على أطراف مدينة 6 أكتوبر بمحافظة الجيزة يقع واحد من 50 مصنعاً تننتج أكياساً بلاستيكية قابلة للتحلل، بحسب تصريحات خالد أبوالمكارم، رئيس شعبة البلاستيك بغرفة الصناعات الكيماوية، التابعة لاتحاد الصناعات، فى أكتوبر الماضى.
وينتج المصنع أكياساً صديقة للبيئة بنفس الماكينات المستخدمة فى صناعة الأكياس البلاستيكية العادية، ويؤكد محمد عبدالرحمن، ٤٢ سنة، صاحب المصنع، أن إضافة مادة التحلل لا تغير من خواص الأكياس شيئاً، ولا تتطلب تغيير الأجزاء الميكانيكية لآلات الإنتاج، مشيراً إلى أن استيراد تلك المادة يخضع لمعايير محددة تضعها الشركة المصنعة لها، بجانب تفتيش دورى على المصانع المنتجة لأكياس بلاستيكية باستخدام تلك المادة، يشرف عليه خبراء فى صناعة البلاستيك، وفى حال مخالفة أحد المصانع لمعايير الجودة والنسب التى حددتها الشركة يتم سحب ترخيص استيراد تلك المادة من المصنع، وفرض حظر على المصنع المخالف حتى يلتزم بالنسب التى حددتها الشركة المصنعة وتتمثل فى إضافة ١٪ من المادة الخام على البولى إيثيلين أو البولى بروبالين.
ساحة كبيرة بها العديد من المواد الخام التى يتم تخزينها حتى استخدامها فى صناعة الأكياس، إلى جوارها عدد من عبوات محكمة الغلق بها مادة تسمى «d2w»، وهى عبارة عن كرات صغيرة الحجم لونها رمادى، تشبه حبات الغلال، وتستخدم فى تحويل الأكياس العادية إلى أكياس قابلة للتحلل، وهى مادة كيميائية لها خصائص معينة تسمح بتكسر جزيئات البلاستيك، الأمر الذى يؤدى إلى تحلله بيولوجياً.
بوابة كبيرة تعد هى المدخل الأوحد للمصنع تفصل بين إدارته وبين ساحة المصنع المليئة بمعدات التصنيع، إلى جوارها عدد كبير من العمال، بجوار آلة الخلط والدمج، وهى عبارة عن إناء كبير الحجم مثبت على قاعدة حديدية وبداخله ذراع من مادة مقاومة للصدأ يستخدم فى خلط مكونات الأكياس، وقف شعبان عويس، ٣٢ سنة، أحد عمال المصنع، ينتظر تسلم «أوردر» عمل جديد، يقول لـ«الوطن»: «دورى فى المصنع تسلم طلبات الشغل، ودى بتكون عبارة عن ورقة مطبوعة ومكتوب فيها كل مواصفات الأكياس المطلوبة، بداية من مواصفات الكيس وأبعاده، مروراً بعدد الأكياس، وانتهاء بلون الكيس نفسه»، طبيعة عمل «عويس» تتطلب منه ضرورة التأكد من الخلطة المراد استخدامها فى التصنيع حتى لا يكون هناك خلل فى النسب المطلوبة.
يرى «عويس» أنه لا بد من التوسع فى استخدام الأكياس القابلة للتحلل باعتبارها ذات أهمية كبيرة فى الحفاظ على البيئة: «من الطبيعى إن الكل يحاول يحافظ على بلدنا والأكياس العادية بتسبب مشاكل كتيرة، لكن القابلة للتحلل بتختفى بعد فترة محددة علشان كده نفسى إن كل مصانع البلاستيك تنتج أكياس قابلة للتحلل، وبكده نكون بنشارك فى خدمة البيئة ونحافظ عليها من التلوث».
يحكى محمد عبدالرحمن، صاحب المصنع، رحلته مع تصنيع أكياس صديقة للبيئة فيقول إنه بعد فترة كبيرة من العمل فى مجال صناعة الأكياس العادية قرر أن يتوجه إلى تصنيع الأكياس القابلة للتحلل رغبة منه فى الحفاظ على البيئة كما يؤكد، فهو الذى عمل فى صناعة الأكياس منذ ٩ أعوام سبقت قراره بتحويل منتجاته إلى صديقة للبيئة، وكانت البداية منذ عام مضى عندما أيقن أنه لا بد له من الوصول إلى السلاسل الكبيرة ذات الاستهلاك العالى: «علشان أبيع أكتر، كان لازم أتعاقد مع محلات كبيرة، فرُحت هايبر ماركت شهير، قال لى لازم يكون منتجك قابل للتحلل وهنتأكد من سلامة النسب الموضوعة بنفسنا من خلال معامل متخصصة»، بدأ يفكر «عبدالرحمن» فى وسيلة تمكنه من جلب تلك المادة التى لا يعرف شيئاً عنها، حتى خصائصها الكيميائية مجهولة بالنسبة له، ولكنه يسعى أن يدخلها إلى مصنعه حتى يتمكن من التعاقد مع الهايبر ماركت الشهير: «عرفت إن فيه وكيل لشركة إنجليزية بتصنع مادة بيقولوا إنها فيها خصائص كيميائية بتأثر على البولى إيثيلين، المادة الخام للأكياس، وإن المادة دى بتحلل الأكياس حيوياً بعد ١٨ أسبوعاً أو على حسب رغبة العميل نفسه، تواصلت مع الوكيل وبدوره أكد لى إن خطوات التصنيع مش هتختلف بعد وضع المادة الخام، وإن خصائص الكيس مش هتختلف بعد وضع المادة، جبنا المادة منه بعد ما تواصل مع المصنع فى إنجلترا، علشان يديهم المواصفات اللى أنا محتاجها فى الأكياس واللى حددها الهايبر ماركت، وتعاقدت معهم من خلاله، بعد كده وصلتنى المادة، وعملنا عينة أكياس باستخدام مادة التحلل، وبعتناها للماركت علشان يتأكد من النسبة، ومن صلاحية الأكياس للاستخدام، وربنا كرم والهايير ماركت وافق»، بعد نجاح «عبدالرحمن» فى التعاقد مع الهايبر ماركت، قرر أن يروج لسلعته الجديدة وذلك من خلال السعى لإبرام أكبر عدد ممكن من عقود الشراكة مع السلاسل الشهيرة، وبالفعل كان له ما أراد: «قُلت لازم أكبر إنتاجى من الأكياس صديقة البيئة، وكلمت الشركة اللى بتصنع البولى إيثيلين فى السعودية علشان أزود حصتى من المادة الخام لصناعة الأكياس، وفعلاً نجحت فى ده وحالياً بصنع لأكبر ٤ سلاسل هايبر ماركت فى مصر».
