على القيم الروحية والخلقية المستوحاة مـن تعـاليم الإسـلام السمحاء وصيانة الهوية القومية العربية، حيث تعتبر من ضمن الوسائل الكفيلة لبلوغ هذا الهدف، تبـادل الأساتذة والطلبة وإنشاء المؤسسات الجامعية والثقافية وإنشاء مراكز مشتركة وبـرامج فـي المجـالات العلمية المختلفة بين الدول المغاربية([24]).
ثانيا : قراءة تحليلية لمعاهدة إنشاء اتحاد المغرب العربي
من خلال ما سبق وبنظرة متفحصة نجد أن القادة المغاربة وهم الذين يمثلون الإرادة السياسـية العليا لدولهم، أرادوا أن يؤسسوا من خلال هذا الإتحاد تكامل إقليمي مغاربي يضم دول المنطقة الخمس : ليبيا، تونس، الجزائر، المغرب، موريتانيا وهنا نلحظ أن الخلفية الأساسية لقيـامالإتحـاد هـي الطـرح الوظيفي الجديد الذي يدعو إلى التكامل الجهوي، وقد حدد الإتحاد لأجل التكامل مجموعة مـن الأهـداف المتنوعة، فالتكامل المنشود لم يقتصر على المضمون الإقتصادي فحسب بل يشـير إلـى ارتبـاط هـذا المضمون بأبعاده السياسية، الأمنية الثقافية والإنسانية.
إنه كذلك تكامل أو اندماج يقوم على العمل تدريجيا على تحقيق حرية تنقل الأشخاص، وانتقـالالخدمات والسلع ورؤوس الأموال وعلى إنشاء المشروعات المشتركة، ومن وجهة نظر اقتصادية يتضحأن معاهدة مراكش تهدف حقا إلى بلوغ مرحلة السوق المشتركة المهيـأة لشـروط وظـروف المرحلـةالأسمى مرحلة الإتحاد الإقتصادي بمعنى أن بلوغ ونجاح المرحلة الأولـى يـؤدي بالضـرورةللـدفع والإنتقال إلى المرحلة الأعلى حسب الدرجات الإقتصادية التي حددها العالم الإقتصادي ” بيلا بالاسـا “، وبهذا يحدث التسييس التدريجي من خلال الإنتقال من المسائل التقنية الفنية كمراحل أولى إلـى المسـائل السياسية كمرحلة نهائية للعملية أو المسار التكاملي وهذا ما يتطابق مع الطرح الوظيفي الجديد عند هاس فبواسطة عامل الإنتشار Spill-Over يتم هذا الإنتقال التصاعدي والتطور.
يمزج كذلك الإتحاد بين آليات التكامل والإندماج عبر السوق والتكامل عبر الإنتـاج، وكلاهمـا مرتبط بعضه ببعض فلا جدوى من توسيع السوق إذا لم يتم تطوير كم ونوع الوحدات الإنتاجيـة وهـذا توجه اقتصادي منطقي ومثمر حيث تم المزاوجة بين المدخل التجاري والمدخل الإنتاجي وذلك من أجـل إقامة صيغة للتخصص الإنتاجي لدول الإتحاد(1).
يمكن قراءة هذا التوجه في التكامل من خلال آليتي السوق والإنتاج من زاوية أن دول المنطقـة تختلف من حيث تركيبة اقتصادياتها، فالجزائر وليبيا تتشابهان إلى حد بعيد في التخصـص فـي مجـال الطاقة والنفط، أما موريتانيا فتتوفر على ثروة معدنية وحيوانية هامة وتوجـه تـونس والمغـرب فـي الصناعات الزراعية (الأسمدة)، وكذلك الإنتاج الفلاحي الموجه للإستهلاك الغذائي (الفواكـه، الزي تـون، الزيوت) فهما تتخصصان أكثر في هذا المنتوج. ولأجل ذلك فقد تم الأخـذ بعـينالإعتبـار المصـالح المختلفة للدول المغاربية، من خلال محاولة تحقيق اكتفائها الذاتي بإعتمادها علـى إمكاناتهـاالجهويـة وتجنب الإغراق السلعي القادم من دول السوق الأوروبية المشتركة والتي تشـت رك معهـا فـي طبيعـة الإنتاج.
إذن فالتكامل المغاربي دائما ومن خلال معاهدة إنشائه يقوم على وجود مصالح مختلفـة ولكـن غير متناقضة لأطراف التكامل خاصة إذا تعلق الأمر بالإستقرار الإقتصادي لدوله، فالإختلاف كما يقول ” آرنست هاس ” هو الذي يولد الرغبة في البحث عن الحلول والتكامل بـدل التنـافس علـى المسـتوى الخارجي.
ولبلورة وتطوير العلاقات الإقتصادية بين دول الإتحاد تم التوصل إلى عقد اتفاقيات تندرج فـيهذا الإطار منها على سبيل المثال :
– اتفاقية خاصـة بتبادل المنتجات الفلاحية بين دول الإتحاد وقعـت بـالجزائر فــي 23/07/1990موهدفها :
كذلك ما يلاحظ على مضامين بعض بنود هذه المعاهدة دائما في جانبها الإقتصادي هو التخلـي عن الفكرة التي سادت قبل ذلك والمتمثلة في الإختيار بين المقاربات القطاعية أو الشاملة، فـي سياسـات التعاون والتقارب والتنسيق الإقتصادي، فالمعاهدة لا ترى مانعا من اللجوء إلى الأسـلوب القطـاع ي ولا ترى فيه عائقا للعمل الإتحادي الشامل بل يمكن أن يشكل أداة فعالة في توفير الشروط المناسبة لتحقيـق تعاون اقتصادي شامل.
