تستغل إسرائيل سيطرتها على شبكة الاتصالات الفلسطينية والإنترنت في إدارة حروبها مع غزة، فقد قيدت عمل الشبكة وقدرتها على التطوير والاستقلال من خلال الاتفاقات الموقعة مع السلطة الفلسطينية.
كما توظف إسرائيل هذه السيطرة في إدارة عملياتها العدائية لتنفيذ غاراتها الجوية أو ملاحقة وتصفية عناصر المقاومة، أو حتى بإثارة الفتن والإشاعات لزعزعة استقرار الجبهة الداخلية، بحسب خبراء فلسطينيين.
يروي أبو الأمير حارس برج الشروق في غزة أنه تلقى اتصالا هاتفيا من شخص عرّف بنفسه بأنه من الجيش الإسرائيلي -وكان يتحدث اللغة العربية بشكل جيد- وقال له "معك 10 دقائق تطلب من الجميع الإخلاء سنقصف البرج.. الإخلاء بسرعة أو الموت"، بعدها بدقائق فعلا سوّت الصواريخ البرج بالأرض.
اختراق إلكتروني
ويقول خبير الاتصالات وأمن المعلومات محمود أبو غوش إن إسرائيل أدركت مبكرا خلال المفاوضات مع السلطة الفلسطينية أهمية الاتصالات، ووضعت قيودا على عمل شركات الاتصالات والإنترنت الفلسطينية تربطها بالبنية التحتية لشبكة الاتصالات الإسرائيلية المركزية، وتجعلها "رهينة" وتحت الرقابة الدائمة.
ويضيف أبو غوش للجزيرة نت أنه بموجب ذلك فإن وحدات التحكم الخاصة بالشبكات الفلسطينية تقع في مناطق خاضعة للسيطرة الإسرائيلية، بما يتيح للاحتلال سهولة اختراق منظومة الاتصالات والإنترنت الفلسطينية والحصول على ما تريد من معلومات ومراقبة كل ما يدور عبرها.
وتزداد خطورة هذا الواقع، بحسب أبو غوش، خلال أوقات الحروب، بحيث يلجأ جيش الاحتلال إلى استخدام البيانات من أرقام هواتف أرضية ونقالة، وتوظيف بيانات، لإدارة المواجهة العسكرية.
وضرب أبو غوش مثلاً بما حدث أخيرا في القدس، وكذلك ما جرى الليلة الماضية في شمالي قطاع غزة، حيث تحدد إسرائيل الأرقام الخاصة بالمنطقة الجغرافية المقصودة وفق تقنية الذكاء الاصطناعي، وتوجه لها اتصالات مباشرة أو رسائل نصية هدفها بث الخوف في النفوس.
وكان فلسطينيون تلقوا في أوقات سابقة رسائل نصية على هواتفهم النقالة تقول "تم تصنيفكم بال في أعمال عدائية ستتم تصفيتكم".
تحرر المقاومة إلكترونيا
ويعتقد أبو غوش أن التحرر الكامل من السيطرة الإسرائيلية على الاتصالات الفلسطينية صعب جدا لظروف عملية ولقيود الاتفاقات الموقعة، غير أن فصائل المقاومة حققت نجاحا ملموسا بتأسيس شبكة اتصالات خاصة بها تغطي قطاع غزة، مما عقّد مهمة إسرائيل في التجسس عليها وتتبع تحركاتها.
وأثبتت شبكة الاتصالات الخاصة بكتائب عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة حماس وسرايا القدس التابعة لحركة الجهاد الإسلامي، نجاعتها خلال المواجهة الحالية مع إسرائيل وفي جولات تصعيد سابقة كونها غير مخترقة.
وكانت كتائب القسام اكتشفت قبل نحو عامين خلية إسرائيلية خاصة تسللت إلى غزة عبر السياج الأمني بهدف زرع أجهزة اختراق لشبكة الاتصالات الداخلية، ونجحت في قتل قائد الخلية وإفشال مهمتها.
وبدا لافتا منذ حرب العام 2014 أن هناك تراجعا كبيرا في قدرة إسرائيل على استهداف نشطاء الوحدات الصاروخية، ويظهر هذا جليا في الحرب الدائرة حاليا التي لم تتوقف خلالها عمليات إطلاق الصواريخ رغم التحليق المكثف للطيران الحربي، وطائرات الاستطلاع المسيرة.
ويرجع أبو غوش ذلك إلى التطور اللافت من جانب المقاومة، واعتمادها على شبكات اتصالاتها الخاصة في إدارة شؤونها عبر التواصل الآمن، بما حقق لها تعقيد الرصد وحجب المعلومات عن إسرائيل.
اتصالات الاحتلال
وتأخذ اتصالات جيش الاحتلال خلال الحروب والمواجهات العسكرية في غزة أحد شكلين، إما اتصالات حقيقية وإما وهمية، وفسّر الخبير في الشؤون الإستراتيجية والعسكرية اللواء المتقاعد رفيق أبو هاني للجزيرة نت الاتصالات الحقيقية بأنها محاولة للضغط على الجبهة الداخلية بهدف كسر إرادة الناس.
ومن ذلك أنها توجه تعليمات وتوجيهات من خلال الاتصال بأفراد بعينهم، ومثال ذلك اتصالاتها بحراس الأبراج قبل قصفها وتدميرها، وتختار لذلك أبراجا لها أهمية من حيث القيمة و"البعد المكاني"، لتترك أثرها على الناس وهم يرونها تتهاوى على الأرض.
أما الاتصالات الوهمية فيضعها أبو هاني في سياق "الحرب النفسية" ومحاولة بث الرعب في أوساط المدنيين وحرمانهم من الأمان، ويقوم بها عادة عملاء للاحتلال يتم تكليفهم بالعمل على خلط أوراق الجبهة الداخلية وبث الإشاعات الكاذبة.