كان جوزيف وإريك وفرانسيس وهم ثلاثة طلاب نيجيريين، من بين عشرات الآلاف من الأشخاص الذين عبروا من أوكرانيا إلى بولندا يوم الاثنين. أكد الطلاب الثلاثة رحلتهم عبر أوكرانيا كانت أكثر صعوبة بسبب لون بشرتهم.
وفي حديث لمراسل DW في بلدة كوركزوفا الحدودية البولندية، قال جوزيف، طالب هندسة الكمبيوتر: "لقد واجهنا الكثير من التمييز .. كان علينا في الواقع أن نتوسل للناس ليأخذونا إلى الحدود حتى نتمكن من إيجاد طريقة للهروب".
لم يكن الطلاب الثلاثة وحدهم من شكا من التمييز، إذ يقول عدد من الأفارقة الذين حاولوا الفرار من أوكرانيا بعد غزو روسيا يوم الخميس الماضي، إنهم واجهوا مشاكل في التنقل بين الحافلات أو القطارات إلى حدود أوكرانيا لأنهم كانوا من السود.
وعلى مواقع التواصل الاجتماعي نشر عدد من الأشخاص من جنسيات غير أوروبية ما قالوا إنها مواقف تعرضوا لها تفيد بترفض بولندا الأشخاص ذوي البشرة السوداء من الأفارقة وحتى بعض العرب الفارين من أوكرانيا. لكن الحكومة في وارسو نفت تلك الأنباء ووصفتها بأنها "أنباء مزيفة".
"تصنيف عنصري"
ويقول آخرون إنه بمجرد وصولهم إلى المعابر الحدودية ، يعطي حرس الحدود الأوكراني الأولوية للأوكرانيين ويرسلون الآخرين (غالبيتهم من دول أفريقية)، إلى الجزء الخلفي من قائمة الانتظار، والتي يمتد بعضها لمسافة كيلومترات. كانت هذه هي تجربة كواديو سيميون من ساحل العاج.
قال سيميون، وهو شاب حديث التخرج كان يدرس في مدينة خاركيف الشمالية الشرقية التي تعرضت للقصف الشديد، إنه وأصدقاؤه قد قطعوا أكثر من 1000 كيلومتر غربًا عبر البلاد إلى مدينة لفيف الأوكرانية ومنها إلى قرية على بعد حوالي 75 كيلومترًا من مدينة لفيف على الحدود مع بولندا.
وتابع سيميون قائلاً إنهم تمكنوا من هناك من ركوب حافلة، لكنها أبعدتهم مسافة عشرة كيلومترات فقط عن البلدة.. "مشينا أكثر من 65 كيلومترا في درجات حرارة شديدة البرودة".
وعندما وصلوا، لم يسمح لهم المسؤولون الأوكرانيون بالمرور إلى المركز الحدودي البولندي. يقول سيميون: "الوضع بالقرب من الحدود البولندية صعب للغاية". وأضاف "وصلنا اليوم لكن الأجانب غير مسموح لهم بعبور الحدود مما يعني أننا سنبقى هنا في البرد".
طالبة الطب النيجيرية سارة أجيفا إيداتشابا، البالغة من العمر 19 عامًا، قالت لـ DW إنها وشقيقتها الكبرى، التي كانت تدرس الطب في أوكرانيا أيضًا، تمكنتا من الفرار من العاصمة كييف ووصلتا بأمان إلى بولندا يوم الأحد.
وتابعت إيداتشابا: "خلال الرحلة، كان الأمر على ما يرام حتى وصلنا إلى الحدود الأوكرانية. كان هناك طابور طويل، وقضينا يومًا كاملاً على الحدود"، وقالت: "كانت لدينا مخاوفنا وتوقعاتنا لأن الأشخاص الذين سبقونا أخبرونا أنه تم تصنيفهم عنصريًا ولم يُسمح لهم بالمرور".
وأضافت أنه عند النزول من الحافلة ومرورًا بجوازات السفر، سُمح لهما بمواصلة السير إلى الحدود البولندية. وعندما بدأت العملية العسكرية الروسية قالت إيداشابا لـ DWإنها وأختها الكبرى، التي كانت تدرس أيضًا في أوكرانيا، كانتا "في حالة ذعر" لأنهما لم تعرفا كيف ستتمكنان من مغادرة البلاد والعودة إلى الوطن.