يبدو أن التحول في منهجية التعامل مع إشكالية التكامل الإقتصادي بين الدول المغاربية يعود إلى التجربة السابقة في هذا المجال والتي أثبتت عدم صحة الإعتقاد بتضارب أو تناقض الأسلوبين بالإضـافة إلى العدد الكبير للإتفاقيات الثنائية والمشاريع المشتركة التي قطع البعض منها أشواطا بعيـدة . وأصـبح حقيقة ملموسة في الواقع الإقتصادي للدول المعنية، وذلك قبل تاريخ عقـد هـذه المعاهـدة أي أن هـذه المشاريع والإتفاقيات أصبح من الصعب تجاوزها أو تجاهلها، حيث بلغ عدد الأهم مـن خـلال الفتـرة 1983م- 1988م حوالي 49 معاهدة شملت مجالات وميادين مختلفة (تجارة، صناعة، بنوك، صحة، نقل مجالات عسكرية، سياسية و دبلوماسية….الخ)(2).
تضمنت كذلك المعاهدة من خلال نص المادة السادسة عشرة فكرة الإقليميـة الجديـدة فهـي لا تعارض أن يكون هناك تعاون بين دول الإتحاد ودولا أخرى خارج الإتحـاد فـالمهم أن تكـون هنـاك مصالح اقتصادية لا تتناقض مع أحكام هذه المعاهدة، وقد جاء نص هـذه المـادة كمـايلي >> للـدول الأعضاء حرية إبرام أي اتفاقات فيما بينها أو مع دول أو مجموعات أخرى ما لم تتناقض مع أحكام هذه المعاهدة <<(3).
دائما ومن خلال مواد المعاهدة نستشف مسألة أن الإتحاد لا يعارض التوسع الجغرافي الأفقـيسواء كانت الدول التي تريد الإنضمام عربية أو افريقية المهم موافقة الدول الأعضاء وفي هـذا المجـالنصت المادة السابعة عشرة على أنه >> للدول الأخرى المنتمية إلى الأمة العربية أو المجموعة الإفريقيةأن تنظم إلى هذه المعاهدة إذا قبلت الدول الأعضاء ذلك 1).
إضافة إلى كل ما سبق فإن معاهدة إنشاء اتحاد المغرب العربـي تتميـز بالمرونـة كونهـا لا تعارض التعديل لأحكامها بناءا على اقتراح إحدى الدول الأعضاء وأوضحت ذلك وفقـا لـنص المـادة الثامنة عشرة والتي جاء فيها >> يتم تعديل هذه المعاهدة بناءا على اقتراح من إحدى الدول الأعضـاء، ويصبح هذا التعديل نافذ المفعول بعد المصادقة عليه من طرف كافة الدول الأعضاء <<(2).
ونافلة القول أن الشيء المميز لهذه المعاهدة خاصة في شقها الإقتصـادي هـو طـابع الحـذر والتعميم والتدرج في بناء هذا المجتمع السياسي الإقتصادي المغاربي.
لكن ما يعاب على هذه المعاهدة أنها لم تحدد القطاع الحيوي للدول المغاربية والذي يفتـرض أن يكون القاطرة التي تحرك التكامل من مستوياته الدنيا إلى المستويات العليا مثلما هو الحال بالنسبة للـدول الأوروبية التي كان قطاع الحديد والصلب يمثل القطاع الحيوي لدول المجموعة عنـد إنشـائها، وإنمـا تكلمت عن قطاعات اقتصادية، صناعية، تجارية، زراعية، تقنية، فنية، إنسانية، بصفة عامة، ولم تضـع أي بند يوضح هذه المسألة.
ثالثا : الهيكل التنظيمي للإتحاد المغاربي
إن اتحاد المغرب العربي كتنظيم إقليمي لا يختلف كثيرا من حيث الشكل التنظيمي العـام عـن المنظمات الدولية، إذ أن الإتحاد المغاربي يقوم من الناحية الهيكليـة علـى مجموعـة مـن الأجهـزة والمؤسسات والتي نصت عليها معاهدة إنشاء الإتحاد المغاربي وعليه سيتم مـن خـلال هـذا العنصـر التطرق لأجهزة اتحاد المغرب العربي.
1– مجلس الرئاسة
هو أعلى هيئة في الإتحاد ويتألف مجلس الرئاسة من رؤساء الدول الأعضـاء، تكـون رئاسـة المجلس لمدة سنة واحدة بالتناوب بين رؤساء الدول الأعضاء وذلك بحسب الترتيـب الأبجـدي لأسـماء الدول الأعضاء في الإتحاد المغاربي، ويعقد مجلس الرئاسة دوراته العادية مرة كل سنة ولـه أن يعقـد دورات استثنائية كلما دعت الحاجة إلى ذلك، وتتخذ قراراته بالإجماع ويملك وحده سلطة اتخـاذ القـرار كما ترأس دولة الرئاسة كل هيئات الإتحاد(3).
وحسب النصوص الواردة في المعاهدة التأسيسية لإتحاد المغرب العربي يتولى مجلس الرئاسـةالعديد من الإختصاصات التي جعلت منه الجهاز الأعلى وهي :
2– مجلس وزراء الخارجية
يعتبر مجلس وزراء الخارجية لإتحاد المغرب العربي بمثابة الفرع التنفيذي، ويأتي مـن حيـث الأهمية في المرتبة الثانية بعد مجلس الرئاسة ذلك أنه يقوم بمباشرة النشاط الفعلي للإتحاد فـي الفتـرات التي تقع ما بين انعقاد دورات مجلس الرئاسة عن طريق اجتماعاته المتكررة(2)، التي تنعقد كل شـهرين في بلد رئاسة الإتحاد طبقا لنظامه الداخلي، وعمليا لا يعقد أكثر من ثلاث دورات في السنة(3).
