سجلت جرائم النهب المتسم بالعنف المميت ارتفاعا بالعاصمة السودانية الخرطوم خلال الآونة الأخيرة مما شكل هاجسا للسكان وتحديا أمنيا وسياسيا للحكومة الانتقالية.
حصلت الجزيرة نت على تقارير أمنية تحوي إحصاءات وتحليلات لمعدلات الجرائم بولاية الخرطوم، التي تضم العاصمة الاتحادية ويقطنها حوالي ربع سكان البلاد.
وقارن تقرير لشرطة ولاية الخرطوم بين معدلات الجريمة في الثلث الأول للعام الحالي وبين الفترة ذاتها من العام الفائت، ليثبت انخفاضا في ارتكاب الجرائم.
لكن التقرير شكا من نقص تعانيه الشرطة في وسائل الحركة، وتقصير أقسام الشرطة في تغطية كل أنحاء ولاية الخرطوم، وكمثال فإن عدد مواقع التأمين بالولاية يبلغ 509 مواقع منها 363 موقعا معطلا.
بيد أن اللافت في تقارير لجهاز المخابرات العامة أنها، إلى جانب الإحصاءات، حوت تحليلات وتوصيات اتسمت بالجرأة لمتخذي القرار في الحكومة الانتقالية بالخرطوم.
ويرى والي ولاية الخرطوم أيمن خالد نمر في حديث للجزيرة نت أن ثمة تضخيما للجرائم لاستغلال بند الأمن سياسيا وإثارة الهلع.
وتثير جرائم النهب المتسم بالعنف المميت الرأي العام في مواقع التواصل الاجتماعي، وتعد تحديا أمنيا وسياسيا يتخذ كمؤشر لضعف أو تماسك الحكومة الانتقالية.
عصابات نسائية
وأفادت التقارير السرية للجهاز في التحليل الذي قدمته لحكومة الولاية، بتزايد العصابات بولاية الخرطوم حيث أصبح لديها مناطق مغلقة، وتوقّع حدوث تنسيق بينها للعمل كمجموعات كبرى في النشاط الإجرامي وتبادل المعلومات.
وأكد التحليل الأمني وجود أعداد كبيرة من القوات النظامية وقوات الحركات المسلحة -الموقعة على اتفاق السلام مع الحكومة- تصعّب مهمة الشرطة في التصدي للجريمة، فضلا عن ظهور تشكيلات نسائية داخل العصابات، مما قد يؤدي لإحداث تغيير اجتماعي كبير في المجتمع.
وأوضح التحليل أن تردي الاقتصاد والغلاء فاقم ظهور المجموعات الإجرامية، كما حذر من انتقال الانفلات الذي شهدته الولايات إلى العاصمة، وانتشار السكن العشوائي بأطراف الخرطوم باعتباره حاضنة للانفلات الأمني.
وأوصت تقارير الجهاز بحصر قوات الحركات المسلحة داخل الخرطوم، وتحديد جدول زمني واضح لعمليات الدمج والتسريح، وإبعاد هذه القوات خارج المناطق السكنية، ومنع القوات النظامية من قيادة السيارات من دون لوحات ومصادرتها.
كما أوصت بالتعامل بحزم مع المتفلتين، وتكثيف الدوريات داخل الأحياء التي تضم أعدادا كبيرة من عصابات "النيقرز"، وتجريم حمل السلاح الأبيض، وحصر حمل السلاح الناري على القوات النظامية.
النهب بالدراجات النارية
وبحسب تقرير شرطة الخرطوم، فإن الولاية خلال الثلث الأول من العام الحالي شهدت 175 جريمة قتل، و22 ألفا و381 سرقة، و823 حالة نهب، و147 حالة اغتصاب أطفال، و58 حالة تزييف عملة، و1883 جريمة مخدرات.
وأعطى التقرير مقارنة بين فترة التقرير لهذه السنة والفترة ذاتها من العام السابق في جرائم النهب والخطف التي باتت تعرف محليا باسم "9 طويلة" بعد تزايد حالات النهب بالدراجات النارية.
وأوضح أن الثلث الأول من العام الحالي سجل 823 حالة نهب مقارنة بـ1570 حالة في الثلث الأول من العام 2020، بنسبة نقصان 46.9%.
وطبقا للتقرير وقعت 196 سرقة سيارة هذا العام، استرد منها 116 سيارة بنسبة 59%، ومقارنة بأشهر هذا العام وقعت 106 سرقات لسيارات في يناير/كانون الثاني وفبراير/شباط الماضيين مقارنة بـ90 سرقة سيارات في مارس/آذار وأبريل/نيسان السابقين.
ويشير تحليل جهاز المخابرات إلى أن معظم سرقات السيارات تتم بدوافع إجرامية لاستخدام السيارة المسروقة في تنفيذ جرائم أخرى.