تصاعدت شكاوى من عرب وأفارقة بشأن تعامل تشوبه العنصرية معهم على أساس العرق والجنسية على الحدود الأوكرانية
لا شكاوى من العنصرية
كريستينا ليسنياك-موكزوك سيدة بولندية تعمل بجامعة رزيسزو في جنوب شرق البلاد كانت في صورة أزمة الطلاب الأجانب منذ البداية. تقول: "نحن نعمل مع الجامعات في أوكرانيا. لذلك حصلت على معلومات فورية تفيد بأن الطلاب لا يمكنهم السفر إلى بلدانهم الأصلية في زمن الحرب، لذلك ذهبوا إلى أقرب حدود".
تضيف: "نحن نعلم أن هناك أميالاً من الاختناقات المرورية على الطرق المؤدية للحدود. هناك الكثير من الطلاب قدموا من بلدان بعيدة جدًا، وبالتالي تم تشكيل مجموعة كاملة، وسار بعضهم 30 كيلومترًا ليواجهوا عقبات جديدة أمام الحدود". وفي حين كان يُسمح للأوكرانيين أحيانًا بالمرور دون جوازات سفر، واجهت السلطات موقفاً أكثر صعوبة مع الأجانب.
بعض الطلاب قالوا لصحيفة Gazeta Wyborzca البولندية إنهم أُجبروا على الخروج من الطوابير وأُهينوا؛ فيما خدعهم سائقو سيارات الأجرة، وأن كل هذا استمر على ما يبدو لأيام في بعض الأحيان، ليبدأ الطلاب على الحدود في إرسال رسائلهم اليائسة إلى العالم عبر الإنترنت، لتظهر بسرعة قصص مختلفة عن رفض عبور أصحاب البشرة السمراء وغير الأوربيين للحدود وهي القصص التي رفضتها القيادة البولندية باعتبارها "أخبارًا مزيفة".
من جانبه، قال المتحدث باسم حرس الحدود البولندي بيوتر زكييلارز إنه "يُسمح لجميع الفارين من الحرب بعبور الحدود إلى بولندا. وفي حالة بعض الأجانب، يتعين على حرس الحدود التصرف بشكل منفصل وفقًا لواجباته القانونية، ولكن لا يتم ترحيل أي شخص إلى أوكرانيا."
وتؤكد ليسنياك-موكزوك أن أياً من الطلاب لم يبلغها بأن المشاكل التي تعرضوا لها كانت على خلفية عنصرية. لكنها تعتقد أن السلطات واجهت صعوبة في التعامل مع "الغرباء" - خاصة وأن الرجال الأوكرانيين غير مسموح لهم بمغادرة البلاد على الإطلاق. وبحسب تقارير صحفية، فقد كانت هناك مشاكل على الجانب الأوكراني من الحدود أكثر مما هي عليه في الجانب البولندي.
تعليقات "عنصرية" في الإعلام
تصريحات الطلاب والمواطنين الأفارقة جاءت في الوقت الذي صدرت فيه عدة تعليقات وصفت بالعنصرية من جانب مراسلين وصحفيين أوروبيين للعملية العسكرية الروسية في أوكرانيا.
ولم تمرّ مقارنات إعلاميين وسياسيين بين الشرق الأوسط الذي اعتاد على النزاعات، والحرب في أوكرانيا "المتحضّرة"، مرور الكرام عند معلّقين عرب على مواقع التواصل الاجتماعي، الذين رأوا فيها مقاربة "عنصرية".
كثرت الأمثلة على هذه التصريحات في القنوات الفرنسية والأمريكية والصحف البريطانية، ما دفع الكثير من وسائل الإعلام المعروفة إلى نشر اعتذارات علنية لتهدئة الغضب على مواقع التواصل.
ومن الأمثلة على ذلك، تعليق أدلى به الجمعة شارلي داغاتا الموفد الخاص لقناة "سي بي إس نيوز" الأمريكية إلى أوكرانيا، حيث قال في رسالة مباشرة "مع خالص احترامي، فإن هذا ليس مكاناً مثل العراق وأفغانستان اللذين عرفا عقوداً من الحروب. إنها مدينة متحضّرة نسبياً، أوروبية نسبياً (...) حيث لا ننتظر حصول أمر مماثل".
بيد أنه أعرب في اليوم التالي عن اعتذاره وندمه على كلامه. لكن الضرر كان قد حصل بالفعل.
وكتب مدير برنامج العراق في "أتلاتنيك كاونسيل" في تغريدة "ربما فوّت (شارلي داغاتا) الصف الذي تعلّم فيه زملاؤه في الثانوية أن اسم العراق الآخر هو مهد الحضارات".