ويتكون مجلس وزراء الخارجية من وزراء الخارجية للدول المغاربية وأمين اللجنـة الشـعبية الذي يمثل الجماهيرية الليبية مكلف بالشؤون الخارجية يعادل وزيـر الخارجيـة فـي الـدول الأخـرى المغاربية(4).
يقوم مجلس وزراء الخارجية بمجموعة من الوظائف نذكر منها :
وواضح أن الهدف من وراء هذه الإختصاصات هو إحكام حلقات التعاون والتنسيق بين الـدول الأعضاء في مختلف المجالات، وهذه الإختصاصات تجعله قادرا علـى التحـرك المباشـر والفـوري لمواجهة المشكلات العاجلة التي يواجهها الإتحاد(1).
3– الأمانة العامة
الأمانة العامة لإتحاد المغرب العربي هي الجهاز الإداري والفني للإتحاد، حيث تتـولى المهـام المحددة لها في نظامها الأساسي والمهام التي يحيلها إليها مجلس الرئاسة وكذا المهام التي ترفع إليها فـي إطار الإتفاقيات الجماعية المبرمة بين الدول الأعضاء في الإتحاد كل ذلك بهدف تيسـير قيـامالإتحـاد بمهامه ووظائفه وتحقيق أهدافه التي أنشئ لأجلها. وتتكون الأمانة العامة من مجموعة موظفين يعملـون بها في إطار القانون الدولي لا كممثلين من الدول الأعضاء، وهؤلاء الموظفون هم : الأمين العام وعـدد كاف من الموظفين، يعين الأمين من قبل مجلس الرئاسة لمدة ثلاثة سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة(2).
وتتمثل أبرز مهام الأمانة فيمايلي :
4– مجلس الشورى
نصت معاهدة إنشاء اتحاد المغرب العربي على أن يكون للإتحاد مجلس شورى، وقد أعلن عـنميلاد المجلس بالجزائر يوم 10 جوان 1989 م، حيث عقد أول اجتماع له بمناسـبة الـذكرى الأولـى لإعلان زرالدة(2).
ويعتبر مجلس الشورى الجهاز التشريعي في الإتحاد(3)، ويتكون المجلس من عشرة أعضاء من كل دولة تم رفعهم إلى عشرين ثم إلى ثلاثين عضوا، يتم اختيارهم من الهيئات النيابية للدول الأعضـاء، أو وفقا للنظم الداخلية لكل دولة. ويتخذ مجلس الشورى المغاربي الجزائر مقرا دائما لـه وهـذا طبقـا لإتفاقية المقر الموقعة بين الحكومة الجزائرية وأمانة المجلس في 09 جوان سنة 1994م.
ويتولى مجلس الشورى القيام بعدة مهام ووظائف منها :
5– الهيئة القضائية
تتألف من قاضيين اثنين عن كل دولة تعينهما الدولة المعنية لمدة ست سنوات وتجدد بالنصـف كل ثلاث سنوات وتنتخب الهيئة القضائية رئيسا لها من بين أعضائها لمدة سنة واحدة، وتخـتص الهيئـة بالنظر في النزاعات المتعلقة بتفسير وتطبيق المعاهدة والإتفاقيات المبرمة في إطار الإتحاد والتي يحيلهـا إليها مجلس الرئاسة أو إحدى الدول الأطراف في النزاع أو وفقا لما يحدده النظـام الأساسـي للهيئـة، وتكون أحكام الهيئة ملزمة ونهائية كما تقوم بتقديم الآراء الإستشارية في المسائل القانونية التي يعرضـها عليها مجلس الرئاسة، هذا وتعد الهيئة القضائية نظامها الأساسي وتعرضه على مجلس الرئاسة للمصادقة عليه، ويكون النظام الأساسي جزءا لا يتجزأ من المعاهدة.
يلاحظ إذن أنها الهيئة الوحيدة من بين الهيئات التابعة لمجلس الرئاسة التي تملك سلطة إصـدارأحكام ملزمة ونهائية بالنسبة للمنازعات التي تعرض أمامها من طرف مجلس الرئاسة(1).
6– لجنة المتابعة
تعتبر لجنة المتابعة لإتحاد المغرب العربي بمثابة هيئة مختصة بالتنفيـذ، تتـألف اللجنـة مـن الأعضاء الحكوميين الذين تعينهم الدول الأعضاء واحد عن كل دولة لمتابعة قضايا الإتحاد وهي ترفـع حصيلة أعمالها إلى مجلس وزراء الخارجية وبعبارة أخرى تتكون اللجنة من كتـاب الدولـة للشـؤون المغاربية.
تتولى هذه اللجنة متابعة القرارات المتخذة من طرف مجلس رئاسة الإتحاد التـي تهـدف إلـى تطوير التعاون والتنسيق بين الأعضاء في مختلف المجالات.
وكل هذه الإختصاصات تهدف إلى إحكام حلقات التكامل فـي مختــلف المجـالات بـين الـوزارات والأجهزة(2).
7– اللجان الوزارية المتخصصة
تم تأسيس اللجان الوزارية المتخصصة من قبل مجلس الرئاسة حيث أحدث هذا المجلس أربـع لجان وزارية متخصصة وهي : لجنة الأمن الغذائي، لجنة الإقتصاد والمالية، لجنة البنية الأساسية، لجنـة الموارد البشرية، وتتكون هذه اللجان من الوزارات والأمانات الشعبية المعينة حسـب القطاعـات التـي تدخل في مهامها وتتفرع عنها مجالس وزارية قطاعية وفرق عمل كلا في مجال اختصاصـها وعليهـا الإسترشاد بذوي الخبرة والكفاءات المغاربية.
