بعد خفوت الاحتجاجات التي واكبت فرض الحكومة للجواز الصحي (جواز التلقيح كما كان يسمى قبل تعديل اسمه) على المواطنين كوثيقة للولوج إلى الفضاءات العمومية والاستفادة من الخدمات العامة، والتراجع المسجل في تطبيق هذا القرار، عادت السلطات لتشدد فرض الوثيقة المذكورة على الراغبين في الاستفادة من عدد من الخدمات، لا سيما الحصول على الوثائق الإدارية.
وبات مفروضا على المواطنين الراغبين في تجديد جواز السفر أن يضمّنوا ملفاتهم، إلى جانب الوثائق المطلوبة لهذا الغرض، وثيقة الجواز الصحي صالحة المدة، والأمر ذاته بالنسبة إلى الحصول على وثائق أخرى، كشهادة السكن وبطاقة التعريف الوطنية.
ولم تعد المصالح المكلفة بتلقي طلبات تجديد جواز السفر من طرف المواطنين داخل المقاطعات تقبل أي ملف إلا إذا كان يتضمن الجواز الصحي ساري المفعول، حيث يتعين على صاحب الملف تقديم نسخة مطبوعة منه تُضمّن في الملف قبل إحالته على المصلحة المختصة في العمالة.
وإذا كانت الحكومة قد سوّغت قرار فرض الجواز الصحي على المواطنين للولوج إلى الفضاءات العمومية والاستفادة من خدمات عمومية بالإجراءات التي تتطلبها حالة الطوارئ الصحية، فإن إقحام هذه الوثيقة ضمن الوثائق المطلوبة للحصول على جواز السفر أو غيره من الوثائق الإدارية يطرح إشكالا قانونيا، طالما أن الوثائق المطلوبة للحصول عليها، كما هو مدون في المواقع الإلكترونية الرسمية، لا تتضمن الجواز الصحي.
سعاد البراهمة، المحامية والناشطة الحقوقية، قالت، في تصريح لهسبريس، إن مطالبة المواطنين الراغبين في تجديد جواز السفر أو أي وثيقة إدارية أخرى بتقديم الجواز الصحي ضمن وثائق الملف المطلوبة “أمر غير قانوني”.
وأوضحت البراهمة، في تصريح لهسبريس حول هذا الموضوع، أن هذا القرار “غير قانوني وغير دستوري”، مضيفة: “قد تبرر السلطات فرض الجواز الصحي كوثيقة للولوج إلى المرافق الإدارية بدعوى حالة الطوارئ؛ ولكن أن يُطلب من المواطنين تقديمه كوثيقة أساسية ضمن وثائق ملفاتهم فهذا أمر غير قانوني إطلاقا”.
وجوابا عن سؤال حول الإجراء الذي ينبغي أن يتخذه مَن تضرر من عدم قبول تمكينه من وثيقة إدارية لعدم تقديمه الجواز الصحي أو توفره على جواز منتهي الصلاحية، قالت البراهمة: “عليه أن يطلب مقابلة المسؤول المعني، ويطلب منه النص القانوني المسنود إليه لتطبيق هذا الإجراء، وإذا لم يكن هذا النص موجودا يلجأ إلى المحكمة الإدارية”.
في المقابل، قال عون سلطة بمدينة سلا إن هذا القرار “في صالح المواطنين”، مضيفا: “نحن أيضا كأعوان السلطة لا يُسمح لنا بالدخول إلى العمالة إلا بعد الإدلاء بالجواز الصحي”؛ غير أن عبد الإله الخضري، رئيس المركز المغربي لحقوق الإنسان، شدد على أن فرض الجواز الصحي على كل مواطن يرغب في الحصول على وثيقة إدارية ما “ليس له أي سند قانوني، وينطوي بحد ذاته على حرمان المواطن من حقوقه المشروعة”.
وقال الخضري في تصريح لهسبريس: “كنا سنتفهم القرار رغم عدم قانونيته لو كان الوضع الوبائي مقلقا للغاية وفي تفاقم، وكان التلقيح آمنا دون مخاطر، لكن الوضع الوبائي في المغرب أصبح ضعيفا جدا وغير مقلق، وكل المؤشرات العلمية والميدانية تشير إلى اضمحلال قوة فيروس كورونا، والمتحور الجديد أوميكرون يكاد، حسب الخبراء والمختصين، يبلغ درجة أعراض نزلة البرد والزكام العادي، الذي يصيب الناس خلال هذه الفترة من السنة”.
وأردف الفاعل الحقوقي ذاته أن الملاحظ هو أن عددا كبيرا من المواطنين ممن تلقوا الجرعة الثالثة المعززة “أصيبوا بمضاعفات صحية خطيرة، بل يمكن التقدير بأن عددهم يبدو أنه يفوق بكثير أولئك الذين بلغت إصابتهم بالفيروس درجة حرجة، والأسباب متعددة، ولا يقتصر الأمر على المغرب، بل تعم هذه الظاهرة أرجاء المعمور”.
وسجل الخضري، انطلاقا من هذا المعطى، “أنه لم يعد هناك من مبرر صحي مقنع لإجبار الناس على تلقي جرعات اللقاح، في ظل وجود مؤشرات قوية لانحسار الوباء، وفي ظل وجود مخاطر ليست بالهينة على بعض المواطنين بسبب اللقاح، الذي تتطلب بعض أنواعه شروط تخزين تعجيزية، لا يمكن أن تتوفر عليها كل المراكز الصحية ببلادنا”.
وختم بالقول إن إجبار المواطنين على الإدلاء باللجواز الصحي عند رغبتهم في قضاء أغراضهم الإدارية، في ظل السياق العام الحالي، “هو انتهاك واضح لحقوق الإنسان الفردية باستعمال مسوّغ الحماية الجماعية للمواطنين بطريقة غير موفقة وغير مبررة تماما”.
ويبدو أن السلطات قد عادت لتطبق بقوة قرار فرض الإدلاء بالجواز الصحي، حيث أصبح الإدلاء بهذه الوثيقة مفروضا حتى على مستقلي الطرام في الرباط وسلا، ابتداء من يوم السبت الماضي، حيث أصبح مراقبو التذاكر يطالبون الركاب بتقديم الجواز الصحي ويطلبون من أي راكب لا يتوفر عليه النزول.
وأصبح الولوج إلى مرافق إدارية، مثل العمالات، مستحيلا في وجه من لا يتوفر على الجواز الصحي، حيث يُطلب الإدلاء بهذه الوثيقة قبل ولوج البوابة؛ وهو ما يجعل الموظفين المكلفين بهذه المهمة في مشاحنات يومية مع المواطنين.