A Decrease font size.A Reset font size.A Increase font size.
تحقيق: حمزة دعنا
عمان- لم يتوقع “أيمن” الطالب في الصف العاشر قيام والدته بفتح الصندوق الذي قام بطلبه من أحد المواقع وهو على شكل هدية، لتتفاجأ بوجود دمية جنسية بداخله.
صندوق الهدايا الذي حرص “أيمن” (اسم مستعار) على إخفائه عن أهله، فتح بابا خطيرا يندرج تحت اسم “الفساد الأخلاقي”، لتبدأ القصة عندما كان المراهق يتصفح أحد المواقع الإباحية خلسة، ليظهر أمامه إعلانات لشراء الألعاب والأدوات الجنسية ليقوم بطلب ما أراد من خلال المروج.
قصته انتهت بمصادرة الدمية الجنسية وتأنيبه لعدم تكرار ذلك وفق ما روت والدته لـ”الغد”، لكن الحكاية بدأت هنا، لتقوم “الغد” برصد أشخاص يقومون بالترويج وبيع الأدوات والألعاب الجنسية دون رقيب.
أحد المروجين الذي تواصلت معه “الغد” يقوم ببيع تلك الأدوات إلكترونيا باستخدام رقم هاتف دولة عربية من خلال تطبيق “الواتساب”، على أساس أنه خارج الأردن، لكن بعد البحث والتقصي تبين بأنه يقطن في عمان ولديه كمية كبيرة من تلك الألعاب والأدوات يقوم ببيعها لأي شخص يدفع ثمنها دون النظر لعمر الزبون.
بعد محادثات طويلة وموثقة مع المروج، قام بإرسال العديد من الصور لتلك الأدوات الجنسية منها الدمى التي تقدر قيمة الواحدة منها بـ135 دينارا مفصلاً حجمها بالسنتمتر.
كل ما عليك فعله لإتمام عملية الشراء هو إرسال (الاسم – العنوان – رقم الهاتف) والنوع أو الأنواع المراد شراؤها، لتصلك الطلبية من خلال شركة توصيل أينما أردت وخلال 24 ساعة وبصندوق هدايا لإبعاد الشكوك عنك، وفق المحادثات الموثقة بين “الغد” والمروج.
في جلسة شبابية في أحد مقاهي عمان قام سعدي (اسم مستعار)، بالتباهي أمام أصدقائه بحصوله على لعبة جنسية بعد شرائها من أحد المروجين في العاصمة عمان، ليجذب انتباه من حوله بعد عرضها لهم من خلال صورة على هاتفه المحمول.
بدا على الأصدقاء الاستغراب والتعجب من بعد ما رأوا على محمول صديقهم، منهم من طلب رقم هاتف المروج لحجز أداة جنسية، ومنهم من استنكر الحالة ورفضها وفق ما روى سعدي لـ”الغد”.
“يمكنني توصية أي لعبة أو أداة جنسية وستصلني خلال أقل من 24 ساعة”، بهذه الكلمات عبر الطالب الجامعي سعدي، عن سهولة الحصول على أي شيء يريده من تلك الأدوات من خلال المروجين.
الغريب عن مجتمعنا المحلي قيام مروج آخر تواصلت “الغد” معه ببيع نوع جديد من الأدوات الجنسية غير الذي يبيعها المروج الأول، منها (السوط والقيود ومرجيحة الإثارة المخصصة للتعليق على الباب)، وبأسعار خيالية تفوق الـ100 دينار.
ولا زال عرض المروج الأول قائما بالنسبة للمروج الثاني “التوصيل خلال 24 ساعة وبصندوق هدايا لإبعاد الشكوك”، وأيضا دون النظر لعمر الزبون.
وبحسب تقرير نشر على موقع “البي بي سي”، فإن ممارسي الـ”BDSM” يستخدمون مواقع تواصل اجتماعي خاصة بهم للتعارف، لتشير أرقام أحد أكبر مواقع التعارف لتلك الفئة أن عدد مستخدميه في المنطقة العربية يقارب 30 ألفا، وفي الاردن 1363 شخصا، بحسب التقرير الذي نشر قبل عامين.