وعمل هذه اللجان يتجلى من خلال مشاركتهم في المشاريع المحالة من طـرفهم إلـى مجلـسوزراء الخارجية، ومن خلال تقارير التعاون المتبادل بين الوزراء للدول الخمس وعلاقاتهم مع الممثلـينالوطنيين عند تلقيهم الإقتراحات ووجهات النظر على اعتبارهم المعنيين الأوائل بمسألة التكامل المغاربيالأمر الذي يوفر أفضل الظروف لتطبيق القرارات الصادرة في إطار الإتحاد المغاربي.
ويرجع تحديد اختصاصات اللجان الوزارية المتخصصة إلى أحكام الوثيقة المنشئة لها، وتختلف هذه الإختصاصات من لجنة لأخرى وفقا لطبيعة اللجنة(1). ونشير فيمايلي إلى أهم اختصاصات اللجـانالوزارية الأربع :
تتولى هذه اللجنة وضع الخطوط الرئيسة برسم السياسات الخاصـة بالإسـتراتيجية الزراعيـة والمائية لدول الإتحاد، فهي تهتم بالفلاحة والبحث الفلاحي والثـروة الحيوانيـة والنشـاطات البيطريـة والصناعات الفلاحية والغذائية، واستصلاح الأراضي، والغابات والثروة المائية. وتعمـل علـى تنسـيق سياسة التوريد للمحاصيل الزراعية والإستغلال الأمثل ومكافحة ظاهرة الإنجراف والتصـحر والجـراد الذي يهدد الدول المغاربية([25]).
تتكلف هذه اللجنة بإبراز مجالات العمل المشترك فيما يتعلق بالتخطيط الإقتصادي والإجتمـاعي والتنسيق بينهما من أجل تحقيق التجانس بين الخطط الإقتصادية الوطنية لأجل الوصـول إلـى التكامـل الإقتصادي.
تتولى الأمور المتعلقة بالإسكان والتعاون في مجال النقل البحري والبري والإتصالات المختلفـة والعمل على تكوين شركة مغاربية للخطوط الجوية.
فضلا عن ذلك تعمل هذه اللجنة على وضع الإطار الملائم للتكامل في ميدان البريد والمواصلات وتقـوم بوضع سبل ووسائل التنسيق في مجال التجهيز والري والأشغال العمومية بين الدول الأعضاء وفي كـل ما من شأنه تطوير البنية الأساسية المغاربية وتوفير العناصر اللازمة لتكاملها([26]).
تهتم هذه اللجنة بوضع إستراتيجية تربوية في دول المغـرب العربـي تكـون مسـتوحاة مـن إستراتيجية تطوير التربية العربية وتسعى إلى توحيد البرامج الدراسية، وتنسيق سياسات وبرامج البحـث العلمي بهدف التكامل والتنسيق بين الأجهزة المعنية بشؤون الشباب والرياضة لأجل الوصول إلى تكوين اتحادات مغاربية ومخيمات مغاربية للشباب.
كما تسعى إلى توحيد التشريعات في ميدان العمل وممارسة مختلف الحرف والمهـن والقـوانين الخاصة بالشركات وتعمل على توحيد الأنظمة التشريعية الخاصة بالشؤون الإجتماعية.
وفي الميدان القضائي فإنها تعمل على توحيد مصادر التشريع والقضاء وتوحيد التشريعات فـي دول الإتحاد بوضع نظام قضائي موحد تتماثل فيه درجات التقاضي ودعم التعاون بين دول الإتحاد فـي المجالين القضائي والقانوني.
إلى جانب ذلك فإنها تتولى وضع الأسس الكفيلة التي من شأنها أن تعمل على تحقيق التنقل بـين مختلف الأقطار المغاربية للأشخاص وأفراد عائلاتهم دون الخضوع لقيود.
وأخيرا تعمل على تنسيق سياسة دول الإتحاد لرعاية جالياتها من المغتربين خاصة في أوروبـا قصد المحافظة على أصالتها العربية الإسلامية([27]).
مما تقدم وفي قراءة لأداء أجهزة اتحاد المغرب العربي وخاصة اللجان الوزاريـة المتخصصـةيتضح أن القادة المغاربة الذين يمثلون النخبة السياسية لمجتمعاتهم أرادوا من خلال هذه الأجهـزة بعـثتكامل إقليمي بإختيار المقاربة الوظيفية الجديدة والمنهج الوظيفي كنهج لتحقيق التكامل.
ونستشف هذا التوجه بوضوح مع تخصصات اللجان الوزارية المتخصصة والتي يظهـر معهـا البعـد الوظيفي المتدرج بإهتمامها بالمسائل التقنية الفنية والإقتصادية لدول الإتحاد والتي تمثل الميادين الأساسية لإنطلاق العملية التكاملية والوصول بها إلى أقصى درجاتها من منطقة التجـارة الحـرة إلـى انـدما ج اقتصادي كلي على المدى البعيد.
