بُعيد سيران حالة الطوارئ الصحية، المعلن عنها في إطار الإجراءات الاحترازية لمحاصرة واحتواء جائحة “كورونا”، أقدمت مجموعة “كوسومار” على اتخاذ العديد من التدابير الاستباقية الرامية إلى الحفاظ على الصحة العامة للموظفين والعمّال لتفادي تفشي عدوى “كوفيد-19” في صفوفهم من جهة، والحرص على التموين المنتظم للسوق من خلال تعبئة وسائل الإنتاج والخدمات اللوجستيكية لضمان السير العادي لنشاطها من جهة أخرى.
وتعمل شركة “كوسومار” في القطاعين الفلاحي والصناعي بغرض تلبية حاجيات المواطنين من مادة السكر الأساسية في الحياة اليومية، حيث تعمل مع شركائها الفلاحيين على صعيد خمس مناطق هي دكالة-عبدة، تادلة، الغرب، اللوكوس وملوية، وتسهر على تنميتها على المستوى الاقتصادي والاجتماعي في إطار منظومة إنتاجية متكاملة، عبر تحسين دخل الفلاحين وتوفير فرص الشغل لليد العاملة والمساهمة الفعالة في خلق شركات الخدمات.
ويكتسي قطاع السكر أهمية بالغة كنشاط فلاحي في منطقة دكالة-عبدة، بالنظر إلى أن معمل السكر التابع لشركة “كوسومار” في سيدي بنّور يساهم بقرابة 40 في المائة من الإنتاج الوطني، ما يجعله أكبر وحدة إنتاجية على الصعيد الوطني، الأمر الذي دفع إدارة المجموعة إلى اتخاذ العديد من التدابير الاحترازية المشددة والصارمة لضمان سلامة موظفي الشركة وشركائها، لا سيما في ظل الاستعداد لموسم قلع الشمندر السكري الذي تفصلنا عنه بضعة أيام فقط.
إجراءات احترازية ومبادرات مواطنة
وضعت شركة “كوسومار” برنامجاً بتكلفة مالية تناهز 5 ملايين درهم، قصد ضمان سلامة وصحة موظفي الشركة وشركائها، واستعداداً لموسم قلع الشمندر السكري لعام 2020، عبر تفعيل مجموعة من الإجراءات الاحترازية والاستباقية لمحاربة جائحة “كوفيد-19″، بما يستجيب لتوجيهات السلطات المحلية والمعايير الصحية المعتمدة من لدن وزارة الصحة.
تبعا لذلك، قامت المجموعة، في إطار مسؤوليتها الاجتماعية والمجتمعية، بالمساهمة بمبلغ 100 مليون درهم من أجل دعم الصندوق الخاص بتدبير جائحة فيروس كورونا المستجد، بينما خصصت مبادرات أخرى على الصعيد المحلي بسيدي بنور، نذكر من بينها توزيع 1500 قفة على الأسر المعوزة والمتضررة جراء الحجر الصحي، وتقديم أدوية لمَرْكزي تصفية الدم بسيدي بنور والزمامرة، وتجهيز المستشفى الإقليمي بسيدي بنور ببوابة للتعقيم لفائدة الأطر الطبية والإدارية بالمستشفى.
وتفاعل معمل السكر بسيدي بنّور مع المستجدات الوبائية الراهنة، وهو ما تجسّد في التحسيس بالممارسات الجيدة ضد الوباء عبر الوسائط السمعية والبصرية، فضلا عن الكبسولات التحسيسية والرسائل القصيرة لفائدة المستخدمين والفلاحين ومناولي الخدمات، وكذلك سائقي الشاحنات والجرّارات والآلات الفلاحية، إلى جانب تقليص عدد العاملين في المعمل بـ 50 في المائة، من خلال إتاحة الفرصة لبعض المستخدمين، حسب مهامهم ووضعهم الصحي، لمزاولة عملهم عن بعد.
تحديات مناخية ومخاطر وبائية
تصل طاقة المعالجة في معمل السكر بسيدي بنور، التابع لشركة “كوسومار”، إلى 14500 طن من الشمندر السكري في اليوم، بينما يبلغ إنتاج السكر 240 ألف طن؛ أي قرابة 42 في المائة من الإنتاج الوطني من هذه المادة، على أساس أن المساحة المتوفرة لزراعة الشمندر السكري تبلغ 18 ألف هكتار، حيث أحدث المعمل مجموعة من الشركات المانحة للخدمات تتوزع بين 23 شركة لتوزيع مواد الإنتاج و120 شركة لمقدمي الخدمات المتعلقة بالمكننة، برقم معاملات يقدر بـ 50 مليون درهم.