ويذكر أن مصطلح الـ”BDSM”، يطلق على مجموعة الأشكال والأنشطة والممارسات الجنسية القائمة على الاستمتاع بالسيطرة، والعقاب وتمثيل الأدوار الشهوانية بين المسيطر والمسيطر عليه، ويكون بالتراضي بلا تحرش ولا اعتداء جنسي وإن حصل التعنيف، ولكنه يحصل تحت ما يطلق عليه فلسفة الآمن والسليم والمتفق عليه.
“بضائع ممنوعة”
دائرة الجمارك العامة ردت رسميا على استفسارات “الغد” حول عدد المضبوطات من الألعاب والأدوات الجنسية عبر كافة المعابر والحدود البرية والبحرية والجوية، لتأتي الأجابة بأنه “في حال تم ضبط مثل هذه الأصناف يتم التحفظ عليها لدى المركز الجمركي ويتم تقدير قيمتها واحتساب الرسوم والضرائب عليها وتعد من البضائع الممنوعة كونها منافية للأخلاق العامة ويتم مصادرتها وإتلافها حسب الأصول لذلك لا توجد بيانات حول تلك المواد”.
وحول السبب وراء عدم وجود إحصائيات لدى الجمارك، قالت: “يتم إتلاف جميع المواد التي تضبط مع الأشخاص لكافة المعابر بشكل مباشر من خلال لجنة مشكلة من الدائرة وديوان المحاسبة”.
“حب المغامرة”
“بيع الأدوات والألعاب الجنسية بكل سهولة يشجع الشباب المراهقين والمقبلين على الزواج وبعض المتزوجين إلى اقتنائها وتجربتها، من باب حب المغامرة والمعرفة وحب التجربة”، وفق ما قال خبير علم الاجتماع الدكتور حسين الخزاعي لـ”الغد”.
السبب وراء اقتناء تلك الأدوات بحسب الخزاعي، هو “تعويض نوع من أنواع الكبت الجنسي الموجود لدى الشباب وعدم القدرة على الزواج، وحب الفضول والبحث عن المتعة دون معرفة أحد”. وحصر الخزاعي الخطورة التي تكمن وراء الحصول على تلك الأدوات، بالتأثير على صحة الشباب وإفساد الأخلاق العامة وتحفيز الإثارة لدى الشباب وتوسعة رقعة الفساد المجتمعي في حال وجودها.
البقاء على إتاحة بيع الأدوات والألعاب الجنسية وسهولة وصولها للشباب بكافة أعمارهم، من الممكن أن ترفع حالات التحرش الجنسي في الأماكن العامة، وتساعد على خلق فساد داخل البيوت للخوض في تجارب وهمية، بحسب الخزاعي.
البعد عن الدين من أهم الركائز التي تجعل الشخص يقوم بطلب تلك الأدوات، وتعمل على إشغال الشباب في قضايا من الممكن أن تفسد المجتمع أخلاقياً وتستنزف أوقات فراغهم وتُهدر طاقاتهم، وفق الخزاعي.
وبحسب الخزاعي، فإن تأخر العمر عند الزواج في الأردن قد يساهم في الالتفات لشراء تلك الأدوات، حيث يوجد حوالي ربع مليون شاب وفتاة تجاوزوا عمر الـ 30 عاما ولم يتزوجوا، مبيناً ان “متوسط العمر عند الزواج بالنسبة للذكور أصبح 31 عاما وللإناث 27 عاما وهذا مؤشر خطير في إبقاء الشباب في مرحلة العزوبية”.
وفي أحدث قرار يتعلق ببيع الأدوات والألعاب الجنسية إلكترونيا، حصلت “الغد” على نسخة منه من أروقة المحاكم، يفيد بوجود صفحة على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” تحمل اسما باللغلة الإنجليزية، تقوم بعرض منتجات جنسية من ضمنها أدوات جنسية وألعاب للسادية وهي منتجات غير مجازة قانونا.
وفي نهاية العام الماضي، تم إعداد كمين من قبل الأجهزة الأمنية في إحدى مناطق غرب عمان وتم ضبط الأدوات والألعاب أثناء قيام شخص يعمل سائق تكسي بتوصيل طلبية إلى أحد الزبائن وهي مكونة من 6 قطع.