لكن التساؤل الذي يطرح نفسه بقوة هو : هل هذا النجاح علـى مسـتوى التأسـيس القـانوني والمؤسساتي رافقه نجاح على المستوى الواقعي لأجل تجسيد التكامل المغاربي وبناء المغـرب العربـي الكبير؟
المبحث الثالث : إنجازات تجربة التكامل المغاربي
تمتد الجذور التاريخية لفكرة التكامل المغاربي إلى فترة النضال المشترك ضد الإستعمار، وقـد تأسست الفكرة في أوائل القرن العشرين وتطورت عقدا بعد عقد كما تعددت مراكز الـدعوة إليهـا مـن اسطنبول في أوائل القرن العشرين إلى باريس في العشرينات ثم انتقلت الفكرة ذاتها إلى أقطـار شـمال إفريقيا في الثلاثينات، حيث أصبحت أحد الواجهات الرئيسية في عمل الحركات الوطنيـة فـي المغـرب تونس والجزائر، ووضعت في برامج الجمعيات الثقافية و أصبحت في الخمسـينات الإطـار المرجعـي لحركة التحرر الوطني في المنطقة بيد أن الميلاد الرسمي للفكرة يرجع إلى مؤتمر طنجـة فـي أفريـل 1958 الذي ضم الأحزاب الرئيسية الثلاثة في المنطقة وهي الحزب الدستوري الجديد في تونس، جبهـة التحرير الوطني في الجزائر، وحزب الإستقلال في المغرب.
ورغم أن فكرة التكامل المغاربي هي أقدم فكرة لتجمع إقليمي عربي إلا أنها عرفت حركة مـد وجزر، حيث تميزت بظهور تجربتين بارزتين بعد الإستقلال في محاولة منها لإرساء تكامـل مغربـي، تجربة اللجنة الإستشارية الدائمة التي ظهرت سنة 1964م لتتوقف أعمالها سنة 1975م وتجربـة اتحـاد المغرب العربي سنة 1989م والذي مازال قائما ليومنا هذا ولكن السؤال الـذي يطـر ح : هـل كانـت انجازات هذه التجارب أو مسار التكامل في مستوى نضال وطموح الشعوب المغاربية ؟ وهـل سـاهمت هذه النتائج والإنجازات في تدعيم الهوية الإجتماعية لهذا التكتل الإقليمي حسب طرح الأسـتاذ ” اميتـاي ايتزيوني ” ؟.
إن السمة المميزة لمسار التكامل المغاربي على الصعيد العملي هي ضآلة النتائج المحققة والتـي تصل إلى حد الركود في بعض القطاعات، وذلك ناتج عن عدم تطبيق أغلب اتفاقيات التكامـلوغيـاب الجدية وتدهور العلاقات بين الدول المغاربية والتي ألقت بظلالها على مستوى العمل التكاملي لذلك جـاء مردود هذا المسار انعكاسا أمينا لهذا الواقع المضطرب أما عن القليل الذي تم انجازه سيتم التطرق إليـه بالتركيز على مجال الصناعة، المناجم والمحروقات، المبادلات التجارية والزراعـة وبعـض المشـاريع المتفرقة خاصة بالنقل.
المطلب الأول : في مجال الصناعة والمحروقات
الملاحظ على الصناعة في دول المغرب العربي أنها تنافسية أكثر منها متكاملة فغياب التنسـيق في المجال الصناعي ولد تشابها في النسيج الصناعي لدول التكامل مما جعلها تتنافس بدل أن تتبادل فـي إطار تكاملي.
و أسفر التقارب الثنائي بين تونس والجزائر عن إنشاء مصنع الإسمنت سوتاسـيت ” Sotacib ” حيث شكلت في ديسمبر 1983م شركة تونسية-جزائرية مشتركة لصنع الإسمنت الأبيض حيث يوفر هذا المصنع لتونس حاجاتها الكاملة من الإسمنت الأبيض والتي تمثل ما قيمته 105.000 طـن عنـد أفـق 1990م ويوفر للجزائر نفس المقدار مما يسمح لها من تخفيض نسبة وارداتها من هذا المنتوج.
وكان المصنع يتطلب في البدء المواد الأولية (المواد الجيرية الكلسية والرمل) والمـاء والطاقـة وطرق الإخلاء، وقد أقيم المصنع في بلدة فريانة على بعد 25 كلم من الحدود الجزائرية وفريانـة هـي على البعد نفسه بالنسبة للمدينتين تبسة في الجزائر وقفصة في تونس، كما أن فريانة موجودة على خـط سكة الحديد ردايف- سوسة، وتتصل في الشمال بفرع لخط سكة الحديد القصرين- تبسة مـع اسـتمرار على الشبكة الجزائرية وفي الشمال لها اتصال بمناجم ردايف والمتلوي وقفصة وصـفاقس ومـن حيـث الطرق فإن فريانة مربوطة مباشرة بمدينة تبسة الجزائرية من جهة، ومن جهة أخرى بقابس عن طريـق قفصة وبالنسبة إلى التموين بالطاقة فان خط أنابيب الغاز الجزائر- صخيرة يمر على أقل مـن 20 كلـم شمال فريانة.
إن مشروع سوتاسيب بتأثيراته كان يمكن إذا سار كل شيء على ما يرام أن يكون نـواة قطـب للتنمية، إذ أنه يوفر نحو 320 منصب عمل بمعنى تحقيق العمالة وهذه العمالة ستمثل تقريبا كتلة أجـور سنوية بقيمة مليار سنتيم فرنسي وحتى مع الإفتراض بأن قسما كبيرا من الكتلة النقدية لـن يظـل فـي المنطقة فيمكن الإفتراض أن التجارة والخدمات والبناء والنقليات ستنال على المستوى المحلي قسما كبيرا منها إضافة إلى التأثيرات الملازمة للإستثمار الأصلي الذي يبلغ 675 مليون فرنـك فرنسـي ويتضـمن كلفة الدراسات التقنية وثمن المنشآت التقنية…. الخ، لكن نسبة مئوية لا يستهان بها من هذا المبلغ تـذهب إلى أعمال الهندسة المدنية والإعداد والتنظيم البنيوي حوالي 30 % .