في هذا الصدد، قال عبد الرحيم الحسني، مدير معمل السكر بشركة “كوسومار” الكائن بسيدي بنّور إن “المعمل يُعالج 15 ألف طن من الشمندر السكري في اليوم الواحد، ويُساهم بـ 40 في المائة من الإنتاج الوطني”، مضيفا أن “أيام العمل الفلاحية تصل إلى مليوني يوم عمل في السنة، ويسهم المعمل أيضا في تنمية المنطقة بخلق شركات لتوزيع مواد الإنتاج بلغ عددها 23 شركة، و120 شركة مكننة، والعديد من شركات النقل التي تشغل 400 شاحنة لنقل منتوج الشمندر السكري إلى المعمل”.
وأبرز الحسني أن “الموسم الفلاحي الحالي صعب بسبب قلة التساقطات المطرية؛ إذ لم تتعدّ 156 مليمترا، ما يجعلها تمثل 73 في المائة من كمية التساقطات المسجلة في الموسم المنصرم (211 مليمترا)، فضلا عن المخزون الضعيف للمياه في سد المسيرة، حيث تصل نسبة ملء السد 17 في المائة مقابل 26 في المائة خلال العام الماضي، لكن رغم الظروف الصعبة تمكنّا، بتضافر جهود جميع المتدخلين في القطاع، من الوصول إلى مساحة 18 ألف هكتار، لا تختلف عن مساحة الموسم المنصرم التي ناهزت 19 ألف هكتار”.
الرقمنة آلية لمواجهة الوباء
معمل السكر بسيدي بنّور معبأ بكامله من أجل تفادي انتشار فيروس كورونا المستجد، حيث تم تركيب ممرات للتعقيم الذاتي عند مداخل المعمل، وتوزيع الكمامات الواقية على المستخدمين وجميع المشاركين في عملية القلع والنقل، علاوة على تعقيم جميع المركبات والمعدات التي تدخل إلى المعمل عبر بوابات آلية التعقيم، ثم توفير أحواض لغسل الأيدي مزودة بموزعات الصابون والمواد المعقمة في أماكن عديدة بالمعمل، فضلا عن تخصيص طبيب وسيارة إسعاف لضمان التدخل السريع عند الضرورة.
الحسني، مدير المعمل، أوضح، في تصريح أدلى به لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “نظام التسيير الذاتي الذي تبنته كوسومار سنة 2018 سيساهم في مواجهة الوباء إلى حد كبير، فاستعمال الرقمنة في جميع المراحل، بدءا من الزرع إلى القلع، مرورا بتسليم المنتوجات إلى المعمل، وصولا إلى استخلاص مستحقات الشمندر لفائدة الفلاحين، سيُمكن من ضمان التباعد الجسدي بين جميع الفاعلين في القطاع”.
وشدد المسؤول عينه على أن “المجموعة اتخذت العديد من الإجراءات الاحترازية تخص الموسم الفلاحي للشمندر السكري، من بينها الإشعار بالقلع عن طريق الرسائل القصيرة، وتوجيه آليات النقل عن طريق الاتصال بغرفة التحكم، وإسناد آلات القلع والشحن إلى البقع الفلاحية عن طريق إرسال الرسائل القصيرة إلى مزودي الأعمال الفلاحية، والترميز التلقائي في البقع الفلاحية، ومراقبة حركة الشاحنات والآلات باستخدام تقنية تحديد المواقع، ودفع مستحقات المحصول للفلاحين عن طريق التحويل المصرفي”.
القلع الميكانيكي للشمندر السكري
بعد إعلان حالة الطوارئ الصحية، اتخذ معمل السكر بسيدي بنور بمجموعة من الإجراءات، منها التوزيع اليومي للأقنعة الواقية على جميع الموظفين (قناع واحد للشخص كل أربع ساعات)، والتعقيم اليومي للمباني والمكاتب وأماكن العمل، وتركيب موزعات تعقيم الأيدي في جميع نقاط الاشتغال، إلى جانب تعيين مناطق العمل حسب الخدمات ومنع تنقل الموظفين بين هذه المناطق، وحظر الاجتماعات بين الموظفين، حيث يتم تبادل المعلومات عن طريق الهاتف أو تقنية التداول بالفيديو، إلى جانب تسليم الوجبات الغذائية بشكل فردي لتجنب الاتصال بين الموظفين، واحترام مسافة الأمان.
وخلال موسم قلع الشمندر السكري، سيتخذ المعمل العديد من الإجراءات، وفق إفادات مديره، نذكر من بينها تخفيض أسطول النقل إلى 400 مركبة، وإعداد قائمة الأشخاص المشاركين في عملية القلع وإبلاغها للسلطات، ثم توزيع المحاليل المائية والكحولية المعقمة على سائقي الشاحنات والجرارات والآلات الزراعية، والتعقيم المنتظم لأسطول النقل عند كل دخول إلى مركز استقبال الشمندر.