استغلال سياسي
ويؤكد والي الخرطوم أيمن نمر أن إحصاءات الشرطة بالفعل تشير بوضوح إلى انخفاض الجريمة مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي، لكن هناك محاولات لتضخيم الجرائم وبث الشائعات لاستغلال الأمر سياسيا وبث عدم الطمأنينة وسط المواطنين.
ويقر الوالي بأن شرطة الخرطوم تعاني من نقص حاد في القوة العاملة، فكل 700 مواطن يقابلهم رجل شرطة واحد، إضافة للنقص الكبير في المتحركات وعدد الأقسام مقارنة بمساحة الولاية وعدد سكانها.
ويؤكد أن حكومته تعمل مع قيادة الشرطة على سد النقص في المطلوبات اللوجستية من متحركات (سيارات ودراجات..) وتأهيل الأقسام والمراكز الشرطية ونقاط التأمين بالأحياء لأن أمن المواطن تنبني عليه كل الخطط الأخرى.
ويشير إلى أهمية إعادة هيكلة قوات الشرطة بعد أن عرضها نظام عمر البشير للتشريد والتخريب والتسييس، وذلك بترسيخ عقيدة جديدة تساهم في بناء دولة القانون المدنية وقيام الشرطة بدورها في صون أمن وسلامة المواطن.
"هزر أمني"
وأحصت تقارير المخابرات العامة نحو 70 منطقة "هزر أمني" في مناطق الولاية الثلاث -الخرطوم وأم درمان والخرطوم بحري- بواقع 24 منطقة بالخرطوم، و24 في أم درمان، و21 بالخرطوم بحري.
ومناطق "الهزر الأمني" هي مناطق معرضة للجريمة بحكم موقعها ومستقبلة للجرائم من مصادر جريمة قريبة.
وبحسب تقرير شرطة الخرطوم، فإنه أمكن السيطرة على المواقع المصدرة للجريمة بالأحياء الطرفية، وتكثيف إجراءات المنع في المناطق المستقبلة عن طريق أحزمة أمنية فاصلة.
وحدد التقرير أسباب جرائم النهب في الدراجات النارية غير المقننة وانتشار السلاح الأبيض مما دفع الشرطة لتنظيم حملات مصادرة، ومراعاة زيادة الانتشار الشرطي في أوقات عودة الموظفين وطلاب الجامعات.
وأثبت تقرير المخابرات أن السلاح الأبيض هو المسيطر في ارتكاب جرائم القتل، وكمثال فإن جرائم القتل العمد سجلت 38 حالة خلال مارس/آذار الماضي، منها 30 حالة قتل بآلة حادة.
مشكلات لوجستية
وعكس تقرير الشرطة صعوبات لوجستية تواجه عناصرها بولاية الخرطوم التي يقطنها ما بين 8 و10 ملايين نسمة.
وأوصى بزيادة وتحديث أسطول سيارات الشرطة "دوريات ونجدة"، وتوفير دراجات نارية جديدة للعمل في الشوارع ومنع جرائم النهب والخطف.
وأورد أن عدد الأقسام الجنائية 101 قسم بمحليات ولاية الخرطوم، لكن الحاجة تتطلب المزيد لتغطية دائرة الاختصاص، وطلب إنشاء 7 أقسام كمرحلة أولى بالمواقع الطرفية، وتأهيل 19 قسم شرطة، وتشييد 4 أقسام لحماية الأسرة والطفل.
كما أوصى التقرير بتوفير 101 سيارة حادث جديدة بأقسام الشرطة، وأفاد بأن العمل جارٍ مع حكومة الولاية ورئاسة الشرطة ولجان خدمات الأحياء لصيانة 363 موقع تأمين من جملة 509 مواقع لا يعمل منها سوى 140 موقعا فقط.
ويشير إلى أن قطاع النجدة يعمل بأقل من نصف قوته بعدد 64 سيارة من أصل 148 مركبة بنسبة تشغيل 43% فقط، وعليه يحتاج إلى 100 سيارة جديدة لتحقيق الانتشار الشرطي الفاعل.
ويضيف أن "قطاع السواري" (الحراس الذين يمتطون الخيل) يحتاج لرفده بخيول جيدة وتهيأة الإسطبلات وتوفير الرعاية البيطرية.
وبشأن الاتصالات يوصي بتوفير 150 جهاز قصير المدى ثابتا، و300 جهاز قصير المدى متحرك ومثلها أجهزة يدوية، و32 جهاز طويل المدى ثابتا و30 مثلها متحركا.
ونسبة لتمدد الولاية الجغرافي، طلبت الشرطة إضافة 817 كاميرا مراقبة وما يلزمها من أجهزة طاقة شمسية، وتوفير تكاليف إعاشة المنتظرين بأقسام الشرطة.