إن مصنع سوتاسيب يقدم أيضا أفضليات أخرى أولا أنه ذو قيمة من حيث تأثيره كنموذج وقدوة فهو يقدم رسما بيانيا مضبوطا للتعاون الصناعي بين دول المغرب مترجما إلى الواقع وهكذا سيكون مـن الصعب على معارض المسعى الوحدوي أن يحطوا مسبقا من قدر تكرار عمليات مماثلة علـى الحـدودالتونسية-الليبية وعلى الحدود الجزائرية-المغربية وعلى الحدود المغربية-الموريتانية.
وهناك أفضلية أخرى مهمة وهي ثقافية فمثل هذه المنجزات في عمق البلاد ستسـاعد المغاربـة في تغيير ذهنيتهم والواقع أن المغرب هو في كثير من الأذهان أولا شريط ساحلي ينطلق من أغادير إلى بنغازي وخارجه لا يحدث شيء يستحق الذكر، إن سوتاسيب يقدم البرهان بأن شيئا يحدث خـارج هـذا الشريط(1).
وفي الجانب الصناعي دائما اهتمت الدول المغاربية من خلال تجربة اللجنة الإستشارية بمسـ ألة المواصفات الصناعية والتي يتعين توحيد مقاييسها بين المؤسسات المغاربية بخاصة فـي مجـال السـلع الصناعية، وأنشأت لهذا الغرض لجنة مختصة قامت بالدراسات الفنية المعمقـة وقابلـت بـين الأنظ مـة السائدة في باب المواصفات الأوروبية والأمريكية وما هو مسـتعمل منهـا أو مهمـل فـي المؤسسـات المغاربية، واتخذت سلسلة من القرارات لتوحيد المواصفات المغاربية دخلت بعضها حيز التنفيـذ وكـان ينبغي أن يتواصل البحث التفصيلي لكل واحد من قطاعات الإنتاج(2).
وبالنسبة للتكامل في المجال الطاقوي قامت اللجنة المختصة المؤلفة مـن الرؤسـاء المـديرين العامين للشركات الوطنية للكهرباء بوضع برنامج للترابط بين الشبكات الوطنية يسمح بتواصل الإرسـال الكهربائي عبر الحدود وبتدارك انحطاط الضغط في واحدة من هاته الشبكات من خلال التوظيف الأمثـل للطاقة المتوافرة والتعديل بين الإنتاج والإستهلاك على كامل الخطوط الكهربائية المغاربية بما يحسن من جدوى القطاع بأسره ويقلل من الإختلالات الفنية الناتجة عن تدهور الضغط في واحدة من الشـبكات أو الجهات القطرية وارتفاع الطلب في شبكة مجاورة وهو عمل توصلت به اللجنة الإستشارية إلـى تحقيـق السوق المغاربية المشتركة في ميدان الطاقة الكهربائية برفع الحواجز القطرية في وجه استخدامها بحسب الحاجة الإستخدام الأمثل(3).
أما على صعيد المناجم والمحروقات لم يشهد هذا القطاع طيلة ثلاثين سـنة مـن 1964م إلـى 1995م أي انجاز في إطار التكامل المغاربي ولم يكن هناك سوى اتفاقيات ثنائية الأطراف مثل :
ويمكن من خلال المعطيات السالفة الذكر أن نلاحظ أن جل محاولات التكامل في قطاع الطاقـة والمناجم كانت في شكل اتفاقيات ثنائية، ومع ذلك فقد أدت إلى نوع من التقارب الشامل في عـام 1989م بإنشاء لجنة مغاربية للصناعة البترولية بهدف خلق انسجام في السياسة العامة للإتحاد في هـذا القطـاع غير أن أحداث الجزائر عام 1992م عطلت كل المشاريع ليس فقط في مجال الطاقة ولكن في التكامـ ـل و الوحدة المغربية ككل(1).
المطلب الثاني : في مجال المبادلات التجارية
المبادلات التجارية بين دول الإتحاد المغاربي محتشمة جدا لا تتجاوز حدود 3 % إلـى 7 % ، في حين نجد مبادلاتها مع دول الإتحاد الأوروبي تصل إلى 80 % ، وإذا ما قارناها بالمبادلات البينيـة بين دول الإتحاد الأوروبي، والتي تصل إلى 50 % من حجم تجارتها الخارجية نلمس مدى ضآلة حجـم التبادل التجاري البيني في الإتحاد المغاربي وهذا ما يوضحه الجدول رقم واحد.
الجدول رقم 01 : التجارة البينية لدول المغرب العربي لعام 1992م
الوحدة : مليون دولار
% الصادراتإلى UMA | الصادرات الإجمالية | مجموع الصادراتإلى UMA | موريتانيا | المغرب | ليبيا | الجزائر | تونس | البلد |
% 10,09 | 4182 | 422,1 | 0,2 | 45,8 | 278 | 98 | / | تونس |
% 1,60 | 10909 | 175 | 18 | 32 | 36 | / | 89 | الجزائر |
% 1,00 | 9740 | 98 | / | 36 | / | 15 | 47 | ليبيا |
% 4,35 | 5749 | 250,1 | 2,5 | / | 126 | 53,9 | 67,6 | المغرب |
% 0,07 | 507 | 0,38 | / | 0,36 | / | 0,02 | / | موريتانيا |
% 3,04 | 31087 | 945,58 | 20,7 | 114,26 | 440 | 166,92 | 203,7 | الصادراتإلى UMA |
/ | / | / | 581 | 8440,5 | 5218,7 | 8283,1 | 679,2 | الوارداتالإجمالية |
% 3 | / | / | % 3,5 | % 1,3 | % 8,4 | % 2 | % 3 | % الوارداتمن UMA |
المصدر : خوني رابح، حساني رقية ،اتحاد المغرب العربي بين ضرورة ومعوقات التكتل الإقتصادي. فـي : التكامـل الإقتصادي العربي كآلية لتحسين وتفعيل الشراكة العربية الأوروبية. [ د.م.ن ] : دار الهدى ،2005، ص 419.
