“المرشحة”.. رواية رخيصة تحرض على كراهية المسلمين

  • زمن:May 05
  • مكتوبة : smartwearsonline
  • فئة:ملابس ذكية

A Decrease font size.A Reset font size.A Increase font size.

شتيفان بوخن* – (موقع قنطرة) 22/1/2022

“فجر ألمانيا الإسلامي الجديد”

رواية المذيع الألماني قسطنطين شرايبر رخيصة تخاطب المخاوف وتثير الكراهية بالتحذير من سيطرة مسلمين على ألمانيا، كما يرى الصحفي الألماني شتيفان بوخن.

* *في الحقيقة ليس حريا بالمرء أن يضيع ثانية واحدة في قراءة هذا الكتاب. غير أن مكانة المؤلف الاجتماعية وشهرته سببان كافيان للقيام بذلك. فقسطنطين شرايبر هو مقدم لنشرة أخبار التلفزيون العمومي الألماني المعروفة “بـالتاغسشاو”.

وقد أصبح شرايبر منذ بداية العام 2021 أحد المذيعين المنتقين بعناية لتقديم نشرة الثامنة مساء، وهي النشرة الإخبارية الأكثر متابعة في ألمانيا. وهو ما يعني ببساطة أن شرايبر أصبح من المشاهير.

وبذلك، ليس من المستغرب أن تسهم هذه الشهرة في رفع مبيعات روايته “المرشحة”.

على عكس كتابيه السابقين غير الروائيين، وهما كتاب “داخل الإسلام” وكتاب “أطفال القرآن”، اللذين عرض فيهما شرايبر أفكاره بكل وضوح ومن دون مواربة، كان عليه هذه المرة أن يختلق قصة ما لتأليف رواية عن الإسلام.

ولا ريب في أن شرايبر لقي كل العون في ذلك من الكاتب الفرنسي، ميشال ويلبيك، الذي رسم في روايته “الاستسلام” صورة لواقع مستقبلي يؤول فيه حكم الجمهورية الفرنسية إلى رئيس مسلم.

ولكن، مع أن شرايبر حاول التقليل من تأثير رواية ويلبيك على روايته، إلا أن التشابه بين القصتين واضح لا تخطئه العين. وقد نقل السيد “المذيع” الإطار المكاني لروايته إلى ألمانيا، حيث بطلة الرواية امرأة مسلمة مترشحة لمنصب المستشارية في البلد.

امرأة مسلمة كعلامة للتنوع

بحسب التنبؤات المستقبلية للسيد شرايبر، فإن صباح حسين، مرشحة “الحزب البيئي” هي الأوفر حظا للفوز بالانتخابات لتصبح المستشارة الألمانية المقبلة.

ووفقا لهذا السيناريو المستقبلي، فإن “مميزات التنوع الثقافي” ستكون الورقة الرابحة داخل ألمانيا بعد 15 سنة من اليوم.

وهذا ما ستستغله صباح حسين من دون تردد حين تستخدم ميزة التنوع الثقافي الخاصة بها (كونها امرأة مسلمة) لتصعد السلم الوظيفي وترتقي في أوساط المجتمع الألماني. وحتى مع أنها نزعت حجابها من قبل، فإنها ما تزال من أتباع القرآن المخلصين.

ونراها تلتقي في الخفاء بإمام مسجد في حي نويكولن (وهو حي برليني يتميز بالتواجد الكثيف للجاليات العربية والمسلمة) بحثا عن المشورة. وفي حين ينشط إخوتها الذكور في عائلات الجريمة المنظمة، تعمل هي على أن يظل ذلك طي الكتمان.

تزور صباح حسين أثناء رحلة عمل إلى لبنان مخيما للاجئين قررت الحكومة الألمانية منح حق اللجوء لخمسة آلاف من ساكنيه كل شهر. لكن صباح حسين تطمح إلى رفع تلك الحصة الشهرية لتصل إلى عشرة آلاف، لأن هجرة المسلمين إلى ألمانيا ستعزز منفرصها الانتخابية.

فسوف تكون غالبية المهاجرين من فئة الشباب الذين يضخم قانون الانتخابات وزنهم الانتخابي؛ حيث يتمتع كل شخص بلغ سن السادسة عشرة ولديه تصريح إقامة الحق في التصويت.

وحسب سيناريو التخويف الذي يصوره لنا شرايبر في روايته، على الطرف المقابل لا يحق للألمان ممن تجاوزت أعمارهم سن السبعين ال في الانتخابات.

