بعد جائحة استمرت لعامين كاملين، أضف إلى ذلك تزايد حالات متغير «أوميكرون»، وعدم اليقين بشأن المستقبل، ثمة رغبة مفهومة في إلقاء اللوم على جهة ما بسبب حصيلة وفيات «كوفيد 19» المروعة. وفي الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأماكن أخرى، توجَّه أصابع الاتهام بصورة متزايدة إلى العاملين في دور رعاية المسنين. وكما تقول إحدى الدراسات البارزة الحديثة، «يعتبر طاقم دور التمريض مصدرًا لعدوى فيروس كورونا 2 (SARS-CoV-2) في دور رعاية المسنين».
إن تصريحات كهذه ليست فقط غير عادلة على المستوى الفردي، بل هي أيضًا طريقة خاطئة للتفكير في كيفية تجنب الوفيات في المستقبل. وسيكون من الأفضل بكثير مواجهة مسؤولياتنا الاجتماعية ذات النطاق الأوسع، والنظر في مصادر أخرى تنشر الفيروس مثل المستشفيات وزوار دور رعاية المسنين، وإنفاق المزيد من الموارد لبناء الثقة في أنظمة الصحة العامة.
ويعيش الناس في دور رعاية المسنين لأنهم لا يملكون الخيار، أو لأنهم يتعافون من الجراحة (غالبًا ما تزيد أعمار هؤلاء الأشخاص على 80 عامًا، بعد تعرضهم لحادث انزلاق أو سقوط)، أو لأن حالتهم الصحية طويلة الأمد وتتطلب مراقبة طبية مستمرة. ويحتاج المقيمون في دور رعاية المسنين إلى رعاية يومية تُقدمها الممرضات المدربات، والموظفون المهرة الآخرون. ودائمًا ما يكون هذا العمل شاقًا، وعندما تظهر جائحة يصبح خطيرًا أيضًا.
وبذل معظم العاملين في دور رعاية المسنين جهودًا كبيرة لحماية أنفسهم وأسرهم والأشخاص الذين يقومون برعايتهم. لكن تذكر أنه في بداية الوباء، لم يكن ممكنًا تزويدهم حتى بأقنعة مناسبة. كما أن دور رعاية المسنين كانت من الأولويات الثانوية فيما يتعلق بتلقي اختبارات منتظمة لـ«كوفيد 19».
وحتى بعد معالجة هذا النقص في الموارد وزيادة الأجور (من مستوياتها المنخفضة في البداية)، لا تزال العديد من دور رعاية المسنين تفتقر إلى الموظفين. وينبغي معاملة الأشخاص الذين يذهبون إلى العمل هناك معاملة الأبطال، وتزويدهم بكل أشكال الحماية، بما في ذلك المساعدة في التنقل الآمن وترتيبات المعيشة الآمنة.
إن الزائرين مهمون للغاية بالنسبة لنزلاء دور رعاية المسنين. فقد كانت متطلبات العزلة شبه الكاملة لعام 2020 مدمرة بطرق لا تعد ولا تحصى. ومع ذلك، يجب تمكين دور رعاية المسنين حتى تتمكن من فرز الزيارات وتقييدها عندما لا تكون آمنة لنزلائها المعرضين للإصابة بالعدوى. ومع ارتفاع أرقام حالات الإصابة بأوميكرون إلى أرقام جديدة، يشكل الزائرون غير الملقحين والمصابون بفيروس «كوفيد» حاليًا تهديدًا خطيرًا لدور رعاية المسنين.
وتعد المستشفيات أهم عنصر في أي نظام صحي، وقد بذلت البلدان جهودًا كبيرة- بما في ذلك القيام بعمليات الإغلاق المكلفة- للحفاظ على عملها. ولكن المستشفيات غالبًا ما تخضع لمعايير مختلفة (أقل صرامة) من تلك التي تعتمدها دور رعاية المسنين فيما يتعلق باستخدام معدات الحماية الشخصية، واختبار الموظفين، والمرضى والزوار..
ومن الواضح أننا نريد جميعًا أن يختفي الوباء، وأفضل طريقة لتحقيق ذلك هي زيادة معدل التطعيم، والتأكد من أن أخذ المعززات، عند الاقتضاء، مرتفع قدر الإمكان. وتعد المعدلات في ولاية ماساتشوستس الأمريكية مشجعة، بما في ذلك معدلات التطعيم الشامل لموظفي دور رعاية المسنين، وتسجيلها لأعلى معدل للمعززات في البلاد.
وكانت دور رعاية المسنين في «ماساتشوستس» محظوظة لإدراجها في مبادرة اختبار «كوفيد 19» التجريبية، التي قام بها معهد «برود»، في وقت مبكر من أبريل عام 2020. فقد أدى ذلك إلى فهم أكبر لانتشار الأعراض وتحسين السيطرة على العدوى في جميع أنحاء الولاية. وبحلول أبريل 2020، كانت بروتوكولات الاختبار العالمية لدور رعاية المسنين سارية بدعم مالي ولوجستيكي من وزارة الصحة العامة بالولاية.
وفي الوقت الراهن، يجب أن يخضع جميع العاملين والمتعاقدين في دار رعاية المسنين في «ماساتشوستس» لاختبار PCR «تفاعل البولميراز المتسلسل» مرة كل أسبوع، وعندما يتم الكشف عن حالة ما، يخضع جميع الموظفين والنزلاء لاختبار كل ثلاثة أيام. وتزود دور رعاية المسنين بالولاية أيضًا باختبارات سريعة للكشف عن المستضدات، بل وتشجع على استخدامها. وبالإضافة إلى التطعيم الشامل، فإن إجبارية ارتداء الكمامات تحمي الموظفين والنزلاء. وساعدت هذه الإجراءات، بقدر الإمكان، في القضاء على احتمالية نقل الموظفين للعدوى إلى نزلاء دور الرعاية.
ولكن ماذا عن أي شخص آخر في المجتمع؟ إن جميع العاملين في دور الرعاية وفي المستشفيات، وزوار نزلاء المستشفيات ودور رعاية المسنين، يصابون بالعدوى بالدرجة الأولى، من الأصدقاء والعائلة، الذين يتفاعلون معهم في الداخل، ولا سيما أثناء وجبات الطعام.
ويسهم أي شخص لم يتلقَّ التطعيم في انتشار الفيروس في المجتمع، ويزيد من احتمال وصول فيروس «كورونا» إلى الأشخاص المعرضين للإصابة بالعدوى، سواء في دور الرعاية أو في أي مكان آخر. كما أن لانتشار الفيروس تأثير اقتصادي كبير، حيث يؤدي التعرض والعدوى إلى تفاقم نقص العمالة، بما في ذلك العاملين في مجال الرعاية الصحية في جميع المناطق.
لقد أربكت المعلومات المضللة ونقص المعلومات بشأن قيمة اللقاحات وسلامتها الناس، مما عرض حياة العاملين في دور رعاية المسنين والأشخاص المستضعفين للخطر في كل مكان. إن إلقاء اللوم على أولئك الموجودين في الخطوط الأمامية للرعاية يبرز- بل ويعقِّد- الفشل الواسع النطاق لعامة الناس وصانعي السياسات، في أخذ مسؤولياتهم على محمل الجد.
* كبير الاقتصاديين السابق في صندوق النقد الدولي، وأستاذ في كلية سلون للإدارة بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، ورئيس مشارك لتحالف سياسة «كوفيد 19».
طباعةEmailفيسبوك تويتر لينكدين Pin InterestWhats App