حقق النظام السوري انتصاراً ساحقاً في قضية اختطاف الطفل السوري فواز قطيفان في درعا السورية، القضية التي كانت الشاغل الأكبر لإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي في الفترة الأخيرة. الحادث ليس فريداً في سياق الحرب المستمرة، وإن كان مروعاً ومزلزلاً، غير أنه استُثمر هذه المرة إلى آخر حدّ ممكن من قبل أجهزة النظام.هو أولاً، وكأي حادث مروع في البلاد، عليه أن يخيف السوريين ويشعرهم بالحاجة إلى «الدولة» ، حتى لو حامت الشكوك بأن الأخيرة هي نفسها وراء الحادث، في النتيجة يريد الناس الأمان. ثانياً، استطاعت الشرطة وأجهزة الأمن والإعلام الرسمي أن يكونوا البطل المحرِّر، تماماً كما يحدث في الفيلم الهوليوودي حيث الانتصار النهائي للدولة وسطوتها وقوانينها (تحقق ذلك حتى قبل أن يوجّه والد الضحية التحية لسيد الوطن). ثالثاً؛ يصعب ألا يتذكر متابع للحدث أن تفجير الثورة في السورية في آذار من العام 2011 بدأ من درعا إثر اعتقال مجموعة من الأطفال كتبوا شعارات معارضة للنظام، عذبوا وأهينوا كما أهين أهلوهم، بالتالي فإن صورة طفل اليوم من شأنها أن تدحض الصورة السالفة. رابعاً (ويبدو أن لكل حدث سوري دروساً لا تستنفد) حرص إعلام النظام أن يستصرح أحد أطراف عائلة الطفل، ليقول إن أحداً لا يمثل عشيرة الطفل، لا في الداخل ولا في الخارج، ولعلها رسالة موجهة إلى الممثل المعارض عبدالحكيم قطيفان الذي ظهر في أكثر من فيديو مدلياً بأكثر من تصريح حول قضية الاختطاف. الممثل النجم يبقى رقماً صعباً، ويظل يعني شيئاً للأنظمة.
بالنسبة لنا، نحن المؤمنين بأن النظام طوال الوقت خطفَ واعتقلَ وعذّبَ وقتلَ الأطفال، من درعا إلى سواها، لن يكون غريباً علينا أن يضيف إلى جرائمه واحدة، حتى لو انتهت هذه المرة هذه النهاية السعيدة، وهذا ليس من طبعه. على الأقل، إنها جزء من مسؤوليته.
كاريزمات مطمورة
على مستوى الشكل، لا يمكن أن تخطئ العين أي فيديو مصور لتظاهرات مدينة السويداء السورية (جنوب) الأخيرة، اللباس يشير فوراً إلى أبناء طائفة الموحدين، كما أن الرايات الدرزية لا تخفى، مع غياب كلّي لعلم الثورة السورية، وكذلك علم النظام. علماً أن بعض الخطباء أشار إلى أنهم لا يرفعون العلم بسبب عصبية دينية، وإنما فقط لأن قائد الثورة السورية سلطان باشا الأطرش رفع هذا العلم أثناء الثورة ضد الفرنسيين.
راية الدين فوق الرؤوس لا تخفى إذن، وقد يكون الأمر مجرد شد للعصب وحشد للطاقات ورفع لمستوى الأدرينالين، ذلك أن فحوى الخطابات هنا وهناك لا تشي على الإطلاق بأي نوع من العصبية. هناك التزام بخطاب شبه ثابت، الدولة المدنية، العدالة، الكرامة. الخبز، ومفردات العيش تأتي دائماً تالياً. مؤدى الخطابات كان يؤكد لافتة واحد طغت على المشهد: «هنا السويداء، هنا سوريا» .بالإمكان أيضاً الانتباه إلى ميزة حملتها معظم الفيديوهات؛ معظم المتحدثين، ويغلب عليهم سن الشباب، كانوا خطباء بارعين، منطق متوازن، كاريزما شخصية لافتة، وحرص كبير على التوجه إلى عموم الشعب السوري ومختلف مدنه وطوائفه للتأكيد على الانتماء الواحد. تكشف الفيديوهات عن كاريزمات شخصية كانت مطمورة مثل كل ما هو مطمور بسبب طغيان النظام الرهيب.واضح أن ليس من السهل إسكاتهم، وإقناعهم بما لم تستطعه عشريةٌ بحالها.
فراس إبراهيم معارضاً
أرسى الممثل السوري فراس إبراهيم ملامح نظريته بخصوص «المعارض الوطني» ، فقد فرّق، في برنامج «شو القصة» مع رابعة الزيات، بين «الفنان المطبّل» ، و«الفنان المعارض الوطني»، فالأخير هو من يتحدث عن الفساد، الكهرباء، المشافي. الفنان هو صوت الناس، هو من في إمكانه أن يقول للحكومات أو الأنظمة أنتم على غلط. هذا هو الفنان، وليس الفنان الذي يقف أمام الكاميرا ليقول الجملة اللي حافظها أمام الناس. ويحضر مهرجانات ويأخذ تكريمات» .
في ختام المقابلة أرادت مضيفته أن تتأكد مما سمعتْ:» أعتقد أنك صنفتَ نفسك معارضاً وطنياً»، وهنا كانت فرصته ليؤكد الملمح الأساس في النظرية، ما يبدو أنه سيشفع له عند الحساب: «أنا في سوريا، ما عم أحكي من برا، والقصة قصة حضور حقيقي. أكتب كي أقول للمسؤول ما بدنا نعتاد على هذا الوضع. والعصر الحجري لا يناسبني» .لا ندري بالضبط من يقصد الفنان عندما يقول إنه صوت الناس، فإن كانت «الناس» تعني السوريين فلا بدّ أنه يدرك أن هؤلاء باتوا، على الأقل، نصفين، فهل بإمكانه أن يوصل وجعاً، جزءاً من وجع الباقين، أن يطالب مثلاً بإطلاق سراح زميليه الممثلين زكي كورديللو وولده مهيار، وسواهم من الآلاف من المعتقلين والمخطوفين والمغيبين؟ هل سمع صيحة أسرة الطبيبة رانيا العباسي المعتقلة مع أطفالها منذ تسع سنوات؟
كاتب فلسطيني سوري