تصور الرواية ألمانيا -التي جاءت إليها صباح حسين طفلة لاجئة وارتقت فيها أعلى السلم الاجتماعي- على أنها فردوس للمسلمين، حيث تسود فيها أنظمة للمحاصصة الشاملة لتفضيل المسلمين في سوق العمل.

وتلزم تلك الأنظمة المؤسسات الخاصة بأن يكون ربع موظفيها من المسلمين الملتزمين. وفي حال عدم الالتزام بتلك الحصص يمكن تسريح الموظفين غير الحاملين “لمميزات التعددية” في أجل أقصاه ستة أسابيع.

“المرشحة”.. رواية رخيصة تحرض على كراهية المسلمين

ويشمل نظام المحاصصة تسهيلات لجماعات أخرى ذات “مميزات تعددية”، مثل ذوي “البشرة غير البيضاء” والمثليين والنساء. ونشاهد أثناء مظاهرة للحزب البيئي شابا ينادي المتظاهرين عبر الميكروفون: “هل تريدون سياسة للتعددية المطلقة؟”، فتجيبه الحشود بجواب متوقع: “نعم، نرغب في ذلك!”.

لا أثر للأدب الساخر في الرواية

تؤكد صباح حسين، مجددا في مقابلة صحفية، أن حزبها ينوي فرض سياسة تنوع شامل، وذلك درءا لأي سوء فهم قد يطرأ تجاهها، معقبة بأنها، في حال فازت بمنصب المستشارية، ستعمل على إتمام إنجازات حزبها في هذا المجال.

وبينما تواصل الأحياء التي يقطنها الألمان البيض من ذوي الامتيازات -مثل تلك الأحياء المطلة على نهر الإلبه بمدينة هامبورغ- التقوقع على نفسها، تهدف المرشحة المسلمة لمنصب المستشارية إلى توطين المهاجرين في تلك الأحياء الثرية، ولديها من أجل ذلك تصور واضح عن كيفية تمويل مثل هذه البرامج الحكومية: عن طريق فرض “ضريبة على البيض”.

ولا تتخلل هذا النص الرديء غير القابل للتأويل أي نبرة أدبية ساخرة أو تهكمية. إنه يجسد رؤية مؤلف كتاب “من داخل الإسلام” للمستقبل.

كان شرايبر قد أشار في مقالات نشرت تزامنا مع إطلاق الرواية إلى أنه أراد وضع تصور لتطور الأوضاع الراهنة مستقبلا وإلى أنه اعتمد في ذلك على الوقائع وعلى النقاشات الدائرة بأمانة لا تقبل الشك، كما يدعي مذيع الأخبار السيد شرايبر.

وقد أعلنت دار نشر “هوفمان أوند كامبه”، ومقرها هامبورغ، عن إطلاق الرواية ببيان صحفي ورد فيه ما يلي: “(المرشحة)، هي رواية جريئة ذات قوة تفجير سياسي ورؤية مستقبلية ثاقبة”.

ولم تُجب “هوفمان أوند كامبه” عن الأسئلة حول ما إذا كانت لدار النشر تحفظات بشأن نشر الرواية، بسبب رداءة النص الأدبي، على سبيل المثال لا الحصر.

وتعلم دار النشر والكاتب على حد سواء أن بإمكانهما الاستشهاد بـ”الخيال الأدبي” كذريعة إذا اقتضى الأمر، وبحجة أن هذه الرواية هي قبل كل شيء مجرد خيال يرتقي بها لن تكون عملا فنيا.

وكخطوة استباقية أسر شرايبر في حوارات صحفية بأنه ربما يكون قد “بالغ في وصف” بعض الأحداث، وأن الكتاب تخالطه بعض اللمسات الساخرة.

أسلمة عبر الباب الخلفي

لكن ستار الخيال في الرواية رقيق لا يستطيع أن يخفي ما وراءه. ومن السهل النظر من خلاله ورؤية الأسلمة وهي تزحف على مختلف أوجه الحياة داخل ألمانيا.

في الفصل العاشر من الرواية يقوم رجال، ليسوا من جهاز الشرطة، ويحملون سمات “التنوع الثقافي”، بإغلاق شوارع حي نويكولن البرليني كل يوم جمعة، ليُمكنوا السكان من الصلاة في الشارع مع مراعاة عدم الاختلاط عبر الخطوط الفاصلة بين نصفيْ الطريق.

وهنا لا يفوت شرايبر الفرصة، وهو الخبير بدقائق الدين الإسلامي، الإشارة بكل أمانة علمية، إلى أن المصلين “يولون وجوههم شطر الكعبة بالمسجد الحرام بمكة”.

