دار الفتوى «تكليف وطني» بال في الانتخابات
بعد مبادرة الرئيس فؤاد السنيورة وإعلانه دعوة اللبنانيين وأهل السنة والجماعة لل في الانتخابات النيابية ترشيحاً واقتراعاً، وتحمّل المسؤولية الوطنية لمنع الفراغ والحيلولة دون إسقاط البلد نهائياً بيد «حزب الله»، أطلق مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان نداءً متكاملاً مع موقف الرئيس السنيورة، شدّد فيه على رفض خطابات التيئيس من جدوى ال في الاستحقاق الانتخابي، معتبراً هذا المنحى اتجاهاً تخريبياً مرفوضاً.
يكتسب موقف مفتي الجمهورية أهميته في أنّه يأتي بعد الهجوم المنسق الذي شنّه الأمين العام لتيار المستقبل (المعلق نشاطه)، على مبادرة الرئيس السنيورة وانطلاق حملة في وسائل التواصل مع مجموعات زرقاء ضدّ دعوته لل النيابية، فإذا بموقف المفتي دريان يجذِّرُ مبادرة السنيورة، ويؤكّد رفض الفراغ، ويحثّ على استنهاض الواقع السني وعدم التسليم بالفراغ كحالة أمرٍ واقع.
هكذا تكتمل صورة إسقاط المقاطعة السنية، لتسقط إحدى الحجج التي يمكن أن تستغلها أحزاب السلطة لتطيير الانتخابات، وهو ما كشف عنه رئيس الجمهورية ميشال عون مؤخراً.
مفتي الجمهورية: نرفض التيئيس وندعو لل
في ذكرى الإسراء والمعراج، وجّه المفتي دريان رسالة إلى اللبنانيين عموماً والمسلمين بشكل خاص، قال فيها «إن المؤسسات الدستورية فى الأصل، هي الحارسة للمرافق العامة، وللمال العام، ولمصالح المواطنين. لكنها والحق يقال أيضاً وأيضاً، ما قامت بشيء من ذلك في السنوات الماضية. ثم ها هم القائمون عليها، يتصدرون الآن للانتخابات. وهذا يضعنا في حيرة كبيرة. فليس بوسعنا أن نقول للناس لا تقوموا بحقكم وبواجبكم الانتخابي، لأن الانتخابات هي سبيل التغيير في الدولة الحديثة. لكننا نسمع من الجهات المهيمنة ذاتها القول: إنها ستفوز، وإنه لا شيء سيتغير (!). كلام هؤلاء المراد به التيئيس، والاستمرار في فرض الأمر الواقع، وهو تخريبٌ محض».
لذلك، أعلن المفتي دريان أنّنا «نفارق التردد والحيرة، وندعو الجميع الجميع، للنزول إلى صناديق الاقتراع. فالتصويت الكثيف، هو رسالة أمل ورجاء، وإيمان بمستقبل الوطن والدولة. وإذا لم نعمل بإيماننا وبأملنا فبماذا نعمل؟».
في كلام المفتي هنا تحذير من أنّ التصويت المنخفض لدى أهل السنة والجماعة، سيؤدي حكماً إلى انتصار «حزب الله» وتمكنه من اختراق الساحة السنية بشكل واسع، وهذا واضح من خلال أدواته الانتخابية في بيروت وبقية المناطق، لهذا يصبحعنصر ال الكثيفة عاملاً ضرورياً لاستعادة التوازن الانتخابي والسياسي.
إسقاط «فتاوى» المقاطعة والفراغ
المعنى الأساس والأهم لرسالة مفتي الجمهورية هي أنّ الجمهور السني هو جمهور حرّ وغير مقيّد وليس لأيّ «فتوى سياسية» أن تُقعده أو تحتجز قراره وتحول دون مشاركته في الانتخابات النيابية، وأنّ الفتوى الشرعية الوطني صدرت من المرجعية، وهي وجوب القيام بالمسؤولية والانخراط في العملية الانتخابية ترشيحاً واقتراعاً، وتحريم مبطّن للمقاطعة، مهما كانت مبرِّراتُها وأياً كان الداعون لها، وكيفما كان شكلُها.
صحيح أنّه لم يصدر تكليف شرعي عن دار الفتوى بخصوص الانتخابات، لكنّنا أمام فتوى وطنية تحثّ على ال من دون انحياز، والهدف ضمان ال ومنع الفراغ.
