بعد أن ظلت الفكرة مكنوزة لأكثر من مئة عام في أروقة الدبلوماسية الفرنسية، شن نابليون حملته الشهيرة على مصر أوائل القرن الثالث عشر الهجري، ونهاية القرن الثامن عشر الميلادي، فشلت الحملة في تحقيق أهدافها السياسية التي منها السيطرة على طريق التجارة إلى الهند وزحزحة الإنجليز من القارة الهندية، لم يكن أمر الحملة الفرنسية ذلك الوقت غريباً، إنما كان الغريب هو صاحب الفكرة.
خرجت الإمبراطورية الرومانية بعد ثلاثين سنة من الحروب الأهلية في ألمانيا وما حولها منهكة وآيلة للسقوط، في المقابل كان نفوذ فرنسا يتسع وقوتها تتعاظم، لتحاشي الدخول تحت سيطرة فرنسا، اقترح الفيلسوف وعالم الرياضيات لايبنتس على فرنسا أن تمد نفوذها إلى مصر في خطوة أولى للوصول إلى الهند، لايبنتس الذي كان مشغولاً باختراع حاسبته الآلية، كان له دور دبلوماسي مهم، حيث دعي لزيارة باريس لعرض فكرته، لم يمض وقت طويل حتى انشغلت فرنسا بحرب مع الهولنديين صرفتهم عن تنفيذ فكرته المقترحة، كان على الفكرة أن تنتظر نابليون بعد مئة سنة لتنفيذها.
مادة اعلانيةبعد أن مكث لايبنتس قرابة السنة في باريس، كانت وجهته الجديدة إلى لندن، رغم أن زيارته إلى لندن دبلوماسية، إلا أنه وجد الفرصة لعرض آلته الحاسبة على الجمعية الملكية التي احتفت به ومنحته عضويتها، لم يكن الاحتفاء الذي وجده من الجمعية الملكية هو النتيجة الوحيدة لزيارته إلى لندن، فقد فتحت الباب لنيوتن ليتهمه بعد سنوات بالإطلاع على أفكاره غير المنشورة عن التفاضل والتكامل وسرقتها، كان الخلاف كبيراً بين الاثنين حول من كان الأسبق في اختراع التفاضل والتكامل، حيث امتد الخلاف بين المختصين بعدهما إلى وقتنا الحاضر.
بعد اختراع طابعة غتنبرغ بثلاثة قرون، وصلت الطابعة التي انتشرت وشاع استخدامها في أوروبا إلى مصر مع حملة نابليون، كان نابليون يؤمن أن الدعاية لحملته باعتباره داعياً للسلام ومحباً للعلم والثقافة ستسهل عليه مهمته، فأمر بتأسيس مطبعة مجهزة بالحروف العربية والتركية لتنشر دعايته، سميت بعد وصولها إلى القاهرة بالمطبعة الأهلية، كان موقف الدولة العثمانية سلبياً من الاختراع الجديد، حيث ظلت تمنع استخدامه بحجج مختلفة، حتى دخلت المطبعة مصر بالقوة، جاعلة منها مركز إشراق علمي كبير للمنطقة.
كان على آلة غتنبرغ أن تعمل منفصلة عن آلة لايبنتس منذ ذلك الحين حتى القرن العشرين، وكان على العالم أن ينتظر ستة قرون وحربين عالميتين للوصول إلى ما يبدو اليوم فكرة بدهية بالجمع بين الآلتين في آلة واحدة، وعلى عكس المطبعة، لم نحتج إلى حملة عسكرية لدخول الحاسب الآلي إلى عواصمنا العربية، لكن رغم مرور كل ذلك الوقت، ما زلنا غير قادرين إلى اليوم على صناعة آلة واحدة من الآلتين بمفردنا.
* نقلا عن "الرياض"