نلاحظ من خلال قراءة للأرقام التي في الجدول أن المبادلات التجارية بين دول اتحاد المغـربالعربي متواضعة لا تتجاوز 3 %من التجارة الخارجية للدول المغاربية، كما أن الجـزء الكبيـر مـن التجارة يتضمن المواد الغذائية (المنتجات الحيوانية، زيت الزيتون، الحبوب الجافة والخضـر ) والمـوادالأولية (المنتجات النفطية والفوسفات)، بعض المواد الصناعية (نسيج، أجهزة وآلات ميكانيكيـة، أسـمدة فوسفاتية، الأجهزة الإلكترونية وبعض أدوات التجهيز).
إن ضعف مستوى المبادلات التجارية بين الدول المغاربية وهيكلتها قليلة التنوع هي مؤشـرات على مستوى النتائج المحصلة ونوعيتها في مجال التكامل الجهوي في الميـدان التجـاري وتبـين قلـة الإنسجام الجهوي.
المطلب الثالث : في مجال الزراعة والنقل
محاولات التكامل في هذا المجال كانت هزيلة جدا ولم تعنى إلا بثلاثة محاصـيل هـي الحلفـاء الحمضيات والتبغ، وذلك عن طريق إنشاء لجان للتنسيق في هذا المجال، غير أن حصيلة عملهـا كانـت هزيلة، ثم جمدت بعد ذلك بفعل الأحداث والمشاكل والصراعات التي مرت بها دول المغـرب العربـي، وتتمثل هذه الهيئات في :
هذا بالنسبة للقطاع الزراعي أما ما تعلق بقطاع النقل فالإنجـاز المغـاربي لا يتعـدى بعـض المشاريع المعطلة ولعل أبرزها مشروع القطار المغاربي تونس- الدار البيضاء.
فبعد مشاورات بين وزارات النقل وبين الشركات الوطنية لسكة الحديد تقرر إنشاء خط مغـاربي للقطار السريع بين تونس والدار البيضاء، ووقع الشروع في التنفيذ وبدأت السفرة الأولـى عـام 1974م بين تونس والجزائر للقطار المغاربي السريع وتواصلت الإعدادات لإتمام الخط بـين الجزائـر والـدار البيضاء ثم توقف المشروع عام 1975م(2)، والسبب هو الخلاف المغربـي الجزائـري حـول مسـ ألة الصحراء الغربية.
كذلك من المشاريع التي تم انجازها بين الدول المغاربيـة مشـروع الشـحن البحـري ونقـل المنتوجات والسلع المغاربية أولا ثم الأجنبية بين الموانئ المغاربية وبينها وبين الموانئ الخارجية، وقـد بدأ تنفيذ المشروع وحصل الإتفاق على إنشاء شركة مغاربية للملاحة ووقـع اقتنـاء بـاخرة للتمـرين والتكوين، واستمر استغلالها مدة زمنية ومن الميسور استئناف المشروع وإعادة النظر فـي الدراسـات الفنية تبعا لما حصل من تغيرات كمية ونوعية في المبادلات التجارية وللتطورات المشهودة على الساحة الدولية في ميدان الشحن([29]). ولكن الواقع أو العلاقات المغاربية أثبتت عكس ذلك ونسي المشـروع وتـم تجاوزه.
هذه أمثلة عما تم انجازه أو قطع شوط كبير في انجازه من خلال مسـيرة التكامـل المغـاربي بالإضافة إلى العديد من الدراسات الجاهزة والمتعلقة بمسألة التكامل ولكـن بقيـت فـي طـي النسـيان والإهمال ولعل أهمها
يبدو أن حصيلة نتائج مسيرة تجربة التكامل المغاربي جاءت هزيلة جدا، لا تعبر عن طموحـات الشعوب المغاربية ولا حتى عن الإمكانات الضخمة المتوفرة للمنطقة المغاربية وهذا ما يجعلنـا نتسـاءل عن الأسباب الحقيقية والتحديات التي كانت وراء تعطيل مسار التكامـل المغـاربي و إصـابته بالشـلل والجمود ؟.
خلاصة
يعد مشروع التكامل المغاربي أقدم المشاريع التكاملية في المنطقة العربية والواقعة فـي شـمال إفريقيا والتي تضم كل من ليبيا، تونس، الجزائر، المغرب و موريتانيا حيث تبلور هـذا التوجـه خـلالالفترة الإستعمارية من خلال دعوة الحركات الوطنية المغاربية إلى ضرورة توحيد النضال فـي جبهـة واحدة، وقد تجسد البعد الوحدوي للمغاربة في مؤتمر طنجة سنة 1958م، والمنعقد من طرف الأحـزاب المغاربية الثلاثة الحزب الدستوري عن تونس، حزب الإستقلال عن المغرب وحـزب جبهـة التحريـر الوطني عن الجزائر ،وحينها لم تكن الجزائر قد تحصلت على الإستقلال بعد ولكن التجربة تجسدت فعليا بعد الإستقلال من خلال إنشاء اللجنة الإستشارية الدائمة عام 1964م في محاولة من الدول المغاربية في خلق تكامل واندماج اقتصادي إقليمي وقد سايرت هذه التجربة الطروحات الوظيفيـة وموجـة الإقليم يـة القديمة، ولكن التجربة ولأسباب عديدة فشلت، لتخل المنطقة في سياسة الأحلاف والمحاور والإتفاقيـات الثنائية، واستمر الوضع على ما هو إلى نهاية الثمانينات، وبوادر نهاية الحرب البـاردة واجتمـاع عـدة ظروف داخلية وخارجية، دفعت بالدول المغاربية إلى ضرورة التفكير في إنشاء تكامـل مغـاربي وفـي حقيقة الأمر أن للظروف الخارجية الدفع الأكبر في إنشاء اتحاد المغرب العربي سنة 1989م.