كما سيُمنع سائقو الشاحنات والجرارات والآلات من اصطحاب أشخاص آخرين معهم، ومرور السائقين عند مدخل المعمل بنفق تعقيم آلي، وتجهيز مركز الاستقبال بموزعات هلامية كحولية ومغاسل بدواسة مع موزعات صابون سائل ومجففات الأيدي للتعقيم. إضافة إلى ذلك، اتخذ المعمل تدابير أخرى على مستوى البقع الفلاحية تروم تعميم القلع الميكانيكي، من خلال حظر التجمع بين سائقي الشاحنات ومقدمي الخدمات الفلاحية والمزارعين، وذلك عن طريق المراقبة الدورية والدائمة التي يقوم بها المرشدون الفلاحيون.
آليات التعقيم ووصلات التحسيس
بشأن التدابير الوقائية عند استقبال الشمندر السكري، فعلى صعيد خط الانتظار خارج المعمل، يتم تعقيم جميع الشاحنات والجرارات، وسيتم تكليف ثلاثة عمال ببدلات واقية وأقنعة ونظارات وتجهيزهم برشاشات آلية لهذه العملية، وسيتم أيضا توفير التوعية السمعية طوال الوقت لتحسيس السائقين باحترام مسافة متر بين الشاحنات والجرارات، والسماح بالتعقيم الكامل للأسطول (الأمام والخلف وجانب المركبات).
وقبل دخول الشاحنة أو الجرارات إلى مركز الاستقبال، يجب على السائقين غسل أيديهم في الأحواض المخصصة لذلك بالخارج، وهي مجهزة بمجففات الأيدي وموزعات الصابون، بالإضافة إلى صنابير بدواسات لتجنب خطر العدوى. وعند باب الدخول، ستمرّ مرور المركبات بممر مائي يحتوي على مادة “جافيل” لتعقيم العجلات، في حين سيوضح أحد المختصين المكلفين باستخدام مكبر الصوت الإجراء المتبع داخل مركز الاستقبال عند باب دخول الشاحنة.
وبداخل مركز الاستقبال، سيمرّ السائق عبر نفق تعقيم آلي، مرفق بتطهير نعال الأحذية في حوض يحتوي على محلول مطهر، ثم غسل اليدين بالماء والصابون في أحواض مثبتة بالقرب من نفق التعقيم، بينما سيُمنع أي شخص من غير السائقين والموظفين من دخول مركز الاستقبال سوى في الحالات المبررة التي بدورها سيتم الإشراف عليها، وتركيب حاجز أمام مقصورة توزيع وصول التوجيه لضمان مسافة متر بين المكلف بالمهمة والناقل.
تنسيق المسؤولين ومواكبة الفلاحين
قابيل عبد الجبار، فلاح في منطقة سيدي بنور، صرّح لهسبريس بأن “فلاّحي منطقة سيدي بنور ودكالة-عبدة مستعدون لعملية قلع الشمندر السكري، مع أخذ كامل الاحتياطات في إطار الوقاية من جائحة كوفيد-19، حيث نستعمل الكمامة في البقعة الفلاحية، إلى جانب المطهرات وغسل اليدين بالماء والصابون كل ربع ساعة، وسنوظف الآليات لقلع الشمندر عوض اليد العاملة التي تصل إلى 31 شخصا في المجموع”.
من جانبه، أشار عبد الرحمان النايلي، المدير الجهوي للفلاحة في الدار البيضاء-سطات، إلى أنه “في إطار الاستراتيجية التواصلية التي تنهجها المديرية الجهوية للفلاحة والمكتب الجهوي للاستثمار الفلاحي، نحاول ما أمكن متابعة البرامج التي كانت مسطرة، خاصة تزويد السوق بالمنتوجات الفلاحية، من خضر وفواكه ولحوم وأسماك، وكذلك استمرار الخدمة، ما دفعنا إلى الاشتغال عن بعد”.
المسؤول عينه، في تصريح لهسبريس، قائلا إن “أكبر النقط الني نشتغل فيها هي توزيع الشعير وتهييئ موسم قلع الشمندر السكري والمتابعة اليومية لتموين الأسواق بالجهة”، لافتا إلى أن “مجموعة كوسومار اتخذت العديد من الإجراءات بخصوص عملية الشمندر، من تعقيم للمعمل والآلات الموضوعة في مدخله، وغيرها”، خاتما بأن “العملية ستكون بواسطة الآلات التي استثمرنا فيها بشكل كبير، نتيجة توفر أكثر من 60 شركة مجهزة بالآلات الفلاحية، ما سيضمن متابعة البرنامج اليومي المعتاد”.