“قطع الطريق أمام استيلاء الإسلاميين على الحكم بألمانيا”

لكن شرطية من جهاز الشرطة الفيدرالي الألماني تضيق ذرعا بما يحصل وتطلق النار من بندقيتها على صباح حسين لتتسبب لها بإصابات خطيرة.

وتدعي المهاجمة، وهي “امرأة ألمانية شقراء من شرق ألمانيا”، بأن كثيرين من زملائها في جهاز الشرطة يشاطرونها الرأي، “لقد أدركوا، مثل ما أدركتْ هي، الألاعيب التي يحيكها السياسيون”.

وتقر المتهمة أمام المحكمة بارتكابها الهجوم. وعند سؤال المدعية العامة لها عن سبب إقدامها على إطلاق النار على صباح حسين، تعلل ذلك بقولها: “لقد أردتُ قطع الطريق على اعتلاء ناشطة إسلامية سدة الحكم بألمانيا”.

وتواصل المتهمة تبرير موقفها أمام المحكمة: “لماذا يقف الحزب المسيحي بلا حراك أمام ما يحصل؟ لماذا ينشط الشباب الألماني للدفاع عن الحجاب، وحصص أتباع الدين الإسلامي في المدارس، والمزيد من المساجد والمآذن، ومن أجل جلب المزيد من المهاجرين المسلمين؟ إنا نتجه إلى الهاوية. إن الهدف من كل هذا ليس التنوع، كلا، بل السيطرة على بلدنا!”.

ولكن لم يحالف الحظ دينيزه شتاين، المتهمة الشقراء. كانت القاضية المكلفة بالنظر في القضية مسلمة ترتدي حجابا أسود اللون يعلو رداء القضاة الأسود، ما يجعلها تبدو وكأنها “امرأة إيرانية تلتحف الشادور”.

مع ذلك، ترفض السلطات الالتماس الذي تقدمت به المتهمة لاستبدال القاضية المسلمة بحجة أنها غير محايدة. فقد قررت المحكمة أن هذه القاضية، بخلفيتها المسلمة، هي الشخص المناسب تماما لتولي النظر في قضية تدور مجرياتها حول “العنصرية وحول جريمة كراهية لا لبس فيها”. ثم يصدر الحكم على المتهمة بالإدانة، في حين تتعافى بطلة القصة من إصابتها.

تنتهي الحكاية قُبيل إعلان نتيجة الانتخابات بلحظات قليلة في المساء. وتقضي المرشحة لمنصب المستشارة وقتها بالصلاة إلى أن تحين الساعة السادسة مساء على سجادة افترشتها على أرضية مكتبها، وقد اختارت صباح حسين الكلمات التي ستقولها إذا فازت بالانتخابات: “لقد طلع فجر ألمانيا الجديدة”.

للمرء أن يتساءل عن المصداقية التي يتمتع بها السيد مذيع الأخبار الذي يعمل في أهم برنامج إخباري ألماني، وهو شخص أبيض البشرة، في تناوله “الناقد” للشطط في سياسات التنوع الثقافي. لكن هذا يظل أمرا ثانويا في الحقيقة.

فمن منظور تاريخي أدبي، ليست روايته “المرشحة” سوى استمرار لجنس أدبي من الروايات الرخيصة التي راجت بكثرة في العشرينيات والثلاثينيات من القرن الماضي، والتي خاطبت في حينها هي الأخرى مخاوف الجماهير وأشعلت نار الكراهية داخلهم، محذرة إياهم من “سيطرة الآخرين على بلادنا”.

وكان هذا هو ما تغافلت عنه التقارير الصحفية التي تناولت الرواية. وقد عرضت العديد من وسائل الإعلام الرصينة الكتاب بإيجابية، مثل صحيفتي “تاغسشبيغل” البرلينية و”هامبورغر آبنْدبلات” من مدينة هامبورغ، في حين نشرت كل من صحف “تسايت” و”فيلت” و”برلينر تسايتونغ” حوارات صحفية مع مؤلف الرواية.

ولا غرابة في هذا؛ فالماكينة التسويقية تسير على خير ما يرام، والقصص عن الانهيار الوشيك المزعوم لدول الغرب ترفع من المبيعات. وفي الوقتت نفسه، يؤكد قسطنطين شرايبر أن كل ما يرمي إليه هو دعوة القراء إلى لتفكر والتمعن، مضيفا أن روايته في حقيقة الأمر ما هي إلا صرخة إنذار في وجه التطرف اليميني. بكل تأكيد.

*ترجمه عن الألمانية لموقع “قنطرة”صهيب زمال.*شتيفان بوخن: صحفي يعمل مع مجلة “بانوراما” التلفزيونية في القناة العمومية الألمانية الأولى.

اقرأ المزيد في ترجمات

الوسومترجمات