وتبين من خلال التحقيقات بأن سائق التكسي لا يعلم ماهية البضائع التي يقوم بتوصيلها إلى الزبائن، ومهمته تقتصر على استلام الطلبيات من أحد الأشخاص في غرب عمان وإيصالها إلى الزبائن أينما أرادوا.
وجاء في القرار أن المتهم يعرض منتجاته من خلال الصفحة التي أنشأها لتلك الغاية، اذ يقوم بشرائها من إحدى مناطق جنوب عمان ويبيعها بأسعار تصل إلى 100 دينار للقطعة الواحدة بعد الترويج لمنتجاته عن طريق صفحته.
ووفق قانون العقوبات تم تخفيض الجرم المسند لصاحب الصفحة ولإعطائه فرصة لتصويب أوضاعه التي اعتبرته المحكمة من الأسباب المخففة التقديرية، لتصبح الحبس مدة اسبوع واحد والرسوم، وتبرئة سائق التكسي.
“الغد” وثقت العديد من المحادثات والصور التي تؤكد وجود أشخاص يقومون ببيع الأدوات والألعاب الجنسية داخل المملكة ومنها صورة تبين كمية كبيرة من تلك الأدوات داخل منزل أحد المروجين.
وفي جولة على مواقع التجارة الإلكترونية، تجد نفس الأدوات التي يتم تروجيها في الأردن على تلك المواقع وبفارق أسعار كبير، على سبيل المثال (هنالك أداة جنسية عرضها المروج لـ”الغد”، بسعر 45 دينارا، وبعد البحث تبين أن تلك الاداة لا يتجاوز سعرها الـ5 دنانير على المواقع العالمية).
وحول منشأ تلك الأدوات والألعاب الجنسية، أجاب المروجان انه يتم استيرادها من الصين إلى دولة عربية مجاورة ليتم تهربيها أو إدخالها على شكل استخدام شخصي عبر الحدود البرية.
وتقدر قيمة سوق الألعاب الجنسية وتوابعها في الصين وفق ما ذكرت تقارير إخبارية بنحو 14.7 مليار دولار، وما زاد من رواجها تفشي فيروس كورونا، حيث ارتفع حجم مبيعات الواقي الجنسي، المزلقات وغيرها من وسائل منع الحمل.
قانون العقوبات
حددت المادة 319 من قانون العقوبات الأردني، “يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ثلاثة أشهر أو بغرامة لا تزيد على خمسين دينارا”، وبأربعة صور للجرم، منها، من يقوم بـ”بيع أو احراز بقصد بيع أو توزيع أي مادة بذيئة أو أي شيء آخر يؤدي الى افساد الاخلاق”، بحسب ما فسّر المحامي ربيع السجان لـ”الغد”. كما أن المادة نفسها جرّمت، من “أذاع بأي وسيلة من الوسائل أن شخصا يتعاطى بيع هذه المواد والأشياء البذيئة أو طبعها أو إعادة طبعها أو عرضها أو توزيعها”، وهذا ما ينطبق على ترويج الأدوات والألعاب الجنسية وفق المحامي السجان.
وللتوسع في عقوبات من يروج أو يبيع الألعاب والأدوات الجنسية، انتقل المحامي من المادة 319 إلى المادة 15 من قانون الجرائم الالكترونية والتي تبين أن، ” كل من ارتكب أي جريمة معاقب عليها بموجب أي تشريع نافذ باستخدام الشبكة المعلوماتية أو أي نظام معلومات أو موقع إلكتروني أو اشترك أو تدخل أو حرض على ارتكابها يعاقب بالعقوبة المنصوص عليها في ذلك التشريع”.
“لا بد من قيام المسؤولية الجزائية عن جرم عرض مادة بذيئة خلافاً لأحكام قانون العقوبات وبدلالة قانون الجرائم الإلكترونية، والبحث في مدى توافر جميع أركان وعناصر ذلك الجرم والمتمثلة بالركن المادي والمعنوي”، وفق المتحدث ذاته.
وحول العقوبة المستوجبة على من يتعامل بالأدوات والألعاب الجنسية، ختم المحامي السجان حديثه أنه “في حال توافرت الأركان والعناصر فإن الفعل يستوجب الإدانة، وأن العقوبة تكون بالحبس حتى ثلاثة اشهر وبغرامة لا تزيد على خمسين دينارا”.