ولم تسلم قناة الجزيرة الإنجليزية من هذه الهفوات أيضاً، فقد أرغمت على الاعتذار الأحد بسبب التصريحات "الخالية من الحساسية" التي أدلى بها مذيع حول اللاجئين الأوكرانيين. وعلّق ذلك المذيع "الثياب التي يلبسونها، تبين أنهم من طبقة وسطى ميسورة، هم حتماً ليسوا لاجئين فارين من مناطق تشهد حرباً في الشرق الأوسط". وأضاف "يشبهون أي عائلة أوروبية، قد تكون تقطن في حيكم".
وعلّق الصحفي فيليب كوربيه على قناة "بي أف أم تي في" الفرنسية بالقول "لا نتحدث هنا عن سوريين هاربين من قصف النظام السوري المدعوم من فلاديمير بوتين... بل عن أوروبيين، يهربون بسياراتهم التي تشبه سياراتنا ... ويحاولون النجاة بحياتهم".
وقالت القناة رداً على أسئلة فرانس برس، إن الصحفي صاغ "كلامه بطريقة متهورة، لكنه أخرج عن سياقه على مواقع التواصل الاجتماعي، ما دفع للاعتقاد خطأ أنه يدافع عن موقف معاكس للذي أراد إظهاره، وهو لذلك متأسف".
شكا عدد من الأشخاص جاءوا من دول إفريقية من معاملات تشوبها العنصرية على الحدود الأوكرانية
ولم تتوقف التصريحات المثيرة للجدل على الصحفيين والاعلاميين فحسب، إذ فجر الغزو الروسي لأوكرانيا موجة من تصريحات عنصرية أطلقها عدد من المسؤولين الأوروبيين مؤخراً منها ما جاء على لسان رئيس وزراء بلغاريا كيريل بيتكوف والذي قال إن اللاجئين الأوكرانيين "ليسوا من اللاجئين الذين اعتادت عليهم أوروبا".. إن هؤلاء "أناس أذكياء ومتعلمون وبعضهم متخصصون في تكنولوجيا المعلومات وهم مؤهلون تأهيلاً عالياً".
إنزعاج إفريقي
من جانبه، أعرب الاتحاد الأفريقي، عن انزعاجه من التقارير التي تفيد بأن المواطنين الأفارقة على الجانب الأوكراني من الحدود يُحرمون من حق عبور الحدود الدولية الآمنة.
وأكد الرئيس الحالي للاتحاد الأفريقي ورئيس جمهورية السنغال ماكي سال، ورئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي موسى فقي محمد، في بيان لهما أن لجميع الأشخاص الحق في عبور الحدود الدولية أثناء النزاع، مشددا على ضرورة أن يتمتعوا بنفس الحقوق للعبور إلى الحدود الدولية الآمنة بغض النظر عن جنسيتهم أو هويتهم العرقية.
وذكر البيان أن التقارير التي تفيد باستهداف الأفارقة بمعاملة مختلفة غير مقبولة وتمثل عنصرية بشكل صادم وتنتهك القانون الدولي، داعيا الجميع لاحترام القانون الدولي وإبداء نفس التعاطف والدعم لجميع الأشخاص الفارين من الحرب بغض النظر عن هويتهم العرقية.
يذكر أن ما يقرب من 75000 أجنبي يدرسون في أوكرانيا، ربعهم من الأفارقة غالبيتهم من المغرب ومصر ونيجيريا وغانا. وينجذب الكثيرون إلى كليات الطب والتقنية ذات السمعة الجيدة في البلاد جنبًا إلى جنب مع الرسوم الدراسية المنخفضة نسبيًا.
مرحباً "بالجميع"
من المعروف أن لأوكرانيا نظام عبور من دون تأشيرة مع دول الاتحاد الأوروبي المجاورة، ما يعني أن الأوكرانيين يمكنهم عبور الحدود دون الحاجة إلى الحصول على تأشيرة صالحة أو وثائق إضافية، وقد سهل هذا الأمر على الأوكرانيين الفارين من الغزو الروسي المغادرة.
عادة، يتعين على الأشخاص من الدول الأفريقية التقدم بطلب للحصول على تأشيرة شنغن لدخول الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي مثل بولندا ورومانيا والمجر.
أوضحت المفوضة الأوروبية للشؤون الداخلية، إيلفا جوهانسون، أن الحدود كانت مفتوحة أيضًا لأشخاص من دول ثالثة يعيشون في أوكرانيا ويريدون السفر إلى بلدانهم الأصلية، مضيفة: "يجب مساعدة هؤلاء الناس".
علاوة على ذلك ، يمكن لمن يحتاجون إلى الحماية في الاتحاد الأوروبي أيضًا التقدم بطلب للحصول على اللجوء.
من بولندا- ماكس زاندر/بون- محمود حسين