مراحل عديدة تمر بها الأكياس القابلة للتحلل الحرارى حتى يكتمل الشكل الجمالى لها، حيث تبدأ عمليات التصنيع بمرحلة السحب والتى يعرفها صاحب المصنع بأنها المرحلة التى يتحول فيها البولى إيثيلين من شكله الخام حيث يكون على هيئة كرات صغيرة إلى «رول» ذات لون محدد منذ بداية الصنع، قائلاً: «بعتبر إن السحب هو أهم مراحل التصنيع، لأن فى المرحلة دى بيتحول البولى إيثيلين إلى رول بعد ما كان مجرد كرات صغيرة ملهاش قيمة، وأهمية المرحلة دى فى إنها حساسة جداً وبتأثر على جودة الكيس نفسه، فلازم يكون فيه مراعاة للنسب وطريقة العجن».
تبدأ مرحلة السحب، كما يقول صاحب المصنع، من المادة الخام سواء كانت بولى إيثيلين أو بولى بروبالين، حيث يتم وضعها فى إناء عميق مرتفع قليلاً عن الأرض ومثبت بأذرع حديدية خلف الواجهة الأمامية لجهاز السحب، ثم تعجن تلك المادة عن طريق السخانات حتى يتم بسط المادة ثم بعد ذلك تتعرض للتبريد المفاجئ لتخرج فى النهاية على هيئة رول كبير يتم تقطيعه فيما بعد، لتأتى بعد ذلك مرحلة تقطيع «الرول» إلى أجزاء صغيرة بمقاسات يتم تحديدها قبل بدء عملية الخلط، ثم المرحلة الثالثة وهى مرحلة الطباعة وكتابة بيانات العميل، والمرحلة الرابعة هى عمل «يد» الشنط.
يرى محمد أحمد، ٤٣ سنة، أحد ملاك المصنع، أنه لا بد من وجود قرار إلزامى يجبر كافة المصانع على تصنيع تلك الشنط والتى تحمى البيئة من أضرار الأكياس البلاستيكية والتى لا يمكن مواجهتها بالطرق العادية كإعادة التدوير، حيث لا يمكن جمع تلك الأكياس وإعادتها مره أخرى للاستخدام، لذا فهى تعد أزمة كبرى لا بد من التصدى لها: «مستحيل يكون فيه نباش بيدور على كيس بلاستيك لأنه ملوش قيمة بالنسبة له، علشان كده الكيس بيفضل مرمى فى الشارع أو على الشجر لحد ما يوصل الميه وبيسبب مشاكل للحياة البحرية».
ويرى مالك المصنع أن أحد أسباب عزوف الشركات عن شراء الأكياس القابلة للتحلل هى زيادة سعرها عن الأكياس التقليدية، حيث إن ثمن الطن يزيد ٢٠٠٠ جنيه إضافة إلى سعر طن المادة الخام، ما يؤدى إلى مقاطعة بعض أصحاب الشركات شراءها بدعوى توفير بعض النفقات المالية.
عمال المصنع هم الآخرون يرون أنه من الأفضل أن يكون المنتج الذى يعملون عليه صديقاً للبيئة، فوجود تلك الأكياس ملقاة على الأرصفة يؤثر بشكل كبير على الشكل الجمالى للشوارع، فبحسب أحمد محمد، ٢٧ سنة، أحد عمال المصنع، ومسئول عن طباعة الأكياس، فإنه لا بد أن يراعى الجميع حقوق البيئة عليهم، فيجب عدم النظر إلى تحقيق أقصى أرباح ممكنة على حساب نظافة البيئة وأنه لا بد أن تكون هناك مبادرات واعية ومنع تام لاستخدام تلك الأكياس غير القابلة للتحلل: «شغال بقالى ١١ سنة فى مجال البلاستيك، ومن سنة بالظبط بدأنا نشتغل على الأكياس القابلة للتحلل، ومن وقتها وكل هدفى أنا وزمايلى إنتاج أكياس صديقة للبيئة، ويوم عن يوم بلاقى الإدارة بتعمل اجتماعات معانا علشان نحسن جودة المنتج بتاعنا علشان نقدر ننافس غيرنا، خصوصاً إن سعرنا غالى لأنه مضاف إليه تمن المادة الخام القابلة للتحلل».