قد لا تهم الأرقام والإحصائيات عن عدد الحراقة المتواجدين بالسجون الأوروبية. يقال إنهم 15 ألفا ونيفا. قد يكونون أقل من ذلك، أو ربما أكثر.. بقدر ما يهم مصيرهم ومستقبلهم، بعد أن فروا مما يسمونه الفقر والمزيرية والمعريفة، ويشتكون من نقص الفرص ونحسهم الدائم في الحياة.. يركبون القوارب ويعبرون البحار، وبمجرد ما تطأ أقدامهم أرض الميعاد، يتحول حلمهم إلى كابوس، وتضيق عليهم أوروبا بما رحبت، لتغدو شبرا على شبر في سجون أشبه بمقبرة أحلام، لا تميز الخبيث من الطيب.
أصبح من السهل، بشكل متزايد، على الشباب الحراڤ، الوقوع في فخ الجريمة، من أجل البقاء على قيد الحياة، بعد النجاة من قوارب الحرقة. فبمجرد وصولهم، يسجدون سجدات الشكر حمدا لله على سلامتهم. ويتناقل أصدقاؤهم فرحتهم عبر لايفات وفيديوهات مؤثرة، على مواقع التواصل الاجتماعي. ولكنهم بعد خطوات فقط من سواحل أوروبا، يصطدمون بواقع مخيف.. فلا عمل، ولا زواج أبيض من أجل الأوراق، خاصة وأنهم “حرقوا” في ظل كورونا والأزمات الاقتصادية، التي قصمت ظهر القارة العجوز.. هناك من تبتسم لهم الدنيا فيعملون ويكدون ولا يلتمسون التاويل في العمل الحرام، رغم المغريات، ولكن بعض الشباب ينحرفون، لأنهم نشؤوا على الانحراف هناك في بلد خلفوه وراءهم.
الحرام طريقه قصير
من القصص المثيرة للدهشة، قصة شاب جزائري حراق، يدعى فارس، بعد وصوله في أحد القوارب قبض عليه بعد بضعة أيام، وهو يسرق ملابس من أحد متاجر مدينة “ليل”، ليعيد بيعها في سوق وايسميز بهولندا. ولكن، لسوء طالعه تمكنت الشرطة، التي استخدمت تسجيلات كاميرات المراقبة الموضوعة في شوارع ليل، من تحديد مكانه والتعرف عليه. بعدها الإجراء بسيط، فقد حكم عليه بعشرة أشهر سجنا، وبعدها سيتم ترحيله إلى الجزائر.. إنه حلم الحرقة الذي تبدد بالحرام.
جزائري آخر، في العشرين، هجر بلده على أحد القوارب المرعبة، قطع المتوسط، آملا في غد أفضل.. ولكن مستقبله انتهى في السجن، بعد أن قبض عليه في أحد شوارع مدينة سوتا، وهو يحاول بيع مخدر الكانابيس.. قصص الشباب العالق بين مطرقة التاويل وسندان العودة إلى مسقط الرأس خالي الوفاض دون أوراق أو زوجة أجنبية، قد تعد وقد تحصى، لكن معظمها لا يسرد ولا يحكى. فهؤلاء الجزائريون قد يحكم عليهم ويسجنون لسبب أو لآخر، لا تهم الجنحة ولا يهم الجرم، فجريمتهم أنهم حراقة بلا وثائق هوية، ولا حق لهم في دفاع أو مكالمة تليفونية، فحكايتهم لا تشبه السيناريوهات التي يروج لها الغرب، الذي يدعي حقوق الإنسان.
الموت في البحر ليس آخر المصائب
شاب من شباب الجزائر الضائع، استعار قاربا عام 2017، للهجرة إلى إسبانيا، ومنها دخل إلى مدينة كان بفرنسا. ولم يقم هذا الشاب بجريمة شنيعة، أو ارتكب مخالفة فظيعة.. جرمه الوحيد، أنه بلا أوراق، وقد حكم عليه بأربعة أشهر نافذة. وفي جلسة الحكم، صرخ الشاب متوسلا: “لقد سئمت من السجن، يا سيدي، أريد العودة إلى بلدي”.
مأساة أخرى، نشرتها صحيفة فرنسية، عن اعتداء شاب جزائري على إمام، وهو في حالة متقدمة من السكر. وقد تم اعتقاله فورا من طرف الشرطة، وزج به في السجن. وقد تلقى حكما بالسجن، مدة عام، ستة أشهر منه بلا نفاذ. والأدهى، أن هذا الشاب مصاب بالصرع. وهذا هو السبب الذي جعله يخرج في قارب حراقة، ليبحث عن راحة وطمأنينة، لم يجدها في النهاية في الضفتين.
مآسي الشباب الجزائري، لا تقتصر على فرنسا، بل تنتشر في كل أوروبا. فهاهو شاب آخر، استقر في النمسا، بعد أن خرج في أحد القوارب قبل سنتين، ولكنه، بدل البحث عن الحلال، استسهل الحرام، ومارسه بكل ما تحمل الكلمة من معنى.. مخدرات، سرقة، اعتداءات.. وقائمة جرائمه طويلة، تعرفها تمام المعرفة شرطة مدينة غراز النمساوية… الشاب الآن في السجن، في انتظار محاكمته، التي تبدو عسيرة، وحكمها قاس.
شباب على كف عفريت
في إيطاليا، القصص تتشابه، والتهم مختلفة.. وبحسب آخر الإحصائيات، فإن أكثر من 450 جزائري يقبعون في السجون الإيطالية. وهذا ما يمثل 1 بالمئة من مجمل السجناء في بلاد البيتزا وبرج بيزا.. وبحسب هذه الإحصائية، فإن عدد السجناء قد تضاءل إلى النصف، بعد أن كان يقارب ألفا، قبل عشر سنوات.
في ألمانيا، العدالة لا ترحم أيضا.. فقد تم القبض مؤخرا على حراڤين جزائريين، قاما بسرقة منزل في مدينة زوفينغن. وهما الآن رهن الحبس المؤقت، في انتظار مثولهما أمام القضاء… ونفس الازدراء، قد يحمله الشباب أينما ارتحلوا وحلوا لكل رموز القانون والعدالة. ففي مدينة مونشنغلادباخ الألمانية، تم الحكم على جزائري، في الثالثة والعشرين من عمره، بالسجن ستة أشهر، بتهمة الاعتداء على شرطي.
لا ندري، هل هو حظ أم صدفة.. فما حدث لحراق جزائري في مدينة لوسيرن، غريب جدا. فقد تم اعتقاله خلال إجراء تفتيش، تحضيرا لماراطون المدينة الألمانية. وقد اتضح أنه لا يملك أوراق إقامة، فتم نقله إلى سجن المدينة. وقد حكم عليه بثلاثة أشهر سجنا، وبعدها، سيرحّل إلى الجزائر.. لم يكن ذنبه الوحيد أنه جزائري، بل هو متهم بسرقات واعتداءات أيضا، هو وعشرة جزائريين آخرين، مهنتهم الإجرام في بطاقاتهم المزورة.
في إسبانيا، يعيش أكثر من ثلاثين حراقا جزائريا في ظروف مزرية، في السجون الإسبانية. وقد نشر أحدهم فيديو عبر فايسبوك، لكشف حقيقة ما يعانونه هناك.