لم يكن في سوريا، حتى نهاية الحرب العالمية الأولى، متحف في أي مدينة من مدنها، بحسب بشير زهدي، عالم آثار وأمين سابق لمتحف دمشق الوطني حتى 2003. وبعد انتهاء الحرب تأسس في دمشق (ديوان المعارف)، وخصصت إحدى قاعات مبنى المدرسة العادلية مقراً له، وبدأت العائلات الدمشقية تهدي المتحف الوليد ما لديها من مقتنيات، شكلت نواة المجموعات الأولى لأول متحف في سوريا.
أول متحف في حلب
أما في حلب فقد تأسس أول متحف فيها عام 1928، ومع بداية 1945 أصبح واحداً من ثلاثة متاحف في سوريا، مع متحفي دمشق والسويداء. وفي عام 1966 اتخذ قرار بهدم المتحف القديم واستبداله بمبنى جديد أكبر حجماً، الأمر الذي ساعد على توسعته ليشمل، إضافة إلى فرع آثار الشرق القديم، فروعاً للآثار الكلاسيكية والآثار العربية الإسلامية والفن الحديث، وفرع ما قبل التاريخ.
وأصبح متحف حلب الوطني من أهم متاحف العالم، نسبة لأهمية مجموعاته الأثرية، متموضعاً في شمال غربي مدينة حلب القديمة، على مسافة قريبة نسبياً من برج ساعة باب الفرج.
واجهة القصر
يقابل الزائر أمام بوابة المتحف الرئيسة نسخة من واجهة القصر الملكي في تل حلف، أما الأصلية فقد دمرت في برلين خلال الحرب العالمية الثانية عام 1945، وهي تعود إلى القرن التاسع قبل الميلاد (عصر الحديد)، وقد استخدم في تشكيلها الأسمنت الأسود المخلوط بالرمل والبحص الأسود مع شبكات حديدية.
وتتألف الواجهة من تماثيل ضخمة، تعود، بحسب أنطوان مورتغات، مؤسس الشكل الحالي لعلم آثار الشرق القديم، لآلهة حورية ثلاثة، وهم، تيشوب إله السماء والطقس وقرينته خيبات السورية آلهة الحب والحرب وابنهما شرما، وتنتصب هذه الآلهة على أسدين وثور، ساندة برؤوسها سقف المبنى.
يذكر أن متحف حلب تأسس في الأصل ليضم الآثار التي اكتشفت في "تل حلف" في رأس العين، الذي يضم أول كشف لآثار من العصر الحجري الحديث، وقد سميت الحضارة المنسوبة إليه بالحضارة الحلفية، المتميزة بالفخاريات المزججة المزينة برسوم هندسية وحيوانية.
عمارة المتحف
يتألف مبنى المتحف من طابقين وقبو، وحديقتين عبارة عن مسطحات خضراء، تضم تماثيل ومنحوتات حجرية وتيجان أعمدة، موزعة في أماكن متفرقة منها، إضافة إلى مبنى ملحق خاص بمكاتب المديرية العامة للآثار والمتاحف، يتصل المبنى بكتلة المتحف عبر ممر في الطابق الأرضي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويتقدم الواجهة الغربية درج رئيس يؤدي إلى بهو المتحف في الطابق الأرضي، حيث تتوزع فيه مجموعة غرف إدارية وقاعات عرض منتشرة في الفناء الداخلي، وأول ما يطالعنا جناح عصور ما قبل التاريخ، ثم تتدرج القاعات، قاعة تلال الجزيرة، وقاعة ماري وحماة، ورأس شمرا وتل حلف وأرسلان طاش وتل أحمر، ثم أخيراً صالة عرض مملكة إيبلا، كما يعرض في الفناء الداخلي بعضاً من التماثيل البازلتية والمعروضات الأثرية.
أما في الطابق الأول فتتوزع الأجنحة بدءاً من حوض الفرات، ثم جناح الآثار الكلاسيكية، ثم الإسلامية، وأخيراً صالة عرض الفن الحديث.
وفي حديقة المتحف الداخلية، قبر يعود إلى الألف الثالث قبل الميلاد نقل من تل البنات. أما في حديقته الخارجية، فيوجد العديد من تماثيل العصرين الروماني والبيزنطي، بما في ذلك حجر بازلتي من القرن العاشر قبل الميلاد، اكتشف في معبد إله الطقس عام 1929.
أجنحة المتحف
يقسم المتحف إلى أجنحة خمسة، جناح آثار ما قبل التاريخ، ويضم مجموعة من القطع الأثرية التي تعود إلى فترة ما قبل اختراع الكتابة، وأدوات صوانية من تدمر ودير الزور وأبو هريرة والمريبط قرب مدينة الرقة وتل القرامل. وأبرز المقتنيات هيكل عظمي لطفل إنسان نياندرتال اكتشف في كهف الديدرية.
والجناح الثاني مخصص للآثار السورية القديمة (من الألف الخامس ق. م - 333 ق. م)، ويمتاز متحف حلب على متحف دمشق بهذا الجناح الذي يحوي قاعة لكل من آثار الحسكة والخابور والرقة، وآثار مملكة ماري ورأس شمرا وتل حلف وأرسلان طاس (حداتو) وتل حاجب، وآثار تل أحمر وتل الخويرة وتل براك وإيبلا.
ومن أهم المعروضات تمثال "ايتشوب إيلوم" ملك ماري، وتمثال "أيدي ناروم"، وقطع من قصر "زمري ليم" عبارة عن قوالب للكيك والخبز، وتعود جميعها إلى الألف الثاني قبل الميلاد.
أما الجناح الثالث، فللآثار السورية من العهود اليونانية والرومانية والبيزنطية (333 ق. م - 636 م)، ويضم آثار منبج، ومن موقع المينا في لواء إسكندرون ومن دورا أوربس، ويضم كذلك قطعاً ذهبية وفضية وبرونزية ونحاسية وزجاجيات وتماثيل.
والجناح الرابع مخصص للآثار العربية والإسلامية (636 م – 1790م)، ويضم فخاريات وزجاجيات ونقوداً وأسلحة ودروعاً وسجاداً وسقوف بيوت مزخرفة، ومجسماً لمدينة حلب القديمة.
وأخيراً، جناح خامس خصص للفن الحديث، ويضم لوحات فنية زيتية لفنانين معظمهم من حلب، مثل فتحي محمد ومحمود حماد ونعيم إسماعيل، ولوحة الأطفال والأقنعة لفاتح المدرس وقطاف القطن للؤي كيالي والمحبة لسامي برهان ومنظر سيدة لألفريد بخاش ووجه امرأة لرولان خوري، وكذلك أربع لوحات تمثل المدينة القديمة لفنان مجهول عاش في حلب في عام 1925.
وفي بداية الحرب، قامت مديرية آثار حلب بحماية المتحف ومقتنياته عن طريق ترحيل القطع الثمينة الممكن نقلها إلى مكان آمن، وحماية بقية القطع، التي يصعب تحريكها، عن طريق إحاطتها بأكياس رمل وعوازل وأخشاب، وأغلقت كل القاعات وغرف الخزن بأبواب حديدية مقاومة للحريق، وأضيفت إليها دعائم خرسانية، بحسب كتيب صادر عن المديرية العامة للآثار والمتاحف عام 2016.