من البديهي ان تضرب الأزمة الاقتصادية بعض العادات اللبنانية وتحوّل الاولويات في العيد نحو الأساسيات فقط، والتي تبدأ بتأمين الغذاء ليلة العيد، وهذا ما يفسّر انكفاء المواطنين عن التوجّه الى الاسواق التجارية لشراء الهدايا. ومن كانت إمكاناته أكبر يتدرّج في تأمين الاولويات، الألبسة والاحذية أهم من الالعاب والعطور، والتلفون و»الايباد» أهم من «البلاي ستايشن»… وهكذا دواليك.
يسيطر سعر صرف الدولار في السوق السوداء على ما عداه من أخبار، فنحن ولو اننا بتنا على مقربة من العيد، الّا ان الجمود هو سمة الاسواق التجارية، فلا حركة بعد، والاتكال اليوم على 20% فقط من المستهلكين لتحريك الدورة الاقتصادية. فهل تكفي هذه النسبة لاستمرارية القطاع التجاري؟ ماذا في ارقام الخسائر؟ والأكلاف التشغيلية؟ وما أبرز التحدّيات؟
في هذا السياق، يؤكّد عضو المجلس الاقتصادي الاجتماعي عدنان رمال، انّ القطاع التجاري هو من أكثر القطاعات التي تضرّرت بسبب الأزمة، فنسبة المبيعات تراجعت في كل القطاعات ما بين 70 الى 80% باستثناء القطاع الغذائي الذي تراجع بحدود 40%، وكل اكلافنا ندفعها بالدولار الفريش. وقال لـ»الجمهورية»: «لا يمكن اعتبار انّ المؤسسات التجارية استفادت من تراجع الكلفة التشغيلية، لأنّ نسبتها لا تتعدّى الـ 10% وتتمثل بالرواتب والاجور والاتصالات، وأكبر دليل على عدم استفادتها هو واقع المؤسسات التي تنازع، إذ نحو 30 الى 40% من مجموع المحلات التجارية المحلية اقفلت ابوابها، عدا عن متاجر العلامات التجارية العالمية التي انسحبت من السوق، فلو كان يحقق التجار جزءاً يسيراً من الأرباح، بما يوازن بين مصاريفهم وانتاجهم ما كانوا اقفلوا».
وأكّد انّ عدداً كبيراً من المؤسسات التجارية التي لم تقفل ابوابها بعد تعمل بخسارة، وذلك للحفاظ على العلامة التجارية التي تملكها او المؤسسة والتي هي في غالبيتها عائلية، فهي تتحمّل الخسارة على امل ان تتحسن اوضاع البلد خلال العام المقبل. إذ في مقابل تراجع حجم الاعمال، ارتفعت كلفة المحروقات من 500 دولار لكل فرع او مؤسسة الى 3000 دولار فريش بعد رفع الدعم، وفي بعض الحالات تغيّرت كلفة الإيجارات وصار المالكون يطلبونها فريش ايضاً. إزاء هذا الوضع، لجأت غالبية المؤسسات التجارية الى تقليص عدد فروعها الى النصف او أكثر، والى تخفيض عدد العاملين لديها، وهذا أكبر دليل على الخسارة.
واعتبر رمال انّ «التحدّي الأساسي الذي يواجهه القطاع التجاري اليوم يتمثل بتأمين المحروقات، كلفة النقل قطع الغيار والصيانة، شراء الورق والقرطاسية والكمبيوتر والتكنولوجيا، الى جانب أكلاف أخرى مباشرة ندفعها بالفريش. ومع تراجع حجم الأعمال 80% فهذا يعني انّ الـ20% المتبقية بالكاد تكفي لتغطية كلفة الرواتب والاجور والحدّ الادنى من المصاريف التشغيلية التي تُدفع بالدولار، وجزء من الايجار».
وعن المؤسسات التي يعتبر وضعها التجاري افضل من غيرها او تمكنت من الصمود أكثر من غيرها، يقول رمال: «انّ وضع القطاعات الغذائية افضل من غيره، اما القطاعات الاخرى هي من الكماليات مثل الاحذية والالبسة والمفروشات ومعدات المنازل مثل البلاط والباركيه والدهان والسيارات والالكترونيات… تراجعت بنسبة 80%». واعتبر انّ نحو 60 الى 70% من القطاع التجاري ضُرب، والبقية لا تزال شغّالة، لكن نسبة الضرر الذي اصابها اقل، وهي تتعلق خصوصاً بالحاجات اليومية للمواطن مثل الغذاء والاستهلاك اليومي مثل المنظفات…
ورداً على سؤال، اشار رمال الى انّ «البلد يقوم اليوم على استهلاك 20% من المواطنين فقط ممن لديهم الإمكانية للصرف، وهؤلاء اما يقبضون فريش او يعملون في مهن حرة او هم مغتربون وعائلاتهم لا تزال في لبنان، ومن خلال حيازتهم للدولار، يحرّكون الدورة الاقتصادية بدلاً من كل الشعب. في المقابل كل من ينتج في لبنان، اي مدخوله بالليرة اللبنانية، هو من المتضررين حتى لو كان من الطبقة الميسورة او المتوسطة سابقاً. وهؤلاء يشكّلون 80%”.
موسم الاعياد
وعن توقعاته لموسم الاعياد، أكّد رمال انّ محركات العيد لم تنطلق بعد رغم اننا على مسافة اسبوع منه، وهي عادة كانت تبدأ منذ مطلع الشهر وتدوم 25 يوماً. وحتى لو شهدنا حركة نهاية هذا الاسبوع فستكون عبارة عن اسبوع او اقل، والملاحظ انّ المواطن بات يفضّل التوجّه اكثر للصرف على قدر امكاناته على طعام العيد كونه من البديهيات والاولويات، بدلاً من الهدايا.
ويؤكّد رمال انّ اختيار الهدية تأثر ايضاً بالاوضاع. فبعدما كان يزيد الطلب في مثل هذا الموسم على الالكترونيات (تلفزيونات، آيباد، تلفونات…) حتى الآن الحركة صفر. إذ انّ تراجع قدرة المواطن الشرائية باتت تفرض عليه التوجّه نحو الاساسيات اي السلع الغذائية بدلاً من الالعاب. وحتى من يملك القدرة الشرائية خفّض من مستوى هديته. فبعدما كان يتكلّف 200 دولار ثمن هدية في السابق اي 300 الف ليرة، خفّض قيمة الهدية الى ما بين 20 و50 دولاراً كحدّ اقصى، ويفضّلون شراء الأساسيات مثل الالبسة او الاحذية على شراء الالعاب، وفي الالكترونيات يفضّلون شراء «ايباد» او تلفزيون على شراء «بلاي ستايشن”.