استعادة التوازن السني: المشنوق يدعو ل الشباب
بدأ الموقف السياسي السنّي يستعيد توازنه بأشكال مختلفة، فالتسليم بالفراغ غير منطقي، حتى من قبل الذين فضّلوا عدم الترشح للانتخابات المقبلة، وهذا ما أشار إليه النائب نهاد المشنوق في بيانه الذي أعلنه فيه عزوفه عن خوض الانتخابات النيابية، والذي رغم عدم تفاؤله بجدوى العملية الانتخابية بسبب هيمنة «حزب الله» على البلد، غير أنّه أكّد أنّ «للشباب الحقّ بأن يأخذوا الفرصة بحثاً عن ثوبهم الجديد، السياسي وأنّ للشباب المنتفض حقّه في أن يصيغ أحلامه وأن يواجه خيباته حين يقعُ فيها، أو ينجح فنكون كلُّنا من الرابحين».
خطاب دار الفتوى: رفع الغطاء عن الاشتباك المفتعل مع القوات
من أهم مفاعيل خطاب الرئيس السنيورة رفع الغطاء عن حملات قيادات تيار المستقبل على القوات اللبنانية، والتي كانت تجري بشكل مفتعل ومقصود بهدف توسيع المسافة الفاصلة بين الجمهور السني وبين القوات، مع السعي الدائم من قبل أحمد الحريري لجعل كلّ أهل السنة مجرّد جمهور لسعد وأحمد الحريري.
اللافت أنّ أحمد الحريري عقّب على مبادرة السنيورة بنشر صورة للرئيس سعد الحريري وعلّق عليها قائلا «موقفك وحده يمثلني»، بينما لزم الصمت بعد رسالة المفتي دريان، وفي ذلك إشارة إلى أنّ المرجعية الدينية حسمت الموقف ولم يعد هناك مجال للرجوع إلى الوراء. فقد انتهت مرحلة رهن أهل السنة والجماعة لشخص سعد الحريري ومن حوله من تجار السياسة والتنمية.
حاصر موقف مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان مناورات الفريق الداعي إلى الفراغ، وأفسح المجال لمبادرة الرئيس السنيورة أن تسلك طريقها بشكل تلقائي، وهي مبادرة مفتوحة الآفاق، تدعو إلى تعاون القوى السيادية وفق برنامج سياسي واضح، وهذا يشمل الجميع، فدار الفتوى وكذلك الرئيس السنيورة، لم تضع حواجز أو متاريس أو عوائق أمامالجميع في الاستحقاق الانتخابي، وهذه القوى منها الثابت كالأحزاب الكبرى المعارضة، وعلى رأسها القوات اللبنانية، ومنها الناشئة، مثل حركة «سوا للبنان» التي يدعمها السيد بهاء رفيق الحريري،مع تسجيل التواصل مع النائبين السابقين أحمد فتفت وفارس سعيد، بالإضافة إلى المجموعات التغييرية وتلك المنضوية تحت عناوين ثورة 17 تشرين.. مع بقاء دار الفتوى مفتوحة الأبواب أمام الجميع بمن فيهم سنة الممانعة الذين يقصدونها لاستلحاق أنفسهم واكتساب شرعية لقاء المفتي وتأكيد حقهم في ال.
عقدة بهاء الحريري
شكّلتبهاء الحريري في الحياة السياسية عقدة لدى الرئيس سعد الحريري وفريقه، لذلك نظّم هذا الفريق حملة شعواء اتهمت بهاء بكلّ أشكال الطعن والخيانة والتقليل من القدرة على فهم السياسة اللبنانية، بل وصل الأمر إلى حدود وضع الفيتو، والضغط على الأطراف السياسية لعدم التعامل معه من أجل إعاقة تقدمه نحو التموضع الطبيعي في الوسط السياسي.
جاءت مبادرة الرئيس فؤاد السنيورة، وهذا الموقف المحتوي للجميع، الصادر عن دار الفتوى، ليجعل الحملات التي استهدفتبهاء الحريري في السياسة بحكم الساقطة، وقد تجاوزتها الأحداث والوقائع، وعزّزتها الحاجة لملء الفراغ السياسي الناشئ عن فشل سعد الحريري في الحفاظ على تماسك تيار المستقبل وعلى وجوده في المعادلة السياسية، داخلياً وخارجياً.
يمكن القول إنّ مرحلة جديدة قد بدأت، وهي سقوط الحواجز السياسية أمام بهاء الحريري، وسقوط فكرة المقاطعة، وفتح الباب أمام القوى السيادية لإعادة تنظيم صفوفها، وخوض الاستحقاق النيابي من دون خشية غياب الشريك السني الحاضر، بانتظار نتائج الصناديق وما ستفرزه من أوزان، خاصة أنّ بهاء الحريري قد يذهب نحو دعم لوائح للمعارضة في كل المناطق من دون تحديد إطار معين لتواجده السياسي، وهذا ما قد يسهل تشكيل اللوائح، في ضوء تشكّل خارطة توضح أنّ الاتجاه سيكون نحو لوائح للقوات اللبنانية متحالفة مع قيادات سنية في المناطق، ولوائح لحزب الكتائب وأخرى لقوى التغيير وثوار 17 تشرين.