ولكن انجازات التجربة التكاملية للدول المغاربية لم تكن في مستوى طموح الشعوب التي علقـت آمالا على مثل هذه التجارب الوحدوية للرقي والإنتقال بالمنطقة إلى التطور والتقدم للحاق بركب الأمـم المتطورة و لعل السبب يعود إلى مجموعة التحديات و العوائق التي صاحبت ولادة فكرة المغرب العربي منذ النصف الثاني من القرن العشرين، هذه التحديات التي لم تستطع الأطراف المغاربية عبـر مسـيرتها التخلص منها أو تجاوزها، فالتكامل المغاربي ونتائجه جاءت انعكاس أمين للأوضـاع والعلاقـات التـي حكمت دول التجربة المغاربية والتي وقفت أمام إرادة الشعوب .
[1] – أسامة المجدوب ،مرجع سابق. ص 25.
[2] – مصطفى ينون ،مستقبل الدولة القومية في إطار الوضع الدولي الجديد. في: الدولة الوطنية والتحولات الدولية الراهنة ،[د.م.ن]
: دار هومة ،2004، ص ص ،486،487.
[3] – عصام نور سرية ،دول العالم النامية وتحديات القرن الحادي والعشرين. [د.م.ن] : مؤسسة شباب الجامعة ،2002، ص 34.
[4] – محمد منذر ،مبادئ في العلاقات الدولية من النظريات إلى العولمة. بيروت : مجد المؤسسة الجامعيـة للدراسـات والنشـر
والتوزيع ،2002، ص 297.
[5] – روجي غارودي ،الولايات المتحدة الأمريكية طليعة الإنحطاط : كيف نجابه القرن الحادي والعشرين. (تر: صـياح الجهـيم، ميشيل خوري). الجزائر : المؤسسة الوطنية للإتصال والنشر والإشهار ،2004 ، ص 69.
[6] – Charles Krauthammer, << The Unipolar Moment >>.Foreign Affairs. Vol 70.n01, 1991, pp , 1-.02
[7] –المرجع نفسه. ص ص ،44، 45.
[8] – حميد الجميلي ،دراسات في التطورات الإقتصادية العالمية والإقليمية المعاصرة. طرابلس : [د.د.ن]، 1998م، ص 55.
[9] –المرجع نفسه. ص 61.
[10] – محمد عبد الباقي الهرماسي ،المجتمع والدولة في المغرب العربي. بيروت : مركز دراسات الوحدة العربية ،1987، ص 129.
[11] – Mahfoud Bennoune, << The Political Economy of Mauritania : Imperialismand Class Struggle >>,
African Political economy. N12, May-August, 1978, PP.129,50محمد عبد الباقي الهرماسي ،مرجع سابق55.. -ص – 4
[12] –محمد زاهي المغيربي ،المجتمع المدني والتحول الديمقراطي في ليبيا . القاهرة : مركز ابن خلدون للدراسات الإنمائية ،1995، ص 170.
[13] –المرجع نفسه. ص ص ،176،177.
[14] – ميلاد مفتاح الحراثي ،>> الإندماج الإقتصادي المغاربي في القرن الحادي والعشرين
1995، ص ص ،45-61.
[15] –جمال عبد الناصر مانع ،مرجع سابق. ص 42.
[16] – عبد الوهاب حميد رشيد ،التنمية العربية ومدخل المشروعات المشتركة : النظرية والتطبيقات الدولية والتجربة العربية. بيروت
: المؤسسة العربية للدراسات والنشر ،1982، ص 33.
[17] – جمال عبد الناصر مانع، مرجع سابق. ص 41.
[18] – عبد الوهاب حميد رشيد، مرجع سابق. ص 33.
[19] – معاهدة إنشاء اتحاد المغرب العربي، مراكش : 17 فبراير 1989م (انظر الملحق رقم 01)
[20] – جمال عبد الناصر مانع ،مرجع سابق. ص 92.
[21] – المادة 03 من معاهدة إنشاء اتحاد المغرب العربي.(انظر ملحق رقم 1).
[22] – جمال عبد الناصر مانع ،مرجع سابق. ص 93.
[23] – جمال عبد الناصر مانع ،مرجع سابق. ص ص ،94،95.
[24] – جمال عبد الناصر مانع ،مرجع سابق. ص ص ،95،.96
[25] –المرجع نفسه. ص 222.
[26] –المرجع نفسه. ص 224.
[27] –المرجع نفسه. ص ص ،224،225.
[28] – عبد الحميد إبراهيمي ،المغرب العربي في مفترق الطرق في ظل التحولات العالمية. بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية ،
1996، ص 359.
[29] –المرجع نفسه. ص 121.
[30] –Rida Salah Eddine,La coopération économique entre les pays du Maghreb. Arabie Saoudite:
Banque islamique de développement, 1985, p 19.
5/5 - (1 صوت واحد)(Read more)البعد السياسي لأزمة تكامل المغرب العربي الوسوماتحاد المغرب العربي